#كي لا ننسى التراث والتاريخ
من صفحة الفنان التشكيلي
مصطفى رعدون
عروس المدائن افامية
بعد أن تدلف اليها من بوابة أنطاكية ( القنطرة ) وتجتاز الأماكن المعدة لإستراحة القادمين من قوافل طريق الحرير والمسافرين ، تجد نفسك في رحاب أجمل واوسع واطول وأرقى وأضخم شارع عرفته الإنسانية من العالم القديم ( قبل الميلاد ) شارع كبير وأرصفة رائعة وصفي أعمدة سامقة على طوله البالغ قريب الكيلومترين ، تحفة معمارية قل مثيلها ، تضافرت جهود آلاف الفنانين والمهندسين والعمال والبنائين من يونانيين وسوريين حتى اكتمل جمالها ، وهذا الشارع الذي يعود للمئة الرابعة قبل الميلاد ، حصيلة تماذج الثقافتين السورية واليونانية ، حيث نتج عن ذلك توالد حضارة هلنستية راقية ، وهو مرصوف بالحجارة في وسطه ، ورصيفيه الجميلين ، المسقوفين بالواح الخشب لإتقاء الشمس والمطر ، ويصطف على جانبيه ، آلاف المحلات والدكاكين والحوانيت ذات الطابقين ، والتي تشمل انواع عديدة من المهن ، ويباع فيها الكثير من البضائع المتنوعة ، من النتاجات المحلية والمستوردات من بلاد بعيدة ، فقد كانت هذه المدينة من ألمع وأنشط المدن الواقعة على طريق الحرير ، بين الشرق والغرب ، واللافت للنظر ، ان عددا من الشوارع الفرعية التي كانت تتعامد مع هذا الشارع ، كانت تبدأ بأعمدة مربعة لتتميز عن غيرها عند المنعطفات ، برقعة شطرنجية ، كما اعدت الكثير من الواجهات الجمللونية الخاصة على محاذاة الشارع ، لأبنية خاصة ومعبدية غاية في الجمال والروعة ، وتوضعت ثلاثة أعمدة ضخمة بقواعد كبيرة ومتميزة في وسط الشارع ، المسافة بين كل منها والعمود الآخر هي ربع طول الشارع كاملا ،، وتميزت الاعمدة بأشكال زخرفية متعددة اجملها الحلزوني ، الذي لا مثيل له في المدن الأخرى ، وتيجان كورنثية غاية في الابداع ،
ان شارع افامية الكبير ، هو اجمل شارع من الطرز المعمارية التي تفنن بها السوري في ازمنة الهلنستيين والرومان والبيزنطيين ، وهو حصيلة تماذج الثقافات الشرقية والغربية ، وعلى رأسها الفنون السورية العريقة الضاربة في القدم ،
لقد كان هذا الشارع العملاق يضج بالزائرين والغرباء والسائحين والتجار ، وكانت تجرى به العروض العسكرية الجميلة ، بكتائب الجنود المشاة ، والجنود الذين على ظهور خيولهم ، وسراياهم التي تحمل الرايات ، وفيلتهم الضخمة ، وجواميسهم القوية التي تجر العربات ، على إيقاع الطبول ، والصنيجات النحاسية ، وابواق المزامير النفخية ، وتسير به المواكب الجنائزية التي كانت تتوجه الى ( حورته ) ضاحية افامية الجميلة والتي تحوي على المقابر ومغاور الدفن ، ويصطف الناس على الارصفة من الجانبين لمتابعة تلك العروض ، ان ال:
(1200 ) عمود التي زينت الشارع على جانبيه منحته جمالا أخاذا ، ضاهت به مدن العالم في تلك الأزمنة ، ،،،،
وقد ضربت المدينة زلازل ساهمت في وأدها كان أهمها زلزال عام (1157 م ) الذي كانت حركته بجهة واحدة وادت لرمي معظم الاعمدة ، فانقطعت بها الحياة ، وصنفت منذ ذلك التاريخ بين اطلال المدن الخالدات ،،،،،
مصطفى رعدون ،
الاثنين – 9 – 7 – 2018 – – – –