أسواق القدس القديمة: معالم بارزة تروي تاريخ المدينة
يقول الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية في حديثه عن أسواق القدس:” تشكل الحالة الاقتصادية للقدس حالة فريدة من نوعها فهي منذ عهود مبكرة تفتقر لمقومات المدينة الاقتصادية لأسباب عدة منها ندرة مصادر المياه فيها الا من نبع واحد وحيد يقع في الطرف الجنوبي فيها (اسفل تل الضهور-في منطقة سلوان اليوم) كذلك ندرة الامطار وطبيعتها الطبوغرافية الجبلية التي حدت من وجود مساحات زراعية ، وكذلك خلوها من مناطق صناعية الا فيما ندر.
واضاف انه لم يبقَ ما يساعد المدينة في اقتصادياتها الا احتوائها على جملة متنوعة من ألاثار من مختلف العهود بالاضافة الى وجود اماكن مقدسة يشد اليها الرحال مثل المسجد الاقصى ويحج اليها مثل كنيسة القيامة. مما غلّب عامل مقوم للاقتصاد يندر حدوثه في مدن اخرى وهو عامل اقتصاد الحج السياحي والديني ، لذلك كانت الحاجة ملحة وضرورية لإقامة اسواق اقتصادية تلبي حاجة الساكن المحلي وكذلك حاجة الوافد الحاج والمقدس للاماكن الدينية .
وتابع يقول ل “القدس” وعلى هذا الاساس قامت معظم الاسواق منذ العهد الروماني ( الكاردو) ومع تقدم الزمن نشأت اسواق محلية رئيسية ومتفرعة أضافت للاشعاع الاقتصادي في القدس تجلياته الخاصة به واكثر العهود اهتماماً لهذه الحالة هي الفترة الصليبية تلاها الفترة الايوبية والمملوكية التي كانت بحق اكثر تجليات العصر الاقتصادي للقدس حيث نشأت معظم الاسواق وثبت وجودها ضمن منظور الجانب الحرفي للقدس ، واكتملت عناصرها في العصر العثماني فكانت الاسواق نمطاً متوحداً في مفهوم سوق الحرفة الواحدة ، التي ما لبث العصر الحديث ان غير معالم هذا النمط فتنوعت الموارد والمنتوجات ومواد العرض للمستهلك، واستعرض ابو شمسية هذه الاسواق بالآتي:
محلة باب العمود
سوق صغير غير مسقوف يستهل به الزائر القادم من الشمال اسواق القدس يحتوي على بضعة دكاكين صغيرة المساحة تقدم للزائر اشكال متنوعة من البضائع بعضها تابع للاوقاف الاسلامية وجلها اوقاف ذرية او املاك خاصة تبلغ مجموعها 28 حانوتاً وتنهي عند تفرع سوق الواد وسوق باب خان الزيت.
سوق الواد
هو سوق طويل حوانيته متفرقة ومتنوعة البضائع يبدأ من تفرع محلة باب العمود وينتهي عند قدم القدس الجنوبي عند مدخل نفق حائط البراق ، حوانيته بعضها واسع ورحب ومتطاول البناء وبعضها ضيق المساحة وتتوزع ملكيتها ما بين العام والخاص كما سبق، يبلغ عدد حوانيت هذا السوق حوالي 82 حانوتاً.
سوق باب خان الزيت
وهو سوق طويل يمتد شمالاً من تفرع محلة باب العمود الى ان يتقاطع مع السوق الثلاثية ( سوق العطارين واللحامين والخواجات) به حوانيت تنوف عن 150 حانوتاً تتميز برحابة مساحتها وتنوع بضائعها وسمي هذا السوق نسبة الى خان مملوكي كبير يمتد ما بين عقبة المفتي شرقاً الى عقبة التكية جنوبا، وكان هذا الخان يحتوي على مخازن كبيرة لاستقبال منتوج شجر الزيتون من مدن وقرى فلسطين الشمالية وبه معاصر للزيتون ومصابن لصنع صابون زيت الزيتون، وما لبث هذا الخان أن اندثرت معظم معالمه وتحولت غرفه ومخازنه اما اماكن للسكن او محالٍ تجارية ولكنه حافظ على اسمه وتتفرع من هذا السوق عقبات كثيرة شرقاً وغرباً تلبي احتياجات السكان السكنية والديمغرافية ومنها على سبيل المثال عقبة التوتة وعقبة المفتي وعقبة التكية وعقبة السرايا شرقاً، وطريق الجبشة وعقبة حارة النصارى ومدخل مدرج الى بطريركية الاقباط والمرحلة التاسعة من درب الآلام وتفرع في نهايته الى مدخل سوق الدباغة والصاغة واللحامين والمدخل الشرقي لكنيسة القيامة وبه معالم مختلفة اسلامية ومسيحية غير الحوانيت ومنها معبد المرحلة السابعة ومسجد ابي بكر الصديق.
السوق الثلاثي :وهو يتكون من ثلاثة اسواق مختلفة الطول تقع بجانب بعضها البعض اولها سوق النحاسين وثانيها سوق العطارين وثالثها سوق اللحامين:
سوق النحاسين:سوق صغيرة تسمى اليوم بسوق الخواجات نظراً لانتشار باعة القماش بالجملة فيه، ( المانيفاتورة) في العهد العثماني المتأخر، غير ان هذا السوق لفترات قديمة كان يختص بحوانيت تقوم على نقش النحاس وبيعه ، قواعده صليبية ومعظم حوانيته مملوكية البناء مسقوف الممر وعالي السقوف قناطره ذات نوافذ جانبيه رحبة لتخليل اشعة الشمس الى حوانيته ، اندثرت اليوم صناعة النحاس فيه الا من حانوت واحد ومعظمها اغلقت ابوابها او تحولت الى صنف أخر بسبب السياسة الاسرائيلية التي حدت من القدرة الشرائية للسوق.
سوق العطارين
سوق مسقوف معظم نوافذه جانبية وبعضها في عمق السقف تمتد لحوالي 300 م من مدخل السوق شمالا الى التقاءه بسوق التجار وسوق الباشورة.ويوجد فيه مائه وستة حوانيت متعددة منها خمسة حوانيت متخصصة في بيع العطارة أوْقَفَهُ صلاح الدين الأيوبي على مدرسته الصلاحية في القدس. والروائح العطرية والبخور تضفي على المكان نوعا من السحر والجمال وذلك من خلال محلات العطارين التي تمتلئ بمثل هذه البضائع والتي أدت لتسميتة بسوق العطارين. حوانيته اليوم متنوعة البضائع يغلب عليها بيع الملابس والمواد الاخرى.
سوق اللحامين
يبدأ هذا السوق شمالا من تفرع سوق باب خان الزيت جنوباً نحو كنيسة القيامة البازار وينتهي جنوبا مع سوق التجار،سمي السوق في العهد الصليبي بسوق الطعام الرديء كونه كان متخصصاً ببيع اللحوم والدجاج في معظم حوانيته بعد ذبحها بالاضافة الى مطاعم صغيرة تبيع ما ينتجه الذبح من جوف الماعز والابقار والدجاج وفي العهدين المملوكي والعثماني اعيد بناؤه اكتمالاً ليسمى بعد ذلك بسوق الجزارين وفي اواخر القرن التاسع عشر غلب الاسم الحالي وهو سوق اللحامين عليه كما يسمى اليوم، وهو سوق مسقوف، يوجد في سقفه وجوانبه نوافذ للتهوية والإضاءة. اما اليوم فالسوق يعاني من اغلاق لبعض المحلات ولقلة الوافدين اليه نظراً لبعده عن باب العامود وللسياسة التعسفية ومن ضرائب مفروضة على حوانيته من قبل بلدية القدس.
سوق القطانين
سوق نموذجية أُنشأ في العهد المملوكي أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون بأمر من امير دمشق تنكز الناصري عام 737هـ/ 1229م واعتبر وقفاً بحوانيته وحماميه وخانه وقفاً للمدرسة التنكزية الواقعة بباب السلسلة، يبلغ طوله 100متر وعرضه 8أمتار، كانت حوانيته الخمسين في العهد المملوكي متخصصة ببيع القطن والقماش المصنع منه، ولكن أهمية هذا السوق تضاءلت عند اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م ومن ثم أهمل هذا السوق تمامًا في أواخر العهد العثماني . الى ان اصبحت معظمها مغلقة ، شهدت السوق فترة انتعاش نسبية مع التركيز عليها من قبل المؤسسات الاسلامية وتسيير قوافل البراق من عرب الداخل اليه ترافقاً مع زيارتهم للمسجد الاقصى، إلا أن الضرائب الإسرائيلية الباهظة تهددها بالإغلاق والمصادرة مع غيرها من المحلات الأخرى الموجودة في جميع أسواق القدس القديمة.
سوق الحصر
وهي سوق قديمة وصغيرة، تقع بجانب سوق الباشورة غرباً وبها بضعة دكاكين من العهد العثماني مع قواعد لابنية صليبية ، اشتهرت بصناعة الحصر والقش، تضاءلت هذه السوق واندثرت صناعتها اليوم ولا تحتوي الا على ست حوانيت متنوعة البضائع وخاصة البضائع السياحية التذكارية.
سوق البازار
وهو سوق تمتد من سويقة علون غرباً حتى ملتقى سوق الحصر وسوق اللحامين شرقا. كانت تباع فيه الفواكه والخضراوات ويمتاز بأرضه المرْصوفة بشكل رائع جميل. كان السوق من جملة أوقاف المدرستين الأفضلية والكريمية، ثم أصبحت مرافقه من جملة أوقاف عائلتي الحسيني وجار الله، وهو الان يختص ببيع السلع السياحيه. وهو من اجمل اسواق القدس تنتشر فيه حاليا حوانيت مخصصة لبيع السياح
سوق باب السلسلة
يتفرع من هذه السوق إلى جهة الجنوب زقاق يتخلله الكثير من الدرج، وكان يوصل إلى حائط البراق الواقع إلى الغرب من المسجد الأقصى المبارك، وكانت هذه السوق في الجانب الأخير لسوق التجار من الشرق وتتصل به وبسوق الدلالين.
وسمى بهذا الإسم نسبه لقربه من باب السلسله من أبواب الحرم القدسي الشريف، وهو امتداد لهذا الباب وبه يوجد بعض من الاثار الإسلاميه القديمه مثل المكتبه الخالديه وبعض قبور الصالحين وسبيل باب السلسله والهيئة الاسلامية العليا ويمتاز اليوم بحوانيته الجميله التي تقوم ببيع التحف التقليديه للسواح الأجانب.
سويقة اليهود
وهو مستحدث بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويقع مقابل سوق التجار ولم يكن يفصل بينهما إلا بعض الدكاكين، وهي سوق طويلة اندثرت معظمها مع تحولها الى حارة مخصصة لسكن اليهود بعد نكبة عام 1967، حيث احتلت مساحات كبيرة من السوق، وقسم هدموه وأزالوه من الوجود ولم يتبقَ منه الا بعض الحوانيت ومقام من العهد المملوكي
السوق الجديدة
تقع بباب الخليل وعلى بعد سبعين ذراعاً منه إلى الشرق تجاه القلعة.
سوق باب الجديد
وهو سوق صغيرة تقع قرب باب الجديد أحد الأبواب الشمالية لمدينة القدس. فتح زمن السلطان عبد الحميد الثاني( 1889م) شمال المدينة.
سوق التجار
وهي تقع جنوب سوق العطارين وتسير على محاذاة نصفها القبلي ثم تتصل بها، وشمال سوق الباشورة، وهي سوق قديمة مسقوفة وبسقفها تنفذ أشعة الشمس والهواء.
سوق الباشورة
تقع جنوب سوق العطارين، والباشورة كلمة تعني النافورة وسط القلعة، وكانت فيما مضى مقر الحكام المماليك وهو من الأسواق القديمه التي يعود تاريخها للعصر الروماني، وقد كشفت الحفريات عن السوق الروماني الذي هو امتداد لسوق الباشوره حيث الأعمدهالرخاميه تزيد السوق جمالاً ورونقا،ً وقد قام الاحتلال الإسرائيلي بتهويد هذا السوق وسماه سوق الكاردو.
واشتهر السوق بعد نكبة عام 1948 ببيع الملابس المستعملة وتبديل وشراء الملابس القديمة والتي يطلق عليها “البالات” للسكان، حيث اشتهرت عائلتي الكركي والدميري في البيع، لكن حاليا فأغلب محلاته تحولت الى بيع الخزف ومواد السياحة.
سويقة علون
تمتد من موقع الموقف الكائن تجاه القلعة من الغرب حتى ملتقى طريق البازار وحارة النصارى من الشرق. وسميت بهذا الإسم نسبة إلى عائلة علون المقدسية، وهي من الأسواق المزدهره بالسياح الأجانب حيث أنها تقع في حي النصارى قرب باب الخليل، وهي الطريق المؤديه إلى كنيسه القيامة والمسجد الأقصى المبارك وحائط البراق، ويمتاز هذا السوق ببيع التحف السياحية.
سوق باب حطة
وهي سوق تقع في حي باب حطة شمال الحرم القدسي، وأما اليوم فهي أقل الأسواق حركة ونشاطاً. وهي مستقلة عن جميع أسواق المدينة ومنفردة عنها.
سوق افتيموس
اشترى أرضه البطريرك أثناسيوس سنة 1837م من آل العلمي، فهي من أملاك البطريركية الأرثوذكسية، وقد بنى فوقها الأرشمندريت أفتيموس سوقا سميت باسمه وذلك عام1908م، وهي، وقد كانت أواسط القرن العشرين من أجمل أسواق المدينة
سوق حارة النصارى
تقع بين سويقة علون في الجنوب والخانفاه الصلاحية في الشمال، وهي سوق طويلة وكبيرة ومرصوفة رصفا جميلا، ويتفرع منه سوق آخر باتجاه الكنيسة، وهي سوق مغطاة بقبو، وبعد بابها الشرقي الموصل لساحة الكنيسة، تأتي سوق أخرى مفتوحة ومبلطة إلا أنها قصيرة ولا تتجاوز المائتي متر إلى الشمال من سوق افتيموس وكنيسة الدباغة.
ومن هذه السوق تتفرع سوق أخرى باتجاه الكنيسة، وهذه السوق مقبوة فيها دكاكين تباع فيها الشموع والمسابح والصلبان والأواني المستعملة في الصلوات والطقوس الدينية.
ولوقوعه في قلب الحي المسيحي فيه الكثير من الأديرة والكنائس المسيحية، وكذلك جامع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الموقع الذي صلى به عند زيارة كنيسة القيامة، وتمتاز حوانيت هذا السوق ببيع البخور للكنائس وكذلك الشمع المقدس وكثير من التحف السياحية.