استفادت السينما كثيرًا خلال القرن الحالي من الطفرة التقنية الهائلة التي شهدتها الصناعة، حتى أنّ بعض الأعمال استطاعت خلق عالم وهمي بالكامل، لكن في النهاية تبقى تلك الصورة السينمائية – رغم روعتها التي لا يمكن إنكارها – ناقصة لشيء ما، هي أشبه بالورود البلاستيكية، جميلة المنظر لكنها غير نابضة بالحياة …
تستعرض أراجيك فن من خلال الفقرات التالية مجموعة من أفلام القرن الحادي والعشرين التي امتازت بتقديم صورة سينمائية بديعة في تكوينها، صادقة في إحساسها، معبرة بتفاصيلها عن روح العمل الفني.
City of God – 2002
إخراج: فرناندو ميريلس
مدير التصوير: سيزار تشارلون
يستند فيلم City of God إلى واقعة حقيقية جرت أحداثها في البرازيل خلال عقد الستينات، حيث عمدت الحكومة إلى بناء مدينة مستقلة بعيدًا عن العاصمة لإيواء الفقراء والمُشردين، ومع الوقت تحولت – تلك المدينة التي سميت “مدينة رب” – إلى واحدة من أكبر البؤر الإجرامية داخل البرازيل وأكثرها خطورةً، ويستعرض الفيلم الأجواء داخل تلك المدينة ومراحل تطور الجريمة وتفاقم الأزمة داخلها من خلال رحلة المصور روكيت (أليكسندر رودريغز).
يمكن القول بأنّ لو كان ذلك الفيلم صامتًا لاستطاع أن يوصل رسالته كاملة من خلال لغة الصورة وحدها، والفضل في ذلك بالطبع يرجع إلى عمق رؤية المخرج، وبراعة المصور سيزار تشارلون في تكوين كادراته، حيث جاءت متنوعةً ما بين لقطات واسعة تستعرض أجواء العالم الوحشي الذي تدور داخله أحداث الفيلم، وبين لقطات قريبة تركز على أدق التفاصيل مثل (النظرات، حركات الشفاة، أصابع الأقدام، البيوت، وحتى أكوام القمامة) معبرًا بذلك عن حياة الفقر ومأساة أهل تلك المدينة المهمشة، وفي كلتا الحالتين كانت الصورة على الدوام ضبابية باهتة اللون خالية من أي عنصر مبهج.
وفي بعض اللحظات – خاصةً في مشاهد الاشتباكات – اتسمت انتقالات الكاميرا بشيء من العشوائية والفوضى، لكنها فوضى متعمدة ومدروسة تعكس الحالة السائدة داخل ذلك المجتمع دون أن ترهق عين المشاهد أو تفقده التركيز، وقد توجت جماليات الصورة برؤية المخرج الذي برع في استغلال أدق التفاصيل وأبسطها، مثل: (الألواح الخشبية، سياج البيوت، الظلال العمودية، قوائم مرمى كرة القدم)، كانت “هيئة القضبان” عنصرًا أساسيًا بأغلب الكادرات تذكر المشاهد دائمًا أنّه أمام مجتمع حبيس يعاني النبذ والانعزال.
أفضل 10 أفلام خالدة من خارج هوليود عليك مشاهدتها
Far From Heaven – 2002
إخراج: تود هاينز
مدير التصوير: إدوارد لاشمان
يدور فيلم Far From Heaven في عقد الخمسينات حول ربة منزل تدعى كاثي ويتاكر (جوليان مور) التي تعيش حياة أسرية تقليدية، لكن تنقلب الأوضاع رأسًا على عقب حين تتشكك في الميول الجنسية لزوجها فرانك (دينيس كويد)، لا تجد كاثي من يواسيها في أزمتها النفسية سوى البستاني الزنجي ريموند ديغان (دينيس ديجان)، لكنها تواجه انتقادات حادة من المجتمع العنصري الرافض الذي يحتقر الزنوج.
يصحب فيلم Far From Heaven في رحلة عبر الزمن ويعود به إلى عقد الخمسينات بمختلف تفاصيله الواقعية والسينمائية على السواء، حيث أنّ روح الخمسينات في هذا الفيلم لا تتمثل في طراز الملابس وتصميم الديكور فحسب، بل إنّ سيناريو الفيلم نفسه أقرب إلى نسق الميلودراما التي امتاز بها الإنتاج السينمائي في تلك الفترة، وكان من الواجب أن تكون الصورة السينمائية على ذات المستوى، ولذلك قرر صُنّاع العمل عدم الاعتماد على أي من التقنيات الرقمية الحديثة في التصوير، والاعتماد على الأسلوب الكلاسيكي التقليدي.
تمكن مدير التصوير إدوارد لاشمان في ذلك العمل من التلاعب بمشاعر المشاهدين اعتمادًا على التأثير النفسي للألوان، والتي كانت تتنوع ما بين ألوانٍ نارية متوهجة وبين ألوانٍ باردة أبرزها تدرجات الأزرق التي عكستها الإضاءة في العديد من المشاهد، كما أنّ في بعض الأحيان كان أحد نمطي الألوان ينسحب أمام الآخر بصورة تدريجية بالغة الروعة، هذا بالإضافة إلى قدرته الفائقة على استغلال الأجواء المحيطة في التعبير عن المشاهد، وأبرزها استعراض الأجواء الخريفية الباعثة على الإحساس بالشجن في المشاهد، التي تصور مراحل انهيار علاقة الزوجين أو تأزم علاقة الزوجة بالبستاني الزنجي.
Ying Xiong -2002
إخراج: يمو زانج
مدير التصوير: كريستوفر دويل
تدور أحداث الفيلم الصيني Ying Xiong – المعروف عالميًا بعنوان Hero في العصر الصيني القديم في زمن كانت البلاد مقسمةً فيها إلى سبع ممالك متناحرة، لكن تتعقد الأمور أكثر حين تبدأ بعض الفضائل في التآمر ضد حاكم المملكة الأقوى والقضاء على حلمه في توحيد الصين تحت راية واحدة، ومن ثم يبدأ ذلك الحاكم في البحث عن بطل أسطوري قادر على التصدي لذلك العدوان وإفشال المؤامرة.
جرت العادة على أن ينصب اهتمام صُنّاع الأفلام القتالية على تقديم مشاهد إثارة متقنة، وفي أغلب الأحيان يطغى ذلك على العناصر الفنية الأخرى مما يؤدي إلى إنتاج فيلم سطحي خالي من كافة مظاهر الإبداع والتطوير والابتكار، لكن شيئًا من ذلك لا ينطبق على فيلم Hero، الذي اعتنى صُنّاعه بأدق تفاصيله، وكان واضحًا حرصهم الشديد على تقديم عمل سينمائي متكامل العناصر، وقد رشح العمل لجائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بغير الإنجليزية، وكانت الصورة السينمائية أحد أبرز العوامل التي أدت إلى ذلك.
برع مدير التصوير كريستوفر دويل في تقديم صورة سينمائية مشرقة ونابضة بالحياة مبهرة بتعدد ألوانها، كما برعوا كذلك في تقديم مشاهد الأكشن بأسلوب مبتكر، اعتمادًا على المزج بين الشخصيات والطبيعة الخلابة، بالإضافة إلى الاعتماد على زوايا متعددة جعلت الصورة السينمائية أكثر جمالًا وحيوية.
Eternal Sunshine of the Spotless Mind – 2004
إخراج: ميشيل جوندري
مدير التصوير: إيلين كوراس
يروي الفيلم الدرامي Eternal Sunshine of the Spotless Mind قصة الشاب جويل (جيم كاري) الذي خاض تجربةً عاطفيةً فاشلةً، والذي يلتقي بعد فترة بفتاة تدعى كليمنتين (كيت وينسلت) التي عانت من الأمر ذاته، ورغم ميل كل منهما للآخر يترددان في الارتباط ببعضهما بسبب الذكريات الأليمة التي تلاحقهما، ومن ثم تقرر كليمنتين إجراء جراحة لاستئصال ذلك الجزء من ذكرياتها ويقرر جويل القيام بنفس الأمر، لكنه يتعرض لبعض المضاعفات وتبدأ ذاكرته تتلاشى بشكل تدريجي! …
أدركت إيلين كوراس – حسب تصريحاتها الصحفية – حجم التحدي الذي تواجهه منذ أن قرأت سيناريو الفيلم، وقد رأت أنّ الاعتماد على الإضاءة الطبيعية سوف يجعل الفيلم أقرب إلى الواقع، ويدفع المشاهد للتعاطف مع الشخصيات بدرجة أكبر، أمّا تكوين الكادرات لم يكن أقل إبداعًا من آلية تنفيذها، حيث يمكن ملاحظة أنّ الصورة طوال أحداث الفيلم ما هي إلّا انعكاسات لمشاعر الشخصيات وأفكارهم، يتضح ذلك من خلال اعتماد كوراس كثيرًا على الكادرات الواسعة التي تستعرض الفراغ المحيط بالشخصية مما يضفي إحساسًا بالحيرة والتيه، كذلك تم التعامل مع الإضاءة بحرفية بالغة، حيث كانت كثيرًا ما تأتي خافتةً لتعكس مدى تشوش الرؤية وعدم اتضاح الصورة كاملة خاصةً مع بدء مرحلة اضطراب الذاكرة، والأهم إنّ ذلك كله قد تم تقديمه بشكل بسيط وسلس بعيدًا كل البعد عن التصنُع والتكلف. اختصارًا يمكننا القول بأنّ الصورة السينمائية كانت أحد العوامل المباشرة التي ساهمت في بلوغ فيلم Eternal Sunshine of the Spotless Mind لتلك المكانة التي يحظى بها.
فيلم Eternal Sunshine … عن قيمة الحب وعمق الذكرى
The New World – 2005
إخراج: تيرانس ماليك
مدير التصوير: إيمانويل لوبيزكي
تدور أحداث فيلم The New World في القرن السابع عشر حول هجرة الأوروبيين الأوائل إلى أراضي العالم الجديد “أمريكا”، حيث يأتي المستكشف سميث (كولين فاريل) ليترأس إحدى المدن الاستعمارية الجديدة، وفي تلك الأثناء يلتقي بإحدى أميرات الهنود الحمر المسماة بوكاهونتاس (كوريانكا كيلتشر) وتنشأ بينهما قصة حب، مما يوقع سميث تحت ضغط عصبي شديد حين تتعقد الأمور بين الجانبين، ويصبح في حيرة بين إخلاصه لمن يحب وبين ولائه للمستعمرين.
برع المخرج تيرانس ماليك في اختيار مواقع تصوير The New World، وبرع مدير التصوير إيمانويل لوبيزكي بدرجة أكبر في استغلالها على الوجه الأمثل، صانعًا من لقطاته لوحات بديعة التكوين للمناظر الطبيعية بالغة النقاء، تليق بأن تكون تجسيدًا لـ”عالم جديد” لم تعبث به يد الإنسان، كذلك استطاع استغلال درجات الإضاءة والظلال في تكوين كادرات مميزة تتناسب مع طبيعة المشاهد الدرامية العديدة التي احتوى الفيلم عليها.
Children of Men – 2006
إخراج: ألفونسو كوارون
مدير التصوير: إيمانويل لوبيزكي
يطرح فيلم Children of Men تصورًا مغايرًا عن المألوف حول المستقبل، حيث تدور الأحداث في عام 2027 حيث أصبح مستقبل البشرية على المحك، بعدما توقفوا عن التكاثر لمدة 18 عامًا بفعل انتشار الأوبئة الناتجة عن الحروب والانقسامات، وفي ظل تلك الأجواء المضطربة يتم استدعاء السياسي السابق ثيو فارون (كليف أوين)، ويُكلف بحماية أول سيدة تحمل منذ عقدين كاملين وتسليمها إلى إحدى المؤسسات الصحية لدراسة حالتها والتعرف على سبب حملها، حيث أنّ تلك السيدة تحمل في أحشائها مستقبل الجنس البشري بالكامل.
بينما يركز التصاعد الدرامي على النظر إلى المستقبل متمثلًا في ترقب الشخصيات لمصيرهم الذي صار مرتبطًا بمصير الحياة على كوكب الأرض بالكامل، كانت الصورة السينمائية تركز على الحاضر والماضي، حيث أنّ المصير الذي آل إليه العالم الغارق في الفوضى لم يغب عن الشاشة، وإن غاب بصورته المباشرة حضر بالإضاءة والظلال المعبرة عن الكآبة والخوف، والتي تُشعر المشاهد على الدوام بحالة من عدم الارتياح.
كذلك تضمن الفيلم العديد من المشاهد الصعبة والتي لعب التصوير دورًا بارزًا في تقديمها، أبرزها مشهد مدته 7 دقائق كاملة تم تصويره بصورة متصلة دون تقطيع، فالكاميرا في ذلك المشهد تحمل وجهة نظر المشاهد وتمنحه رؤيةً أكثر وضوحًا لحجم الخراب الذي طال العالم، وتضعه في قلب الحدث برفقة الشخصيات الأساسية تختبئ معهم عند إطلاق النار وتعدو إلى جانبهم تلهفًا للنجاة، مما ساعد المتلقي على التوحد مع الشخصيات والتعايش مع الحدث، ويمكن اعتبار ذلك المشهد أحد أفضل المشاهد السينمائية التي قدمت خلال الألفية الحالية.
10 طرق مبتكرة أنهت بها الأفلام هذا العالم
There Will Be Blood – 2007
إخراج: بول توماس أندرسون
مدير التصوير: روبرت ألسويت
تدور أحداث فيلم There Will Be Blood في أوائل القرن الماضي حول عامل المناجم دانيال بلينفيو (دانيال داي لويس)، الذي يقرر الاتجاه إلى التنقيب عن البترول سعيًا وراء الثورة، ومع مرور الوقت تتنامى إمبراطوريته الاقتصادية ويسعى للسيطرة على المزيد من آبار البترول، الأمر الذي يعرضه للعديد من الصدامات ويقحمه في العديد من الصراعات.
يتناول فيلم There Will Be Blood من خلال قصته البسيطة ظاهريًا العديد من الأطروحات، هو فيلم عن الطمع والدين وجنون الثروة والتسابق إليها والتصارع من أجلها، وقد جاءت الصورة السينمائية لذلك الفيلم متماشيةً مع طبيعته المميزة، حيث تبدو بسيطةً في تكوينها عميقةً في مدلولها، كل لقطة بالفيلم تعد بمثابة لوحة فنية بديعة، وتعبر بدقة عن طبيعة المشهد، شاهد لقطات تفجر البترول من الأرض وكيف يطغى سواده على بياض الشمس، شاهد احتلال وجه دانيال بلينفيو لكامل الشاشة وهو يهيمن على الأراضي الغنية بالنفط، شاهد إشعاع الشمس المنبثق عبر تجويف الحائط المتخذ شكل الصليب، شاهد تفاصيل كل كادر بالفيلم واستمتع بروعة كل تفصيلة في تكوينه. اختصارًا لا يفوق التصوير في هذا الفيلم تميز الأداء المتقن الساحر للعملاق دانيال داي لويس، كلاهما استحق جائزة الأوسكار التي حصل عليها.
12 فيلمًا يجب أن تشاهدهم للممثل … دانييل داي لويس
The Assassination of Jesse James by the Coward Robert Ford – 2007
إخراج: أندرو دومينيك
مدير التصوير: روجر ديكنز
يستند فيلم The Assassination of Jesse James by the Coward Robert Ford إلى قصة حقيقية لأحد أشهر أباطرة الجريمة في الغرب الأمريكي المدعو جيسي جيمس (براد بيت)، الذي يقوم بعملية سطو مسلح على أحد القطارات ومن ثم يضطر لانتحال العديد من الشخصيات للهرب من الشرطة، وفي ذات الوقت يبدأ في التخطيط لعملية سطو على أحد البنوك، ولكن ينشأ خلاف حاد بينه وبين رفيقه روبرت فورد (كيسي أفليك) بسبب اندفاع الأخير وتهوره.
وصف أحد النقاد ذلك الفيلم بأنّه بمثابة متحف للصور المتحركة، ومن شاهده يدرك أنّ ذلك الوصف لا يحمل أدنى قدر من المبالغة في التعبير، فقد استطاع المصور السينمائي روجر ديكنز أن ينحت مجسمات فنية رائعة من الضياء والظلال والوجوه وألوان السماء، بل إنّ الظلام في ذلك الفيلم كان بديعًا، والأهم أنّ ذلك كله لم يُسقطه في فخ التصنع والمبالغة، وكانت الصورة السينمائية بمختلف عناصرها منذ المشهد الافتتاحي وحتى النهاية معبرةً عن الحقبة الزمنية والأجواء الظلامية، والعالم الإجرامي الذي تدور بداخله الأحداث.
رُشح روجر ديكنز لجائزة الأوسكار من فئة أفضل تصوير سينمائي عن ذلك الفيلم، إلّا أنّه لم يفز بها، ويرى بعض النقاد أنّ سبب عدم حصوله على الجائزة هو حصوله على ترشيحين للأوسكار في عام واحد عن فيلمين مختلفين، حيث كان الترشيح الثاني عن الفيلم الرائع No Country of Old Men، وعلى الرغم من أنّ ذلك يعد شرفًا عظيمًا إلّا أنّه أدى إلى تفتيت الأصوات المؤيدة له.
The Tree of Life – 2011
إخراج: تيرانس ماليك
مدير التصوير: إيمانويل لوبيزكي
تقوم النسبة الأكبر من الأفلام السينمائية على رصد رحلة بعض الأشخاص خلال الحياة، لكن فيلم The Tree of Life قام بالعكس واستعرض الحياة نفسها من خلال رحلة بعض البشر! … تدور أحداث الفيلم بشكل رئيسي حول أسرة تعيش في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، ومن خلال مسيرة الابن الأكبر يستعرض الفيلم مراحل تغير البشر وتفاعلهم مع محيطهم، ويذهب الفيلم في بعض فصوله لأبعد من ذلك باحثًا عن سر الحياة، وكيف تكونت على ذلك الكوكب!
تبين من الإعلان الأول لفيلم The Tree of Life أنّنا بصدد مشاهدة تجربة بصرية فريدة، وتفردها ناتج عن هدوئِها ونعومتها وتركيزها على أدق التفاصيل في كل شيء، وقد ركز الفيلم بدرجة كبيرة على الطبيعة باعتبارها أبرز مظاهر الحياة، وقد أتاح ذلك الفرصة أمام المصور إيمانويل لوبيزكي لخلق لوحات فنية بديعة كل منها يصلح للاقتطاع والمشاهدة بشكل منفصل، وقد تم ذلك دون الإخلال بالوحدة العضوية للعمل الفني، إذ أنّ المناظر الخلّابة لم تغب عن الشاشة تقريبًا، وكانت حاضرة بقوة في خلفية أغلب المشاهد الدرامية، وقد تلقى لوبيزكي عن ذلك الفيلم ترشيحه الخامس لجائزة الأوسكار من فئة أفضل تصوير سينمائي.
Into the Wild – 2012
إخراج: شون بن
مدير التصوير: إيريك غوتييه
تتمحور أحداث فيلم Into The Wild حول الشاب كريستوفر كاندلز (إيميل هيرش)، الذي يقرر بعد تخرجه من الجامعة التخلي عن كامل ممتلكاته والتبرع بأمواله للجمعيات الخيرية، ومن ثم ينطلق في رحلة طويلة ليعيش في البرية، وطوال الطريق يصادف العديد من الشخصيات التي تؤثر به وتساهم في تشكيل حياته الجديدة.
ربما كان مدير التصوير إيريك غوتييه أوفر صُنّاع فيلم Into The Wild حظًا، حيث أنّ مواقع التصوير كانت مليئة بالمناظر الطبيعية الساحرة، وقد استطاع غوتييه استغلالها ببراعة صانعًا منها لوحات فنية بديعة متآلفة مع دراما الفيلم، نجح من خلالها في اصطحاب المشاهد في رحلة حقيقية إلى البرية والاستمتاع بصفاء الطبيعة.
The Master – 2012
إخراج: بول توماس أندرسون
مدير التصوير: ميهاي ماليمار جونيور
تركز أحداث فيلم The Master على جندي البحرية فريدي سوتون (خواكين فينيكس) الذي يعود إلى وطنه بعد انتهاء الحرب العالمية محطمًا نفسيًا، ويعاني من بعض الهلاوس والاضطرابات نتيجة ما شهده من ويلات في ميادين المعارك، لكن تتغير حياته كثيرًا حين يلتقي شخصًا يدعى لانكستر دود (فيليب سيمور هوفمان)، الذي يحاول مساعدته على تجاوز آثار الحرب النفسية.
تنوعت مشاهد فيلم The Master بين مواقع خارجية فسيحة، وبين أماكن داخلية بالغة الضيق، وبين نهار ساطع وبين ظلام دامس، وقد أحسن المخرج والمصور في استغلال ذلك التنوع لصالح الفيلم، حيث صنعوا صورةً سينمائيةً بديعةً ومميزةً، والانتقال بين تلك الحالات المتنوعة كان يتم بسلاسة وهدوء يبهر العين ويجذب الانتباه ويبدد الملل، كما تم الاعتماد على أسلوب Out of Focus في أكثر من مشهد؛ لجعل الخلفية غائمة غير واضحة التفاصيل، مما يدفع المشاهد للتركيز على الشخصيات المحورية، وقد عكس طبيعة الشخصية المشوشة والمضطربة، وفي مشاهد أخرى تم الاعتماد على الصورة الضبابية المموهة، وكأنّنا نغوص في أعماق حلم غير مُفسر.
Les Miserables – 2012
إخراج: توم هوبر
مدير التصوير: داني كوهين
يرصد فيلم Les Miserables الأجواء البائسة التي سادت المجتمع الفرنسي بالقرن التاسع عشر، وذلك من خلال رحلة السجين جان فالجان (هيو جاكمان) الذي يخرق الإفراج المشروط مما يبقيه مطاردًا من قبل مفتش الشرطة الصارم جافرت (راسل كرو)، ومع تصاعد الأحداث يجد نفسه مسؤولًا عن رعاية الطفلة الصغيرة “كوزيت” ابنة العاملة فانتين (آن هاثاواي)، وتتسبب تلك الصغيرة في تبديل أحواله وقلب حياته رأسًا على عقب.
نجح Les Miserables في جذب انتباه المشاهد منذ اللحظة الأولى، وتمكن من الحفاظ على ذلك لمدة ساعتين ونصف هي مدة عرض الفيلم، الفضل في ذلك يرجع إلى مدير التصوير داني كوهين ومصممة الديكور آنا لينش روبنسون؛ فرغم أنّ الفيلم يضم نخبة من أبرز نجوم السينما المعاصرين، إلّا أنّ البطولة الحقيقية في هذا العمل الموسيقي الملحمي من نصيب الصورة السينمائية بكافة عناصرها، والتي جاءت متناغمةً مع الموسيقى من حيث الحركة وحدة التنقلات، ومعبرةً عن الأجواء البائسة من حيث الإضاءة والزوايا وعناصر الخلفية، حتى أنّ بعض لقطات ذلك الفيلم تعد بمثابة تابلوهات فنية مستقلة خاصةً اللقطات البانورامية المرتفعة التي تم الاعتماد عليها كثيرًا في مختلف فصول الفيلم، وقد رشح داني كوهين عن ذلك الفيلم لجائزة الأوسكار للمرة الأولى والوحيدة في مسيرته الفنية.
Anna Karenina – 2012
إخراج: جو رايت
مدير التصوير: شيموس مكجارفي
يدور فيلم Anna Karenina حول الشابة الارستقراطية آنا (كيرا نايتلي) التي تحيا حياة زوجية تعيسة متبلدة، ولكن تتحرك مشاعرها مجددًا حين تلتقي بأحد الضباط، وتحاول في البداية كبح مشاعرها حتى لا يلاحظ أحد إعجابها به لكنها مع تصاعد الأحداث لا تتحمل الصمود وتواجه الجميع بعشقها له، مما يؤدي لانهيار حياتها بالكامل ويدخلها في العديد من الصراعات.
كان الديكور المميز الذي صممته كاتي سبنسر – مصممة ديكور سلسلة Sherlock Holmes – أول ما يلفت الانتباه في فيلم Anna Karenina، ليس فقط لروعة التصميم من حيث الزخارف والألوان، إنّما لأنّ الديكور جعل الفيلم يبدو كأنّه عبارة عن كادرات مخبأة داخل بعضها البعض وجعل الانتقال بين مشهد وآخر يتم بأسلوب بالغ التميز يخطف الأنظار، لكن ذلك كله كان ليفقد قيمته لولا براعة مدير التصوير شيموس مكجارفي، والذي استطاع صناعة صورة سينمائية مبهرة بألوانها وزخارفها، نابضة بالحياة ومفعمة بالحيوية، تتناسب مع حركة الكاميرا السريعة، – والحادة أحيانا – التي تواكب سرعة الانتقال من مكان لآخر، كان الأمر بالغ التعقيد على مستوى التنفيذ ولكنه شديد البساطة والوضوح على مستوى العرض، كما يحسب لصُنّاع العمل عدم الإفراط في استخدام ذلك الأسلوب للدرجة التي ترهق عين المشاهد، وتشتت تركيزه واعتماده على الكادرات الثابتة وحركة الكاميرا الهادئة في المشاهد الحوارية الطويلة.
قدم Anna Karenina نموذجًا مثاليًا للتآلف بين العناصر المكونة للصورة السينمائية من ديكور وإضاءة وإكسسوارات، وتصميم أزياء بالإضافة إلى حركة الكاميرا المدروسة، من المؤسف أنّ حبكة السيناريو وأداء الممثلين لم يكن على ذات المستوى، وقد رُشح مكجارفي عن ذلك الفيلم لجائزة الأوسكار للمرة الثانية في مسيرته الفنية.
Skyfall – 2012
إخراج: سام ميندز
مدير التصوير: روجر ديكنز
يأتي فيلم Skyfall في المرتبة الخامسة والعشرين ضمن تسلسل أفلام جيمس بوند التي قدمتها هوليوود، ويأتي في المرتبة الثالثة في تسلسل الأفلام المعاصرة التي يجسد بها دور البطولة الممثل دانيال كريج. تدور أحداث الفيلم حول تعرض مركز الاستخبارات البريطانية للاختراق، ومن ثم تصبح حياة قائدة الجهاز المعروفة باسم إم (جودي دينش) معرضةً للخطر، ويصبح على العميل جيمس بوند (دانيال كريج) التصدي لتلك المخاطر التي تهدد بانهيار الجهاز الأمني بالكامل.
تعد الصورة السينمائية في فيلم Skyfall هي الأروع والأكثر تميزًا بين مختلف أفلام جيمس بوند، حيث أنّ التركيز هنا لم يكن منصبًا بالكامل على تقديم مشاهد إثارة ومطاردات مبتكرة، أو تكوين صورة ظلامية تعبر عن أجواء التجسس والمؤامرة التي تدور داخلها الأحداث، بل إنّ فيلم Skyfall كان أكثر عمقًا من ذلك، ولم يطغَ الاهتمام بالجانب التشويقي على عناصر الفيلم الأخرى، فقد كان واضحًا من البداية أنّ سام ميندز يسعى إلى صناعة فيلم متكامل من الناحية الفنية، وبفضل التعاون مع مدير التصوير روجر ديكنز نجح في تحقيق ذلك، حيث استطاع الأخير استغلال مواقع التصوير المتنوعة والمميزة في تكوين لوحات سينمائية بالغة التميز، ويتضح ذلك بدرجة أكبر في المشاهد الدرامية، انظر إلى عمق الكادر وسترى لوحة بديعة مرسومة بالجبال أو الضوء المنبعث عبر النوافذ، أو حتى من وهج النيران الناتج عن الانفجارات! … وقد تم ترشيح الفيلم إلى خمس جوائز أوسكار حصد اثنتين منها بالفعل، وقد كانت جائزة الأوسكار لأفضل تصوير سينمائي ضمن الفئات التي رُشح إليها.
المشاهد الأعلى تكلفة في تاريخ هوليود … أحدهم تم حذفه
Ida – 2013
إخراج: باول باولكوسكي
مدير التصوير: لوكاس زال، ريزارد لينتزوسكي
تدور أحداث فيلم Ida في أعقاب الحرب العالمية الثانية حول فتاة يتيمة تدعى آنا (أجاتا ترزبوشكسا) نشأت داخل أحد الأديرة في بولندا، وتقرر سلك طريق الرهبنة، لكنها تقرر أولًا التواصل مع من تبقى من أقاربها إرضاءً لوالدتها، ومن ثم تقوم بزيارة عمتها واندا (أجاتا كولسزا) التي تكشف لها العديد من أسرار عائلتها التي تغير حياتها من النقيض إلى النقيض.
قرر المخرج الاعتماد على الأبيض والأسود في تقديم الفيلم تعبيرًا عن الحقبة الزمنية التي تدور بها الأحداث، ولعكس مشاعر البطلة وأحاسيسها المتضاربة ما بين أكاذيب معلنة تعيش في الضياء، وبين حقائق مُخفاة تستتر بالظلام … رغم أنّ ذلك الاختيار كان موفقًا إلّا أنّه نظريًا يحد من قدرات مديري التصوير ويقلل عدد أدواتهم التعبيرية وفي مقدمتها الألوان، لكن يبدو أنّ زال و لينتزوسكي قد نظرا إلى الأمر باعتباره سلاحًا ذو حدين، فالأبيض والأسود مثلما يقلل أدواتهم فإنّه يمنحهما بعض المزايا، في مقدمتها إنّ الأبيض والأسود يجعل الظلال أكثر بروزًا ووضوحًا، وقد برع كلاهما في التلاعب بالضوء الناصع والظلال القاتمة، واعتماد المخرج على الكادرات البعيدة أتاح لهما فرصة كشف مساحات أوسع، ووضع الشخصيات ضمن لوحات أكبر منقوشة من انعكاسات ظلال العناصر الأخرى على الجدران، صانعين بذلك صورةً سينمائيةً مميزةً تتماشى مع دراما الفيلم ومراحل تطور شخصياته، وقد رشح الثنائي عن ذلك الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل تصوير سينمائي.
Mother of George – 2013
إخراج: بول توماس أندرسون
مدير التصوير: برادفورد يونغ
تدور أحداث الفيلم النيجيري الدرامي Mother of George حول زوجين أفارقة أيوديل (إساش دي بانكولي)، وأدينيك (داني غوريرا) اللّذين يعيشان حياة مستقرة في بروكلين، ويعملان في إدارة مطعم صغير، لكن تتبدل الأحوال حين يكتشفان عدم قدرة الزوج على الإنجاب، ومن ثم تنشأ بينهما عدة خلافات تهدد استمرار زواجهما.
لعب التصوير في ذلك الفيلم دورًا مزدوجًا، فبالإضافة لإسهامه في صناعة محتوى بصري جاذب للانتباه، فقد ساهم أيضًا بشكل مباشر في التعبير عن دراما الفيلم وشخصياته. أبرز مظاهر ذلك قيام المخرج والمصور برصد العديد من المشاهد من وراء الستائر أو من خارج النوافذ، أو نقل صورة الشخصيات عبر انعكاسات المرايا، صانعين من كل ذلك أجواءً ضبابية مموهة تليق بدراما العمل وتعبر عن حالة الاضطراب والتخبط التي يعاني منها البطلين … تم استقبال Mother of George بحفاوة نقدية في العديد من المهرجانات والفعاليات السينمائية، كما أنّه كان نقطة انطلاق مدير التصوير برادفورد يونغ الذي شارك في السنوات اللاحقة بالعديد من الأعمال الهوليوودية البارزة منها فيلم Arrival و فيلم Pawn Sacrifice.
Mr. Turner – 2014
إخراج: مايك لي
مدير التصوير: ديك بوب
ينتمي فيلم Mr. Turner إلى فئة أفلام السيرة الذاتية، حيث يروي مسيرة الرسام البريطاني الشهير جي. إم. دبليو تيرنر (تيموثي سبال) مستعرضًا الجوانب الإنسانية، وتأثيرها على شخصيته وأسلوبه الفني.
واجه مدير التصوير ديك بوب في هذا العمل تحديًا قلما تكرر في عالم الفن السابع، حيث لم يكن مطالبًا بأداء الدور الطبيعي المنوط بمدير التصوير، والمتمثل في خلق صورة سينمائية جذابة تناسب طبيعة الأحداث وفقًا لرؤية المخرج فحسب، بل كان عليه تجاوز كل ذلك وصناعة خلفية سينمائية اعتمادًا على ذات الأسلوب الفني الذي اشتهر به الرسام تيرنر، والمفاجأة أنّ ديك بوب قد نجح في تحقيق ذلك رغم صعوبته البالغة، حتى أنّ بعض اللقطات في الفيلم تكاد تكون مطابقةً لعددٍ من لوحات تيرنر الشهيرة، مما يمكن معه القول بأنّ دراما الفيلم كانت استعراضًا لحياة تيرنر، بينما خلفية المشاهد كانت معرضًا مبهرًا لأهم لوحاته الفنية!! …
Birdman – 2014
إخراج: أليخاندرو غونزاليز إيناريتو
مدير التصوير: إيمانويل لوبيزكي
تدور أحداث فيلم Birdman حول الممثل ريجان طومسون (مايكل كيتون)، الذي ذاع صيته في وقت ماضي من خلال تجسيده شخصية بطل خارق يحمل اسم “بيرد مان”، لكنه فشل في استثمار ذلك النجاح وبالتالي انطفأت نجوميته، وابتعد تدريجيًا عن عالم الأضواء، وبعد سنوات عديدة يحاول استعادة مكانته مرة أخرى من خلال تقديم عرض مميز على مسارح برودواي يتولي كتابته وإخراجه ولعب دور البطولة به، إلّا أنّ شبح الرجل الطائر “Birdman” يطارده طيلة الوقت.
قدم فيلم Birdman تجربةً بصريةً مذهلةً – رغم خلوه من مشاهد الحركة والإثارة – فمن شاهد ذلك الفيلم يشعر كأنّه عبارة عن مشهد واحد مُطَوّل، حيث لم يتم اللجوء إلى أسلوب القطع “Cut” في الفصل بين المشاهد المتتالية، إلّا بنسبة ضئيلة جدًا تكاد تكون مُعدمة، وتم الاستعاضة عن ذلك بتتبع حركة الشخصيات وهم ينتقلون من مكان لآخر أحيانًا، وفي أحيان أخرى كان يتم الاعتماد على حركة الكاميرا في الانتقال من الداخل للخارج والعكس. بالتأكيد كان Birdman تجربةً فريدةً بالنسبة للمشاهد، ومرهقةً وشديدة التعقيد بالنسبة للقائمين على العمل، وفي مقدمتهم مخرجه أليخاندرو غونزاليز إيناريتو ومدير التصوير إيمانويل لوبيزكي، ولا يمكن هنا إغفال دور طاقم المونتاج دوغلاس كريس وستيفن ميريون، الذي كان نجاح الأمر برمته يعتمد على مدى براعتهما في إخفاء دور المونتاج، وعدم إشعار المشاهد بوجوده من الأساس!، وقد حاز لوبيزكي عن ذلك الفيلم ثاني جائزة أوسكار في مسيرته الفنية.
فيلم Birdman … عندما يقضي التصوير على منطق الإبداع السينمائي
The Revenant – 2015
إخراج: أليخاندرو غونزاليز إيناريتو
مدير التصوير: إيمانويل لوبيزكي
يستند فيلم The Revenant إلى قصة حقيقية جرت أحداثها في أوائل القرن التاسع عشر، ويروى رحلة الصياد هيو جلاس (ليوناردو دي كابريو) الذي تمت مهاجمته من قبل أحد الدببة، مما دفع رفاقه للاعتقاد بأنّ الهلاك مصيره الحتمي، ومن ثم خانوه وقتلوا ابنه وقاموا بالاستيلاء على متعلقاته، إلّا أنّ هيو صمد وخاض مواجهة شرسة ضد الطبيعة محاولًا العودة إلى وطنه والانتقام منه.
اجتمع المصور إيمانويل لوبيزكي مجددًا مع المخرج إليخاندرو غونزاليز إيناريتو بعد تجربتهما الرائعة في فيلم Bird Man، لكن تلك المرة ارتفع سقف التحدي أمام المصور إلى الحد الأقصى، حيث أنّ تصوير فيلم The Revenant بالكامل قد تم تصويره في مواقع خارجية اعتمادًا على الإضاءة الطبيعية، لكن بدلًا من أن تكون تلك العوامل معيقات له حولها إلى نقاط قوة استغلها في تقديم صورة سينمائية بديعة وجذابة، وقد برع في تصوير مشهد المعركة في بداية الفيلم، والذي قدم من خلاله وعدًا للمشاهد أنّه أمام حالة سينمائية فريدة من ناحية التصوير، أمّا في فصول الفيلم الأخرى – التي سيطر الصمت على أغلبها – كانت الكاميرا تتحدث بلسان الشخصية، وتمكن لوبيزكي ببراعة شديدة من التعبير عن حالة الشخصية عبر كادراته الواسعة التي تعطي إحساسًا بالفراغ والوحدة والضياع، كما استغل الأجواء المحيطة في جعل الصورة أكثر ضبابية ومشوشة أحيانًا، مما منح المتفرج تجربة مشاهدة فريدة وكأنّه ينظر للأجواء من وجهة نظر بطل القصة، وبشكل عام استطاع المصور التعبير عن قسوة البيئة المحيطة، والتي تعد الخصم الأول في ذلك الفيلم.
تم استقبال فيلم The Revenant بحفاوة كبيرة من قبل الجماهير والنقاد، وقد تمكن من حصد ثلاث جوائز أوسكار من بينها جائزة أوسكار لأفضل تصوير سينمائي التي نالها إيمانويل لوبيزكي للمرة الثالثة على التوالي بعد فيلمي Gravity عام 2013 وBirdman 2014.
فيلم The Revenant … حينما يُعيدك الأمل من الموت
Mad Max: Fury Road – 2015
إخراج: جورج ميلر
مدير التصوير: جون سيل
يعتبر فيلم Mad Max: Fury Road بمثابة إعادة إحياء لسلسلة أفلام Mad Max التي بدأ تقديمها في أواخر السبعينات، وقد جسد شخصية ماكس بذلك الفيلم النجم توم هاردي. تدور الأحداث في مستقبل بعيد اختفت فيه كافة مظاهر الحضارة الإنسانية، وأصبح العالم يخضع لسيطرة مجموعة من العصابات، إلّا أنّ إحدى المقاتلات المسماة فيوريسا (تشارلز ثيرون) تنشق عنهم وتعلن التمرد، والصدفة تضع في طريقها ماكس (توم هاردي) الذي ينضم لها مع تطور الأحداث، ويخوضان معًا مواجهة شرسة ضد قوى الشر.
تمنح المساحات الشاسعة للمصور السينمائي درجة أكبر من الحرية في صنع كادراته، وبالتالي إبراز مهاراته وقدراته الفنية، وهذا تحديدًا ما تحقق مع المصور السينمائي جون سيل، حيث أنّ أحداث فيلم Mad Max: Fury Road ما هي إلّا مطاردة معقدة تمتد بطول المدة الزمنية للفيلم تقريبًا، تدور أحداثها في بيئة صحراوية قاحلة، وقد كان مخرج الفيلم واضحًا في قراره بعدم الاعتماد على المؤثرات البصرية، ومن ثم كان على المصور الاعتماد على الصحراء الشاسعة، وتقلبات الليل والنهار في عكس الأجواء الظلامية التي آل إليها العالم، وكذلك استطاع تقديم مشاهد الإثارة والمطاردات بصورة متجددة ومبتكرة، ورغم طول مدة المطاردات على الشاشة لم يقع المصور في فخ التكرار والملل.
أفضل أفلام سباقات السيارات في هوليود
Silence – 2016
إخراج: مارتن سكورسيزي
مدير التصوير: رودريغو بريتو
تدور أحداث فيلم Silence بالقرن السابع عشر في دولة اليابان، حيث يتوجه إليها اثنان من القساوسة سيباستياو رودريغز (أندرو جارفيلد) وفرانسيس جارب (آدم درايفر) في مهمة للبحث عن الأب فيريرا (ليام نيسون)، الذي اختفى بشكل غامض وانقطعت أخباره، وهناك يشهدان ما يُمارس ضد المسيحيين اليابانيين من اضطهاد على يد السلطة اليابانية الرافضة لانتشار الدين المسيحي، والتي تنظر له على كونه أحد مظاهر هيمنة الغرب على بلادهم.
تولى مهمة تصوير الفيلم المكسيكي رودريغو بريتو الذي سبق له تقديم العديد من الأفلام المميزة مثل: Babel ،Argo ،Alexander، بالإضافة إلى تعاونه الأول مع سكورسيزي من خلال فيلم The Wolf of Wall street، إلّا أنّه قد بلغ ذورة تألّقه من خلال ذلك الفيلم الذي ساعدته الأجواء التي تدور بها أحداثه على إبراز قدراته وتفجير طاقاته الإبداعية، حيث قدم لوحات فنية مذهلة متآلفة العناصر، تجتمع فيها الشخصيات مع المناظر الطبيعية، وقد برع في تسخير كل ذلك لخدمة رسالة الفيلم وتوصيل إحساس كل مشهد إلى المتلقي، فحتى ضياء الشمس في ذلك الفيلم كانت تبدو كئيبةً تثير شعورًا بالوحشة والارتياب! … وقد نال رودريغو عدة جوائز عن ذلك الفيلم ورُشح لعدد آخر من بينها ترشيحه لجائزة أوسكار أفضل تصوير سينمائي.
فيلم Silence … فلسفية الحياة في مواجهة “النفس”
Clash – 2016 “اشتباك”
إخراج: محمد دياب
مدير التصوير: أحمد جبر
تستعرض أحداث الفيلم المصري اشتباك الاضطرابات التي أعقبت إزاحة محمد مرسي عن الحكم، حيث يتم احتجاز مجموعة من الأشخاص من خلفيات اجتماعية متباينة، والمنتمين إلى تيارات سياسية مختلفة داخل إحدى مدرعات الشرطة، ومن خلالهم يتم طرح وجهات النظر المتعددة حول الأحداث التي شهدتها مصر بالفترة ما بين 2011 وحتى 2013.
تقديم فيلم سينمائي كامل تدور أحداثه داخل مكان واحد هو أمر محفوف بالمخاطر، حيث أنّ احتمالات إصابة المشاهد بالملل وافتقاد التركيز تصل إلى الذروة، بينما الاحتمالات المعاكسة تكون في أدنى معدلاتها، وفي تلك الحالة تكون المهمة الأصعب واقعةً على عاتق مدير التصوير؛ حيث يكون مطالبًا بتقديم صورة سينمائية جاذبة للنظر ومعبرة عن الحدث من خلال الانتقال بالكاميرا في مساحة بالغة الضيق، إلّا أن المخرج محمد دياب وأحمد جبر قد نجحا في تحقيق تلك المعادلة بالغة الصعوبة في فيلم اشتباك، حيث تم استعراض أحداث الفيلم بالكامل من داخل سيارة الترحيلات.
استطاع جبر أن يضع المشاهد منذ اللحظة الأولى في قلب الحدث، فزاوية الرؤية تخبر المشاهد بأنّه أول المعتقلين، وأنّه متواجد داخل السيارة قبل الجميع، يتحرك في كل اتجاه متتبعًا الأصوات الآتية من الخارج، يشب على أصابعه بصعوبة ليلقي نظرةً خاطفةً عبر سياج النوافذ الشبكي ليتعرف على ما يدور بالخارج، ومع بدء ظهور الشخصيات ودخولهم إلى صندوق السيارة تستقبلهم عين المشاهد “الكاميرا” بشيء من الارتياب يتعرف على أحدهم فينتقل للآخر … اختصارًا قدم فيلم اشتباك تجربةً بصريةً ممتعةً وفريدةً وناضجةً فنيًا، لم تكتف باستعراض الأحداث بل كانت جزءًا أصيلًا منها. استحق ما أحدثه من ضجة وما تلقاه من إشادة من كبار السينمائيين في العالم، وقد نال أحمد جبر عن ذلك الفيلم جائزة أفضل تصوير من مهرجان قرطاج السينمائي.
لماذا علينا أن نفتخر بما حققه فيلم اشتباك؟! …
La La Land – 2016
إخراج: دامين شازيل
مدير التصوير: لينوس ساندغرن
ترصد أحداث الفيلم الرومانسي الموسيقي La la Land مراحل تطور علاقة عاطفية بين الممثلة الناشئة ميا (إيما ستون)، وعازف الجاز المبتدئ سيباستيان (ريان جوسلينج)، حيث يسعى كل منهما إلى تحقيق طموحه الفني بطرق مختلفة، وينعكس ذلك بصورة سلبية على علاقاتهما ويهددها بالفشل.
أحدث فيلم La La Land ضجةً كبيرةً عند طرحه في دور العرض وهيمن على حفل توزيع جوائز الأوسكار وأغلب الفعاليات السينمائية التي شارك بها، وذلك الفيلم الذي اعتمد بصورة شبه كاملة على الموسيقى والاستعراض ما كان ليحقق ذلك النجاح لولا روعة التصوير، والذي يرجع الفضل فيه إلى المصور الشاب لينوس ساندغرن، الذي نجح ببراعة في جذب نظر وانتباه المشاهد منذ اللحظة الأولى من خلال الاستعراض الافتتاحي الذي ضم عشرات الأشخاص وامتد لعدة دقائق متواصلة، ولم تكن مشاهد الفيلم التالية أقل تعقيدًا من المشهد الأول ونجح المصور في تقديمها بشكل مميز، وتكوين صورة سينمائية مفعمة بالحيوية والبهجة، وقد نال ساندغرن عن ذلك الفيلم جائزة الأوسكار الأولى في مسيرته الفنية.
فيلم La La Land سيمفونية سينمائية تعزف على أوتار القلوب
Dunkirk – 2017
إخراج: كريستوفر نولان
مدير التصوير: هويت فان هويتيما
تستعرض أحداث فيلم Dunkirk واحدة من أبرز وأشهر وقائع الحرب العالمية الثانية، والتي تم خلالها محاصرة أكثر من 300 ألف فرد من جنود الحلفاء على سواحل دونكيرك، وكانوا مطالبين بالتماسك والصمود لحين وصول الدعم، وإتمام عملية الإجلاء التي تعد الأكبر في تاريخ البشرية.
كان الحدث التاريخي هو البطل الحقيقي لفيلم Dunkirk، وبطبيعة الحال في فيلم مثل هذا لابد أن يكون التصوير هو سيد الموقف وصاحب الكلمة العليا، وقد نجح هويت فان هويتيما في بلورة رؤية نولان وتجسيدها على الشاشة، حيث تمكّن من استعراض ويلات الحصار من ثلاث رؤى مختلفة كل منها تحمل نظرةً شخصيةً من الشخصيات الرئيسية، كما نجح في وضع المشاهد في قلب الحدث وكأنّه أحد المشاركين به، وبينما كانت الجمل الحوارية غائبةً تقريبًا عن الفيلم نجحت الصورة السينمائية مع موسيقى هانز زيمر في رفع درجة التوتر لدى المشاهد إلى الحد الأقصى، وجذب انتباهه من أول الفيلم وحتى نهايته.
فيلم Dunkirk … صفعة لكل من ظن أنّ الدهر قد أكل على أفلام الحرب العالمية الثانية
Mother – 2017
إخراج: دارين أرنوفسكي
مدير التصوير: ماثيو ليباتيك
ينتمي فيلم Mother إلى فئة أفلام الرعب النفسي، وتدور أحداثه حول زوجين ينعمان بحياة هادئة مستقرة، إلّا أنّ علاقتهما تتعرض لاختبار صادم وحقيقي حين يصل إلى منزلهما بعض الضيوف الغرباء، ومن ثم يبدأ التوتر في التسلل إلى تلك العلاقة ويهدد مصيرها.
يعد فيلم Mother التعاون الخامس بين المخرج دارين أرنوفسكي ومدير التصوير ماثيو ليباتيك، وقد أثمر تعاونهما هذه المرة عن صورة سينمائية مميزة كان الفيلم ليفقد بريقه ورونقه الخاص لولاها، خاصةً وأنّ مضمون فيلم Mother يتسم بالتعقيد ويعتمد بصورة كبيرة على الرمزيات، وقد استطاع ليباتيك أن ينسج من الألوان والإضاءة عالمًا خاصًا يتماشى مع طبيعة الفيلم، ويثير في النفس إحساسًا بالتوجس، ويُبقي المشاهد في حالة دائمة من الانتظار والترقب، كما اعتنى المصور كثيرًا بالكادرات القريبة لإظهار التفاصيل، وكذلك تم الاعتماد في أكثر من مشهد على لقطات الزوايا المائلة “من أعلى الكتف” دافعًا بذلك المشاهد للتوحد مع الشخصية الرئيسية، ورؤية عالم الفيلم ومتابعة الأحداث من منظورها.
شرح فيلم Mother! … تحفة أرنوفسكي التي يجب أن تتخلى عن أفكارك المسبقة قبل أن تشاهدها