“يوسف المحمود”… صوتٌ لبيئته الريفية
الخميس 16 كانون الثاني 2014
طرطوس
بصمات أدبية جلية وضعها الأديب “يوسف المحمود” على ناصية الأدب السوري لم يخرج بتقاسيمها المميزة عن مفردات البيئة الريفية التي ينتمي إليها رغم غربته عنها.
|
|
تكاد الأقلام تخجل من الكتابة عن هذا الأديب الرائع “يوسف المحمود” كما أوضح الشاعر “حيان حسن” لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 5 كانون الثاني 2014 مضيفاً: «يجب على من يريد التحدث عن هذه القامة الأدبية الكبيرة أن يدرك جميع تفاصيل حياته الأدبية والاجتماعية وجوانب إبداعه كي لا تدركه مخافة التقصير تجاهه، فالأديب “يوسف المحمود” ينطبق عليه القول:”إن أكثر الأعمال الإبداعية محلية، ولكن أكثرها عالمية”، وهو ما قيل عن روايته “مفترق المطر”، حيث حافظ على انتمائه الاجتماعي والوطني فيها».
ويتابع السيد “حيان”: «بالنسبة لي شخصياً أول ما شدني إليه عمله في الصحافة وزاويته الدورية التي كنا ننتظر صدورها يومياً في صحيفة “الثورة” بعنوان: “إلى من يهمه الأمر” على مدار ثلاثة عقود دون توقف، فقد كانت بحق زاوية تستحق المتابعة لأسلوبها الساخر والمتميز.
ومن الناحية الأدبية فالسيد “يوسف المحمود” أديب بامتياز لاستحواذه أغلب مقومات الأديب، فقد كتب القصة والرواية معاً، وتمكن من أدواتهما، وتميز بأسلوبه السردي وشاعريته المفعمة، ومواضيعه التي تستحق المتابعة من قبل الأجيال بمختلف فئاتها العمرية، هذا ناهيك عن روايته التي تميزت بالملحمية الشعرية».
الشاعرة “لمى حسن” أوضحت أن قيمة الكاتب من قيمة المادة التي يقدمها والجهد المبذول فيها، وليس الكم الذي يطرحه كأدب، وفي حالة وجود النوع مع الكم فهذه ميزة للكاتب تزيد من مصداقيته كمبدع أو باحث ملتزم بتقديم الجديد والغني، فكثيرون من الكتاب نشروا القليل من إبداعهم لكن كانت لهم بصمة في تاريخ الأدب ومثلوا مرحلة منه كما الأديب “يوسف المحمود”.
أما القاص “محمد عزوز” فقال: «في الحقيقة قرأت نتاجه الأدبي منذ سنوات طويلة من خلال منتجه “حارة النسوان”، في مرحلة شدني ما يقدمه، لذلك كانت هذه القراءة استعارة من أحد الأصدقاء، وبالنسبة إلى كتاباته الصحفية وموضوع الزاوية، فأنا أؤيد موضوع أنها كانت أشبه بالقصة القصيرة جداً، ولكن الأهم أنها كانت تلامس همومنا، وبلغة أقرب إلى لغتنا المحكية، وأنا شخصياً أرى أن المشكلة كانت تكمن في البعد الجغرافي لسنوات طويلة».
الأديب “علم الدين عبد اللطيف” أضاف: «الشخصية الأدبية يصنعها الإنتاج الأدبي دون شك، وهو ما ينطبق على المرحوم “يوسف المحمود”؛ فشخصيته الاجتماعية نستطيع تبينها من شخصيته وشخصياته الأدبية، من تجسيد ضميره في شخصية روائية، وطبيعة شخصيته أيضاً تدل عليها شخصياته الروائية؛ من فكاهة… مرح… إحساس بالألم… بالمعاناة… فهو من جيل يستحق أن يمثله؛ ذاكرة حية ومنتجة وصادقة.
إن قيمة منتجه الفكري ككل كاتب التصق بواقعه، فهمه وتفاعل معه، وكتب عنه، فأبدع، وليس من عمل ناجح إلا إذا كان يحاكي واقع منتجه بصدق، فأفضل الأعمال هي التي تتحدث عما نعرفه حقيقة، البيئة… ورواية “مفترق المطر” هي علامة فارقة في الأدب العربي، قال عنها “الطيب صالح” مرة: إنها من أفضل الروايات العربية، وهي من حياته وذاكرته وبمنظوره.
الأديب “يوسف المحمود” عمل زمناً طويلاً صحفياً ومحرراً، وكاتب نقد ودراسات، ومسؤولاً ثقافياً صحفياً، فعاش بهدوء، وكتب بهدوء، ومات بهدوء على طريقة النبلاء في هذا العالم، أعرف أنه عاش المرحلة الأخيرة من حياته في قريته الوادعة بعد غربة طويلة اقتضتها طبيعة العمل الوظيفي، وبالنسبة لي شخصياً زرته مرة في منزله الخاص بقريته “كفر شاغر”، وأمضيت معه ساعات مرت سريعاً».
الأديب “محمود حسن” أكد أن الأديب “يوسف المحمود” لم تبدله الظروف أو تعدد البيئات التي عاش فيها، فبعد عودته من “الجزائر” انتظرنا أن يكون غير شيئاً في أسلوب حياته أو حتى في طبيعة لباسه، ولكنه كما رحل عاد إلينا وابتسامته تملأ ثغره، مضيفاً: «جميع من عرفه أحبه وتعايش معه وانسجم بكل سهولة لأنه أثبت أن معدنه نفيث، فكان الأب الناصح والأخ المرشد والحنون حتى في عمله الوظيفي».
وفي لقاء مع الأديب الروائي “أحمد يوسف داؤود” تحدث بداية عن القيمة الأدبية لـ”يوسف المحمود” وأين تكمن فقال: «الأديب “يوسف المحمود” كان كاتباً منذ أن كنت في العاشرة من عمري، ولعله عُرف بشكل أوسع عندما كان يكتب زاويته اليومية في جريدة “الثورة”: “إلى من يهمه الأمر”، لكن شهرته الأدبية جاءت مع إصدار روايته الضخمة “مفترق المطر”؛ وهي تكاد تكون توثيقاً لفلكلور البيئة في منطقة “الدريكيش” التابعة إلى محافظة “طرطوس”، ولعادات سكانها وطرائق سلوكهم ولهجتهم، في قالب روائي أكثر مما هي رواية بالمعنى الشائع، إنها أقرب إلى العمل شبه الملحمي منها إلى الرواية بالمعنى المتداول، وفي مقدرة المرحوم “يوسف المحمود” جعل بيئة منشئه مادة فنية لعمل كـ “مفترق المطر” تكمن القيمة الأدبية العالية له».
وهذا التميز الأدبي لم يبتعد عن الجانب الاجتماعي في علاقاته الشخصية وإدراك الحس الفكاهي أدباً، وهنا قال السيد “أحمد”: «كان للسيد “يوسف المحمود” شخصية رائعة حقاً، فهو طيب وودود وصادق مع نفسه ومع الآخرين، ولهذا كان محبوباً من قبل كل الذين عرفوه، ومعروفاً بسرعة البديهة وبالنكتة المتميزة في كل الأوقات، ونادراً ما رأيته غير ضاحك وغير متفائل، ومن يتمتع بشخصية كشخصية السيد “يوسف المحمود” وبموهبة رفيعة كموهبته في تصوير الواقع حوله، يصبح تميزه الفني أمراً بديهياً».
ويتابع الأديب “أحمد” في توضيح ارتقاء “المحمود” إلى درجة تحقيق الطموح الأدبي المنشود فيقول: «لم يكن في تقديري يهدف إلى شيء أكثر من أن يوثق للبيئة الطيبة البسيطة التي عاش أيامها في طفولته وشبابه الأول، ونحن نستطيع الاهتمام بما كتبه، لكن أن نحكم على أهدافه التي كان ينشد تحقيقها فذلك أمر كان يتطلب سؤاله شخصياً، نحن نسعى إلى معرفة ماذا كان يريد كتابنا؟ وما الذي كان ينقصهم؟ وما… وما… بعد الموت؟ أما في حياتهم فهم وما يكتبونه أمر ربما هو فائض عن الحاجة في حياتنا عموماً، كم أتمنى أن نترك مبدعينا يرقدون بسلام بعد أن شبعنا من محاربتهم بشتى الوسائل قبل أن يموتوا».
وأضاف: «في تقديري إن الأديب “يوسف المحمود” رحمه الله كان يحمل بيئته في روحه حيثما ارتحل وأينما حل، فهو لم يغب عن بيئته ولا بيئته غابت عنه، وأنا لم أسمعه يوماً يتحدث معي أو مع سواي إلا عبر مفردات ما كونته عليه هذه البيئة، وبلهجتها، وذلك أمر يدل على حضوره المستمر فيها، وحضورها فيه، وأنا لا أعني متغيرات البيئة بعد اكتمال رجولته بل أعني تلك التي تكونت فيها شخصيته واكتملت أيام كانت البساطة والحميمية سمتيها الساحرتين».
يشار إلى أن الأديب “يوسف أحمد المحمود” من مواليد عام 1921 في قرية “كفر شاغر” التابعة إلى مدينة “الدريكيش”، انتقل إلى جوار ربه في الثامن عشر من كانون الأول 2013، وله العديد من المجموعات والأعمال الأدبية منها: “مفترق المطر” و”الذيل الأصيل”، ورواية “الموز الناضج” و”سلامات أيها السعداء”، و”حارة النسوان”، و”المفسدون في الأرض”.