* أمجد سيجري
بالعربي الفصيح ” القمح ” بعاميتنا الجميلة والتي مازالت مطعمة بالأرامية بقيت كما كانت في الأرامية ” حنطة חנטה” او ” حطي חטי أو حطه חטה ” حيث دمغت النون مع الطاء.
– هذا النبات العظيم الذي يصنف ضمن مجموعة النباتات الخضراء الحولية أي التي لاتعيش سوى سنة واحدة وتنتج سنابل تحتوي بذوراً تشكل هذه البذور الغذاء الرئيسي لكل سكان العالم ونظراً لأهمية هذا النبات في حياتنا أحببت أن أورد مقالاً صغيراً حول تاريخ تدجين هذا النبات وجعل بذوره صالحة للزراعة ومن هذه النقطة المهمة المتمثلة بسير تدجين حبة القمح يمكننا وضع صورة موجزه عن الطريق الذي سلكه الوجود الحضاري في هذه الأرض.
نحن نعلم ان عملية تدجين البذور هي ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻧﺘﻘﺎﺀ إﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻹﻧﺘﺎﺝ نباتات ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺴﻤﺎﺕ ﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻴﺔ ” الاراضي الزراعية ” ﻣﻦ ﺃﺟﻞ إﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺟﻮﺩ هذه النباتات عبر الاجيال .
– ملاحظة : إن كلمة تدجين التي نستخدمها للتعبير عن تحويل الكائن الحي من الحياة البرية إلى الحياة المستأنسة ذات مصدر شامي قديم ففي الارامية مثلاً ” دجن דגן ” وكذلك في الأوغاريتية داجان تعني الحبوب الخاصة بالطعام ومنها القمح ونحن نتذكر جيداً الإله ” داجون ” الإله الزراعي الذي كان له تأثير على الزراعة والخصب وإنتاج المواسم في المنطقة الشامية.
– بدأت زراعة القمح في مناطق متفرقة من الهلال الخصيب حوالي 10000 سنة ق. م وأخذت تنتشر خارج الهلال الخصيب بعد حوالي 8000 قبل الميلاد.
– يشير التحليل الأثري لقمح الإمر البري ” القمح ثنائي الحبة ” الذي يعتبر اقدم نوع من القمح تم استئناسة إلى أنه قد تم زراعته وتدجينه لأول مرة في جنوب سورية يعود تاريخ تلك العملية إلى 9600 قبل الميلاد .
– تم العثور على أقدم بقايا من القمح الثنائي الحبة المستأنس في المستويات الأولى لتل أسود Tell Aswad في حوض دمشق ، بالقرب من جبل حرمون في سوريا.
وتبين ضمن تحليل الكربون المشع 14 تأريخ هذه البقايا إلى 8800 قبل الميلاد .
– يشير التحليل الوراثي للقمح البري وحيد الحبة الإينكورن إلى أنه قد تم زرعه لأول مرة في المواقع الاستيطانية في موقع تل أبو هريرة في سوريا والذي يعتقد انه كان اقدم تجمع بشري في العالم و الذي كان إمتداداً لما يسمى ” الثقافة النطوفية ” التي بدأت في وادي النطوف جنوب بلاد الشام وفيه تم الإنتقال من الصيد و الجمع والإلتقاط الى الزراعية وذلك في الفترة الممتدة بين 13000 و 9000 ق.م حيث بين تحليل الكربون المشع لعدد من البذور من موقع أبو هريرة أنها تعود إلى 7800 إلى 7500 ق. م .
– وصلت زراعة القمح الأمر ثنائي الحبة إلى اليونان وقبرص والهند بحلول 6500 قبل الميلاد ومصر بعد فترة وجيزة 6000 قبل الميلاد ، وألمانيا واسبانيا بحلول 5000 قبل الميلاد.
و بحلول عام 3000 قبل الميلاد وصل القمح إلى الجزر البريطانية والدول الاسكندنافية بعد ألف عام وصل الصين .
– في العصر الحالي مازال القمح السوري من أجود أنواع القمح في العالم فعلى سبيل المثال وحسب الموقع الرسمي لقناة dw الألمانية فإن القمح السوري هذا العام أنقذ المحصول الأمريكي من موجة الحر التي تشهدها البلاد والتي يرافقها انتشار عدد كبير من الأفات حيث تمت زراعة القمح من نوع ” Aegilops tauschii ﺃﻭ ” ﺍﻟﺪﻭﺳﺮ ” الذي تم العثور عليه من قبل منظمة بحثية تابع للأمم المتحدة غربي حلب ب 25 كم والذي صمد أمام الأفات الزراعية من بين 20 الف نبته.
– لكن المثير وبسبب الحرب التي تتعرض لها سورية لم يعد بالامكان الوصول إلى مستودعات البذور التابعة ل إيكاردا على طريق حلب الدولي لذلك بعد أن كانت تصدر البذور للعالم قامت ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﺤﺐ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ مايسمى ” ﻗﺒﻮ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ” doomsday seed vault” ﻭﻫﻮ عبارة عن مخزن عالمي ﻟﻠﺒﺬﻭﺭ في ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ وذلك لحماية ﻣﺼﺪﺭِ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻻت ﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴّﺔ ﻛﺎﻧﺘﺸﺎﺭ ﻭﺑﺎﺀ ﻣﺎ ﺃﻭ ﺣﺮﺏ ﻧﻮﻭﻳﺔ وغيرها حيث كانت قد أودعت ” إيكاردا فرع سورية ” التي انتقلت بسبب الحرب إلى بيروت هذه البذور في وقت سابق.
وهذه البذور التي سُحبت تمتاز بمقاومتها للجفاف مما يضمن إطعام أكبر عدد من البشر مع الظروف المناخية السيئة.
— مع Amjad Sijary.