“سيف الدين علي بيك”.. ونصف قرن من التصوير
الاثنين 15 تشرين الأول 2012
في محلٍ مُعتمٍ صغير لا تتجاوز مساحته الأمتار الخمسة، يمكث “سيف الدين علي بك” وحيداً في إحدى زوايا المكان، واضعاً كفه على خده في لحظة انتظارٍ عبثية لقدوم زبونٍ يطلب الحصول على صورة فوتوغرافية.
“علي بك” الرجل السبعيني أحد أقدم مصوري مدينة “عامودا” يمارس فن التصوير منذ ما يزيد على نصف قرن يتحدث لمدونة وطن eSyria قائلاً: «تعلّمتُ فن التصوير على يد شقيقي “محمد علي” الذي كان يعمل مُصوّراً في “بيروت” حيث عاد عام /1960/ إلى “عامودا” واتخذ لنفسه محلاً صغيراً لمتابعة عمله كمصور، وبعد وفاته استلمت عنه كل شيء، في تلك الفترة لم أكن المُصوّر الوحيد في المدينة؛ بل كان هناك آخر يدعى “جميل صابونجي”».
رحلة “علي بيك” مع الصورة بدأت مع آلة تصوير صارت اليوم من الماضي، كانت تلك الآلة تُنتج صوراً شمسية وتحتاج لوقتٍ طويل حتى تًصبح جاهزة، وعليه يضيف: «لم يكن الحصول على صورة تذكارية بالأمر اليسير، بل يستغرق ذلك يوماً كاملاً أو أكثر بسبب بطء عمليات
“علي بيك” في مرحلة الشباب |
التحميض والمعالجة. كانت هناك معاناة أثناء التصوير نتيجة قِدم الكاميرات وهي من نوع “ياشيكا” التي تفتقر للتقنيات الحديثة التي نراها اليوم، جميع عمليات تحضير الصورة كانت تُجرى في الاستديو بواسطة معدات ومستحضرات خاصة تحتاج لدقة في العمل بحيث لا تتعرض لأشعة الشمس أو أي ضوءٍ آخر، حتى معالجة الصورة كانت موجودة منذ ذلك الوقت ونستعين بقلم رصاص لتعديل الصورة في نسخة المسودة».
“عبد المجيد ملا أحمد” /65/ سنة أحد أبناء “عامودا” قال: «إلى اليوم احتفظ بالصور خاصتي التي التقطها “علي بك” منذ ما يقارب ثلاثين عاماً، أتذكر تفاصيل كل صورة، كل تلك التفاصيل واللحظات صارت جزءاً من ذاكرتي الهرمة، وعندما أتأمّل تلك الصور استرجع كل اللحظات الجميلة التي أمضيتها ورفاقي أمام ذلك الاستديو الصغير الذي أصبح خالياً
“ياشيكا” نوع الكاميرا التي استعملها “علي بيك” قبل /50/ عاماً |
اليوم من زحمة الزبائن».
“علي عبد الرزاق” /60/ سنة قال: «أمضيت مع “سيف الدين” أكثر أيامي رغم أنه يكبرني في العمر، كان نشيطاً دائم الحركة يبحث باستمرار عن لقطة جديدة ليوثقها بعدسة كاميرته، كل صباح يستقبل زبائنه وكأنه على موعدٍ مُسبق معهم».
اليوم يواظب “سيف الدين” على التواجد في محله بانتظار زبونٍ يطلب الحصول على صورةٍ فورية أو أخرى تذكارية، لكن دون أمل، فالتقنيات الحديثة التي دخلت عالم التصوير، ويجهل “سيف” استخدامها، باتت سبباً قوياً ليُدير أبناء “عامودا” ظهورهم “لاستوديو الشرق” الذي كان ذات يوم مقصدهم الوحيد لتوثيق لحظاتهم المُفرحة والمُبكية، فباتوا يلجؤون لاستوديوهات حديثة».
ويختم قائلاً: «أعلم أنه لا أحد بعد اليوم سيطلب مني أخذ صورة شخصية، فأنا مُقتنع بما آلت إليه تقنيات التصوير، وبصراحة لم
“علي بيك” أمام محله الذي أصبح خاوياً من الزبائن |
يعد بمقدوري متابعة الحداثة؛ فكل يوم هناك شيء جديد يولد في عالم التصوير لذلك فالدور على الأجيال الشابة وزمننا قد انتهى، لكنني لا استطيع التخلي عن هذه المهنة التي كانت باب رزقٍ لي ذات يوم، ولي مع هذه الأجهزة العتيقة ذكريات وأمنياتٌ تلاشت مع التطور والحداثة».