Manal Zaffour
حكاية “التلال”.. (5)..
تل ” قناص”
من محطة استراحة القوافل بين جنوب الرافدين والشمال …
ﻷقدم عمليات الجرد والحساب المالي التجاري .. عبر كرات مجوفة فخارية بداخلها قطع نقود بأشكال متنوعة .. بتدل على مصدر ونوع وكمية السلع والبضاعة الموجودة…
بمحافظة الرقة (كالنيقا_العروس) وعلى الضفة اليمنى لنهر الفرات اﻷوسط.. وعلى بعد 12 كم شمال مدينة مسكنة (ايمار) ..وضمن موقع حبوبة كبيرة اﻷثري من طرفه الجنوبي (بالمنطقة اللي فيها سد الطبقة).. في تلة صغيرة أثرية اسمها “تل قناص”.استوطن فيها اﻹنسان من قبل اﻷلف الرابع ق.م .. وأقام فيها السومريين مستوطنة أو (مستعمرة) لتكون محطة أو صلة وصل بين بلادهم بجنوب الرافدين وبين بلاد الشام واﻷناضول شمالا..و اﻵكاديين استخدموا الموقع كمقبرة من اﻷلف التالت لﻷلف التاني ..وأصاب التل الخراب وهجره سكانه ..وبقي مستخدم كمقبرة لعهد الرومان واﻹسلام المبكر…
ومتل كل التلال اﻷثرية العديدة جدا الموجودة بالجزيرة الفراتية..كان تل قناص من المواقع السورية المكتشفة والمهمة جدا بتاريخ الحضارة..
بسبب الكتشوفات المهمة لمخلفات عدة حضارات متعاقبة على التل من اﻷلف الرابع ق.م حتى العهد الروماني…وبيضم التل آثار متنوعة لمجمعات معمارية ضخمة ومباني كبيرة منوعة : معابد وقصور وبيوت سكنية ومستودعات ومخازن كبيرة للسلع والمؤن والبضائع التجارية ومشاغل فخار وطبعا سور للمدينة وكلها مبنية حسب مخططات سومرية يعني بتحمل الصفات المميزة للعمارة السومرية وخاصة العمارة الدينية (يعتقد بأنه للتل أهمية دينية بسبب العثور على رقم طينية مكتوبة وبترجع لنفس عصر رقم مدينة أوروك )..
باﻹضافة لوجود كميات هائلة من اﻷواني الحجرية واﻷواني الفخارية تعتبر من أبدع انجازات اﻹنسان بهداك العصر..بعضها مستورد (مستورد: يعني من المدن والممالك المجاورة..مو من أوروبا ﻷن لسه ماكان الها وجود..) وأكترها مصنع محليا باﻹيد أو باستخدام الدولاب ..وكانت الفخاريات متنوعة : منها لﻹستخدام اليومي متل اﻷواني الناقوسية..ومنها لﻹستخدام المخصص للمراسم الدينية واﻹجتماعية متل اﻷواني المزخرفة والمزينة..(عرفتوا من وين أمهاتنا آخدين عادة تخصيص استخدام اﻷواني الحلوة المزينة والمزخرفة للضيوف والمناسبات ويمنعونا من استخدامها : متل غرفة الضيوف..كاسات و فناجين قهوة وصحون للضيوف..الخ )
ومن بين هالفخاريات كان في عدد كبير من الجرار ( بعضها من المرمر)..وجرار فخار كبيرة بتشبه فخار تل براك ومعظم هالجرار بتحمل اشارات بتدل على محتوياتها وخاصة اللي كانت تستخدم لتخزين الحبوب والبضائع المختلفة وطبعا كان منقوش على سداداتها وأغطيتها طبعات أختام (ماركات) بتحدد مصدر البضاعة ونوعها وكميتها واسم المالك ..
واﻹكتشاف الرائع والجميل كان العثور على عدد هائل من الكرات الصينية الفخارية المجوفة (بحجم طابة التنس..أو كرة اللوتو) ..بداخلها موجود حصى أو قطع نقدية حجرية أو طينية بأشكال متنوعة ..دائرية.. مخروطية.. بيضوية.. هرمية.. مغزلية.. وفي منها بثقوب (متل الفرنك المبخوش بوسطه)… ومدموغة الكرات بأختام شخصية ﻷصحابها.. وظيفتها معرفة كمية ونوع البضاعة بعد كسر الكرات (منعا للغش والتلاعب بكمية البضاعة)..وفي البعض من هالكرات منقوش عليها اشارات بتدل على الموجود بداخلها دون الحاجة لكسرها …
وابتكار هالنقود البدائية والكرات الفخارية ﻹستخدامها بعملية تنظيم التجارة ..اعتبرت من أقدم أساليب الجرد والحساب المالي بعمليات جرد المؤمن وتبادل السلع..
طبعا تل قناص ازدهر بمرحلة حساسة من تاريخ تطور حضارات شرقنا القديم ..وهي مرحلة التطور العمراني أو عصر الثورة العمرانية اللي بتميز اﻷلف الرابع ق.م….
اي وهيدا تل قناص ..وهيدي بعض كشوفاته .. الواقعية الملموسة اللي بتدل على الفكر واﻹبداع للعقل السوري الحر اللي رغم معتقداته الدينية المتعددة ما كان بحاجة لوكيل أو لحدا يعلموا كيف يعيش وكيف ينظم أموره الدنيوية بدون خلطها باﻷمور الروحانية ولا سمح لحدا يتدخل بينه وبين آلهته..و متل ما حبس النقود والقطع الحجرية بقلب الكرات الفخارية ليقوم بعملية الجرد الحسابي ويمنع الغش و التلاعب بجهده وعمله ..اللي ما بيكسرها الا عند اللزوم..
رح يحبس كل محاولات الجهل والتخلف بطابات فخار و جرار ..ورح يكسرها بوجه كل قناص للفرص ..بيحاول يتعدى على عقله وفكره وحياته… وحييتوا يا شوريين …. وتحيا سوريا..