تمت مشاركة منشور من قبل Fareed Zaffour.
إرتباط الياسمين و دمشق
إن لهذه الزهرة قيمة معنوية عالية بالنسبة للسوريين حيث تحولت إلى رمز دمشقي بعدما ارتبطت بتاريخ الشام وانتشرت في بساتين غوطتها وعلى شرفات منازلها وقرب جدران بيوتها القديمة، و ما زالت تشكّل أحد مميزات البيت الدمشقي الرئيسية طالما أن رائحتها توفر أجواء الراحة وتضفي على الجلسات جمالية خاصة. وحين يُذكر البيت الدمشقي تتداعى إلى الذاكرة مباشرةً صورة نمطية حميمية لحيز مكاني يعبق بأريج الفل والحبق والأضاليا والمستحية والياسمين الدمشقي، تلك الزهرة البيضاء التي ارتبطت بمدينة دمشق ارتباطاً وثيقاً وأصبحت رمزاً طبيعياً من رموزها عبر العصور، كما هو جبل قاسيون ونهر بردى والجامع الأموي وسوق الحميدية، فتميزت بها وانتشرت في بيوتها القديمة وحدائقها المنزلية لتصبح عاصمةً للياسمين . وظلت هذه الزهور علامة تميّز الهوية السورية، وينبوعاً للجمال، وأغنية للشعراء .
ارتباط الياسمين بالشعراء
وقد تغنّى الشعراء بالياسمين وغنوا له، وتدلّى على شرفات المنازل وغطّى أدراج البيوت ومداخلها وعتباتها، وفي مدينة دمشق عطّرت رائحة الياسمين المساءات والأزقة والأفق الواسع حتى عُرفت بمدينة الياسمين،وبدت كما يصفها الشاعر الأندلسي ابن الأبّار : فتلـك عروش الياسمـين وزهـره كزهر النجوم وسط أفلاكها تبدو
ولعل أكثر من تغنى بـ ياسمين دمشق وبياضه الناصع
الشاعر (نزار قباني) الذي أهدته دمشق “أبجدية الياسمين” حسب تعبيره، وحكاية نزار قباني مع الياسمينة الدمشقية بدأت منذ فتح عينيه على هذه الحياة لأول مرة، ترعرع في ظلها لتصبح جزءاً من حياته وتفكيره وشعره ونثره، فالياسمينة الدمشقية موجودة في الكثير منقصائد نزار قباني . وأظهر تعلقه الشديد بها حتى أواخر حياته حينما كان يوصي ويصر على أن يُدفن في التراب نفسه الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينة دمشق، حيث قال : [إنني أرغب في أن ينقل جثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين] .
وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى حضن أمه الأرض في مقبرة الباب الصغير التي تعرّشت على أسوارها زهرات الياسمين الدمشقي البيضاء وهي تفوح برائحة زكية يملأ شذاها الأرجاء .
أما الشاعر محمود درويش فيقول في قصيدته “في الشام” بمجموعته (لا تعتذر عما فعلت) : [في الشام، أعرف من أنا وسط الزحام، يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة عليّ، يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمينة ثم نام] .