الأستاذ : سمير ونوس ..
حجر الخلود بين مربي أجيال ..وفلاح متميز .. ومصور ماهر..
– بقلم المصور : فريد ظفور
- كم هو ساحر عالمه الجميل ..صومعته المتعالية..ذاك الخمر المعتق بسحر طبيعته كما عالم الجوكندا وفينوس وكل حوريات الجمال..عالم العشق الفني الجمالي ..والخيول جامحة بصهيلها تسابق الريح المعرفية ..تخشى لسعات نار حبه لتزداد رعشات القلب..توجعنا آهات قيثارته الإنسانية ..ساحر بصمته وبآهات عينيه..نظراته جارحة تتأمل بذكاء وهدوء ..لتخبرنا بحقيقة مخبأة بأنه إنسان فوق هندسة الأشكال وفوق تصور الخيال..فهو غواص متمرس في بحر الإنسانية..حضوره درة ولوحة ضوئية نادرة وكأنها ومضة مستحل في زمن يندر فيه الصادقين..فتعالوا معنا نفرش الفل والرياحين والورد والياسمين الشامي لنرحب بضيفنا الأستاذ سمير ونوس..
- تاقت نفسه إلى الهدوء..جاءته زرقة السماء ..فيمم وجهه قاصداً الجبل الأخضر الرحيب المزدان بالتفاح والجوز واللوز والإجاص والكرز والمشمش والرمان والتين والعنب..الجبل ساكن خال من الصخب والضجيج قبيل الغروب بقليل..إلا أنه يعج بالفلاحين والفلاحلات وقت النهار..وعلى سفح الجبل راح يراقب إنعكاس الأضواء وهروب بعض الإشعاعات من بين الأغصان التي تكسرها تلاحقات رياح عاتية ..تسللت إليه نسمات شبه شتوية قادمة من خلف الجبل ..فأحس برعشة من ينتظر حياة جديدة مقبلة بعد أن أودع طلابه وزملاؤه في المدرسة..رفع عينيه إلى السماء ..وكان القمر قرصاً برتقالياً كبيراً في شهر تموز لكن الغيوم الرمادية إبتلعته ..وسرح في غباب الماضي يُجري جرد حساب ..ماذا أنجزت وماذا قدمت لأبنائي ولبلدي ..وكأني به يقف أمام مرآت الذات يجلدها ..ويعاقبها..بل لنقل بأنه يقف خاشعاً وجالساً على كرسي إعتراف الضمير ..لينبث ببنت شفاهه بكل مكنوناته الدفينة من حب وبغض …من مر وحلو من أيام بيضاء وأخرى سوداء..وكأن الغيوم تتسابق مع الزمن بين مد وجزر كما الأمواج في البحر….رأى الماء منحسراً من النبع عبر الساقية يكشف نباتات مبللة وحصى وأشنيات وبقايا أشياء..وظن بأن الساقية تبتلع الجمال وأن الغيوم تحجب الرؤية عن جمال الطبيعة الخلابة..فماذا تركت له الأيام من جزر العلاقات الإنسانية والإجتماعية ..من أصدقاء طفولة ودرب..هل يعرض منا الواحد عن الآخر مع بعض الأصدقاء..هل تتلاقى نظراتنا نبتسم نتعانق..ويبتسم إبتسامة صفراء واهنة وتابع مسيره..أهو التخاطر ..أهي المصادفة تدبر لهما أن يلتقيا..أم القدر يجمعهما بين مودع نحو الأبدية ومسافر في طريق الحياة..أحقاً يصدمنا الموت بوداع من نحن..تثاقلت قدماه ..تندت عيناه..نظر في الأفق في السماء فكان أمامه شريط طويل من الذكريات مع الأحبة والأبناء ..مع الزملاء والعاملين في حقولهم..كان أمامه بقايا قمر موشح بالغيوم وجزر من الذكريات ووراءه أخوة وقد غدا غريباً ..في القرية الوادعة تربيا معاً وتقاسما الخبز واللعب والضحك والبكاء..وباحا لبعضهما بأشواق الصبا وأسرار الحياة والحب الأول..تصالحا ..تخاصما …بدت الأيام والمسافات بعيدة بينه وبين الكثيرين الذين غادرونا لدنيا الحق..وبين بعض الباقين منهم على قيد الحياة..لقد نغيرت العلاقات الإجتماعية ..فهل صحيح بأن الفرع ينسى إنتمائه للشجرة..أينسى التربة والجذر والنسغ والماء..رباه لم حدث ذلك فقلبُ الأستاذ سميح ونوس مفتوح للجميع ..محب للخير ..ومعطاء بلا حدود..ولا طعم للحياة عنده من غير الأصدقاء..فهو لايستطع أن يغلق بابه على أفراحه وأتراحه..فهل هو الرومانسي الذي تخطى حدود الواقعية..هل يدخل في نفق العزلة ..يحس بالإختناق لمجرد الفكرة ..وأخيرا رمق بعينيه السماء ..الغيوم تزول مسرعة ..فهل تزول غيوم العلاقات الإنسانية..ومتى يعود لها مدها ودفؤها وجمالها..ومتى تكبر مساحات الحب والود بدل مسافات الجفاء والبعد ..
- تزداد حاجتنا للفن والأدب والطبيعة كلما وجدنا أنفسنا بمواجهة ضراوة الحياة وتهديداتها..وتكون القراءة وحالياً مواقع التواصل الإجتماعية كالفيس بوك..ملاذاً يخفف عنا عناء شقاء الماضي والحاضر..ولكن همسة من صوت الذات المحتجة ..والفن والأدب ضرب من الحلم بالسعادة وتعبير جمالي مموسق في التعبير عن تطلعاتنا وأشواقنا وصبوات أنفسنا..فترى البشر أصناف وأجناس في العشق والهوى ..فبعضهم يعشق الشعر وآخر الموسيقا ..وبعضهم الفن التشكيلي أو التصوير وآخرين الرياضة ….الخ..ولكن المربين والأساتذة المعرفيون الذين ينيرون دروب الحياة لمن يريد أن يدخل فردوس الفن أو الأدب..وفلاسفة التربية يعتبرون المدرسين بناة حقيقيون للإنسان وحراس الكينونة الإجتماعية للفرد.. والحق ما أحوجنا جميعاً لوقفة مع الذات لنعيد مراجعة دفتر حساباتنا وشيكات حاتنا ..لنكون صادقين مع أنفسنا أولاً ومع وطننا ثانياً ..لأن الأنا منبع الفلسفة وأصلها..التي توصلنا نحو الشكوك لكن المأساة ومبعث القلق بأن الأنا دائماً تهدها العزلة ولكنها تحاول بإستمرار أن تعيد تكاملها وتتغلب عليها..فهل الأنا جدار عزلة عن الآخرين أو هو منزل ٌ بشرفات ونوافذ مفتوحة نطل بها على العالم ونحو الضوء..
- حدث منذ سنين عدة بأن جمعتنا الصداقة منذ نعومة أظفارنا ..وتسامقت معارفنا وإمتدت موغلة في عمق الزمن فقد عشنا السراء والضراء والظروف القاسية وبعدها أشرقت شمس قرية فاحل وتعالت في بقاع العالم تنشر دفء غلالها وظلالها المعرفية العملية والإنتاجية ..فقد كانت في السابق تتربع على عرش جبل الحلو بأنها أم التين وذاع صيتها وأصبح يقال تين فاحل وهو بلا ريب ماركة مسجلة في أذهان كل من ذاق طعم تينها الجبلي المتنوعة الأصناف والمذاق الطيب..وأيضاً كان العنب والزبيب والملبن والنبيذ والجوز وبعدها بدأت تكتسح الساحة وتتفوق على جارلتها في إنتاجها.. الخوخ الإستابنولي والتفاح بأنواعه والخل والزيتون والزيت والآن تعاود أدراجها لإعادة الكرمة والتين بحلة جديدة وأسلوب جديد..إضافة للكيوي والبندق..ولا ننسى بأن غابات الكستناء والصنوبر المنتشرة على ظهر ضهر القصير كلها من أراضيها..كيف لا وهي بمساجة 24 ألف هكتار وتسمى أم سبع جبال…ونساؤها أشغل من رجالها ..والحق يقال جميع أبنائها أشغل من وكر نمل يوقظون الشمس ويجعلونها تنام على ساعدهم في العشية..الجميع يلبس ثياب العمل ويذهب للحقل وللبستان وللكرم..بدء من الدكتور فالمهندس والفلاح والمعلم والضابط وكافة شرائح المجتمع صغاراً وكبار يتسابقون للعمل ..وليس أدل على ذلك من أن تقارن الأراضي التي يمتلكها أبناء قرية فاحل وجيرانهم من القرى التي تصل إلى 15 قرية مجاورة..فتجد الفرق واضح من خدمة الأشجار ونضارتها وخضارها مقارنة بالأشجار المجاورة للجيران..
- لعل من نافلة القول بأن نعرج على المعلم والمربي سميح الروظة أو سمير ونوس ..فقد جاء بشهادة الموجهين التربويين المشرفين على الأستاذ سمير بأنه من أكفأ الكوادر التدريسية سيما وأنه ُيعد اللبنات الأولى من المرحلة التعليمية الإبتدائية..فهو من أشرف المدرسين والأكثر إستقامة بين أقرانه..وقد حافظ على سمعته العطرة نقية لثلاثة أجيال..وكان طلابه يفخرون به وبتندريسه لهم..لأنه يعلم مباديء المعاملة النزيهه لأطفالنا في المهد..وقد جعل القيم المثلى قوام ثقافتهم..وكان زملاؤه يغارون من تميزه و حب الأهل والتلاميذ له..وكان أسلوبه يتميز بالروح الساخرة والمؤثرة لشدة واقعيته وصدقه ودقته في تصوير أوجاع طلابه وإعطائها الحلول الناجعة..وقد إرتقى بفن إستخدام اللغة الدرارجة ..وأن الأستاذ سمير حرر الطلبة من بعض القيود التي كانت تحد من حرية إبداعهم وتميزهم..
- وأما سمير المصور الهاوي والمتميز والماهر الذي إستطاع ببعض الحنكة من إستئجار كاميرا والتصوير زملاؤه بها في دور المعلمين في ثمانيات القرن الماضي لكي يسد رمق الفقر والجوع ويساعد أهله في تأمين مستلزمات دراسته من مسكن ومأكل..وبعدها تحولت كاميرته لترصد وتسجل الكثير من الصور الفلكلورية والتراثية لأبناء قريته فاحل ..ناهيك عن أنه مساهم وفدائي ومعطاء بلاحدود فهو الأوحد نسبياً الذي يقدم الغالي والرخيص لخدمة الفن الضوئي..فقد كان في كل رحلات تصويرية يزور فيها مصورين ومصورات القرية يقوم بواجب الضيافة على أكمل وجه ويقدم ما لديه من تفاح وخوخ..وغيره لضيوف القرية من الفنانين الضوئيين ..وهذه الحالة حصلت عشرات المرات لذلك وجب توجيه الشكر والتقدير لجهوده لنصرة الفن الضوئي ورفع شأوه عالياً بين الفنون الأخرى ..ولاننسى بأن الأستاذ سميح عانى الكثير من الفقر والجوع والتشرد والحرمان فعمل بالكثير من المهن منها البالة ( الألبسة الأوروبية المستعملة) وسافر للجزيرة السورية للتعليم ..وأحيراً حط به عصا الترحال وأمضى بقية سنوات عملة طيلة ثلاثة عقود من الزمن في التعليم ويرافق ذلك عملة في الأرض مع زوجته المناضلة وأفراد أسرته التي تعلمت وتربت أحسن تربية وتخرج جميع أبنائها بشهادات جامعية..وبذلك كان مربي الأجيال وناجح في تأمين أبنائه ووصولهم عتبة التعليم البعالي بتفوق وإقتدار ..ناهيك عن تفوقه كفلاح ومزارع لايشق له غبار…فالجميع يعترف ويقر بتميزه وشراؤه الكثير من الأراضي من عرق جبينه وتعبة ..فقد أصبح يمتلك البراد والمدجنة ومحل الجملة في بيع السمانة علاوة عن الآلة الزراعية والمعدات الخاصة بالعمل بالأرض..ناهيك عن الإكتفاء الذاتي له ولعائلته من كافة أنواع الفواكه والثمار .. وكل هذا لايمكن أن يحصل لولا مسحة الحب والحنان التي زرعها هو زوجته في جنبات البيت ..فكل التقدير والوفاء بالجميل الذي قدمه للمصورين ولكل الرحالة الزائرين لقرية فاحل…وبإسم الجميع نقدم أسمى آيات الشكر والتقدير لهذا الفنان الضوئي المحب والمانح وقته وماله لنصرة الفوتوغرافيا..
- وندلف أخيراً للقول بأننا في نهاية المطاف نأمل بأن نكون قد قدمنا في عجالة فكرة سريعة عن الإنسان والفنان والفلاح..مربى الأجيال وباني جيل المستقبل..والبستاني الذي أعطى الأرض والشجر والحجر من عرق جبينه الكثير وعاشق وهاوي للفن الضوئي ..الذي عشقه وعشق محبيه بصمت وقدم له الكثير الكثير..ولذلك وجب تقديم الشكر والتقدير للفنان والإنسان الأستاذ سمير ونوس الذي كان منارة هداية ومشعل لبناة الأجيال ..ستظل تتذكره الناشئة والطلبة ..لأننا نعيش بالأمل وبكرا أحلى بأبنائه ومربيه..
ــــــــــــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الأستاذ سمير ونوس ــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ