من حكايا سوريا والسوريين…
حكاية القمح “حيطه”…
وحبة الحنطة اللي صارت اﻹله دجن..
والسوريات اللي زرعوا إله وحصدوا الشمس وأنتجوا حياة
بأول حقلة حنطة بالتاريخ ابتدأت منها الحضارة…
ومن المعول والمنجل .. الرحية والجاروشة.. للتنور ورغيف الخبز..
بعدنا لهﻷ مناكل الدجن ولما منشبع منقول دايمه…
وبتبدا حكايتنا من حكاية دجن اﻹله :
دجن أو داجون هو إله قديم جدا بسوريا..إله فينيقي كنعاني أوغاريتي إيبلاوي أموري آكادي آشوري…الخ يعني سوري…وبيدل عالخصب والعطاء ورمزه حبة القمح ( دجن هو جسد اله الخصب وبيجسده القمح..وتموز هو روح الخصب وبيجسده القمر ).. وهو اله الحبوب والقمح والغذاء والطعام والبيادر والزرع والمواسم الزراعية.. وبيرجع لدجن الفضل (بفكرة) اختراع المحراث والمنجل والمعول…ويعتبر أحد اﻵلهة الكبار لشعوب جنوب وغرب سوريا القديمة ..وبيقابله من اﻵلهة (نبتون عند الرومان) ..و(بوسيدون عند اليونان ..وبالأساطير اليونانية يعتبر ديونيزس (باخوس) اﻹله الشريد هو اله القمح (بعدين بحكيلكن حكايته)..
واسم دجن مشتق من كلمة دج..داج اﻷوغاريتية الكنعانية وبتعني الحنطة…القمح..الحبوب..ويكتب بحروف ساكنة دجن..ويلفظ باﻵكادية داجان..داجونا..دوجان..واسمه بعده متداول عند السوريين.. لحد اﻵن منسمي الخبز والقمح = دجن.. وطبعا في معنى تاني لدجن عند أبناء الساحل الفينيقي بمعنى السمكة وهو الطعام الرئيسي عندن..
وبيشير بمضمونه على تطور الفكر الديني عند السكان القدماء بسبب اعتقادن بفكرة البعث والحياة بعد الموت..ولﻹله دجن طبيعة زراعية فهو متل اﻹله بعل وكتير من اﻷحيان كان في خلط بين اﻹلهين بعل ودجن..فأحد ألقاب بعل هو (ابن دجن) وبالنصوص واﻷلواح اﻷوغاريتية يذكر دجن على انه أبو بعل..وبتدل على انو عبادته كانت منتشرة بين الكنعانيين والفينيقيين ويعبد باسم بعل اله الحنطة=دجن ..واكتشفت بأوغاريت معابد كرست لعبادته..وبيظهروا بعل ودجن بالميثولوجيا اﻷوغاريتية كإله واحد للخصب والمطر..فدجن بيحمل دلالات اخصابية واضحة ومكملة لبعل..وكانوا يلقبوه بصلواتهن ب :” اﻹله الذي تبارك اسمه إلى اﻷبد ..ومباركة حبة الحنطة..”
وكان دجن من أهم آلهة البانثيون (مجمع اﻵلهة) اﻹيبلاوي..فهو كان رئيسها وسيد اﻵلهة وسيد النجوم واﻹله الحاكم إله السماء يعني متل انليل بشرقي الفرات بأرض الرافدين.. وزوجة دجن هي شلاش = شالاش = يعني الغلاف القشرة (يعني هي القشرة _النخالة_ اللي بتغلف حبة القمح اللي هي دجن اﻹله).. وكان بمجمع اﻵلهة اﻹيبلاوي في اله مرافق دائم لدجن هو اﻹله دامو =ويعني الديمومة واﻹستمرار .. وهو اله الصحة والشفاء والدواء والشبع (موجود اسمه باسماء العلم اﻹيبلاوية متل : ارك_اب_دامو ملك إيبلا.. ايمو_دامو.. ايك ريشو_دامو..زاكير_دامو) ..ومن اسم هاﻹله ووظيفته بعدنا لهﻷ بس نخلص أكل و نشبع منقول : ” دايمه..دايما..دوم” وبتعني الله يبعد الجوع عنا وتدوم النعمة وتستمر.. وبعدها أساطير دجن ورموزه حاضرة بتراثنا الشعبي بمناطق سورياالطبيعية (باﻷزياء الشعبية في التوب الدجاني بيشبه السمكة ..مع الوشاح والاكليل ) وبلهجتنا المحكية كلمة دجن بتدل على الخبز ومعنى الطعام والغذاء ..متل ما كلمة بعل موجودة بمفرداتنا الزراعية اللي بتدل عالمطر والري والخصب.
وأطلقوا عليه بمنطقة الفرات اﻷوسط بسوريا لقب سيد البلاد وملكها..وكانت توتول (تل البيعة بالرقة) هي أقدم مركز لعبادته من اﻷلف التالت ق.م (حسب الرقيم المسماري المشهور باسم توتول_دجن)..ومنها امتدت عبادته لمملكة ماري (كان المعبود الرئيسي بعهد اﻷموريين)..ل إيمار (مسكنة).. ترقا (قرب الرقة).. ل كوماري ..وأوركيش (جرابلس)..ل تل كوزان (بين القامشلي وعامودا) ..
وكان في معبد رئيسي لدجن بأوغاريت (جنب معبد بعل) ..وكمان وصلت عبادته لجنوب سوريا ..فكان في معابد مكرسة لعبادته ب يافا..وقرى بتحمل اسمه متل بيت دجن..وطبعا دخلت عبادته لبلاد الرافدين بعهد سرجون اﻵكادي (فسرجون قبل ما يضم مناطق غرب الفرات ﻹمبراطوريته زار معبد دحن بتوتول وأخذ اﻹذن من دجن بتوحيد مناطق سوريا)..وانتشرت عبادته بآشور القديمة..وظهر دجن على مسكوكات جزيرة أرواد ومدينة صور وكان يعرف باسم هملقارت =ملك كرت =القرية = اله المدينة..وكان بيمتله شكل شخص برأس بشري ودنب سمكة كبيرة مع زعانف ومزين رأسه بإكليل من ورق الغار..وببيروت انعرف دجن باسم بعل بيريت = سيد بيروت وبيظهر على شكل شخص عم يسوق عربة بتجرها أربعة من أحصنة البحر المجنحة وكان يعرف باسم بعل يم وسيد البحار…
ومن حكاية دجن رح نتعرف عالقمح :”حيطه بالسرياني”
وتدجينه وزراعته واﻹختراعات اللي رافقته من المعول والمحراث للجاروشة والرحية (الطاحونة)..للتنور ورغيف الخبز
.. التاريخ بيقول انو من 11000 سنة ق.م كان القمح (حيطه) والشعير (سعوره) عبارة عن اعشاب برية بتنمو بكثافة بمناطق سوريا القديمة (بلاد مابين النهرين..آشور..بلاد الشام..الجزيرة الفراتية..حوض دمشق..سهل حوران..) فاﻹنسان جمع القمح والشعير قبل بدء الزراعة بزمن طويل..وعاﻷغلب انعرف القمح وقيمته الغذائية قبل هالزمن بكتير بدليل وجود أدوات حجرية للحصاد اكتشفت بموقع وادي النطوف.. فالحبوب والحنطة تعتبر من أهم عناصر غذاء اﻹنسان من آلاف السنين..ويعتبر من أهم المحاصيل الغذائية بعصرنا الحالي.. فالقمح هو من الفصيلة النجيلية اللي بتنتمي لمجموعة حبوب الغلال (اللي بتضم : الذرة الشامية _الشوفان _ (الدخن_ الجاودار..من المزروعات القديمة بسهل حوران..وأنا بصراحة ماعرفت شو هنن..اللي بيعرفن ينورني)..
والظروف المناخية والجوية المناسبة والملائمة لنمو القمح هي المناخ الجاف شوي والمعتدل..فدرجات الحرارة واﻷمطار الها تأثير كبير بتحديد موسم زراعة القمح..وشدة الحرارة أو البرودة أو المناخ الرطب جدا أو الجاف جدا..فهي ظروف غير مناسبة لنمو القمح وزراعته…طبعا هالحكي بيدل على انو القمح كان ينمو بسوريا بشكل تلقائي وطبيعي ﻷنو الظروف المناخية مناسبة جدا لدورة حياته..منشان هيك يعتبر القمح والشعير عشبة برية بتطلع لحالها ببلدنا ..وهون بدأت الحكاية بالتاريخ وحسب رأي علماء اﻵثار انو اﻹنسان بالشرق اﻷوسط (يعني نحنا السوريين) بدأ بأولى خطوات الزراعة بمنتصف اﻷلف التاسع ق.م وكان القمح من أوائل النباتات اللي زرعها ودجنها .. (وجدت أقدم بذور بوادي المريبط قرب دير الزور عالفرات اﻷوسط قدر عمرها7700 ق.م …ووجدت أقدم سنبلة قمح متفحمة بتل أبو هريرة قرب الرقة قدر عمرها ب 9000 ق.م) (حكيتلكن عنهن بحكاية الزراعة)..
ومع مرور الوقت صار هاﻹنسان الشرقي ينتج الحبوب أكثر من حاجته..يعني بالنتيجة ماعاد بحاجة للبحث عن غذائه..فبدأ بنوع من اﻹستقرار اللي أدى لبدء الحضارة والمدنية..فكان التوقف عن التقاط الحبوب وحصاد القمح البري والبدء بزراعته وتدجينه هو أهم إنجاز حمى البشرية من الجوع..وكانت صاحبة هاﻹنجاز هي المرأة السورية اللي بالصدفة وبفضل مراقبتها وملاحظتها للحبوب المخزنة عند باب المغارة (بيتها) وجدت انو بعض حبوب القمح انطمرت بالتراب وبعد المطر نبتت وبرعمت هالحبوب وطلعت مكانها شيبلات =سنابل جميلة ..عجبها منظرن وصارت تعتني فيهن وتراقبهن حتى كبرت هالسنابل وأثمرت فتذوقتها واكتشفت انو هنن نفسن حبوب القمح ..وبدأت بتقليد الطبيعة وصارت هي تنتقي حبوب القمح الجيدة وتخبيهن وتنتظر الوقت والمناخ الطقس المناسب لتزرعهن..(طبعا طريقة الزراعة البدائية اسمها الزراعة عالجلدة يعني بدون فلاحة..وبعدا هالطريقة مستخدمة بعصرنا باسم الزراعة الحافظة وهي من أقدم طرق الزراعة)..وبعد محاولات عديدة نجحت المرأة السورية وعملت أول حقلة حنطة وزرعت القمح وأنتجته..فكانت هي المخترعة ﻷول نموذج إنتاجي بالعالم واﻷدلة موجودة باللقى اﻷثرية المكتشفة بعدة مناطق بسوريا منها : منطقة ست مرخو بريف اللاذقية وجدوا فيها أدوات حجرية مناجل وفؤوس وبقايا حنطة ..وبحوض دمشق بقرية جارما وجدوا بقايا حبوب قمح ..وبأوغاريت..وحالولا (لوحات فيها رموز لنباتات القمح والشعير).. وتل البيدر..وسهل حوران قرية أم العدس وقرية عشترة ..ومملكة قطنا.. وقرى الفرات اﻷوسط المريبط وابو هريرة …الخ..
وانطلقت زراعة القمح من بلاد الشام وانتشرت بالعالم..و أثناء عمل الباحثين بالقرى اﻷثرية بوادي الفرات اكتشفوا انو النساء كانت تطلع من الصبح قبل شروق الشمس للحقول ليزرعوا الحنطة (استنتاج من النقوش الموجودة على أرضيات المنازل اﻷثرية اللي عثروا عليها بهالمواقع..والنقوش بتمثل نساء بيقوموا بحركات بتشبه حركات زراعة الحنطة )..طبعا ﻹضافة للتماثيل اﻷثرية اللي بتجسد اﻷم والمرأة وعملية الخلق والولادة والخصب..وكل تماثيل اﻵلهة عشتار جدايلها عبارة عن سنابل قمح بترمز للحياة والموت ..البداية والنهاية..ألفا وأوميغا..وطبعا على أساس هالكشوفات اعتبر العلماء انو سوريا هي المنطقة اللي تم فيها استئناس القمح والشعير وتدجينهم وزراعتهم..
وباﻹنتقال لثقافة المدنية مع ظهور الممالك ..مملكة ماري وإيبلا منشوف انو دور المرأة زارعة الحنطة اتطور وصارت المنتجة اﻹقتصادية الرئيسية وصار الها طقوس لتقديسها اتجلت بطقوس الزراعة والحصاد واتضح هالشي باﻷلواح المسمارية من خلال اﻷغاني المدونة والموجهة للمرأة حاملة الخصب والمنتجة للخير ..ومن خلال اﻷساطير والتماثيل اللي بتجسد المرأة كربة للخصب..متل تماثيل اﻵلهة عشتار…وتمثال الربة الحامية الماسكة بايديها حزمتين من القمح بأوغاريت..
بكتاب جاك كوفان : ” القرى الزراعية اﻷولى ببلاد الشام ”
وبعد ملاحظته لوجود المعاول الحجرية والفؤوس والمناجل اللي اتطورت مع الزمن من حجرية لحديدية وبقيت مستخدمة لحد وقتنا الحالي بحقول الجبال الساحلية … بيقول : “” ان زراعة القمح من قبل النساء وما استتبعها من اﻷدوات التي تحتاج اليها للدرس والتجفيف ثم الطحن.. كان الناتج اﻷهم لما فعلته المرأة السورية وهو اﻹستقرار أﻹنساني في تلك القرى و البدء بتأسيس المستوطنات البشرية اﻷولى و ما عنى ذلك من ظهور العائلة الزراعية الواحدة والمجتمع المصغر منطلقا إلى تأسيس المدن والممالك والدول…هي تلك التي شهدتها حضارة هذه السهول من وادي الرافدين إلى ساحل المتوسط ..وهي نفسها الي شهدت ظهور ملكات عظيمات وسيدات أعمال يتاجرن ويبدعن ويعملن في كل المجالات ومنها الزراعة نفسها…”” سمعتوا ياسوريات !!!! يسعدلي ربكن ما أحلاكن..
وهيدي كانت حكاية حبة ألقمح…وبالجزء التاني رح نسمع حكاية روحيو الرحية (الطاحونة) وتنورو (التنور) وشدوق ادلاحمو (رغيف الخبز)…
وعشتوا يا سوريات.. عشتوا يا سوريين.. فيكن بتحيا سوريا.. وتحيا سوريا…