تعتبر العلاقة بين الفلسفة اليونانية والمواضيع اللاهوتية الشرقية من المواضيع الهامة التي تمت مناقشتها في الاواسط الأكادمية منذ القدم واليوم في هذه المقالة لن نتتطرق لكامل هذا المبحث إنما سنتطرق لنقطة جميلة ومثيرة حول هذا التأثير المتمثل بانتقال العبادة المرتبطة بالنجوم من بابل الى اليونان القديمة فالمعروف أن المناطق التي قدم منها الإغريق و الطليان هي من المناطق الشمالية وفي تلك المناطق كانت النجوم غالباً ما يخفيها الضباب أو الغيوم فكانت بالنسبة لهم جميع الأبراج تقريباً هي كتلة لا اسم لها وفوضوية ولم تكن الكواكب متميزة عن النجوم الأخرى حتى الشمس والقمر رغم أنه كانا ينظر إليهما على أنهما إلَّهين مثل كل قوى الطبيعة لكن يمكن إعتباره مكاناً ثانوياً جداً في الدين اليوناني القديم الذي اعتمد على تأليه الشخوص فنجد على سبيل المثال عند هوميروس أن الإله دائماً يصور على أنه شبيه بالبشر كما أنه يتمتع بصفات أخلاقية إما جيدة أو سيئة فنجدهم كالرجال في شغفهم للمجد والسلطة والحب والشهوة وهذا يقودهم إلى الاختلاط بعمق مع الحياة العامة التي يعيشها، الناس لكن أهم ما كان يميز هذه الكائنات هو الخلود الذي جعلوه ميزة أساسية لألهتهم التي تتمتع دوماً بإشراقة الشباب الأبدي.
وهذا قد أتاح تو هذ الألوهية المجسدة للنحاتين استغلال وصف جمالهم وتناسقهم في خلق إبداعات فنية تشكل هاجساً لدى البشر للوصول الى هذا الكمال الفني بالتالي تقديسه من ناحية الشكل بعد ان كان التقديس الأول تم عن طريق المضمون .
– يمكن أن نقول وبقوة إن اليونانيين يدينون بعلم الفلك و بالمبادئ الأساسية لدينهم النجمي إلى البابليين وذلك من خلال بعض الملاحظات نجد أن التأثر الهيليني بالمصادر الشامية أمر لا مفر منه ويمكن ذكر ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
– ترجع عدد من العادات التي استخدمها الأيونيين و مازلنا نستخدمها الآن إلى البابلين الذين ورثوا هذه العادات العلمية من السومرين ومنها حساب اليوم بتقسيمه لفترتين كل منهما 12 ساعة كذلك تقسيم الدائرة إلى 360 جزء نسميه هذا الجزء اليوم الدرجة و استخدموا نظام العد الستيني الذي قد يستغرب الناس هذا الاسم فهم لم يسمعوا الا بالنظام العشري الذي يتعلمونه بالمدارس أو النظم الثنائي المستخدم بالكمبيوتر اما النظام الستيني هو النظام المستخدم في في الوقت 60 دقيقة و60 ثانية الخ والمستخدم ايضاً في نظام الاحداثيات الجغرافية وعدد من الاستخدامات الاخرى .
– الأدوات مبكرة مثل الساعة الشمسية ” المزولة ” يدين بها العالم لمراصد بلاد ما بين النهرين .
– البيانات الأساسية لطبوغرافياهم السماوية: كخط مسير الشمس وحركتها ، وتوقع الكسوف والخسوف و إشارات البروج ، وغالبية الكواكب كلها تعود لبلاد الرافدين.
– المقدمات الأولى في النظم اليونانية للأفكار الغامضة التي يرتبط بها الشرقيون التي يرجعها البعض لفيثاغورث الذي اعتبر أن الأجسام السماوية إلهية تتحرك بواسطة الروح الأثيرية التي تُسير هذا الكون وهي أقرب إلى روح الإنسان و كلنا تعرفنا على حياة فيثاغورث والقسم الهام منها المتعلق في اقامته بين للكلدان وتعلمه علومهم قبل عودته إلى اليونان.
– تشير بعض الحقائق التي برزت مؤخراً إلى أن العلاقات ، سواء المباشرة أو غير المباشرة ، بين مراكز التعلم البابلي والثقافة الهيلينية ، لم تنقطع قط في أي وقت من الأوقات فعندما تعلم الإغريق التعرف على الكواكب الخمسة المعروفة في العصور القديمة أعطاهم أسماء مستمدة من صفاتهم فكان :
– عطارد “Mercury” تم التعريف عنه في البداية بالاسم ” النجم المتلألئ” .
– الزهرة ” Venus” مثلاً كانت الساطع وهي صفة مميزة لها وكما تم التعبير عنه بنجمة الصباح
– المريخ ” Mars” كان يسمى النجم الناري من لونه الأحمر.
– المشتري “Jupiter ” النجم اللمضيء
– زحل ” Saturn ” النجم اللامع.
لكن بعد القرن الرابع ق. م اخذت أسماء اخرى لتحل محل هذه الأسماء القديمة والتي يتم التخلص نهائياً انما بقيت صفات لهذه الكواكب فأصبحت الكواكب على التتالي هيرميس ، أفروديت ، آريس ، زيوس ، كرونوس لكن هذا التغير في التسمية ناتج عن التأثر بالبابلين فنجد هذه الكواكب نفسها في بابل مخصصة على التوالي لنابو ، وعشتار ، ونيرغال ، ومردوخ ، ونينيب وبالتعمق بصفات كل اله من هذه الالهة نجد، انهم متطابقين حتى في الصفات فنابو الحكيم يطابق هرمز الحكيم وعشتار ربة الخصب والحب تطابق افروديت الهة الحب والجمال والخصب .
ويمكن ملاحظة هذا الكلام في مقطع لبليني الأكبر 23 م حيث يقول عن فينوس “وحدها بين النجوم تشرق بتألق لا مثيل له و يلقي أشعة تخلق للجسم الذي تسقط عليه الظل ” بالتالي يقدم وصفاً لا يتوافق مع الرصد الفلكي في روما ومناخها لكن هذا الوصف صحيح تماماً تحت سماء سوريا الصافية.
– مثال آخر للتأثر يزيد الوضوح وضوحاً ويبين الفضل للمنجمين البابلين على الافكار الفلكية الغربية
فزحل مثلا معروف عند البابلين هو “كوكب الشمس” ويسمى “شمس الليل” وكان نيبيب المرتبط بزحل يعتبر أحد الألهة الشمسية والتسمية الاغريقية كانت تعني النجم اللامع كان ديدور الصقلي يدرك جيدا هذه الحقيقة يقول : “النجم الذي يطلق عليه اليونانيون كرونوس يسمونه “نجمة الشمس” ، لأنه الأبرز ، ويعطي التنبؤات الأكثر أهمية “.
ترسخ التأثر الهيليني بالحضارة الشرقية في سوريا والعراق في العصر الهيلينيستي عندما غزا الاسكندر الاكبر المنطقة تداخلت في هذه الحرب المفاهيم الشرقية و الغربية كما حدث تغيير كبير في الفهم القومي للجمهورية اليونانية فتحول إلى مفهوم الملَّكية العالمية والذي انتقل بدوره إلى الرومان والفكر التوسعي و بناء الامبراطورية مختلفة الاعراق منذ ذلك الحين اختفت الأديان الإقليمية المرتبطة بالمدن والبلدات التي كانت تتميز بها المنطقة البلديات وتحول الناس الى المفهوم الواسع للدين أي دين الدولة.
وخلال هذه المرحلة تعززت عبادة النجوم التي كانت منذ البداية من أول ما عُبد بين الشعوب ويمكن ان هذه النقلة النوعية من الاقليمية للعالمية تطلب مفاهيم اخرى بالتالي خلقت معها وحدة دينية لدولة متعددة الجنسيات بالتالي بروز مفاهيم اخرى كالمفهوم الانساني وتساوي الانسان مع نظيره الانسان الذي يستوجبه التنوع العرقي لهذه الممالك .