الانقياء دائما يلتقون على المحبة . كتب الاستاذ Hasan M. Yousef….. نص حديثي بوح الكلام الذي أذيع على هواء سوريانا إف إم عند الثامنة والثلث صباح اليوم ويعاد عند الخامسة مساء.
=====================
بوح الكلام – سوريانا إف إم
الأشرار المتحدون
حسن م. يوسف
يؤلمني حقاً أن أرى الشرَ ينتصر في أيِ مكانٍ من هذا العالم، لكن ما يؤلمني أكثر هو رؤيةُ شخصٍ جيد بطريقتِهِ الخاصة، يلحق الأذى بشخصٍ جيدٍ آخر، لمجرد أن الثاني يدافع عن قضيةِ الخير بطريقةٍ لا تشبه الطريقةَ التي يعتمدُها الأول.
والحقيقة أن هذا النوعَ من المعاركِ الرعناء لا يتوقف لحظةً واحدة عن الحدوث، كما لو أنه من طبيعةِ الأمور أن يكون الأشرارُ متناغمين ومتحدين، وأن يكون الأخيارُ مختلفين ومتفرقين!
خلال الأسبوع الماضي قام الشاعر نديم الوزة، وهو شاعر سوري متمكن له خصوصيتُهُ الإبداعية، بكتابةِ لسان حال مزعج وغير مبرر عن الفنان المبدع نزار علي بدر، وقد اعتمد الشاعر الوزة في لسانِ حالِه على معطياتٍ غير دقيقة، كقولِهِ إن “نزار علي بدر يعتمد على تقنيةِ الفسيفساء والكولاج السهلتين”. فإذا كان جمعُ الحجارة وتركيبُها في سياق إبداعي أمراً سهلاً كما يقول الشاعر الوزة، فإن تقنيةَ جمعِ الكلمات أمرٌ أكثر سهولة! خاصة وأن الكلمات لا أجسامَ ولا أوزانَ لها! ومن غير المنطقي أن نبتسرَ الشعرَ ونصورَهُ كما لو أنه مجرد جمع كلمات! كذلك لا يجوز التعاملُ بخفة مع تجربةِ نزار علي بدر من خلال وصفِها بالسهولة!
مع ذلك، يمكن قبولُ ما سبق باعتبارِهِ وجهةَ نظر، رغم افتقارِهِ للرصانةِ النقدية، لكن ما لا يمكن قبولُهُ بأيةِ حال هو قولُ الشاعر الوزة: ” وربما الظروف التي تعيشها سورية ساعدته على الشهرة من خلالِ الارتزاقِ على الوجع السوري من كتابٍ ومخرجين أجانب “. والحقيقة أن هذه العبارة الجارحة تنطوي على إهانةٍ كبرى خاصة وأنه لا أساس لها في الواقع، فالفنانُ المبدع نزار علي بدر لم ينجز منحوتاتِهِ ولوحاتِهِ المنفذة بحصى جبل صافون، بناءً على طلبِ الكاتبة الكندية التي استخدمتها، ولا بناءً على طلبِ المخرج السينمائي الإيطالي ساندرو الذي قام بتحريكِها، وتحويلها الى فيلم سينمائي أخاذ بعنوان “صور ممن الشرق “. بل أنجز أعمالَهُ بوحيٍ من ضميرِهِ كمبدع وكإنسان يعيش محنةَ وطنِه، وعبَّرَ بشكلٍ خلاق عن وجعِهِ السوري، فوجدت الكاتبةُ والمخرجُ في أعمالِهِ مادةً غنية يمكن البناءُ عليها إبداعياً. لذا فمن الجائر أن يُتهمَ الرجلُ بـ “الارتزاق على الوجع السوري”. صحيح أن الشاعرَ الوزة قد اعترف بخصوصية إبداع الفنان نزار علي بدر إذ قال إن ما سبق: “لا يمنع بأن لعملِهِ بصمة خاصة، ربما أعمل على شرحِها حين التخفف من المبالغة في خطابِه المزايد فيما هو دعائي أكثر مما هو إبداعي ليس في مواضيعِهِ الوطنية بل والإيروتيكية حتى”.
من الواضح أن الشاعر نديم الوزة قد أحس بوطأةِ تهمة (الارتزاق) التي جاءت في مطلعِ لسان حاله، فأراد التخفيف منها قليلاً من خلال اعترافِهِ للفنان بدر بأن لعملِهِ “بصمة خاصة” إلا أنه لم يشرحْها، بل وعد بأنه قد يشرحُها يوماً عندما يتخفف الفنان نزار علي بدر من، وأقتبس من كلامه مجدداً “المبالغة في خطابه المزايد فيما هو دعائي أكثر مما هو إبداعي”. وهذه إهانةٌ أخرى ألعنُ من سابقتِها!
خلاصةُ الكلام هي أن الشاعرَ الوزة قد ألصق بالنحات بدر صفةَ “الارتزاق” و “المزاودة”. والحق أن الفنان نزار علي بدر بريء من هاتين التهمتين القاسيتين! صحيح أن المبدع نزار علي بدر يعبر عن حبِهِ الصادق لوطنِهِ السوري ببراءةِ الأطفال، وصحيح أن هذه البراءة قد تبدو لبعضِ البالغين ضرباً من السذاجة، لكنها ليست كذلك بكل تأكيد!
شيء مؤسف أن الأشرار غالباً ما يكونون متفقين وهم يرتكبون جرائمَهُم بحقِ الحياة، لكن الموجعَ حقاً هو أن سدنةَ الحقِ والخيرِ والجمال يقومون بتجريحِ بعضِهِم دون مبرر، لمجردِ أن الآخرَ لا يرى العالمَ كما نراه!