غسان القيم
نهاية مملكة أوغاريت الأليمة..
…………………………………………………………………………………
تبوأت أوغاريت بأوابدها الآثرية الجاثمة شمال مدينة اللاذقية بـ 11 كم مكانة هامة في عالم المكتشفات الآثرية والدراسات التاريخية واللغوية والميثولوجية والفنية في الألف الثاني قبل الميلاد هذه المدينة التي قدمت للبشرية وثائق تاريخية نادرة للحضارات القديمة التي توالت على سورية منذ العصر الحجري واصبحت ترجماتها فيما بعد موضع اهتمام المؤرخين وعلماء الآثار والمفكرين.
وتكشف أوغاريت عن أقدم أبجدية يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد واقدم نوطة موسيقية والكثير من المعارف البشرية والثقافية وحظيت منذ بدء التنقيب الأثري في اطلالها عام 1929 وحتى يومنا هذا بدراسات هامة قام بها آثريون من مختلف بلدان العالم حتى ان النهاية الاليمة لهذه المملكة نحو1200 قبل الميلاد اصبحت محورا للعشرات من الندوات والدراسات والمؤتمرات كانت موضع بحث ونقاش وجدل ما زال مستمراً حتى الآن
بين العلماء والمختصين حيث رأى بعض العلماء ان نهاية اوغاريت كانت بفعل طبيعي اي بزلزال اصاب الموقع ودمره في القرن الثاني عشر قبل الميلاد بينما يرى البعض ان الزلزال يمكن ان يكون أصاب أوغاريت لكنه لم يكن السبب المباشر لنهايتها لانه حدث عام 1365 قبل الميلاد اي قبل النهاية المحتومة بنحو 165 عاما.
إضافة إلى وجود رأي آخر يعيد اسباب نهاية الدولة الحثية والدول التابعة لها في المنطقة السورية إلى الضربات السريعة التي قامت بها الدولة الآشورية للمنطقة مبينا ان المكتشفات الآثرية في أوغاريت لم تسفر عن وجود أي اثر للآشوريين في هذه المدينة كما انه من المعروف تاريخيا ان الآشوريين في زمن ملوكهم المعاصرين لنهاية الامبراطورية الحثية وأوغاريت لم يصلوا ابعد من كركميش على نهر الفرات غربا لافتا إلى ان بعض العلماء قالوا في ابحاثهم ان الحثيين مسؤولون عن نهاية مملكة اوغاريت اعتمادا على آثار الشعوب المغيرة التي وجدت في المنطقة ومنها الحديد الذي كان موجودا في الدولة الحثية.
وان النظرية المؤكدة بالأدلة الأثرية التي قدمتها بعض الابحاث تقول ان تهديم أوغاريت تم بفعل بشري وهجمات تعرضت لها المدينة ومما جاء في هذه الابحاث ان جماعات جاءت من البلقان والبحر الاسود هاجمت سواحل شرق المتوسط سنة 1180 قبل الميلاد.
و إلى ان عالم الآثار شيفر المرجع الأهم بالنسبة لأوغاريت الذي نقب في موقع أوغاريت الأثري لأكثر من خمسين عاماً اعطى اشارة بقوله : من المحتمل ان يكون تدمير أوغاريت مرتبطا بتحركات شعوب البحر هذه الفكرة اعطت تفسيرات مرضية وقبولا حسنا من قبل مجموعة كبيرة من الباحثين والمؤرخين العرب والأجانب مشيراً إلى وجود عدة أسباب أدت إلى اضعاف ونهاية أوغاريت ومنها مرض الطاعون والمجاعة والاضطرابات السياسية الداخلية.
و ان حكم عمورابي آخر ملك حكم أوغاريت والذي تبين من خلال ترجمة الرقم الفخارية الأوغاريتية انه كان صغير السن وكانت الأزمات المذكورة قد اصابت مفاصل دولته فاصبحت هزيلة اجتماعيا واقتصاديا وهشة قابلة للدمار والانهيار فكانت الضربة القاضية على يد الشعوب القادمين براً وبحراً الذين لم يكن هدفهم الا التدمير والحرق والتخريب والبحث عن وطن يسلبونه وكانوا يتوجهون الى مراكز معروفة لديهم أهمها على الاطلاق مدينة اوغاريت والمدن الساحلية السورية الاخرى.
ان تفوق شعوب البحر بأسلحتهم الحديدية وشدة تدريبهم جعلهم منافسين حقيقيين لأهل أوغاريت التي لم تكن تملك قوة عسكرية تؤهلها للدفاع عن نفسها بسبب اعتمادها على حماية الدول العظمى لها انذاك وانصرافها التام إلى التجارة.
ان الابحاث تشير إلى ان ملك أوغاريت ارسل اسطوله وجيشه ليساعد الدولة الحثية في معركتها البحرية على شواطئ كيليكيا كون الحثيين لا يمتلكون اسطولا بحريا واعتمدوا في حربهم وتجارتهم على اساطيل أوغاريت فارتكبت اوغاريت بذلك خطأ استراتيجياً عسكرياً كبيراً وسقطت المدن الساحلية في ايدي العدو مشيراً إلى ان ملك أوغاريت طلب النجدة من ملك قبرص لكن النجدة لم تصل لان الرسالة لم ترسل وبقيت ضمن النصوص التي عثر عليها ضمن فرن الشي في القصر الملكي.
ان نصوص اوغاريت الكتابية الاخيرة توضح آخر الاحداث التي شهدتها اوغاريت حيث يذكر الملك ان سبع سفن عدوة قد لاحت في الافق وان المدينة جميعها قد استسلمت وجيوشه بعيدة عنه وهو في مواجهة الاعداء وحده لافتاً إلى ان التنقيبات الآثرية والتي لاتزال مستمرة أوغاريت حتى الان تسهم في الكشف عن تلك الفترة من تاريخ سورية وتزيح الستار عن غموض شعوب البحر الذين انهوا بهمجية ووحشية مدينة أوغاريت سنة 1180 قبل الميلاد وطويت بذلك صفحة مشرقة لعاصمة سورية عظيمة قدمت للانسانية أقدم وأهم المعارف والعلوم البشرية في التاريخ القديم.
إعادة..