“عدنان إسماعيل”… جمالية الخط واللوحة التشكيلية
الخميس 17 آذار 2011
الخط العربي فن من الفنون الجميلة برع فيه أجدادنا العرب.. كتبوا به آيات من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.. فزينوا بلوحاتهم جدران مساجدهم وأعطوها هيبة وقدسية، وجمّلوا به قصورهم فأسبغوا عليها روعة وجمالاً، وهم من تذوقوا الخط من الناحية الفنية وتحسسوا جمالية الحرف، حيث زاوجوا بين المعنى والشكل في براعة نادرة، ونفحوا في رسم الكلمات روحاً شفافة تتراءى بين الحروف لتصبح الجملة المكتوبة آية يموج فيها الجمال الحي النابض.
موقع eHasakeh بتاريخ 13/3/2011 التقى الفنان والخطاط “عدنان إسماعيل” وكان معه الحوار التالي:
* بداية كيف تعرّف لنا معنى كلمة الخط؟
** ليس للخط مفهوم واحد متبلور عند كافة الناس، فقد أخذ مفاهيم متعددة في بعض مجالات الحياة منه الخط في المفهوم البيولوجي، حيث تنفي خطوط الوجه وتجاعيده وخطوط الكف، وفي المفهوم الرياضي يطلق الخط في الهندسة على ما له طول فقط، وفي المنطقي اتجاه فكري معنى أن نقول فلان يفكر بخط رأسمالي، أما في المفهوم التنبؤي فيطلق على علم الرمل وهو أحد مجالات التنجيم وفي المفهوم اللغوي تذكر معاجم اللغة العربية أن الخط والكتابة والرقم والسطر كلها بمعنى واحد وتعني نقل الأفكار من عالم العقل إلى عالم مادي على الورق، بوساطة أعمال اليد بالقلم للحفاظ عليها خوفاً من نسيانها، وذلك برسم أشكال الحروف تعارف عليها الناس خلال تاريخهم الطويل.
وقد ورد في الشافية وجمع الجوامع، أن الخط هو تصوير اللفظ برسم حروف هجائه بتقدير الابتداء والوقوف عليه، وذكر القلقشندى في كتابه “صبح الأعشى” أن الخط هو ما تتعرف فيه صور الحروف المفردة وأوضاعها وكيفية تركيبها خطاً.
* يقال إن الخط علم وفن وفلسفة كيف ترى ذلك؟
** نعم الخط علم وفلسفة وفن.. علم لأنه يعتمد على أصول ثابتة وقواعد دقيقة تستند إلى موازين وضعها الأقدمون، ودخل هذا العلم كمادة دراسية في حقل التعليم وقواعده العامة لا تختلف من شخص لآخر.
كما أن الخط فن لأن محوره الجمال في التعبير يتوخاه ويهدف إليه كما يتطلب استعداداً فنياً يقوم على دقة الملاحظة والقدرة
مخطوط بقلم عدنان إسماعيل |
على المحاكاة، والتعبير في هذا الفن يختلف من خطاط لآخر حتى انه قد يختلف عند الخطاط نفسه من حين لأخر، نظراً لتغيير الانطباعات النفسية والمشاعر.
وأيضاً الخط فلسفة، حيث لكل نوع من أنواع الخط فلسفة خاصة، عبّرت عن فلسفة مجتمعها وطبيعته.. ففي الخط الكوفي الذي كان يكتب به في العصر الجاهلي نلاحظ خطوطاً مستقيمة قاسية عبرت عن قسوة الحياة في ذاك العصر.. وفي الثلثي في العصر العباسي نلاحظ تعقيداً في الحروف وجمالاً في الشكل تتلاءم مع تعقيد الحياة وروعة الحضارة، كما أخترع الخطين الرقعي والديواني في العصر العثماني، فنلاحظ ضرورات اجتماعية تمثلت في الوضوح والسرعة فجاءا معبرين عن فلسفة اجتماعية معينة وهنا نقول نتذكر مقولة لإقليدس عندما قال أن الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية.
* هل من صعوبات الخط في الكتابة العربية؟
** صور الحروف العربية متعددة ومتنوعة حسب الاتصال أو الانفصال، أو حسب ورودها في بدء الكلمة أوسطها أو آخرها، حتى تبلغ أشكال بعضها أربعة مثل هـ ـ ـهـ ـ ـه ـ ه أو ع ـ عـ ـ ـعـ ـ ــع، وهكذا تبلغ الحروف 90 شكلاً مستقلاً، كما تتشابه الحروف العربية ويجعل الطفل يخلط بينها ويجد صعوبة في التمييز مثل ع ـ غ ـ ب ـ ت ـ ج ـ ح ـ خ..الخ، إضافة إلى صعوبة التنقيط وهي ناشئة عن الرغبة في تذليل صعوبة التشابه وإزالة اللبس، إذ أن نصف الحروف العربية لا تقرأ إلا بالتنقيط، ونسيانها أو إهمالها يغير من حقيقة الحرف وتعلمه، لهذا كان القدماء يحفظون الأطفال الحروف مع ذكر عدد
آية قرآنية للخطاط عدنان اسماعيل |
نقاطها ومواضيعها، ويأتي التشكيل أيضاً أحد الصعوبات أي وضع الحركات على الحروف، حتى يعرف الصوت الذي نلفظ به الحرف الساكن، ويشمل ذلك الفتحة والكسرة والضمة والسكون والتنوين بأنواعه، بالإضافة إلى مشكلة كتابة الهمزة ومواقع كتابتها المختلفة، ومشكلة الألف المتطرفة فمنها ما يكتب بألف مقصورة مثل “مصطفى”، ومنها ما يكتب بألف ممدودة مثل عصا، ولكل منها قواعد إملائية وهناك حروف تلفظ ولا تكتب وحروف تكتب ولا تلفظ.
* ما أهمية وأهداف تدريس الخط لطلابنا في المدارس؟
** الخط الواضح الأنيق فن من الفنون الجميلة، وتعليمه يؤدي جملة أهداف نعمل على تحقيقها عند الطلاب منها أن الخط بهدفه التعليمي متممة للقراءة التي تعتبر من أبرز واجبات المدرسة، ولاسيما في أول مراحل التعليم، حيث لا بد أن يعتاد الطالب الكتابة بشكل واضح ومقروء تتميز فيه أشكال الحروف عن بعضها، والهدف التربوي في الخط يتمثل في تكوين مهارة يدوية، وذلك بتعويده ضبط أعصاب يديه أثناء الكتابة، وتحريكها بسهولة وخفة وعفوية، وتدريبه على الإحساس بالنظافة والمحاكاة الصحيحة، وهذا يطلب الملاحظة الدقيقة ودقة الإدراك البصري لأشكال الحروف والكلمات وقواعدها.
كما أن التأني في إتقان الخط يُعود الطالب الصبر والمرونة والانتباه وإشباع ميله للحركة والعمل واستخدام يديه، ولهذا فأن دروس الخط مبعث لذة وسرور، لأنها تتفق مع نشاط وولع الطالب بالتقليد، أما الأهداف الفنية فتمكن في أن الخط ينمي في الإنسان الحس البديعي، ويجعله يتذوق الجمال الفني، لأن الخط إذا بلغ حداً من الإتقان والتفنن، ولو كان من النوع العادي كالرقعي أصبح فناً كالرسم، والهدف النفعي يتمثل من خلال اتخاذ البعض من الخط وسيلة للعيش والارتزاق، كالخطاطين الذين يتخذون منها مهنة في كتابة اللوحات والإعلانات والأختام، وفي هذا يقول “ابن المقفع”: الخط للأمير جمالٌ، وللغني كمالٌ وللفقير مالٌ.
الخطاط “محمود عيسى” قال عنه: «كتابته للحروف هي لوحات تشكيلية، يتفنن بها “إسماعيل” كيفما شاء، وذلك لإتقانه فن الرسم والخط، حيث يدمجهما بسلاسة فائقة الجمال، يعمل في صمت يعيد لأمته حيوية ثقافتها، فهو غزير الإنتاج متنوع المواهب والاهتمامات».
يذكر أن الخطاط والفنان “عدنان إسماعيل” مواليد “عامودا” 1958 يعمل حالياً مدرساً في مدينته “عامودا”، له مشاركات عديدة في معارض فردية ومشتركة على مستوى المحافظة وسورية.