“مها الصالح”.. سيدة المونودراما
الثلاثاء 19 آب 2014م – ساحة النجمة
منذ ستينيات القرن الماضي وحتى لحظة رحيلها لم تهدأ مسيرتها الفنية، فتنقلت بين الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، تاركة في كل عمل شاركت فيه بصمة خاصة لها.
مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 22 تموز 2014، الكاتب والناقد المسرحي “جوان جان” -رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية- الذي تحدث عن مسيرة الفنانة “مها الصالح”، ويقول: «اختارت أعمالها وخاصة التلفزيونية منها بدقة وبعد دراسة معمقة، حيث قدمت للتلفزيون أعمالاً ما زالت في الذاكرة، مثل: “حكاية الأميرة الشماء”، “حارة القصر”، “أولاد بلدي”، “أبو كامل”، “حكايا الليل”، و”امرأة لا تعرف اليأس”، أما في السينما فكانت لها مشاركات عديدة في بعض الأفلام، مثل: “نجوم النهار”، “صندوق الدنيا”، “الطحين الأسود”، “حبيبي مجنون جداً”، “مطلوب رجل واحد”، و”العالم سنة 2000″، غير أن المسرح هو ميدانها الأرحب والأوسع والأكثر قدرة على تجسيد مشروعها الفني والإبداعي».
ويتابع: «جالت بمسرحيتها “شجرة الدر” على أكثر من بلد عربي وأجنبي، تلك المسرحية (المونودراما) التي كتبها التونسي “عز الدين المدني”، وأخرجها د. “شريف خزندار” وحصلت من خلالها على أكثر من جائزة وتقدير، منها الجائزة التي حصلت عليها من مهرجان مسرحي للمونودراما أقيم في العاصمة الروسية “موسكو”، إضافة إلى عرضها في كل من “دمشق” و”باريس” و”الخرطوم” و”جرش” و”الفجيرة”، كما شاركت “الصالح” في أكثر من عمل مسرحي أعطى وجودها فيه ألقاً خاصاً وبعداً إبداعياً كمسرحية “حكاية بلا نهاية” التي قدمت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وأخرجها
مها الصالح في بداياتها |
زوجها الفنان “أسعد فضة”، ومسرحية “يوم من زماننا” للكاتب الكبير “سعد الله ونوس” والمخرج د. “عجاج سليم”، وقد أدت في هذه المسرحية أكثر من شخصية عكست قدرتها على تقمّص مختلف أنواع الشخصيات في عمل واحد، ومونودراما “عيشة” للمسرحي “حكيم مرزوقي” والكاتبة “رولا فتال”، إضافة إلى مسرحيتي “الأيام الحلوة” مع الفنان “جهاد الزغبي”، و”ذاكرة الرماد”».
ويضيف: «في مجمل هذه الأعمال كانت قضية المرأة حاضرة في ذهن “الصالح”، سواء تلك المرتبطة بأبعاد إنسانية كبرى أو بقضايا على غاية من الخصوصية كما في مونودراما “خطبة لاذعة ضد رجل جالس” التي كان من حسن حظي أن اختارتني الفنانة “مها الصالح” كي أقوم بإعدادها لها، عن نص للروائي الكولومبي الأشهر “غابرييل غارثيا ماركيز” كي تكون صالحة للتقديم للجمهور السوري، وقد قدمتها في موسم المسرحي القومي في العام 2004، وعرضتها في “الأردن” وفي أكثر من مدينة “سورية”، وقبل هذا التعاون كانت معرفتي بالراحلة الكبيرة معرفة سطحية لا تتعدى التحية السريعة أو الحديث العابر، لكن علاقتنا توطدت بشكل متسارع ابتداء من ذلك العام حينما أعددت لها هذا العمل، وقد عرفت عنها دقتها المتناهية وتركيزها على التفاصيل وحرصها الشديد على كل حرف في النصوص التي تقدمها تمثيلاً أو إخراجاً وخاصة في
جوان جان |
النصوص المونودرامية، وقد سرقت الفنانة “مها” الأنظار في هذا العمل وهي تؤدي شخصية المرأة المسكونة بهاجس خيانة زوجها واستخدامه لها مطيّة للوصول إلى النجاح الاجتماعي والمهني، وقد تمكنت من نقل مختلف الحالات النفسية التي تمر بها الشخصية، وهو الأمر الذي يعني أنها لم تكن متمسكة بالظهور المنفرد حتى في الأعمال المونودرامية التي قدمتها، الأمر الذي انسجم مع إخراجها لعمل جماعي في سنواتها الأخيرة؛ وهو مسرحية “قبعة المجنون” للكاتب “لويجي بيرانديللو”».
وينهي حديثه: «لقد كانت “مها الصالح” مسكونة بحب خشبة المسرح التي بقيت مخلصة لها حتى أسابيعها الأخيرة، وكان المسرح والهم المسرحي مسيطراً على أحاديثها والكثير من جوانب حياتها، الأمر الذي دفعها في سنواتها الأخيرة إلى تأسيس تجمّع مسرحي خاص بها تحت مسمى “تجمّع موّال”، لكن الزمن لم يعطها مجالاً سوى لتقديم مونودراما واحدة ضمن هذا التجمع هو “شجرة الدر” التي سبق ذكرها».
أما الشاعرة والكاتبة “نورا محمد علي” فتقول عنها: «ملأت الفنانة “مها الصالح” وخاصة في سنواتها الأخيرة جنبات المسارح حركة ونشاطاً وعروضاً مسرحية لم تكن تنتهي من أحدها حتى تباشر عملها في عرض آخر، واستطاعت أن تحمل وتتحمل مسؤولية الأداء على عاتقها وبدت تخاطب المتلقي عبر عمليات متعددة تعني الإدراك بالحواس والفكر،
الصالح على خشبة المسرح |
وهي أشياء مهمة في عملية بث الخطاب الفني في عملية الإرسال والاستلام، وخاصة عندما كانت تغطي الخشبة بكاملها في أكثر من عمل مونودارمي، واستطاعت من خلاله مخاطبة حاسة البصر والسمع وتصنع عبرها متعة جميلة».
يذكر أن الفنانة “مها الصالح” من مواليد “جبلة” في مدينة “اللاذقية” عام 1945، وتوفيت في حزيران عام 2008 عن عمر ناهز 63 عاماً، تاركة خلفها أعمالاً راسخة في أذهان أجيال ومحبي المسرح والتلفزيون والسينما.