* أمجد سيجري
– كان العُقاب الكوني هو الرمز الأعلى لتطلعات الروح بالإنتصار على الطبيعة الجسدية وإرتقائها من عالم المادة للعودة إلى منشأها الأول وهو الموناد الواحد الاحد بالتالي كان رمزاً و شعاراً عالمياً يعبر عن الهة السماء و ممثلاً للسلطة الروحية كما كان مثلاً للشجاعة كونه يطير في الأعالي و لا يخشى الرعد والبرق.
– كما أن نظره الحاد وقدرته الحدسية على تحليل التحركات الأرضية جعلته رمزاً مهماً للدلالة على البصيرة و رؤية الحقائق المخفية والمبادئ الروحية.
– غالباً ما يُنظر إليه على أنه سائد في الجو تماماً مثل الأسد الذي يعتبر سائداً في الأرض فقد تم استخدامه على نطاق واسع كرمز للقيادة فإرتبط بالأباطرة والمحاربين.
– كما كان العُقاب رمزاً مهماً من رموز الحرية وذلك ناتج عن قدرته بالتحليق لإرتفاعات عالية والتعشيش في قمم الجبال وصمته وترصده في الوديان.
– في كثير من الأحيان يصور العقاب في معارك مع الثعابين أو الثيران وهي مخلوقات التي ترمز إلى الرغبة الدنيوية (الثور) أو الشر (الثعابين).
عندما يظهر رمز العُقاب في الصور مع الثعبان فإنه يرمز للصراع بين العالم الروحي والعالم المادي وشرور المادة.
– العُقاب هو رمز الشمس أو الطاقة الشمسية كما كان في بعض الأحيان ممثلاً الرعد أو البرق وفي سورية التي تتخذ من العُقاب شعاراً نجد أقدم نقش يمثل العُقاب في العالم واتخاذه شعاراً في منطقة الجرف الأحمر في الفرات الاوسط حيث عُثر على لوحةٌ بازلتيةٌ مكسورةٌ, كشفت عام 1995 م، عبّرت عن عُقاب يبسط جناحيه بأسفله خطوطٌ متعرجةٌ ومموجةٌ، اقترح البعض أنها تعبّر عن مياه الفرات لكن التعبير الأفضل لهذه الخطوط هو الأفاعي، وأكدت هذه اللوحة أن العُقاب انطلق من هذه المنطقة منذ 10 ألاف عام خلت.
كما عُثر في عدد من النقوش للإله حدد ” بعل ” إله الطقس والرعد والشمس على الإله حدد يقف على الثور ويحوم بجانبه العقاب في تمثيل للوساطة بين الدونية المتمثلة بالثور والروحية المتمثلة بالعقاب …
كما نجده في النقوش التدمرية التي تعود للقرن الثاني ميلادي التي عُثر عليها في معبد بعل شامين رمزاً للإله بعل شامين Baal-sham-in رب السماوت فبعل تعني الرب و شام تعني السماء والياء والنون الجمع بالارامية فنجد العقاب منتصباً يحمل في منقاره علامة النصر غصن الغار و يقف إله الشمس ملاك بل ومن اسمه “رسول الإله ” يمثل الوساطة بين رب السماوت والارص كما في الصورة أعلاه .
وفي الأساطير السومرية إرتبط العقاب بالإله نينورتا (Ninurta) و المعروف أيضاً باسم Ninĝirsu نينگيرسو هو إله بلاد ما بين النهرين و مرتبط بالزراعة والشفاء والصيد والقانون والكتبة في الأوقات المبكرة و في المراحل اللاحقة إلهاً للحرب و ذلك بعد بدء الصراعات العسكرية في المنطقة مع إحتفاظه بصفاته العسكرية السابقة كان نينورتا يعتبر ابناً للإله إنيليل وكانت عبادة هذا الإله منتشرة في مدينة لگش وكان له فيها معبد لعبادته .
لكن لماذا العُقاب ” Eagle ” وليس النسر ” Vulture” لكن ما الفرق بينهما سنبين ذلك في السطور اللاحقة.
وفي إسطورة الملك السومري التي تمثل أقدم حكاية من حكايات المعراج الى السماء العالية فتبدأ حكاية الملك إيتانا بحكاية عُقاب وحية يتفقان على على التعايش السلمي وكل منهما يطعم الاخر من صيدة وكان هذا الاتفاق برعاية الاله شمش ينقض العُقاب الاتفاق ويأكل فراخ الحية يحل غضب الاله شمس على العُقاب وينصب له كميناً بالإتفاق مع الحية لمعاقبته فيصيد شمش للحية ثوراً برياً ويخبرها أن تدخل وتنتظر العقاب وعندما اقترب العقاب انقضت عليه وعاقبته بأن نزعت ريشه وقصت جانحية رغم كل التوسلات.. وبقي العقاب في حفرة يصرخ كل يوم متضرعاً للإله شمش أن يسامحه على فعلته وبأنه لن يكرر هذه الفعلة أبداً .
يظهر الملك إيتانا الذي كان عقيماً لا ينجب يتضرع يومياً للإله شمش ويقدم نذوراً على أن تمنحه الألهة نبتة الانجاب…..
يتذكر الإله شمش العُقاب الذي عاقبه ويطلب من ايتانا الذهاب اليه ويخرجه من الحفرة ويطعمه ويقويه ليطير به الى السماء للوصول الى عشتار التي معها نبتة الإنجاب… يطير النسر بإيتانا عالياً وعالياً فيعتقد أن مكان الإنسان الأرض ومن الصعب الوصول للسماء العالية وفجأة يقرر إيتانا العودة والعدول عن فكرته .
ثم يرى إيتانا وزوجته حلما حول رحلة اخرى للسماء والحصول على نبته الإنجاب فيعتبرها إشارة للمضي في رحلة اخرى وفعلاً يعرج ايتانا مرة اخرى للسماء فيصل مع عُقابه ﺇﻟﻰ ﺳﻤﺎﺀ ﺁﻧﻮ ويدخل ﻋﺒﺮ ﺑﻮﺍﺑﺔ ﺁﻧﻮ ﻭﺇﻧﻠﻴﻞ ﻭﺇﻳﺎ فيركع هو والعُقاب ﺛﻢ يدخلا ﻋﺒﺮ ﺑﻮﺍﺑﺔ سين ﻭﺷﻤﺶ ﻭﻋﺸﺘﺎﺭ فيركعان ﻣﻌﺎً عموماً يحصل ﺇﻳﺘﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ على ﻧﺒﺘﺔ ﺍﻹﺧﺼﺎﺏ ويعود ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ، ﺣﻴﺚ ﺭﺯﻕ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﻮﻟﻲ ﻋﻬﺪ كان ثاني ملوك كيش بعد الطوفان واسمه بالح.
– يمكن أن أقترح عدة أمور في الحكاية ابرزها كما بينت أن العقاب هو ” Eagle” وفي جميع المصادر الإنكليزية إعتادت ان تترجم مباشرة من الألواح المسمارية فكان اختيار نوع الحيوان هو ” Eagle” عُقاب وليس ” Vulture” أي نسر والتي اعتدنا أن نترجمها خطأً من المصادر الإنكليزية أنها ” نسر ” لكن في الحقيقة ” Eagle ” أي ان ما تم ذكره في الحكاية هو العُقاب و ليس النسر فالنسر منذ القدم معروف بكونه جبان ولا يأكل إلا من الجيف والحيوانات الميتة ومخلفات الحيوانات المفترسة بعكس العُقاب الذي يعتبر رمزاً للشجاعة و للسلطة والعمل والسرعة والإدراك العالي بما يتمتع من قوى الحدس والإبداع في وسائل الصيد فالعُقاب لا يأكل إلا من صيده .
لذلك أقترح أن في هذه الحكاية محاولة من هذه الشعوب التي سكنت المنطقة لتفسير سبب عدم أكل العُقاب من الجيف وإقتصار أكله على ما يصطاد بعد أن نصبت له للحية كميناً في داخل الجيفة.
وبما أن العُقاب يمثل دلالة روحية ونزوع الروح بالاتجاه نحو الأعلى والتجرد من الشر المادي فكانت الحكاية نزول العُقاب نحو الاسفل وتحالفه مع للحية التي تمثل عالم المادة بالتالي كان العِقاب أن يبقى اسيراً في هذا العالم التي مثلته الحكاية بالحفرة بالتالي كانت هذه الحكاية محاولة لتفسير ارتباط العقاب بالسمو والروح وعدم نزوعه للأسفل المتمثل بعالم المادة بالتالي كان ممثلاً لإله الشمس وهي اقدم حكاية لإرتباط العُقاب بإله الشمس والذي أصبح ممثلاً قوياً له في حضارات لا حقة وخصوصاً في حضارة سوريا القديمة كممثل ل حدد “بعل” وبعل شامين التي إنتقل منها الى الحضارة الإغريقية وغدا رمزاً للإله زيوس ومنها انتقل للحضارة للرومانية وغدا هناك رمزاً للإمبراطوري الرومانية والقياصر ومنه لكامل انحاء العالم لكنه في انحاء العالم يصور بشكل قريب من شكل النسر أكثر من كونه عُقاباً والعُقاب ذو الرأس المزدوج و الذي رأيناه كثيراًفي عدد من الأثار في حضاراحضارات منطقتنا هو عبارة عن رمز يمثل اتحاد الأضداد وهو شعار مهم إستخدمته الماسونية.
يمثل اليوم العُقاب السوري رمزاً وشعاراً للجمهورية العربية السورية منذ عام 1945 وﻓﻘﺎً ﻟﻠﻤﺮﺳﻮﻡ ﺭﻗﻢ 158بتاريخ 18/2/1945 ﻡ وهو مستخدم حتى اليوم بعد ان انقطع استخدامه فترة اثناء الوحدة بين سورية ومصر ليعود بالمرسوم ﻟﻠﻤﺮﺳﻮﻡ ﺭﻗﻢ 394 ﺗﺎﺭﻳﺦ 10/2/1969 ليصبح في عام 1972 اصبح العقاب رمزاً لكل من ” سورية، مصر، ليبا” المعروف بإتحاد الجمهوريات العربية .
واليوم مايزال العمل به في سوريا ضمن المرسوم التشريعي رقم 37 بتاريخ 17/6/1980 حيث ينص :
ﻳﺘﺄﻟﻒ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﺮﺱ ﻋﺮﺑﻲ ﻧُﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺑﺄﻟﻮﺍﻧﻪ، ﻭﻳﺤﺘﻀﻦ ﺍﻟﺘﺮﺱ ﻋﻘﺎﺏ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻤﺨﺎﻟﺒﻪ ﺷﺮﻳﻄﺎً ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺨﻂ ﺍﻟﻜﻮﻓﻲ “ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ” ﻭﻓﻲ ﺃﺳﻔﻞ ﺍﻟﺘﺮﺱ ﺳﻨﺒﻠﺘﺎ ﻗﻤﺢ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻂ ﻭﺳﻨﺒﻠﺘﺎ ﺍﻟﻘﻤﺢ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺧﻄﻮﻁ ﺍﻷﺟﻨﺤﺔ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍﻟﺒﻨﻲ ﺍﻟﻔﺎﺗﺢ “
— مع Amjad Sijary.