فن التصويرالفوتوغرافي بين التخصص والتخبط
قابلته في احدى رحلات التصوير، حيث كانت بحوزته تلك الكاميرا الرياضية الفخمة والتي تفوق قيمتها 6000 دولار وقد امتلأت حقيبته بأشكال العدسات الفاخرة والفلاشات العجيبة، وأعتقدت جازماً انه احد أولائك المحترفين الذين سأستقي منهم العلم والخبرة، وفي حين كان معنا ذلك الشاب الصغير الذي لا تلقي له بالاً ولا وزناً وهو يحمل الكاميرا الرخيصة مقطوعة الاطار وعدسة واسعة من شركة مجهولة الهوية، وبمجرد محاولته الكلام معي عبست في وجهه وتأففت، يالازعاج المبتدئين، ألا تراني مشغولا بمحادثة أحد قامات التصوير، اليك عني ياهذا فأنا هنا لأتعلم من الكبار.
ولكن كانت المفاجأة مع مرور الايام في رحلتنا العجيبة، حيث يقف زميلنا المحترف حائراً امام عدته متعباً من حمولته محتاراً فيما يختار من عدسة وماذا يصور من مناظر، بينما صديقنا الاشعث يقفز من مكان لمكان بكاميرته الرخيصة وعدسته المهترئة غير ملتفت لسخرية الشامتين واستخفاف المحترفين ، ولتكون المفاجئة المتوقعة بالتأكيد من كل القراء، ولكن لو كنت معنا لامتلكتك المفاجأة.
لن أذكر كيف كانت نتائج المتفارقين في هذه الرحلة، فأنا أعلم عزيز القارئ انك ذكي بالقدر الكافي لتعلم من الذي ابهرني بنتائجه، ولكن السؤال الحقيقي! هل تعلم لماذا ظهرت نتائجه بهذا الجمال؟!!
بكل بساطة.. أنه التخصص ياسادة، لقد علم صديقنا الاشعث أنه بكاميرته الرخيصة وعدسته الواسعة بأنه لايملك إلا خيار واحد فقط وهو تصوير اللاند سكيب، وبالتالي ركز كل مجهوده وتركيزه على هذا المجال حتى تمكن منه.
وبالرغم من بداهة النتيجة للقراء وهذا أمر أنا متأكد منه، إلا أن الكثير يرفضون التخصص وهذا يرجع لخمسة أسباب:-
1- الطمع، فبعض المصورين يريد أن يبدع في كل شيء وفي كل مجال وأن يكون سيد عصره والاول في زمانه وهذا من سابع المستحيلات.
2- السذاجة ، وللأسف الكثير من المصورين لديهم القدر الكافي من السذاجة حيث يعتبر التخصص هو معرفتك بالجانب التقني من هذا المجال لتتقنه، غير مدركين أن التخصص يحتاج منك الكثير من التعلم، وانفاق الكثير من المال في العدة والعتاد المناسبين لهذا التخصص، وجمع الخبرة الكافية والمعرفة الشاملة ليس بمجال التخصص فقط ولكن لأبعد من هذا لتكوين المعرفة للتخطيط ولإدارة الجلسات المتخصصة كما أنه لكل تخصص اسلوبه الخاص بالمعالجة ولمسته الدقيقة لإخراج العمل.
3- غياب الهدف، أن تكون رغبتك التميز وإتقان التصوير فهذا ليس هدفا وإنما غاية عامة تحتاج لأهداف تصقلها وتحدد مسارها، فالمصور صاحب الرسالة الانسانية يختلف عن المصور التجاري وهو أيضا مختلف عن صائد الجوائز، وجود أهداف واضحه للمصور لها طموح جميل بعيداً عن الطمع والسذاجة سيقودك في الاخير الى تخصص معين وواضح، فحدد أهدافاً واضحة، كأن تقيم معرضاً يروي بسمة الأطفال، أو أن تحضر للإشتراك في المسابقات الدولية، أو أن تفتح مجال عمل يدر عليك دخلاً وستجد نفسك قد تخصصت بكل بساطة في مجال واضح.
4- عدم التوازن بين ما يحب المصور وماهو قادر عليه، فكوني أعشق صور الحيوانات البرية فهذا لايعني اني قادر على مواجهة الاسود والنمور في البراري لتصويرها، وكوني قادر على التواجد في الملاعب فهذا لايعني اني قادر على توفير قيمة الكاميرات والعدسات الرياضية الباهظة، ورغم ان هذا السبب قد يكون جدلياً، إلا انني أنصح في البداية أن يوفق المصور بين قدراته وامكانياته وبين مجال التخصص الذي يحبه.
5- لا وجود لكاميرا شاملة ولا لعدسة شاملة ، فبعض المصورين يعتقد ان هناك كاميرا أو عدسة شاملة ستمكنه من الاحتراف في كل مجالات التصوير، للاسف لاوجود لهذا الشيء ، فالعدسات الشاملة هي مجرد خردة غالية الثمن وضعيفة الحدة ومحدودة الامكانيات، وحتى الكاميرات الرياضية الباهظة الثمن هي نعمة في الملاعب ونقمة على المصور الرحال الذي يجوب العالم بتلك الكاميرا الثقيلة بينما تخدمه كاميرات ارخص ثمناً واكثر جودة في تصوير اللاندسكيب، بل حتى أنه لاوجود لترايبود شامل فعندما يسألني أحدهم عن أفضل ترايبود يصلح لجميع الحالات فأجاوبه بأنه لاوجود لهذا الترايبود حتى الان.
وفي الختام..
ليس حديثي أن اطلب من المصورين أن يلتزموا بتخصص واحد حتى موتهم ، ولكن القصد أن يتخصص المصور في مجال واحد على الاقل لمدة سنة إلى سنتين حتى يتقن جميع عناصر التخصص ويبدأ بالانتاج والابداع قبل أن يتخصص في مجال جديد، كما أنني لا أمانع أن يتعلم المصور بعض المجالات الاخرى من وقت لآخر شريطة أن يظل ملتزماً بتخصصه الذي اختاره لنفسه والذي يتوافق مع أهدافه ويوظف له الامكانيات المالية التي تضمن شراء عدة لايندم عليها لاحقاً بعيداً عن الطمع في اتقان كل شيء أو السذاجة في عدم أدراكه للصورة الكاملة لاستيفاء جميع العناصر التي تمكنه من الاحتراف في هذا التخصص.