فنانة تشكيلية من “حمص” استنشقت الهواء الدمشقي فصنع منها رسامة تشكيلية درست ومارست الفن التشكيلي ليجعل منها سفيرة الفن التشكيلي السوري في كندا.. إنها الفنانة التشكيلية المغتربة “نجاح زخور” التي التقيناها عند عودتها لوطنها الأم سورية بعد غياب دام أكثر من /15/ سنة متواصلة.. وكان لموقع eSyria الحوار التالي معها:
* الطفولة مرحلة هامة من المراحل التي يمر بها أي فنان كيف كانت طفولة الفنانة “زخور” وما علاقة تلك الطفولة بمدينة “دمشق”؟
** عندما أتذكر أيام طفولتي أجد أنها أيام حافلة بالمتغيرات والأحداث، فأنا فتاة من “حمص” ولكن نشأت وترعرت في “دمشق” وأظن أن هذا التنوع المكاني خلق في نفسي حالة من الديناميكية التشكيلة.. وأنا ولدت في قرية “رباح” التابعة لمحافظة “حمص” في العام /1949/ وقد قضيت فيها سنوات طفولتي الأولى واسم والدي “عبد الكريم زخور” وكان كثير التنقل بين المحافظات السورية لأنه كان يعمل في الجيش العربي السوري، ومن أجل ذلك انتقلت العائلة إلى “دمشق” وكنت حينها في بداية المرحلة الابتدائية فسكنت العائلة في حي باب توما بمنطقة القيمرية وكان منزلنا عبارة عن بيت عربي قديم في وسطه البحرة وتزينه الكثير من الزخارف..
أما مراحلي الدراسية فأتممتها في مدرسة العزارية وأظن أن تنقلي بين الطرقات والأزقة القديمة الأثرية وخاصة في مناطق القشلة- القيمرية- شارع مدحت باشا- الحميدية… أثرت في توجهي الفني وخاصة عندما كنت أرى وأتلمس عبق دمشق القديمة المتمثل في الأرصفة بالأحجار والبيوت القديمة المتلاصقة والأبواب الأثرية ذات الزخارف والألوان التي قد يصل عمرها إلى مئات السنين.
هذا كله جعل مني فنانة صغيرة في المرحلة الإعدادية التي بدأت تتفتح فيها موهبتي وتبرز فقد شاركت خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية بالعديد من المعارض التشكيلية الطلابية لذلك نشأت بيني وبين العديد من أساتذة الرسم صداقة وعلاقة عملت على صقل موهبتي بشكل أكبر..
* متى بدأتِ بدراسة الفن التشكيلي بشكل أكاديمي وما أبرز الشخصيات التشكيلية السورية التي تعرفت عليها أثناء مرحلة الدراسة؟
** بعد أن برزت موهبتي بشكل لافت خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية لم أستطع أن أتم دراستي إلا في مجال الفن التشكيلي فبدأت بدراسته بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق العام /1965/ وكانت حينها بالقرب من ساحة التحرير بدمشق.. والحقيقة كانت هذه الأيام رائعة بكل شيء فأنا أذكرها بشوق كبير لأن أجواء الدراسة في تلك الكلية كانت رائعة لأن عدد الطلاب كان قليلاً وكنا كلنا مع أساتذتنا عائلة واحدة.. وأبرز من علمني الفن التشكيلي هو الأستاذ الكبير الياس زيات الذي كان له الفضل الكبير في تطوير أدائي التشكيلي وأذكر من الطلاب الذين درسوا معي وأصبحوا الآن من أهم الفنانين التشكيليين في سورية الفنانين التشكيليين “عبد الله مراد” و “عبد القادر عزوز”..
وقبل التخرج في الكلية قدمت مشروعاً للتخرج هو عبارة عن ديكور جداري مرسوم بالزخرفة العربية وقد حاز إعجاب واهتمام الكثير من الأساتذة والفنانين.. ثم تخرجت في كلية الفنون الجميلة بعد سنوات حافلة في العام /1972/.
* بعد هذه الأعوام الحافلة بالدراسة التشكيلية كيف بدأت الفنانة التشيلية “زخور” حياتها العملية؟
** عدت إلى مدينتي “حمص” بعد سنوات من العيش في دمشق وتزوجت فيها في العام /1972/ وزوجي اسمه “سعد الله حرب” ثم عينت مدرسة لمادة الرسم ودرست في عدد من مدارس حمص منها ثانويتي الفارابي وكتيبة.. وفي العام /1976/ أوفدتني الدولة إلى الجزائر لتعليم الفن التشكيلي وخلال وجودي في الجزائر اشتركت هناك بكثير من المعارض التشكيلية الفردية والجماعية ثم عدت إلى سورية في العام /1981/ لأبدأ بتدريس الفن التشكيلي في معهد إعداد المدرسين بحمص.. وفي العام /1986/ عينت مديرة لمعهد الفنون بحمص وبقيت مديرة له حتى العام /1996/ ثم هاجرت إلى كندا..
* بعد هذا النجاح والتميز في سورية ما الظروف التي دعتك للهجرة إلى كندا وكيف كانت بداية حياتك فيها؟
** على الرغم من كل ما أنجزته في وطني كنت أتوق وأتطلع إلى السفر خارج سورية لكي أتعرف على بلاد جديدة وأناس جدد لأني كنت أعتقد أن الفن التشكيلي يتأثر ببيئة الفنان التي يعيش بها.. وبعد تفكير طويل اخترت كندا لكي أسافر إليها فهاجرت إلى هناك وأخذت معي ولدي الذي كان صغيراً آنذاك وبداية لم اكن أنوي البقاء طويلاً في كندا ولكن وجدت فيها عالماً جديداً وأشخاصاً لم اعهدهم من قبل وبصراحة هذا العالم الجديد جذبني إليه بشكل كبير.. فكندا كانت حينذاك محطة للعديد من الشعوب والثقافات العالمية وفيها تنوع بشري وثقافي لافت للنظر..
وعن حياتها في كندا قالت:
«خلال سنواتي الأولى في كندا واجهت الكثير من الصعوبات والتحديات فأنا ذهبت إلى بلد أجنبي لم أكن أعرف أحداً فيه ولم أكن اتقن لغة أهله فكندا كانت بالنسبة إلي بلداً مجهولاً لم أكن أعرف عنه أي شيء.. فبدأت بتعلم اللغة الإنكليزية فكان مجتمعي الأول هو مدرسة اللغة والكنيسة المجاورة للمنزل الذي كنت أعيش فيه ومن خلالهما تعرفت على أصدقائي الأوائل في كندا.
ثم بدأت بتلمس الحياة التشكيلية في كندا من خلال متابعة المعارض التشكيلة والتعرف على بعض الفنانين التشكيليين.
ولأني كنت وحيدة في ذلك البلد الأجنبي فقد احتجت إلى مورد مالي لكي أستطيع العيش مع ولدي فبدأت برسم اللوحات التشكيلية وبيعها فكانت اللوحة التشكيلية صديقتي الوحيدة والدائمة اتحاور معها بواسطة الخطوط والألوان وهذا ما زاد من ارتباطي بالفن التشكيلي وجعل منه متنفسي الوحيد في غربتي.
هذه السنوات الصعبة أوجدت في نفسي شيئاً من التحدي لخلق لوحة تشكيلية نوعية تخرج عن إطار المألوف وهذا ما ساعدني في أن أثبت نفسي بقوة كفنانة تشكيلية سورية في مجتمع غربي يبحث عن كل جديد ومميز ومن ذلك الحين تفرغت بشكل كامل للفن التشكيلي».
وأضافت:
«الطبيعة الخلابة في كندا وتدرج الألوان في نباتاتها خلق في نفسي الكثير من المشاعر التي ترجمتها إلى ألوان ورؤى تشكيلية حاولت أن أمزج فيها الفن العربي العريق بحداثة وتنوع الغرب».
* ما أبرز نشاطاتك في كندا وهل تعتقدين أنك كنت سفيرة للفن التشكيلي السوري هناك؟
** ممارستي للفن التشكيلي في كندا جعلني أتعرف على عدد كثير من أساتذة الفن التشكيلي فقد كان منزلي محطاً لعديد منهم فقد أقمت في بيتي منتدى للفنانين التشكيليين والموسيقيين يجتمعون فيه كل آخر يوم سبت من كل شهر من الساعة التاسعة مساءً إلى الساعة الثانية فجراً ومن بين هؤلاء الفنانين كان هناك فنانون عرب وأجانب.
وعن طريقتها المميزة في الفن التشكيلي التي ابتكرتها خلال وجودها في كندا قالت:
«بعد سنوات من الرسم التشكيلي حاولت أن أطور أسلوبي التشكيلي لأخرج من نمطية الفن التشكيلي ورتابته فقد بدأت برسم اللوحات بواسطة تدرج المتنوع للألوان وأصبحت اللوحة التشكيلية عندي عبارة عن عدد من اللوحات الصغيرة التي تؤلف بمجموعها لوحة تشكيلية ويمكن أن تتألف اللوحة الواحدة من أكثر من /20/ لوحة صغيرة وهذا الأسلوب قريب من مبدأ الفسيفساء واتبعت في ذلك عدداً من القواعد الهندسية والتشكيلية الدقيقة وهي طريقة مطورة عن المدرسة التكعيبية والتجريدية».
* بعد هذه السنوات الطويلة في كندا كيف فكرت بالرجوع إلى الوطن؟ وما تطلعاتك إلى المستقبل؟
** عند وجودي في كندا ما بين سنتي /1996-2010/ كنت أتواصل مع الوطن بواسطة الهاتف ثم البريد الإلكتروني ولم أذكر أني انقطعت عن سورية وأخبارها يوماً فالوطن بقي ساكناً في قلبي ووجداني رغم كل الصعاب التي واجهتني فالكثير من اللوحات التشكيلية رسمتها بإلهام من وطني وفي العام /2010/ وجدت أنه من الضروري أن أعود إلى سورية بعد /15/ سنة من الهجرة المتواصلة.
وعند وصولي إلى سورية وجدت أنها قد تطورت بشكل كبير خلال هذه السنوات فالتطور لامس كل شيء ولاسيما الفن التشكيلي وهذا واضح من خلال الإقبال الكبير من الطلاب على دراسة الفن التشكيلي والاهتمام به وانتشار الصالات التشكيلية في المدن السورية التي تضم العشرات من المعارض ولاسيما في حمص ودمشق وحلب..
والآن أنا أفكر في تقسيم السنة إلى قسمين الأول أقضيه في سورية والآخر في كنداً لكي أكون جسراً يربط الفن التشكيلي بين سورية وكندا..
أما الفنان التشكيلي “عبد القادر عزوز” فقد حدثنا عن معرفته بالفنانة “نجاح زخور” فقال:
«أنا أعرف الفنانة “زخور” منذ أن كنا طلاباً في “كلية الفنون الجميلة” بدمشق وأستطيع أن أقول إني متابع لكل مراحلها التشكيلية التي مرت بها، وهي مراحل تمتاز بالفرادة التشكيلية لأنها انتقلت من مرحلة إلى مرحلة بتطور لافت.. كما أن الفنانة “زخور” كان لها بصمتها التشكيلية في مدارس “حمص” ومعاهدها التشكيلية لأنها مارست التدريس لمدة طويلة.. وأظن أن هجرتها إلى كندا كان لها أبلغ الأثر في تطور أدائها التشكيلي لأنها استطاعت أن تمزج الفن التشكيلي الغربي بالفن التشكيلي العربي فلوحاتها الآن لها سحرها الخاص التي تنفرد به..».
/ حمص