شجرة الغار أو “الرند ” وهي إحدى أهم الشجيرات التي تنمو في جبال حوض المتوسط عموماً وفي مناطقنا خصوصاً فمن المستحيل ان تمشي بضعة أمتار في جبالنا من من غير أن ترى شجرة رندٍ منبثقة من عمق الأرض يفوح منها رائحة مشبعة بالحياة .
الأسم العلمي لشجر الغار ” الرند ” هو : Laurus nobilis
– لاوروس “Laurus” هي كلمة لاتينة تعني الغار وبالإنكليزية هي “laurel” ومنها الإسم الشهير، لورا او لوريس وكلاهما يعنيان الغار وفي الفرنسية القديمة lur “لور ” وهو اسم علم أيضاً وجميعنا سمعنا اغنية يا لور حبك للسيدة فيروز فإسم ” لور ” هو الغار أيضاً و الأرامية “دَفينا דפנה ” وما يقاربها في اليونانية هو ” دافني dáphnē Δάφνη” ولهذا الاسم حكاية سنوردها لاحقاً .
– نوبيليس nobilis ومنها الإنكليزية noble واضح المعنى بالعربي أي ” نَبيل ” ويعني أَصِيل , جَلِيل , حَسِيب , ذُو أَصْلٍ كَرِيم , رَصِين , رَفِيع , سَامٍ , شَرِيف , شَهْم , فاضِل , كَرِيم المَحْتِد , نَجيب ، شَرِيف.
تشير الدراسات أن غابات “الغار ” غطت حوض المتوسط بشكل واسع الإنتشار منذ اقدم العصور حين كان مناخ حوض المتوسط شديد الرطوبة واستمر هذا الإنتشار حتى العصر الجيولوجي المسمى ” Pliocene بليوسين ” الذي بدأ منذ 5.3 وانتهى في 2.5 مليون سنة حيث اصبح الجو اكثر جفافاً فبدأ إنحسار وجود الغار الواسع واختفى كلياً في بعض مناطق محيط حوض البحر الأبيض المتوسط منذ 10 الألاف سنة وإقتصر وجوده اليوم في مناطق قليلية اهمها جبال جنوب تركيا وفي الجبال الساحلية السورية وجنوب إسبانيا وشمال وسط البرتغال وشمال المغرب.
منذ القدم إكتسب الغار مكانةً مرموقة لدى الإنسان وتم استخدامه في عدد من المنتجات اهما صناعة العطور وصابون الغار وذلك عن طريق استخراج زيوته من البذور التي تنمو عليه بطريقة مشابه لإستخراج زيت الزيتون ويعد الصابون الغار الحلبي من أقدم و أشهر صابون في العالم وهو مكون من مجموعة زيوت رئيسية هي ” ﺯﻳﺖ ﺍﻟﺤﺒﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ، ﺯﻳﺖ ﺟﻮﺯ ﺍﻟﻬﻨﺪ، ﺯﻳﺖ ﺯﻳﺖ ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ، ﺯﻳﺖ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ، ﺯﻳﺖ ﺑﺬﻭﺭ ﺍﻟﻘﻄﻦ ” بالإضافة إلى المكون السحري لهذا الخليط التمثل بزيت الغار الذي تطغى رائحته على المزيج .
من أشهر استخدام الغار الغير صناعية على الإطلاق هو إكليل الغار الذي اعتبر منذ القدم رمزاً للنصر والشرف لذلك كان يتم ارتداؤه حول الرأس أو حول الرقبة وكثيراً يتم إرتدائه بدل التيجان لدى الملوك والأباطرة وحتى الألهة فقد تم العثور على عملات معدنية فينيقية في جزيرة أرواد السورية تم صكها في صور على احد وجوهها الإله بعل يرتدي إكليل الغار على رأسه يعود للقرن الرابع قبل الميلاد كما نجد في الأساطير اليونانية ذات التمثيل فنجد الإله أبولو المقابل الشمسي للإله بعل الفينيقي وهو يرتدي إكليل الغار على رأسه كما نجد عُقاب بعل شامين في النقش التدمري يحمل في منقاره غصن الغار في دلالات شتى تتعلق بالنصر والخصوبة الزراعية.
وفي اليونان القديمة تم منح أكاليل الغار للفائزين في ذلك مسابقات بيثيا Pythian game المخصصة للإله أبولو وبيثيا هي كاهنة معبد أبولو في ديلفي حيث نشأت هذه المنافسات في القرن السادس قبل الميلاد وذلك بمنافسات في الفن والرقص ثم تطورت لتشمل مسابقات رياضية وهذه الألعاب حسب الأساطير اليونانية بدأها الإله أبولو بعد ان قتل التنين Python بايثون حارسة مركز الأرض كتكفير عن قتله لهذا اللأفعى الضخمة التي كانت تعتبر روح الأرض وهي تُقارب قصة قتل بعل للحية لوتيان الملتوية في الميثولوجيا الكنعانية .
يذكر الشاعر لوقيان السوري ان كاهنة أبولو بيثيا كانت تمضغ أوراق الغار تحضرها من شجرة مقدسة كانت تنمو داخل معبد أبولو ليتعطر نفسها للنطق بالنبؤات التي كانت تشتهر بها.
وفي كتاب التحولات للكاتب أوفيد والذي سبق وان سبق وكتبنا لكم منه قصة بيرم وتسبين يذكر حكاية الحورية دافني Δάφνη التي عشقها أبولو بجنون وهي كرهته نتيجة اطلاق إيروس ” المعادل لكيوبيد الشهير “سهمين احدهما برأس ذهبي أصاب ابولو جعله يعشق الحورية بجنون والاخر رأسه من رصاص جعل دافيني تكره أبولو بجنون مما دفع الحورية دافيني للجوء إلى ألهة الأرض غايا لتخليصها من هذا المأزق وكان الحل بتحويلها إلى شجرة الغار واليوم دافني Δάφνη هو الاسم اليوناني لشجرة الغار ولا ندري من الأقدم الاسم اليوناني للغار أم الأسم الارامي ” دَفينا ” لتداخل اللغتين في القرن الرابع ق. م في العصر الهيليني لكن نجد في اللغة “الكنعانية-الأرامية” التي جددها اليهود بإسم “لغة عبرية ” احتوائها على كلمة الغار بالشكل الأرامي “דפנה” بالتالي ارجح الإسم الشامي للغار كمصدر لإسم الغار الإغريقي بالتالي اسم بطلة الحكاية الإغريقية.
ثم إرتبط الغار إرتباطاً وثيقا بالأباطرة الرومان
حيث يروي المؤرخ الجزائري المولد سويتونيوس قصة أول إمبراطورة ليفيا دروسيلا في روما انها زرعت غصناً من الغار في أرضية الفيلا الخاصة بها Villa of Livia وذلك بعد أن أسقط نسر دجاجة مع غصن غار في منقارها على حضن الإمبراطورة.
فزرعت هذا الغصن نما وغدا شجرة كاملة الحجم ثم اصبح بستاناً كاملاً من أشجار الغار فقد كان كل إمبراطور يزرع مع كل انتصار شجرة غار تخليداً للنصر.
تحليل الرمزية :
بينا في بداية المقال أن الأسم العلمي للغار المستمد من اللاتينية هو Laurus nobilis بالتالي إرتبط منذ القدم بالنُبل noble بالتالي إحتوت رمزيته على عدة صفات أهمها :
الشرف والأصالة والمجد و النصر بالتالي إرتبط دوماً بمن يقوم بفعل محبذ من قبل الأكثرية فنجده مرتبطا بالسلالات المرموقة و الاباطرة والملوك و بالأشخاص المتمتعين برؤية ثاقبة وغير مألوفة و بمعارف فكرية عليا كالشعراء والفنانين والفلاسفة والمفكرين فنجد انهم يرتدون إكاليلاً من الغار التي كانت دائماً تأخذ شكلاً دائرياً إما بدائرة كاملة أو دائرة منقطعة بشكل حدوة الحصان .
كما ارتدى إكليل الغار من تمتعوا بصفات روحانية كالكهنة و الأنبياء وتماثيل الألهة المختلفة
فنجد في العملات الفينيقية كما ذكرنا والتي تعود لمنتصف القرن الرابع قبل الميلاد ارتباط اكليل الغار بالاله ” بعل ” الذي اعتبر عند الفينيقين ممثلاً للشمس إلى جانب وظيفته كإله للحرب والأمطار والعواصف والذي يساوي في هذه الخصائص زيوس كما نعلم جيداً الإرتباط الوثيق بين بعل الإله الكنعاني الشمسي و أبولو إله الشمس بالتالي كان للشكل الدائري لإكليل الغار دلالة روحية تعبر عن الأبدية التي كانت تمثل الألهة الشمسية كما أن الغار نبات دائم الخضرة فهو يشكل رمزية للخصوبة الزراعية الدائمة التي تمثل رمزاً آخر للأبدية والخلود بالتالي كان من كان الممثل الرئسي للنصر والشرف والانجازات الفكزية التي كانت وما زالت تحمل الخلود لصاحبها.
— مع Amjad Sijary.