- جورج شويط
النقد الموضوعي مرشد أبوي للعمل الفني وللفنان.. في أيام الشتاء، كان والدُه يطفئ ضوءَ الكهرباء ويشعلُ شمعة، ويضع الشمعة خلفَ يده ويلعب بأصابعه، فتظهر خيالاتٌ غريبة عجيبة، ويحكي له ولإخوته الصغار حكاياتٍ فيها عبرة عن الصدق والمحبة والاجتهاد، خيال ظل، مثل كراكوز وعيواظ. عاش الفقر في طفولته، وما بعد، بكل تجلياته.
في المدرسة كل نهاية سنة دراسية كانوا يقيمون حفلاً فنياً يتضمن غناء وتمثيليات، فشارك بالكورال، لأنه كان يحب الغناء، وتمنى أن يصبح (مطرباً)، لم يكن بذهنه أبداً أن يصبح (ممثلاً)، وكان عنده هوس بحضور الأفلام في السينما. كان في اللاذقية حينها وحدها 12 صالة عرض، ولم يكن مسموحاً له حضور سينما إلا في الأعياد أو برفقة المدرسة، وربما تركت مشاهداته للسينما شحناً متراكماً وأثرتْ، بشكل غير مباشر، في رغبته في التمثيل.
عمل في المسرح، وبدايته في التلفزيون كانت من خلال مشاركته في مسلسل (نهاية رجل شجاع)، ثم (عيلة 5 نجوم) و6 نجوم و7 نجوم و8 نجوم، لتصل حالياً لأكثر من 150 مسلسلاً، و 8 أفلام روائية طويلة، و4 أفلام قصيرة.
يطل في موسم رمضان الحالي من خلال: مسلسل (الواق واق) تأليف د. ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو، وسيعرض على محطة سورية جديدة هي (لنا)، والعمل الثاني مسلسل (غضبان)، والإخراج لمحمد نصر اللـه، وهو عمل اجتماعي في إطار كوميدي. ومسلسل (هواجس عابرة) تأليف وإخراج مهند قطيش، وهو من إنتاج 2017- وعمل آخر هو (فارس و 5 عوانس)، أيضاً أنتج منذ 3 سنوات، إخراج فارس سليم.
هو مع المتحمسين للعمل مع جيل الشباب الذين يمتلكون طاقات وقدرات ورؤية فنية طموحة، ومع الدور الذي تلعبه المؤسسة العامة للسينما في تفعيل العمل السينمائي في القطر من خلال تشجيع الشباب.
الفنان جرجس جبارة كان في ضيافة صحيفة «الوطن»، حيث تناول اللقاء عدة محاور، دارتْ في فلك الدراما السورية، وكانت البداية عن الموسم الرمضاني، وما يعنيه؟
للأسف موسم رمضان غالباً ما يتحول إلى موسم تجاري بامتياز، حيث أغلبية الناس تكون في بيوتها، وهذا ما يغري أصحاب الدعايات لصب دعاياتهم خلال عرض المسلسلات التلفزيونية، فتكون الحالة رابحة للتجار والمعلنين وللتلفزيون ذاته.
في رمضان أعمال كثيرة لا تأخذ حقها من المشاهدة، حتى الأجزاء لعبة تجارية، والإطالة تفقد العمل حالته الفكرية والإبداعية.
ما الدور (السلبي أو الإيجابي) الذي يلعبه المنتج في التسويق؟
قبل الحرب على سورية، أكثر الأعمال التي أنتجت كانت برؤوس أموال غير سورية، المنتج السوري كان مجرد (منتج منفذ) لمصلحة قناة تلفزيونية، أو لجهة إنتاجية عربية. رأس المال وافد، والمنتج المنفذ يعمل حسب ما يريده المنتج، وكثيراً ما كانت تتنافى الأعمال المطلوبة، مع طبيعة وثقافة وفكر وإبداع الروح السورية.
وهذا المال الوافد توقف تماماً بعد الحرب على سورية، نتيجة المقاطعة، وللأسف، المنتج المحلي لا يملك رأسمالاً ضخماً، فأغلبية منتجينا هم ممن يملكون رأسمالاً متوسطاً وحتى ضعيفاً، ما ينعكس على جودة العمل الفني بكل صراحة.
أيضاً دخل على الخط (منتجو أزمات الحروب) الذين قدموا أعمالاً ذات مستوى لا يرتقي إلى ما وصلت إليه الدراما السورية عربياً.
نتمنى أن يكون لدينا منتجون لا يرتدون بدلة التاجر، منتجون مثقفون، همهم تقديم أعمال مهمة، تعيد ذلك البريق الذي سطع في الوطن العربي.
متى تقول عن سيناريو إنه ناجح، وستكون له بصمة وحضور جماهيري؟
المادة المكتوبة،أو المسلسل على الورق، مع ما يحمله من فكرة مبتكرة لافتة، هي أهم مرحلة يمر بها أي عمل درامي، الورق هو الأساس، طبعاً إضافة إلى مقومات أخرى، كالظرف الإنتاجي والمخرج الذي يمتلك رؤية إخراجية ابتكارية، أيضاً توزيع الأدوار بشكل صحيح. وهكذا توليفة، تكسب رهان النجاح لأي مسلسل، وتحقق له حضوراً جماهيرياً شبه مؤكد. ومع ذلك، وبكل صراحة، مرات تمر أعمال فيها فكر ومتعوب عليها، ولا تلقى القبول الجماهيري، وبالمقابل، هناك مسلسلات لم يكن يتوقع لها النجاح، ومع ذلك تجد لها صدى جماهيرياً منقطع النظير. هذه المعادلة لا يمكن التكهن بها، ولا التقاطها. وألفت إلى عملين هما (عيلة 5 نجوم) بكل أجزائها، و(ضيعة ضايعة) المسلسل الذي ما زال يتابعه المشاهد العربي حتى الآن، رغم تكرار عرضه في معظم الشاشات العربية، حتى إنه يشاهد في الدول العربية ودول المغترب بواسطة الـ(سيديات). وأضيف إليهما (باب الحارة) بأجزائه، وهو للحقيقة، عمل بيئي، رغم ما تم تناوله في الصحافة والإعلام، حتى إن محلات وماركات ومطاعم حملت اسم (باب الحارة) و(ضيعة ضايعة)، وهذا المدّ الجماهيري لا يمكن الاستهانة به ولا بالذائقة الفنية لشريحة ساحقة من المشاهدين العرب،
وعلى العموم فالمشاهد ذكي وعنده ثقافة فنية جيدة جداً، ويقول لك احترمني بأعمالك كي أحبك وأتابعك. والجمهور أولاً وأخيراً هو الأساس، وإلا فما نفع كل ما ينتج؟ وهذه الحالة من المتابعة تجعلنا، نحن الممثلين، وكذلك المخرجون والجهات كافة تتعب على نفسها أكثر وتبتكر أكثر كي ترضي هذا الجمهور العريض.
ما المشروع الفني الذي تحلم بإنجازه؟
حين أصل إلى تحقيق هذا الهدف أكون قد أعلنت على نفسي الموت المبكر.
فأنا أي دور يسند لي وأقتنع به، يكون واحداً من أحلامي ومن مشاريعي التي أرغب في تحقيقها. مهنتنا مهنة (إبداع وخلق وتجديد). وكلما أنجزنا مسلسلاً أقول أجرّب بآخر وأحقق ما لم أحققه في المسلسل السابق ، وأضيف شيئاً يميزه عن الدور السابق، وهكذا..
وهل أنت مع الإنتاج العربي المشترك والتقاء نجوم الفن العربي في أعمال مشتركة؟
ما لم توحده السياسة عربياً، عمل على تحقيقه الفن والرياضة، ولكن أنا مع هكذا أعمال، ولكن شرط أن تكون الحالة تخدم العمل فنياً، وألا تأتي بشكل إقحامي وفجّ، من خلال توليفة كاذبة غايتها التسويق.
وماذا تعني لكَ الشهرة؟
من يقل لك إن الشهرة غير ممتعة، أو غير جميلة، فهو ليس صادقاً قطعاً، لكن الشهرة تحتاج إلى عقل واقعي يحتملها ويعرف كيف تدار، وأن يكون هناك وعي وحسن تصرف ولباقة مع من يشعرك بهذه الحالة، وهذه المحبة المتبادلة، تفوق عندي أهم أوسكارات الفن، ثروة الفنان محبة الناس، التي تنسيه تعبه، لأن الفن ليس بالسهل كما يظن البعض، فيه تضحيات وتعب وسهر ومشقة كبيرة.
أيضا الشهرة ليست حكراً على الممثل، وهناك شهرة ايجابية وشهرة سلبية، إذ يمكن لقاتل شاب في مدرسة بأمريكا يرشق زملاءه بالرصاص، أن يشتهر على مستوى الكرة الأرضية، وتتناقل أخباره وكالات الأنباء العالمية، وهناك شهرة طبيب وشهرة مطرب ومحام ومهندس وكاتب سيناريو ورسام وكاتب قصة وصحفي، لكن المهم هنا، ما خلفية الشهرة، وماذا قدم صاحب هذه الشهرة للناس وللحالة الإبداعية، وماذا أضاف لهم من فائدة ومتعة؟؟ هنا تكمن الإجابة.
حين أتواصل أو أعمل مع فنانين عرب، ويراقبون كيف أننا بإمكانات بسيطة، لكن بعفوية وصدق وحب، وإتقان وحرفنة، ننجز أعمالنا الدرامية، ينذهلون، وممن التقيتهم كريم عبد العزيز وحسن حسني وأنطوان كرباج وأحمد الزين وسميرة بارودي وآلان الزغبي وطلال الجردي وحكيم دكار وخالد بوزيد.. وكثيرين غيرهم..
العمل مع نجوم عرب هو لحظة امتحانية جميلة، ولحظة تحدٍ للنفس استمد منها القوة دوماً، وبالمقابل الفنان العربي عنده ذات الشعور… وقد كانت هناك فرصة للعمل في مسلسل (فرقة ناجي عطا لله) للنجم عادل إمام، ولكن تضارب مواقيت الارتباط بأعمال أخرى عطل هذه الفرصة. وأتمنى أن أعمل إلى جانب هكذا هرم كبير نعتز به جميعاً.
ما الدور الذي يلعبه الناقد في ارتقاء الأعمال الفنية (سينما- تلفزيون-مسرح)؟
الفنان والناقد توءم. هما في حالة تعايشية جميلة ومتناغمة، أحكي هنا عن الناقد الفني العقلاني الموضوعي الشريف النظيف الصادق المخلص لمهنته، الذي يتحول إلى مرشد أبوي للفنان يشير إلى الخطأ لكي نتجاوزه في أعمال تالية، في النص والإخراج والتمثيل وما إلى ذلك..
عندنا أسماء مهمة جداً في عالم النقد الفني، وهم مظلة أمان للفن والفنانين، لكن، للأسف ثمة نقاد ليس همهم سوى الإساءة والتجريح، وتكون مادتهم النقدية جاهزة حتى قبل عرض العمل، فتصوّر يا رعاكَ اللـه!!
كان في الماضي يردد الفنانون: إن الفنان البعيد عن العاصمة بعيد عن الأضواء. ما الحال الآن؟
لقد انكسرت هذه القاعدة، وأغلبية الفنانين المخرجين والمبدعين الحاليين هم من أقصى الخريطة السورية إلى أقصاها، ومن القرى البعيدة، والأضواء مشرعة للجميع.
وماذا عن تقديمك للبرامج الفنية والثقافية في التلفزيون، وهل أنت مع فكرة تقديم النجوم لمثل هكذا برامج؟
هي هواية، مثلها مثل التمثيل والغناء، واستمتع بها، ولكن ليس كل ممثل يمكن أن يكون مقدم برامج، والعكس بالعكس.
وأنا في مثل هذه البرامج صدقاً أتعلم من الضيف نفسه، حيث يضيف لي دائماً أشياء جديدة، من المعرفة والثقافة. التقديم عالم غني شدّني إليه وفيه متعة كما التمثيل تماماً.