ولد الباحث والمؤرخ والقيادي الفلسطيني، الدكتور الياس شوفاني سنة 1933 في قرية معليا، قضاء عكا، وأنهى دراسته الابتدائية في مدرستها. انتقل في سنة 1945 إلى مدينة عكا حيث درس في “ثانوية عكا للبنين”، لكن حرب سنة 1947-1948 حالت دون إتمامه دراسته الثانوية فيها. طرد إلى لبنان مثل الكثير من الفلسطينيين ثم عاد متسللا إلى قريته وأخذ يدرِّس في مدرستها في السنة الدراسية 1951-1952 ولمدة تسع سنوات، بعد أن أنهى دورة لمدة ستة أشهر لإعداد المعلمين في يافا. التحق بالجامعة العبرية في سنة 1959 لدراسة تاريخ الشرق الأوسط واللغة العربية وفي سنة 1962 غادر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة پرينستون وكانت الأطروحة التي أعدها عن حروب الردة في الإسلام . عمل الكثير من أجل تنظيم الطلاب والمدرسين العرب في الجامعات الأمريكية لكسب الأنصار للقضية الفلسطينية (كان من بينهم الأستاذ الجامعي هشام شرابي). انضم إلى حركة فتح عام 1967 وغادر أمريكا إلى لبنان سنة 1973 مضحياً بعمله الجامعي، حيث كان له نشاط زاخر في العمل السياسي والميداني وإدارة قسم الأبحاث في معهد الدراسات الفلسطينية. عارض الانسحاب من بيروت إثر الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف سنة 1982 وانشق عن حركة فتح عام 1983 بسبب الانحرافات السياسية التي مارستها القيادة آنذاك وأساليب اتخاذ القرارات في الحركة. اعتزل العمل السياسي سنة 1991 وتفرغ للكتابة وقد نشر العديد من المؤلفات والدراسات
المسيرة الحركية :
بدأ الراحل نشاطه السياسي في صفوف حركة فتح عندما مكث في الولايات المُتحدة لإتمام دراسته الأكاديمية. بعد إنهاء فترة عمله في الولايات المُتحدة عام 1973, انتقل إلى لبنان للاستمرار في مسيرته النضالية هناك. عمِل مسؤلاً في مركز الدراسات الفلسطينية مُتخصصاً في الشأن الإسرائيلي والحركة الصهيونية.
وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982, الذي أدى إلى خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. اختلف الراحل, والعديد من رفاقه مع القيادة الرسمية للمُنظمة في تقييم مرحلة ما بعد بيروت, وفي مسألة ” محاسبة المُقَصِرين في الحرب” الذين غادروا مواقعهم في اليوم الأول من بدء القتال وعملية الاجتياح الإسرائيلي “والغموض” الذي أحاط باستشهاد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس غرفة العمليات في الثورة الفلسطينية, الشهيد اللواء سعد صايل سلمان, في كمينٍ مُدبر في سهل البقاع بعد فترة وجيزة من الخروج الفلسطيني المُسلح من بيروت.
على اثر هذا الخلاف وفي عام 1983, نشأ تنظيم حركة فتح الانتفاضة بقيادة المرحوم نمر صالح (أبو صالح), سمير أبو كويك, سعيد موسى مراغة (أبو موسى), موسى العملي (أبو خالد), واصف عريقات (أبو رعد), الدكتور المرحوم الياس شوفاني, والكثير من قادة الكتائب والقوات الفلسطينية وكوادر قيادات التنظيم في سوريا ولبنان, وأُعلن بأن ما يجري داخل حركة فتح يُعبر عن معارضة.
بقي التنظيم محصوراً بعد نشأته في تواجده بين سوريا ولبنان, تعرض بعدها إلى العديد من التداعيات .
المسيرة الفكرية
بعدها انكفأ الراحل على الأبحاث الفكرية, مُستنداً في ذلك إلى تجربته الميدانية. وضع الراحل العديد من المؤلفات والكتب, امتازت جميعها بعمق الإدراك والتحليل.
من أهم مؤلفاته:
– إسرائيل في خمسين عاماً: المشروع الصهيوني بين المُجرد إلى الملموس
– التقصير الخلل في إدارة الصراع العربي الصهيوني
– أمن إسرائيل الاستراتيجي
– الحروب الإسرائيلية-العربية
– دروب التيه جذور أزمة العمل الوطني الفلسطيني
– هزيمة إسرائيل في لبنان
– الموجز في تاريخ فلسطين السياسي من فجر التاريخ حتى سنة 1949
– إسرائيل ومشروع كارتر
– إسرائيل والتسوية- المحطة
– مشاريع التسوية الإسرائيلية 1967-1978
أعمال أخرى:
– نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية من 1073 – 1982
– مشاريع التسوية الإسرائيلية – بيروت – 1978 – مؤسسة الدراسات الفلسطينية
– مناحيم بيغن من الإرهاب إلى السلطة – بيروت – 1977 – مؤسسة الدراسات الفلسطينية
– زيارة السادات لإسرائيل – بيروت – 1978 – مؤسسة الدراسات الفلسطينية
– المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرون (1972) بيروت – 1977 – مؤسسة الدراسات الفلسطينية
– الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية – بيروت – (هيئة الإشراف 1973- 198) – مؤسسة الدراسات الفلسطينية
مقالات متعددة حول الصراع العربي الصهيوني في الصحف والمجلات خاصة في:
– شؤون فلسطينية – بيروت – مركز الأبحاث الفلسطينية
-مجلة الدراسات الفلسطينية – بيروت “بالعربية والانكليزية” – مؤسسة الدراسات الفلسطينية
من خلال كتاباته, رفض الدكتور الياس المساومة على قناعاته الوطنية. رفض أي مشروع تسوية مع إسرائيل ولم يقبل الاعتراف بشرعيتها. اعتبر إسرائيل “ثكنة” وُجدت لتؤدي دوراً وظيفياً لخدمة المركز الامبريالي (الولايات المتحدة). بناءً على ذلك, ارتأى الدكتور الياس بأن إدامة الصراع مع هذه الثكنة من شأنه أن يؤدي إلى انقلاب الثكنة من ذُخرٍ بالنسبة للمركز إلى عبءٍ عليه, وبالتالي وضع علامة استفهام حول مبررات استمرار وجوده.
كان كتاب مرثية الصفاء- سيرة ذاتية آخر كتاب قرأته للدكتور الياس. تجربةً نضالية امتدت لأكثر من خمس عقود, لخصها الكاتب في خمسة سطور. جاءت الكلمات, خجولة, صادقة, مُعبرةً, شُجاعةً وثورية في آن واحد. توجه إلى شعبه الفلسطيني, لكنه اختزل التوجه مجازاً لابنتيه “هند” و “نور”, كان شُجاعاً موجهاً اللوم بضياع فلسطين إلى والده ولو عن طريق السلب, كان ثورياً وضع سقف مطلبه الأدنى “تحرير الوطن”, وكان صادقاً لتحمل مسئولية الإخفاق في تحريره وجه في نهاية حياته خمسة سطور نتوقف عندها وفيها:
“إلى ابنتي, هند ونور:
ما ورثت وطناً حُراً لأورثكما إياه
وما لُمت جدكما “والدي” على ضياع الوطن
أملي ألا تُحملاني مسئولية الإخفاق في تحريره
… لقد حاولت…”
كانت هذه هي الكلمات. التي نُعزي أنفسنا ونُعزيكما هند ونور وكل أبناء شعبنا العربي الفلسطيني بفقدان المفكر والمُعلم والمُناضل الكبير الثائر دائماً- الدكتور الياس شوفاني.
رحل الدكتور الياس تاركاً وراءه إرثاً كبيراً من العطاء والبحث في شؤون قضيتنا لكل أبناء فلسطين والأمة العربية. تاركاً لنا تحقيق حُلمه في تحريرها كاملة من النهر إلى البحر.
لروحك الهدوء والسكينة في ذكراك الثانية .