مروان شاهين ومسيرته الفنية الطويلة.. الطبيعة والبورتريه بلمسات اليد والروح
يتجه الفنان التشكيلي مروان شاهين، في لوحاته التي قدمها، في أكثر من عشرة معارض فردية، لإظهار الدمج الحيوي بين الداخل والخارج أو بين الواقعية وحالات التبسيط التعبيري، على اعتبار أن الداخل فسحة للهواجس والرموز الذاتية،
والخارج فسحة لإعادة توازن الإيقاع التشكيلي المستمد من معالجة الأشكال الواقعية. فاللوحة عنده تستعرض إيقاعات الأشكال والألوان، من خلال جنوحها، في أحيان كثيرة، نحو مظاهر تجسيد الشكل الواقعي (المنظر الخلوي والبورتريه والعمارة القديمة والزهور وغيرها..) بمزيد من اللمسات العفوية، لإعطاء المدى التصويري، جماليات تشكيلية وتقنية معاصرة، وبالتالي للوصول إلى معطيات ثقافة فنون العصر، وفي هذا الإطار تظهر الخطوط والإيقاعات ودرجات اللون، بإحساس صادق، وباللغة الجمالية المطلوبة، والتي يتجاوز من خلالها النمط الاستهلاكي والسياحي والتسجيلي.
بين الرسم والموسيقا
وحين يبدأ بانجاز لوحته الحديثة، سرعان ما ينحاز أو يتحول نحو الايقاع البصري الموسيقي، القائم على لمسات اللون التلقائي المتتابعة والمتداخلة والمتجاورة، والمرتبطة بعلاقته المزمنة مع ايقاعات النغم الموسيقي، وخبرته في العزف على ألة العود، من أيام طفولته، كأنه يريد أن يقول لنا أن تقاسيم أوتار عوده، شبيهة بموسيقا لمساته اللونية المقروءة بالعين، ففي خطوات بناء عناصره أو تأليف نصوصه التشكيلية الجانحة نحو الشاعرية البصرية تتحول لوحته إلى نوتة موسيقية مكتوبة بإيقاعات حركة الألوان والخطوط، وهكذا يعمل لإظهار قدرته على إيجاد إضافات جديدة لمنطلقات الدمج ما بين التراكمات الثقافية التي عالجت قضايا التعبير عن المواضيع المختلفة بأشكال معاصرة، فالطرح التشكيلي مفتوح على نسيج احتمالات هذا الشغف اللامتناهي بمعالجة المواضيع، التي تكشف عن علاقته برموز الأشكال البصرية الحديثة، وتجعل أطر العوالم الخارجية تظهر كإيقاعات لونية متحررة من الرزانة ومن الدقة الرياضية، وهذا يعني أن لوحاته تتحول من حالة الى اخرى وتعكس رموز الأزمنة المعاصرة، من خلال إضفاء المزيد من الخطوط العفوية والحركات اللونية التجريدية في الخلفيات.
خبرة تقنية
فهو يختصر الأشكال والعناصر، موظفاً خبرته التقنية الطويلة، وحساسيته البصرية، التي تجعله يخفف في بعض لوحات الوجوه، من حدة الألوان القوية والصريحة، وبطريقة معبرة عن شخصيته الفنية، واحساسه الداخلي المجسد بلمسات اليد والروح. أما لوحات الطبيعة، فهي تتدرج بين الوضوح والتماهي في العفوية اللونية، وأكثر من ذلك يجعلها متداخلة مع المساحات التجريدية التي نجدها في بعض مقاطع لوحاته الانطباعية والتعبيرية.
ومن الناحية التقنية يتعامل مروان شاهين مع الألوان من خلال إبراز سماكاتها ودلالاتها الجمالية الحديثة.وهنا تتجلى حركة الإشارات لصوغ الرؤى التشكيلية الجديدة، فالبحث عن مناخات مختصرة لتكاوين الأشكال الإنسانية والمعمارية واشارات الطبيعة والعناصر الأخرى تشكل في لوحاته هواجس لاطلاق الإيقاعات التشكيلية المتداولة في الفن الحديث والقائمة على إلغاء الثرثرة التفصيلية وإعطاء أهمية قصوى للإيقاع اللوني والإبقاء على جوهر الحركة العفوية، التي تجسد روح الشكل الواقعي بعد إزالة تلافيف قشوره الخارجية.
وهو يمتلك القدرة على الاختزال في تكاوينه التعبيرية والرمزية والتجريدية، ضمن معطيات المناخية المشرقية، مع إعطاء أهمية للجوانب التشكيلية، وهذا يعمل على كسر أناقة المساحة ويبتعد بها عن الإبهار الصالوني والتزييني.
وهذا يعني أنه لا يتوقف عند حدود معينة في معالجة المادة والمساحة، وإنما ينتقل من معالجة إلى أخرى، وهذا يساعد في اكتشاف حساسيات بصرية مختلفة ومتفاوتة.
تكوينات ملطفة
لكن ما هو بارز في هذه العفوية، هو ابتعادها عن العبثية والعشوائية، إذ إن التكوين العام للوحة يأتي مدروساً وملطفاً، فالبحث عن نسيج لوني عفوي فتح لوحاته على احتمالات تشكيلية، تستفيد من التعبيرية في مظاهر اختزال الأشكال والذهاب بها إلى حالات التبسيط والاختصار، وتستفيد من التجريدية في مظاهر الانحياز نحو المساحات اللونية في بعض الخلفيات، التي تعمل على تغييب أشكال الواقع وتحولها على حركات وايقاعات لونية، لتصل في نهاية المطاف نحو جماليات الفنون الحديثة، في احتمالاتها الرمزية والدلالية التي تكشف في جوهرها عن هاجس التعبير عن الحركة الداخلية الانفعالية، بإيقاعات لونية سريعة أحياناً (ضربات الفرشاة العفوية) وهادئة أحياناً أخرى (المساحات اللونية المدروسة ).
يذكر أن رحلة مروان شاهين بدأت مع الرسم منذ أيام الطفولة، إلى جانب اهتماماته الموسيقية والمسرحية، وفي العام 1961 اقام اول معرض فردي له في صالة الفن الحديث في دمشق، وتتالت سلسلة معارضه المنفردة ووصلت في معرضه الاخير، الذي اقامه في صالة ظلال الى الرقم عشرة.. وهذا دليل واضح على ان هواجس الفن بقيت مترسخة في وجدانه، وحاضرة في لوحاته، رغم انشغاله، في مراحل سابقة، بالعمل الاذاعي والتلفزيوني، حيث عمل مذيعاً ومقدماً للبرامج، ومن ثم مديراً للتلفزيون، بعد أن ساهم بدور إيجابي وفعال في تأسيس التلفزيون السوري عام 1960.
facebook.com/adib.makhzoum
صحيفة الثورة
الجمعة 2017-09-15 |