بوشعيب خلدون بين العوالم اللونية والشكلية
بقلم: عصمت شاهين دوسكي
الفنون لها دور مهم ومعنى إنساني، فمن طبيعة الفنانين أنهم يعبرون عن مشاعرهم وإحساسهم وتصوراتهم وأفكارهم تجاه مجتمعهم والبيئة الطبيعية وما تظهره لهم الأحداث والحياة من خلال تسخير واستخدام وتوظيف وسيلة فنية، فحينما نسمع قطعة موسيقية تتحر أرواحنا إلى عوالم هادئة مريحة، فكيف يكون حال الفنان لا شك يتحرر من كل حالات الغضب والقلق والخوف، كذلك حينما نرى لوحة فنية تخرج مع الألوان والأشكال مشاعر مكبوتة لكي تقوده إلى فضاء الحرية وأجواء واسعة بلا حدود، ومن ثم إلى محراب الاستقرار النفسي والخيال الخلاق والإبداع.
إن حالة الكبت والوحدة القسرية والمنفى الروحي والانزواء في مخالب الخيال لمدى بعيد قد تسبب صخب العقد الفكرية والنفسية والحسية، ومن هنا كانت الفنون نافذة لانطلاق الروح والنفس والإحساس وحل العقد مهما كانت. يقول العالم الفيزيائي آينشتاين: “لو لم أكن فيزيائيا، من المحتمل أن أصبح موسيقيا، غالبا ما أفكر بالموسيقى، أحلام اليقظة لدي موسيقى وانظر إلى حياتي بدلالة الموسيقى، أجمل أوقاتي هي تلك التي أقضيها بالعزف على الكمان ..”.
إذن الفنون حالة ثقافية تعبر عن المخزون الثقافي لأي فرد ومجتمع، والوطن العربي تميز بفنون عديدة راقية منها الموشحات، الشعر، التخوت الشرقية، الدبكة، الخط العربي، العمارة، القدود الحلبية المقامات العراقية، الزخرفة، الفن التشكيلي وغيرها من الفنون تعتبر هوية مميزة جميلة تشع بالجمال الروحي والفكري الأخاذ ليكون عوالم فنية خاصة تبهر العالم لو أعطي الاهتمام الكافي فيها، فهي تسحر النظر وتبهر الإحساس وتوقظ الفكر من ركوده المستمر.
الفنان التشكيلي المغربي بوشعيب خلدون من الفنانين الذين يتركون بصماتهم الفنية أينما وجدوا، بأسلوبه الخاص وتميزه في التحكم والتصرف بأدواته ورؤيته الفنية، يتناغم مع الفرشاة والألوان والأشكال والقماش فتأتي لوحته مطاعة لإحساسه كما يريد بشكل فني يضم الصمت والهدوء والنقاء الروحي وبلمسات فنية توحي معاني رائية ومضامين جلية التكوين.
يقول بول كلي: “الفن لا يعكس عمق الرؤية الفنية، لكنه يجعل كل فيض عاطفي خفي يشع وضوحا وجاذبية ..”.
انطباعات الفنان التشكيلي بوشعيب خلدون تضعنا أمام مجموعة من الرؤى والإيحاءات تدعونا إلى أن نفترض عالما تأويلياً لها دون الابتعاد عن شكلها الخارجي بل تفكيكها واكتشاف عمقها الفني والفكري ثم إعادة دمجها بمنظور دلالي يتضح من خلاله الأفق التصوري والخيال الخلاق، فالأشكال لا تنغلق على نفسها بل تبحر مع الألوان في علاقات قد تكون مبهمة أو جلية تولد مع فضاء اللوحة وحركات الفرشاة التي تنطوي على انطباعات تربطها مع بعض البعض، مما يدفعنا إلى إعادة تشكيل الرؤية وفق إحساس وفكر واع ينحاز إلى الشمولية بين (أنا الفنية) و(أنت البصرية) هذه العلاقة الثنائية يجب أن تكور في جوهر اللوحة الفنية كأنها ثنائية النار والثلج، فاللون يقوم بمهمة بارزة تتجلى في إظهار القيم الجمالية والتعبيرية وجذب الانتباه البصري ويمتزج مع الشكل ليوحي بالإحساس والتأثير على المشاعر، وتنوع الألوان يهب جمالا راقيا خاصة حينما يدرك ويحسن الفنان التشكيلي توظيف هذه الألوان لتعطي معاني للمضمون والشكل وفق سياق الرؤية اللونية الفنية، بصيغتها وقيمتها وشدتها، ولا شك حسن الاختيار والنسب والضوء تشكل طاقة وظيفية إضافية مؤثرة فهو يعتبر لغة جمال وتعبير.
وفي لوحات الفنان التشكيلي بوشعيب خلدون ترى كل هذه المعاني المؤثرة فضلا عن إنه يدرك أثر اللون الحار والبارد والتضاد والوئام اللوني والهرموني على حاسة البصر، فإنه يخلق صورة من الذكريات يساعد على استرجاع الماضي البعيد ويستدعي القريب.
ذكرت الفنانة الألمانية تيرا هولست في قراءة عن أعمال الفنان المغربي بوشعيب خلدون: “أعماله تترك بصمتها المؤثرة في ألمانيا بسرعة عالية وتتميز بعبقرية في الأداء، كما إنه يمتاز بترك بصمته وأسلوبه الخاص، إنه يرسم لوحاته الفنية من خلال استقطاب واستصحابه للكثير من المواضيع الداخلية وترجمتها على القماش”.
هذه المواضيع الداخلية قد تنتج تناقضا متوازنا بين أنا / أنت ليس للهروب من اللوحة الفنية بل بناء علاقة ثنائية وإن كانت تناقضية للوصول إلى سياق فكري تخيلي وسطي يتناغم مع مضمون الشكل واللون، ومن هذا سيتولد العالم الفني الحسي المشترك وهو الانطباع السليم والجميل الذي يتركه بوشعيب لدى المتلقي خاصة له القدرة الجمالية والخيالية الخلاقة النشطة والتفاعلية في لقاء وتفاعل عوالم الشكل واللون ليعطي قيمة جمالية لأعماله الفنية.
أعماله جاوزت حدود المحلية لتكون ضمن أعمال عربية لبنان والعراق ومصر وعالمية في ألمانيا ولندن وفرنسا واسبانيا وغيرها من الدول لتمتزج الحضارات الفنية التشكيلية المؤثرة لتفتح أبواب الحوار الفني المشترك وتعزز التواصل الثقافي الفني ولتنقل الإبداع العربي المغربي إلى ثقافات العالم ليغدو فن بوشعيب التشكيلي وسيلة فنية وتعبير نقي وتصور إنساني وجداني يعزز من تعايش الثقافات المتنوعة في العالم.
يذكر أن بوشعيب خلدون فنان تشكيلي، ناقد وإعلامي وشاعر. من مواليد أول يناير/كانو الثاني 1970 إقليم سطات ـ وسط المغرب. اختيرا سفيرا للسلام والثقافة على مستوى المغرب والعالم لمنظمة جسور للسلام والثقافة بكاليفورنيا. عضو ناقد في موسوعة تجمع مبدعون للفنون والآداب الصادرة بمصر. مدير تحرير ومؤسس مجلة اربريس artpress.ma المتخصصة في الآداب والفنون .
حصل على جائزة أفضل العرب 2018 ـ لندن. جائزة أفضل العرب 2017 عن لوحة محمد صلى الله عليه وسلم ـ مراكش المغرب. جائزة لندن العالمية والتوشيح بميدالية ذهبية ودرع كأحسن فنان عربي عالميا بالملتقى الدولي للفن بلندن. حائز على جائزة الإبداع الدولية بمهرجان شرم الشيخ الدولي للفنون التشكيلية 2012.
رأيس السمبوزيوم الدولي للفن المعاصر بمراكش ـ المغرب . وهو رئيس المركز العالمي للفنون التشكيلية فرع المغرب العربي. مدير ثقافي بالمركز المغربي البرازيلي مقره بساوباولو ـ البرازيل. تم اختياره المغربي والعربي الوحيد للمشاركة في معارض ـ طريق الفنانين. وله الكثير من المشاركات في المعارض الفردية والجماعية والمبادرات الفنية.