إحدى أعمال الفنان السعودي : فهد الجابري
Nabil Belhadj
الفنان التشكيلي التونسي : نبيل بالحاج
مراسل بلا حدود لمجلة: فن التصوير و مجلة المفتاح
يشغل الفن التجريدي حيّزا هاما في عالم الفن التشكيلي، ويطرح الفنان من خلال تجريده للأشياء تجلياته في مستوى الفن من حيث اللون والشكل وكل ما بينهما من إيحاءات ودلالات، وعلاقته بالقارئ ودوره في النهوض بالمثل والحكمة.
على الرغم من أننا لن نهتدي لفك كل تفاصيل وجزئيات ورموز التجريد على الإطلاق أيا ما كانت القراءة فإنه بوسعنا القول أننا نستطيع الإبحار في هذا العالم المبهم المليئ بالجماليات والأحاسيس المختلفة.
قد يتضح هذا الجانب الحسي والبصري إذا عرّجنا هنيهة على إحدى أعمال الفنان السعودي “فهد الجابري”.
نأخذ بالدراسة أحد أعماله بتقنية الزيت على القماش، وفيها يبرز لنا بأسلوب صريح في الجانب الأيسر من اللوحة صورة فانوس أزرق فيه رمز إبداعي أساسي في اللوحة يدل على أمل يفتح البصائر أمام اللاّنهاية بإعتماد تلك الخطوط الداىرية الدالة على الحركة المتواصلة في هدوء يبيح بصمته خفايا الأرواح المستيقظة السائرة في الفضاء العلوي.
ليس بغريب على أحد ذاك التاريخ العربي الذي يختزن علاقة الليل بالنار أوالضوء وما يحمله من دلالة عن الكرم والجود عند حينها خاصة وأنّ الفنان من المدينة المنورة أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنه دليل للمسافرين والتائهين في الفلاة.
حين نظرنا إلى الفانوس أزيحت بيننا ستائر الأشكال والرموز وتمزّق عن وجهينا نقاب الظنّ والتخمين. وذهبنا إلى التاريخ العربي وما يحمله من قيم فاظلة.
عاطفيا، كان الفنان يقول في نفسه المظلمة كواكب ملتمعة ينثرها الوَجَدُ عند المساء وتلتقطها الهواجس عند الصباح.
ولوع الفنان بالرياضة الميكانيكية وكرة القدم منذ الصبا كان له أثر كبير في أعماله. فتجد كل لوحاته في حركية دائمة لا تعرف السكون ، كما أنه يستعمل دائما الأسهم في دلالة عن حلبات السباق والإشارات المرورية أو أنه يعود بنا إلى التاريخ والفتوحات الإسلاميةوما كان من حروب في تلك الأزمنة الغابرةولكن يعيد ربط هذه الأسهم بتقاطعات وتشابكات وإنحناءات في سريالية تحاكي تلك التذبذبات والتحولات التاريخية التي شهدها العالم الإسلامي إلى حدّ الإنحدار.نسج الفنان لوحته بجملة من المفردات كالمثلثات والمربعات..بدا فيها في حالة حياكة سجّاد تقليدي تميّز به العالم العربي الإسلامي وبلاده خاصة بإعتماد المفردة وعدم رسم الكائنات الحيّة.
إنّ الثنايا التي يرسمها “فهد الجابري” تعرّج على مدى التفاعلات البسيكولوجية والروحانية بداخله فاختلفت ألوانها وتفاصيلها وحتى أحجامها هي تلك الطرق التي نسلكها نحن جميعا منذ التاريخ إلى اليوم الراهن.
على اليمين في الأسفل يرسم الفنان رأس إمرأة ترتدي خمارا ولا تظهر إلا عينيها وتلك مسألة لا زالت تطرح الكثير من الإختلافات رغم مجهودات العلماء بشتى مشاربهم لفض هذا الإختلاف ويحيلنا على أحكام دينية مثل ضرورة إرتداء المرأة الخمار وهي محرم في الحج، ولكن يكرّمها الفنان كما كرّمها الله فيضع على رأسها تاجا وهي الأم والحبيبة والأخت المؤنسة الطيبة.
كم كان متصالحا مع ذاته هذا الفنان الذي شدّ إنتباهي كثيرا. وأنا أتجوّل في رحاب لوحته وجدت صحراء الجزيرة العربية الصفراء جنّة على الأرض بما تحمل من ألوان الحياة الزاهية وكأنه ينثر فوقها ربيعا مرصّعا بشتى أنواع الزهور. يرمي بمراوحة بين السماء والأرض من خلال اللون الأزرق والأصفر والليل والنهار بإعتماد الفانوس رمزا واللون الأبيض المشع نورا والدال على الأمل وقدسية ساكنه داخل وجدان الفنان وعالمه المحيط به.
لم أخل نفسي أشد لقراءة هذه اللوحة بهذه الصفة المذهلة إذ أنّ “فهد الجابري” فنان عبقريّ عصره بما للكلمة من معنى فرغم عدم إعترافه بالمدارس الفنية وإصراره على التفرد والتميّز وقوله “إن المقلّد بفنه غير التجريب يعتبر سارق” و “أنا أحب وأتشبث بالإرث العربي الإسلامي.”
يمكن إعتبار “فهد الجابري” طول هذه الفترة وهذا الطريق الممتد الذي سلكه قد وجد تلك الذاة المتصالحة مع النفس والجسد ومع الأخر في الأن نفسه حيث جمع في هذا العمل بين ثلاث مدارس وهي التجريدية والرمزية والسريالية..
فلكم أن تسمّوا هذا العمل ما شئتم فإنّه طرح مميّز جديد.
© قراءة الفنان التشكيلي التونسي #نبيل_بالحاج