“مراد السباعي” أول مخرج مسرحي سوري يجمع الرجال والنساء في عرض مسرحي
« يعتبر المرحوم الكاتب والمخرج “مراد السباعي” (1914/2001)، من أهم رواد الحركة المسرحية السورية والقصصية اللذين ينتميان إلى الاتجاه الواقعي في الأدب، من حيث علاقته بالمجتمع، خاصة ما يتعلق بالعادات والتقاليد السائدة، والتي تعوّق تطور حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً. لذلك هو أحد منوري عصر النهضة بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين».
هذا ما قاله عنه الأستاذ “محمد بري العواني” رئيس نادي “دوحة الميماس”؛ الذي أسسه المرحوم “السباعي”، خلال لقائنا معه في النادي، وهو أفضل من يحدثنا عن سيرة هذا الراحل السوري المبدع، كونه عاصره في فترة من الفترات، وألقى مجموعة من المحاضرات عن تجربة الراحل وإبداعاته الأدبية والمسرحية.
لقد نشأ “مراد السباعي” في حي “بني السباعي” من أحياء “حمص” القديمة، في أسرة مرتاحة مادياً، ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث كان الفقر يعم سورية بكاملها، لذلك لم يشعر “السباعي” بجوع أو عطش أو نقص في احتياجاته الشخصية كطفل أو شاب، لكنه كان يعيش بوجدانه وفكره جميع المآسي التي كنت تحيط بالمجتمع السوري، والحمصي بخاصة، لأن بيت والده كان يستقبل الكثير من المثقفين والأدباء والسياسيين، ولهذا شب في أسرة مثقفة ومسيسة، لذلك فهي تعد من البرجوازية الوطنية التي خدمت مجتمعها آنذاك، إضافة إلى ذلك كانت أسرته تعنى بالموسيقى والغناء عناية بالغة الأهمية، وهذا ما قرّبه كثيراً من عالم الفن فيما بعد.
إضافة إلى توافر مجموعة من الكتب الروائية والقصة والمسرحية الفرنسية في مكتبة الأسرة المثقفة، ما فتح عينيه على كتابة النص المسرحي أولاً بأول، ولهذا انعكس الوضع الاجتماعي السائد في مسرحياته وقصصه القصيرة.
تعرّف “السباعي” على المسرح وأحبه منذ أن كان في الـ(16) من عمره، من خلال بعض أصدقاء أسرته المسرحيين الذين كانوا ينشطون في “حمص” عبر أحزابهم السياسية، حيث كان المسرح يشكل أداة نضال ثقافي ضد الاستعمار الفرنسي. ونظراً لوسامته كان المخرجون يسندون إليه أدوار الفتيات التي كان يبرع فيها كثيراً.
ولما تمكن من حرفة المسرح، بدأ يكتب نصوصاً مسرحية قصيرة قدمها مع فرقة السياسيين المسرحية، التي أسسها مع بعض أصدقائه، ما بين عامي /1920/ و/1925/، لكنه لم يحتفظ بأي نص من نصوص تلك
الأستاذ “محمد بري العواني”الفترة.
ويقول “السباعي” عن هذا الموضوع في كتاب سيرته الذاتية (شيء من حياتي): «.. لكن مسرحياتي كما كنت أرى أنا، لا الجمهور، لم تكن بالمستوى الجدير بأن أحتفظ بها فأحرقتها، جميعها غير آسف، وكانت أول مسرحية كتبتها، وكنت راضياً عنها هي (ضابط عثماني)، كتبتها عام /1935/، وقد عرضت هذه المسرحية فيما بعد على شاشة التلفزيون السوري..».
في الفترة ما بين عامي /1920/ و/1930/ تعرض السباعي لمضايقات اجتماعية وسياسية، لأنه كان ينشر ثقافة وطنية مضادة للوضع الاجتماعي والسياسي السائد بتلك الفترة، خاصة أنه كان أول من جمع بين النساء والرجال لمشاهدة عرض مسرحي في إحدى دور “حمص” القديمة، وبذلك كان المسرح عنده عملا اجتماعيا تحريريا إضافة إلى كونه عملا فنيا ثقافيا وجماليا. وفي هذه الفترة انفرط عقد تجمع فرقة السياسيين، بسبب تباين المستويات الثقافية والمعرفية؛ كما يذكر “مراد السباعي” في كتابه (شيء من حياتي)، الأمر الذي دفعه إلى التفكير بتأسيس نادٍ يضم كل الفنانين الذي تركوا فرقهم المسرحية لأسباب شتى، حتى تشاور مع الأديب “رضا صافي” حول تأسيس نادٍ باسم “دوحة الميماس” يضم الموسيقى والمسرح، لكن المؤسسين في تلك الفترة أضافوا فرعاً آخر هو الرياضة انطلاقاً من عملهم السياسي ونضالهم المسلح ضد الفرنسيين.
وفي “دوحة الميماس” شكّل السباعي فرقة مسرحية تضم خيرة الممثلين، واشترك هو بتمثيل ست مسرحيات في سنة واحدة.
وفي هذه الفترة وتحديداً عام /1933/ قدّم “السباعي” أهم عمل مسرحي دام عرضه ثماني ساعات، عن نص “اللصوص” للكاتب الألماني “شيلر”، وظهر فيه لأول مرة على المسرح بثياب الرجال، وكان يهدف من تقديم العرض إسقاط مضمون العنوان على الاستعمار الفرنسي. ما بين الثلاثينات ومنتصف الأربعينات عاش “السباعي” حالة إحباط تجاه فاعلية المسرح بـ”حمص”، خاصة وأن الحرب العالمية الثانية بدأت تترك آثارها السلبية على مجتمع “حمص”، فاتجه إلى رصد الواقع اليومي للناس، وكان خير معبر عن هذا الواقع هو القصة القصيرة. فأصدر أول مجموعة قصصية عام /1947/ بعنوان (كاستيجا)، ثم مجموعته القصصي الثانية بعنوان (الدرس المشؤوم). وقد ضمت هاتان المجموعتان قصصاً تضجّ بالواقعة اليومية التي رصدت أوضاع الفقراء والمشردين، والعادات الاجتماعية البالية آنذاك.
ويؤكد الأستاذ “محمد بري العواني” أن: « إبداع “مراد السباعي” السردي والدرامي المسرحي يشكل موقفاً تنويريا ثوريا رائدا بالقياس إلى مجايليه من القاصين، والمسرحيين السوريين لأن مجمل موضوعات ومضامين قصصه تتوجه إلى الواقع المتحجر الظالم الذي يعوق كل تطور أو ثقافة جديدة».
تابع “السباعي” كتابة قصصه القصيرة فنشر في مصر في عام /1952/ مجموعته (هذا ما كان)، ثم توالت منشوراته القصصية حتى عام /1962/، حيث تم انتدابه من بلدية “حمص” التي كان موظفاً فيها إلى المركز الثقافي ليؤسس بتكليف من وزارة الثقافة فرقة مسرح “حمص” مع مجموعة من الممثلين الذين كانوا يعملون معه في السنوات السابقة.
في هذه المرحلة نضج “السباعي” كاتباً مسرحياً، ومخرجاً، ومصمماً للديكورات، حيث قدّم أهم أعماله التي كتبها أو التي اختارها من المسرح العالمي. فكان أن قدّم من تأليفه: (أنت أبي، ومعركة في طاحون، وقطعة الدانتيل، وسجين الدار، وضابط عثماني…وغيرها). وقدّم من المسرح العالمي: (دورة الربيع) لـ”طاغور”، و(أثر فني) لـ”تشيخوف” وغيرها. واستمرت الفرقة حتى عام /1965/، وقد نال عام 1961 الجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب في سورية عن مسرحية (شيطان في بيت).
وقد ترأس “السباعي” فيما بعد المكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب بـ”حمص” بين عام /1972/ و/1982/، واعترافاً بفضله الأدبي والمسرحي وإنجازاته الإبداعية تم تكريمه من قبل اتحاد الكتاب العرب عام /1982/، من خلال ندوات ومحاضرات عن أدبه ومسرحه، ومن خلال إنتاج فيلم تلفزيوني قصير يروي سيرة حياته، كتب التعليق له الدكتور “سمر روحي الفيصل، وأنتجه التلفزيون العربي السوري. وكذلك بعد نشره لأعماله المسرحية والقصصية الكاملة (13 كتاباً)،عاد الاتحاد فكرّمه مرة ثانية في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وفي عام /2000/ تم إنتاج فيلم تلفزيوني آخر عن سيرة حياته الإبداعية، كتب السيناريو وأخرجه الدكتور “تامر العربيد”، حيث قدمت فيه شهادات من مثقفي “حمص” ومن بعض الفنانين المسرحيين الذين شاركوا معه كممثلين منذ الثلاثينيات، وحتى عام /1965/.
وجدير بالذكر أن المرحوم “مراد السباعي” يعتبر أحد مؤسسي رابطة الكتاب السوريين، التي تحولت فيما بعد إلى رابطة الكتاب العرب، والتي أصبحت اتحاد الكتاب العرب.
وقد ترجمت بعض أعمال “مراد السباعي” الأدبية إلى اللغة الأوكرانية والروسية والألمانية.