فينسنت فان غوخ
فينسنت فان غوخ | |
---|---|
|
|
معلومات شخصية | |
الاسم عند الولادة | (بالهولندية: Vincent Willem Van Gogh) |
الميلاد | 30 مارس 1853 زندرت، هولندا |
الوفاة | 29 يوليو 1890 (37 سنة) أوفر سور أوايز، فرنسا |
سبب الوفاة | إصابة بعيار ناري |
الجنسية | هولندي |
مشكلة صحية | صرع كآبة |
الحياة العملية | |
المهنة | رسام |
اللغات المحكية أو المكتوبة | الفرنسية[1]، والهولندية |
مجال العمل | تصوير |
أعمال بارزة | لوحة آكلو البطاطا، زهور الخشخاش |
تأثر بـ | جان فرانسوا ميليه، وبول غوغان، وبول سيزان، وبيتر بول روبنس |
التيار | ما بعد الانطباعية، وتعبيرية |
التوقيع | |
المواقع | |
IMDB | صفحته على IMDB |
تعديل |
فينسنت فيليم فان غوخ (بالهولندية: Vincent Willem van Gogh بالألفبائية الصوتية الدولية: /vɪnˈsɛnt vɑn xɔx/) ت (30 مارس 1853 – 29 يوليو 1890) كان رساماً هولندياً، مصنف كأحد فناني الانطباعية[2]. تتضمن رسومه بعضاً من أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في العالم. عانى من نوبات متكررة من المرض العقلي — توجد حولها العديد من النظريات المختلفة — وأثناء إحدى هذه الحوادث الشهيرة، قطع جزءاً من أذنه اليمنى. كان من أشهر فناني التصوير التشكيلي. اتجه للرسم التشكيلي للتعبير عن مشاعره وعاطفته. في آخر خمس سنوات من عمره رسم ما يفوق 800 لوحة زيتية.
حياته الأولى
ولد فينسنت فان غوخ في جروت زندرت بهولندا في 30 مارس/آذار 1853[3]. جاءت ولادة فان غوخ بعد سنة واحدة من اليوم الذي ولدت فيه أمه طفلاً ميتاً بالولادة، سمي أيضاً بفينسنت. لقد كان هناك توقع كبير [4] لحدوث صدمة نفسية لفينسنت فان غوخ لاحقاً كنتيجة لكونه “بديل طفل” وسيكون له أخ ميت بنفس الاسم وتاريخ الولادة. ولكن هذه النظرية بقت غير مؤكدة، وليس هناك دليل تاريخي فعلي لدعمها.
كان فان غوخ ابن ثيودوروس فان غوخ (1822 – 1885)، قس كنيسة منصلحة هولندية، وأمه آنا كورنيليا كاربنتوس (1819 – 1907). عملياً لا توجد معلومات حول سنوات فينسنت فان غوخ العشر الأوائل. حضر فان غوخ مدرسة داخلية في زيفينبيرجين لسنتين وبعد ذلك استمر بحضور مدرسة الملك ويليم الثاني الثانوية في تيلبيرغ لسنتين أخرتين. في ذلك الوقت أي في عام 1868، ترك فان غوخ دراسته في سن الخامسة عشرة ولم يعد إليها.[5]
في عام 1869 انضم فينسنت فان غوخ إلى مؤسسة غووبيل وسي (Goupil & Cie)، وهي شركة لتجار الفن في لاهاي. كانت عائلة فان غوخ لفترة طويلة مرتبطة بعالم الفن، فقد كان أعمام فينسنت، كورنيليس (“العم كور”) وفينسنت (“العم سنت”)، كانا تاجرين فنيين. أمضى أخوه الأصغر ثيو فان غوخ حياته كتاجر فني، ونتيجة لذلك كان له تأثير كبير على مهنة فينسنت اللاحقة كفنان.
فينسنت كان ناجحاً نسبياً كتاجر فني، وبقى مع غووبيل وسي لسبع سنوات إضافية. في عام 1873 نقل إلى فرع الشركة في لندن وأعجب سريعاً بالمناخ الثقافي الإنجليزي. في أواخر شهر أغسطس/آب، انتقل فينسنت إلى طريق هاكفورد 87،[6] and worked at Messrs. Goupil & Co., 17 Southampton Street.[7] وعاش مع أورسولا لوير وابنتها يوجيني. قيل بأن فينسنت كان مهتماً بيوجيني عاطفياً، ولكن العديد من كتاب السير الأوائل نسبوا اسم يوجيني بشكل خاطئ لأمها أورسولا. بقى فينسينت فان غوخ في لندن لسنتين أخرىين. خلال تلك الفترة زار العديد من المعارض الفنية والمتاحف، وأصبح معجباً كثيراً بالكتاب البريطانيين أمثال جورج إليوت وتشارلز ديكينز. كان فان غوخ أيضاً معجباً كثيراً بالنقاشين البريطانيين. أعمالهم ألهمت وأثرت في حياة فان غوخ الفنية اللاحقة.
أصبحت العلاقة بين فينسنت وغووبيل أكثر توتراً على مر السنوات، وفي مايو/مايس في عام 1875 نقل إلى فرع الشركة في باريس. ترك فينسنت غووبيل في أواخر شهر مارس/آذار من عام 1876، وقرر العودة إلى إنجلترا حيث كانت السنتان اللتان قضاهما هناك سعيدتين. في أبريل/نيسان بدأ فينسينت فان غوخ في مجال التعليم في مدرسة القس وليام ب. ستوكس في رامسجيت. كان مسؤولاً عن 24 ولداً تتفاوت أعمارهم ما بين 10 إلى 14 سنة. واصل فان غوخ في وقت فراغه بزيارة المعارض وتقديم الاحترام للعديد من القطع الفنية العظيمة هناك. كرّس نفسه أيضاً لدراسة التوراة، فأمضى العديد من الساعات يقرأ ويعيد قراءة الإنجيل. كان صيف 1876 وقتاً دينياً بالنسبة لفينسنت فان غوخ. بالرغم من أنه تربى عند عائلة دينية، لم يبدأ بتكريس حياته إلى الكنيسة بجدية إلا عند هذا الوقت.
من أجل التحول من معلم إلى رجل دين، طلب فينسنت من القس جونز بأن يعطيه المزيد من المسؤوليات المعينة لرجال الدين. وافق جونز، وبدأ فينسنت بالحديث عند اجتماعات الصلاة في أبرشية تيرنهام غرين. هذا الحديث عمل كوسيلة لتهيئة فينسنت للمهمة التي انتظرها لمدة طويلة وهي خطبته الأولى في يوم الأحد. بالرغم من أن فينسنت كان متحمساً ليحصل على فرصه بأن يكون وزيراً، إلا أن خطبه كانت باهتة وغير حيوية بشكل كبير. اختار فينسينت فان غوخ البقاء في هولندا بعد زيارة عائلته في عيد الميلاد. بعد العمل لمدة قصيرة في مكتبة في دوردريخت في أوائل العام 1877، توجه فينسنت إلى أمستردام في 9 مايو/مايس لتهيئة نفسه لفحص دخول الجامعة لدراسة علم اللآهوت. تلقى فينسنت دروس اللغة اليونانية واللاتينية والرياضيات هناك، ولكن بسبب قلة براعته أرغم في النهاية على ترك الدراسة بعد 15 شهراً. وصف فينسنت هذه الفترة لاحقاً بأنها أسوأ فترات حياته. في نوفمبر/تشرين الثاني أخفق فينسنت في التأهل للمدرسة التبشيرية في لايكين، ولكن أوصت الكنيسة في النهاية على أن يذهب إلى منطقة التنقيب عن الفحم في بوريناج ببلجيكا.
في يناير/كانون الثاني من عام 1879، بدأ فينسنت بوصاية عمال مناجم الفحم وعوائلهم في قرية التعدين واسميس [8]. شعر فينسنت بارتباط عاطفي قوي نحو عمال المناجم. تعاطف مع أوضاع عملهم المخيفة وفعل ما بمقدوره، كزعيم روحي، وذلك لتخفيف عبء حياتهم. هذه الرغبة الإيثارية أوصلته إلى مستويات كبيرة جداً عندما بدأ فينسنت بإعطاء أغلب مأكله وملبسه إلى الناس الفقراء الواقعين تحت عنايته. على الرغم من نوايا فينسنت النبيلة، رفض ممثلو الكنيسة زهد فان غوخ بقوة وطردوه من منصبه في يوليو/تموز. رافضاً تركه للمنطقة، انتقل فان غوخ إلى قرية مجاورة تدعى كيوسميس (Cuesmes)، وبقى هناك بفقر كبير. في السنة التالية كافح فينسنت من أجل العيش، ورغم أنه لم يكن قادراً على مساعدة سكان القرية بأي صفة رسمية كرجل ديني، اختار بأن يبقى أحد أعضاء جاليتهم على الرغم من ذلك. في أحد الأيام شعر فينسنت بالاضطرار إلى زيارة بيت جولز بريتون، وهو رسام فرنسي كان يحترمه كثيراً، وتطلب ذلك مشي لسبعين كيلومتراً إلى كوريير (Courrières) بفرنسا، مع أنه لم يكن في جيبه سوى 10 فرنكات. لكن فينسنت كان خجولاً جداً لأن يدق الباب عند وصوله، فعاد إلى كيوسميس فاقداً الثقة بشكل كبير. في ذلك الوقت اختار فينسنت فان غوخ مهنته اللاحقة بأن يكون فناناً.
بدايته كفنان
في خريف العام 1880، وبعد أكثر من عام من العيش بفقر في بوريناج، توجه فينسنت إلى بروكسل لبدء دراساته الفنية. تشجع فينسنت على بدء هذه الدراسات نتيجة للعون المالي من أخيه ثيو. كان فينسنت وثيو قريبين من بعضهما البعض على الدوام في طفولتهما وفي أغلب حياتهما التالية، حيث بقيا يراسلان بعضهما البعض باستمرار. عدد هذه الرسائل أكثر من 700، وهي تشكل أغلب معرفتنا بتصورات فان غوخ حول حياته الخاصة وحول أعماله.
قدم فينسنت طلباً للدراسة في مدرسة الفنون الجميلة (École des Beaux-Arts) في بروكسل لمدة قصيرة. بعد ذلك واصل فينسنت دروس الرسم لوحده بأخذ الأمثلة من بعض الكتب مثل “Travaux des champs” لجوان فرانسوا ميلي و”Cours de dessin” لتشارلز بارغ. في فصل الصيف عاش فينسنت مع أبويه مرة أخرى في إتين، وخلال تلك الفترة قابل ابنة عمه كورنيليا أدريانا فوس ستريكير (تسمى “كي”). أصبحت كي (1846 – 1918) أرملة مؤخراً وكانت تربي ابنها الصغير لوحدها [9]. وقع فينسنت في حب كي وتحطمت مشاعره حينما رفضته،[10] فأصبحت تلك الحادثة إحدى أبرز الحوادث في حياة فان غوخ. بعد ذلك قرر فينسنت مواجهتها في بيت أبويها. رفض أبو ‘كي’ السماح لفينسنت برؤية ابنته [11] فقرر فينسنت وضع يده على قمع مصباح زيتي ليحرق نفسه متعمداً قائلا: “اجعلوني أراها قدر ما أستطيع وضع يدي في هذا اللهب” [11]. كان هدف فينسنت أن يضع يده على اللهب حتى يسمح له برؤية كي، ولكن أبوها قام بسرعة بإطفاء المصباح، فغادر فينسنت البيت مذلاً.
على الرغم من النكسات العاطفية مع كي والتوترات الشخصية مع أبيها، وجد فينسنت بعض التشجيع من أنتون موف (1838 – 1888)، ابن عمه بالزواج. صنع موف من نفسه فناناً ناجحاً، ومن بيته في لاهاي زود فينسنت بمجموعته الأولى من الألوان المائية، وهكذا بدأ فينسنت بالعمل بواسطة الألوان. كان فينسنت معجباً كثيراً بأعمال موف وكان ممتناً له. وكانت علاقتهما جيدة، لكنها توترت عندما بدأ فينسنت بالعيش مع مومس.
قابل فينسينت فان غوخ كلاسينا ماريا هورنيك (1850 – 1904)[12] في أواخر فبراير/شباط 1882 في لاهاي. كانت هذه الامرأة (الملقبة بـ “سين”) حاملاً بطفلها الثاني عندما قابلها فان غوخ، لكنها انتقلت للعيش معه بعد فترة قصيرة لسنة ونصف السنة. نمت مواهب الفنان بشكل كبير بمساعدة سين وأطفالها في تلك الفترة. رسومه المبكرة لعمال مناجم الفحم في بوريناج فسحت له المجال لأعمال أفضل، محملة بالكثير من العواطف. في لوحة “سين جالسة على السلة مع فتاة”، صور فينسنت الحياة العائلية الهادئة بمهارة، مع بعض الإحساس باليأس، وهي المشاعر التي عرف بها في الأشهر التسع عشرة التي عاش فيها مع سين.
كانت السنة 1883 مرحلة انتقالية أخرى بالنسبة لفان غوخ في حياته الشخصية وفي دوره كفنان. بدأ فينسنت الرسم الزيتي في عام 1882. مع تقدم مهاراته الرسومية، تدهورت علاقته مع سين فافترقا في سبتمبر/أيلول.[13] ترك فينسنت لاهاي في منتصف شهر سبتمبر/أيلول للسفر إلى درينتي في هولندا. عاش فينسنت في الأسابيع الست التالية حياة البداوة، حينما انتقل في كافة أنحاء المنطقة ورسم المناظر الطبيعية البعيدة مع سكانها.
عاد فينسنت مرة أخرى إلى بيت أبويه في نوينين في أواخر العام 1883. واصل فينسينت فان غوخ حرفته طوال السنة التالية، وأنتج عشرات الرسوم أثناء تلك الفترة، مثل لوحات الحياك والغزالون وغيرهما. أصبح الفلاحون المحليون مواضيع اهتمامه لأنه شعر بصلة قوية نحوهم، وجزئياً كان سبب ذلك إعجابه بالرسام ميليه الذي أنتج بنفسه لوحات تعطف على العمال في الحقول. كانت مارجوت بيجيمان (1841 – 1907)، التي عاشت عائلتها إلى جوار أبوي فينسنت، كانت تعشقه، وقادتها علاقتها العاطفية إلى محاولة الانتحار بالسم.[14] كان فينسنت مذهولاً جداً لتلك الحادثة. تعافت مارجوت في النهاية، لكن الحادثة أزعجت فينسنت كما أشار إليها في رسائله في العديد من المناسبات.
ظهور أعماله الناجحة الأولى
في الأشهر الأولى من العام 1885، واصل فان غوخ إنتاج سلسلة اللوحات حول الفلاحين. نظر فينسنت إلى تلك اللوحات كدراسة تستمر في تطوير حرفته لتحضير أعماله الأكثر نجاحاً حتى الآن. عمل فينسنت طوال شهري مارس وأبريل على هذه الدراسات، وقد صرف انتباهه عنها لفترة وجيزة حينما رحل أبوه في 26 مارس/آذار. كانت علاقة فينسنت مع أبيه متوترة جداً في خلال السنوات القليلة الأخيرة، إلا أنه بالتأكيد لم يكن سعيداً بشأن موته، لكنه منفصل عاطفياً عنه، مما سمح له بمواصلة العمل بشكل اعتيادي.
بعد العمل الشاق وتطوير الأساليب باستمرار في السنوات الماضية استطاع إنتاج لوحته العظيمة الأولى وهي ” آكلو البطاطا“. عمل فينسنت على لوحة آكلو البطاطا طوال شهر أبريل/نيسان من العام 1885. أنتج مسودات مختلفة لتحضير النسخة الزيتية الكبيرة الأخيرة على الجنفاص. تعرف لوحة آكلو البطاطا بأنها أول قطعة حقيقية نادرة لفينسنت فان غوخ، فتشجع إثر ردود الفعل بشأنها. ولكن صديقه وزميله الفنان أنتون فان رابارد (1858 – 1892) لم يعجب بعمله، وأدت تعليقاته حول لوحته إلى نهاية صداقتهما. بالرغم من أن فينسنت يغضب وينزعج من نقد أعماله، إلا أنه كان مسروراً من النتيجة عموماً، وهكذا بدأ مرحلة أفضل من حياته. واصل فان غوخ العمل طوال العام 1885، لكنه أصبح قلقاً مرة أخرى وبحاجة للتشجيع من جديد. انضم لفترة وجيزة إلى الأكاديمية في أنتويرب في بداية العام 1886، لكنه تركها بعد حوالي أربع أسابيع لاستيائه بصارمة المدرسين. كما تظاهر كثيراً في طوال حياته، شعر فينسنت بأن الدراسة الرسمية هي بديل سيئ للعمل. عمل فينسنت لخمس سنوات صعبة بشحذ مواهبه كفنان، ومع إنشاء لوحة أكلة بطاطة أثبت لنفسه أنه رسام من الطراز الأول. لكنه أراد باستمرار أن يحسن أوضاع نفسه، وذلك لاكتساب الأفكار وليستكشف التقنيات الجديدة حتى يصبح الفنان الذي يتطلع حقاً لأن يكون. أنجز في هولندا بقدر ما استطاع، فتركها وذهب إلى باريس.
في باريس
أخذ فينسينت فان غوخ يتراسل مع أخيه ثيو طوال بداية العام 1886 في محاولة لإقناعه بالانتقال إلى باريس. كان ثيو مدركاً لشخصية أخيه القاسية. وصل فينسنت إلى باريس في أوائل شهر مارس/آذار. كانت فترة فان غوخ في باريس مميزة بالنسبة لحياة الفنان. السنتان اللتان قضاهما فينسنت في باريس هما أيضاً أحد الفترات غير الموثقة من حياته بشكل كبير، لأن كتاب السير كانوا يعتمدون على الرسائل بين فينسنت وثيو لمعرفة الحقائق، وقد توقفت الرسائل عندما عاشا الأخوان سوية في شقة ثيو، في منطقة مونتمارتريه بباريس.
كان لثيو كتاجر فني العديد من الاتصالات، فأصبح فينسنت مألوفاً لدى الفنانين الرائدين في باريس في ذلك الوقت. كان فان غوخ في خلال السنتين اللتين تواجد فيهما في باريس يقوم بزيارة بعض المعارض المبكرة للانطباعيين، حيث عرضت أعمال بواسطة ديغاس، ومونيه، ورينوار، وبيسارو، وسيورا، وسيسلي. تأثر فان غوخ بدون شك بطرق الانطباعيين، لكنه بقى مخلصاً لأسلوبه الفريد على الدوام. كان فان غوخ في طوال تلك السنتين يستخدم بعضاً من تقنيات الانطباعيين، لكنه لم يدع تأثيرهم القوي بأن يكتسحه.
تمتع فينسنت بالرسم في ضواحي باريس طوال العام 1886. بدأت لوحاته بالابتعاد عن الألوان الداكنة وبدأت تأخذ ألوان الانطباعيين الأكثر حيوية. وما أضاف من تعقيد أسلوب فان غوخ أنه حينما كان في باريس أصبح مهتماً بالفن الياباني. فتحت اليابان موانئها مؤخراً للدول الغربية بعد قرون من الحصار الثقافي، وكنتيجة لتلك الانعزالية الطويلة سحر العالم الغربي بالثقافة اليابانية. بدأ فان غوخ باكتساب مجموعة كبيرة من الطبعات الخشبية اليابانية الموجودة الآن في متحف فان غوخ في أمستردام، وعكست لوحاته في أثناء ذلك الوقت الاستعمال الحيوي للألوان المفضلة عند الانطباعيين والألوان اليابانية المنعكسة. بالرغم من أن فان غوخ أنتج ثلاث لوحات يابانية فقط، إلا أن التأثير الياباني على فنه كان موجوداً بشكل دقيق في طوال بقية حياته.
كان العام 1887 في باريس مرحلة تطور أخرى لفينسنت كفنان، لكنها أيضاً سببت له خسائر فادحة، عاطفية وجسدية. عندما أصر فينسنت على الانتقال والعيش مع ثيو، قام بذلك على أمل أن يحسن الاثنان من إدارة نفقاتهما وليتمكن فينسنت بسهولة أكثر من أن يكرس نفسه إلى الفن. ولكن عيشه مع أخيه أدى كذلك إلى الكثير من التوتر بينهما. كما كان الحال في طوال حياته، جعل الطقس السيئ في أثناء فصل الشتاء فينسنت عصبياً ومكتئباً. لم يكن فينسنت أكثر سعادة من حينما انسجم مع الطبيعة وعندما كان الطقس أفضل. في أثناء الشهور الشتائية الكئيبة في باريس – في عامي 1887 و1888 – أصبح فان غوخ أكثر قلقاً لأن الصور والألوان الكئيبة نفسها ظهرت مرة ثانية. سنتا فان غوخ في باريس كانتا أكثر تأثيراً على تطوره المستمر كفنان. لكنه حصل على ما كان يريد، فحان وقت الانتقال. لم يكن فينسنت سعيداً أبداً في المدن الكبيرة، فقرر ترك باريس نحو الجنوب.
الانتقال إلى الجنوب
انتقل فينسينت فان غوخ إلى آرل في بداية العام 1888 لعدة أسباب منها كرهه لباريس وللشهور الطويلة من الشتاء فيها. السبب الآخر كان حلم فينسنت بتأسيس نوع من المطارحات للفنانين في آرل، حيث يلجأ إليه رفاقه في باريس، ويعملون سوية، ويدعمون بعضهم البعض نحو هدف مشترك. استقل فان غوخ القطار من باريس إلى آرل في 20 فبراير/شباط 1888 وهو متطلع لمستقبل ناجح. لا شك في أن فان غوخ كان خائب الأمل في آرل في أسابيعه الأولى هناك. وجد فينسنت آرل باردة بشكل غير اعتيادي. لا بد وأن يثبط ذلك من عزيمة فينسنت الذي ترك كل شخص يعرفه وراءه ليبحث عن الدفء في الجنوب. كان الطقس القاسي قصيراً فبدأ فينسنت برسم بعض من أفضل أعماله.
عندما ارتفعت درجة الحرارة، لم يهدر فينسنت فرصة البدأ بالعمل في الطبيعة، وقام بعدة أعمال من بينها رسمة “منظر طبيعي لطريق وأشجار مشذبة”، ولوحة “الطريق عبر حقل الصفصاف”. أنتجت الرسمة في مارس/آذار حيث تبدو الأشجار والمنظر الطبيعي كئيبة جداً بعد فصل الشتاء. أما اللوحة فقد رسمت بعد شهر وهي تعرض البراعم الربيعية على نفس الأشجار. في تلك الأثناء رسم فان غوخ سلسلة من لوحات البساتين المنفتحة. كان فينسنت مسروراً بما أنتج، وشعر بالتجدد. كانت الشهور التالية أكثر سعادة بالنسبة إليه. حجز فينسنت غرفة في مقهى دي لاغار في أوائل مايو/مايس، واستأجر بيتاً أصفراً كمكان يرسم فيه ويضع لوحاته. في الحقيقة لم ينتقل فينسنت إلى البيت الأصفر حتى سبتمبر/أيلول، حينما أسسه كقاعدة لما سماه بإستوديو الجنوب.
عمل فينسنت بجد في طوال فصلي الربيع والصيف، وبدأ بإرسال بعض أعماله لثيو. تمتع برفقة الناس وفعل ما بمقدوره أثناء تلك الشهور للحصول على الأصدقاء. بالرغم من أنه كان وحيداً جداً في بعض الأحيان، صادق فينسنت بول يوجين ميلي وجندياً آخراً، كما رسم صورهما. لم يفقد فينسنت الأمل أبداً في إمكانية تأسيس مطارحة للفنانين، وبدأ بتشجيع بول غوغان للانضمام إليه في الجنوب، لكن الفرصة لم تكن محتملة، لأن انتقال غوغان يتطلب الكثير من العون المالي من ثيو، الذي لم يعد يتحمل المزيد. في أواخر يوليو/تموز توفي فينسنت (عم فان غوخ) وترك إرثاً لثيو. مكن ذلك المال ثيو من تبني انتقال غوغان إلى آرل. شعر ثيو بأن فينسنت سيكون أكثر سعادة واستقراراً برفقة غوغان، كما أمل ثيو في أن تكون لوحات غوغان مربحة بالنسبة إليه. بخلاف فينسنت حقق بول غوغان درجة أصغر من النجاح. وصل غوغان إلى آرل بالقطار في وقت مبكر من يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول.
الشهران التاليان كانا محوريين وكارثيين لفينسينت فان غوخ ولبول غوغان. في البداية كان فان غوخ وغوغان جيدين سوية، حيث قاما بالرسم في آرل، كما ناقشا الفن والتقنيات المختلفة. ولكن مع مرور الأسابيع، تدهور الطقس ووجد الاثنان أنفسهما مرغمين على البقاء في الداخل كثيراً. مثلما هو الحال على الدوام، تقلب مزاج فينسنت لمجاراة الطقس. بسبب انجبار فينسنت على العمل في الداخل، أدى ذلك إلى التخفيف من كآبته. بعث فينسنت إلى ثيو رسالة قائلاً فيها أنه قام برسم لوحات لعائلة كاملة وهي عائلة رولن. تلك اللوحات بقت من بين أفضل أعماله.
تدهورت العلاقة بين فان غوخ وغوغان في ديسمبر/كانون الأول، فأصبحت مجادلاتهما الساخنة كثيرة الحدوث. في 23 ديسمبر/كانون الأول أصيب فينسنت فان غوخ بنوبة عقلية جنونية، فقطع الجزء الأوطأ من أذنه اليسرى بواسطة شفرة حلاقة، ثم انهار. اكتشفته الشرطة ثم أدخل إلى مستشفى هوتيل ديو في آرل. بعد أن أرسل غوغان برقية إلى ثيو، اتجه فوراً إلى باريس دون أن يزور فان غوخ في المستشفى. تراسل فان غوخ وغوغان لاحقاً لكنهما لم يجتمعا شخصياً مرة أخرى. كان فينسنت وهو في المستشفى تحت عناية الدكتور فيليكس راي (1867 – 1932). عانى بعد أسبوع من الكثير من فقدان الدم. كان ثيو الذي أسرع بالمجيء من باريس على يقين من أن فينسنت سيموت، لكنه تعافى كلياً مع نهاية ديسمبر/كانون الأول وبداية الشهر التالي.
الأسابيع الأولى من العام 1889 لم تكن سهلة بالنسبة لفينسينت فان غوخ. عاد فينسنت بعد تعافيه إلى بيته الأصفر، لكنه واصل زياراته إلى لدكتور راي لإجراء الفحوصات ولتغيير ضمادات رأسه. كان فينسنت متحمساً بعد التوقف، لكن مشاكله المالية استمرت، كما شعر باكتئاب جزئي عندما قرر صديقه المقرب جوسف رولن (1841 – 1903) لقبول موقع أفضل للعيش فانتقل مع عائلته إلى مارسيليا. كان رولن صديقاً عزيزاً ومخلصاً لفينسنت في معظم وقته في آرل. أصبح فينسنت كثير الإنتاج طوال يناير/كانون الثاني وبداية الشهر التالي، فرسم بعضاً من أعماله المعروفة مثل لوحتي “لابيرسوز” و”عباد الشمس”. في 7 فبراير/شباط عانى فينسنت من نوبة أخرى تخيل فيها نفسه بأن مسمم. نقل فينسنت مرة أخرى إلى مستشفى هوتيل ديو للمعالجة، ومكث هناك 10 أيام، لكنه عاد مرة أخرى إلى البيت الأصفر بعد ذلك.
أصبح بعض مواطني آرل قلقين في ذلك الوقت بسبب سلوك فينسنت، فوقعوا عريضة بخصوص مخاوفهم. أرسلت العريضة لرئيس بلدية آرل ثم لمدير الشرطة الذي أمر فان غوخ بدخول المستشفى مرة أخرى. بقى فينسنت في المستشفى للأسابيع الست التالية، ولكن سمح له بالمغادرة تحت الإشراف في بعض الأحيان لكي يقوم بالرسم ولوضع أملاكه في المخزن. كان ذلك وقتاً منتجاً لكن فان غوخ كان مثبط العزيمة عاطفياً. كما كان الحال قبل سنة، عاد فان غوخ لرسم البساتين المنفتحة حول آرل. ولكن بينما كان ينتج بعضاً من أفضل أعماله، أدرك فينسنت بأن موقفه غير ثابت، وبعد المناقشات مع ثيو وافق على اللجوء إلى مستشفى سان بول دي موسول النفسي في سان ريمي دي بروفانس طوعاً. ترك فان غوخ آرل في 8 مايو/مايس.
المستشفى النفسي
عند وصوله إلى المستشفى، وضع فان غوخ تحت عناية الدكتور ثيوفيل زشريي أوغسطي بيرون (1827 – 1895). بعد فحص فينسنت ومراجعة حالته، اقتنع الدكتور بيرون بأن مريضه كان يعاني من الصرع. بعد أسابيع، بقيت حالة فينسنت العقلية مستقرة وسمح له بالاستمرار في الرسم. وفي منتصف الشهر يونيو/حزيران أنتج فان غوخ عمله الأفضل وهو لوحة “ليلة النجوم“.
حالة فان غوخ العقلية الهادئة نسبياً لم تدم طويلاً، فأصيب بنوبة أخرى في منتصف الشهر يوليو/تموز. حاول فينسنت ابتلاع لوحاته الخاصة ولذلك وضع في المستشفى ولم يسمح له بالوصول إليها. رغم أنه تعافى سريعاً من الحادثة، أصيب فان غوخ بالإحباط بعدما حرم من الشيء الوحيد الذي يحبه وهو فنه. في الأسبوع التالي، سمح الدكتور بيرون لفان غوخ باستئناف الرسم. تزامن ذلك الاستئناف مع حالة عقلية جيدة. أرسل فينسنت رسائل لثيو تفصل حالته الصحية غير الثابتة. كما أن الأخير كان مريضاً أيضاً في بداية العام 1889. لم يستطع فان غوخ مغادرة غرفته لمدة شهرين، لكنه في الأسابيع التالية تغلب على مخاوفه مرة أخرى واستمر بالعمل. في أثناء ذلك الوقت بدأ فينسنت بالتخطيط لمغادرته النهائية من المستشفى النفسي في سان ريمي. طرح ذلك على ثيو الذي بدأ بالاستعلام عن البدائل المحتملة لعناية فينسنت الطبية.
بقت صحة فان غوخ العقلية والجسدية مستقرة جداً في بقية العام 1889. تعافت صحة ثيو أيضاً وكان مستعداً للانتقال إلى بيت مع زوجته الجديدة، كما ساعد أوكتافي موس الذي كان ينظم معرضاً (اسمه Les XX) في بروكسل حيث عرضت فيه ست من لوحات فينسنت. بدا فينسنت متحمساً منتجاً في طوال ذلك الوقت. فصلت المراسلات المستمرة بين فينسنت وثيو العديد من الأمور حول عرض لوحات فينسنت ضمن المعرض. في 23 ديسمبر/كانون الأول من العام 1889 وبعد مرور سنة على حادثة قطع الأذن، عانى فينسنت من نوبة أخرى استمرت لأسبوع، لكنه تعافى منها بسرعة واستمر في الرسم. كما عانى من المزيد من النوبات في الشهور الأولى من العام 1890. من المحتمل أن تكون تلك الفترة الأسوأ بالنسبة لحالته العقلية اليائسة. بعد الاستعلام، شعر ثيو بأنه من الأفضل لفينسنت أن يعود إلى باريس ويوضع بعد ذلك تحت عناية الدكتور بول غاشي (1828 – 1909). وافق فينسنت على اقتراح ثيو وأنهى أموره في سان ريمي. في 16 مايو/مايس 1890 ترك فينسينت فان غوخ المستشفى النفسي وذهب ليلاً بواسطة القطار إلى باريس.
حياته الأخيرة
كانت رحلة فينسنت إلى باريس هادئة، واستقبله ثيو عند وصوله. بقى فينسنت مع ثيو وزوجته جوانا ومولودهما الجديد، فينسنت ويليم (الذي سمي على اسم فينسنت) لثلاث أيام. لكن فينسنت شعر ببعض الإجهاد فاختار ترك باريس والذهاب إلى أوفير سور أوايز. اجتمع فينسنت بالدكتور غاشي بعد فترة قليلة من وصوله إلى أوفير. استطاع فينسنت إيجاد غرفة لنفسه في إحدى المباني الصغيرة التي ملكها آرثر غوستاف رافو، وبدأت بالرسم على الفور.
كان فينسنت مسروراً من أوفير سور أوايز التي أعطته الحرية التي لم يحصل عليها في سان ريمي، وفي نفس الوقت زودته بالمواضيع الكافية لرسمه. أسابيع فينسنت الأولى هناك انقضت بشكل هادئ. في 8 يونيو/حزيران، قام ثيو وجو وطفلهما الرضيع بزيارة فينسنت وغاشي ليقضوا يوماً عائلياً ممتعاً. بقى فينسنت طوال يونيو/حزيران في حالة نفسية جيدة وكان كثير الإنتاج، فرسم بعض أعماله المعروفة مثل “صورة الدكتور غاشي” ولوحة “الكنيسة في أوفيرس”. علم فينسنت بعد ذلك بخبر غير جيد وهو أن ابن أخيه أصبح مريضاً جداً. كان ثيو يمر بأكثر الأوقات صعوبة منذ الشهور السابقة. بعد تحسن الطفل الرضيع، قرر فينسنت زيارة ثيو وعائلته في 6 يوليو/تموز فذهب إليهم مبكراً بواسطة القطار ثم عاد إلى أوفيرس. في أثناء الأسابيع الثلاث التالية، استأنف فينسنت الرسم وكان سعيداً.
في مساء يوم الأحد الموافق 27 يوليو/تموز 1890 أخذ فينسينت فان غوخ مسدساً وأطلق على صدره رصاصة. استطاع فينسنت العودة إلى رافو وهو يتمايل حيث انهار على السرير ثم اكتشفه رافو. تم استدعاء الدكتور مازيري وكذلك الدكتور غاشي، وتم الإقرار على عدم محاولة إزالة الرصاصة من صدر فينسنت، ثم كتب غاشي رسالة طارئة إلى ثيو. لم يكن لدى الدكتور غاشي عنوان بيت ثيو وكان لا بد من أن يكتب إلى المعرض الذي كان يعمل فيه. لكن ذلك لم يتسبب في تأخير كبير، فوصل ثيو في عصر اليوم التالي.
بقى فينسنت وثيو سوية حتى الساعات الأخيرة من حياته. ذكر ثيو لاحقاً بأن فينسنت أراد الموت بنفسه، فعندما جلس إلى جانب سريره قال له فينسنت
La tristesse durera toujours
.”أن الحزن يدوم إلى الأبد“. مات فينسنت فان غوخ في الساعة الحادية والنصف صباح يوم 29 يوليو/تموز 1890 عن سن الـ 37. الكنيسة الكاثوليكية في أوفيرس رفضت السماح بدفن فينسنت في مقبرتها لأنه انتحر، لكن مدينة ميري القريبة وافقت على الدفن والجنازة، وتم ذلك في 30 يوليو/تموز.
توفى ثيو فان غوخ في أوفر سور أوايز بفرنسا بعد رحيل فينسنت بست شهور. دفن في أوتريخت لكن زوجته جوانا طلبت في عام 1914 بإعادة دفن جسده في مقبرة أوفيرس إلى جانب فينسنت. طلبت جو أيضاً بأن يتم زراعة غصين النبات المعترش من حديقة الدكتور غاشي بين أحجار القبر. تلك النباتات هي نفسها موجودة في موقع مقبرة فينسنت وثيو حتى هذا اليوم.
أعماله
حاول فينسنت فان غوخ في أعماله بأن يلتقط أكبر قدر ممكن من الضوء، كما عمل على إبراز تماوج طيف الألوان في لوحاته المختلفة: الطبيعة الصامتة، باقات الورد (دوار الشمس)، للوحات الشخصية، اللوحات المنظرية (جسور لانغلوا، حقل القمح بالقرب من أشجار السرو، الليلة المتلألئة).
يعتبر فان غوخ من رواد المدرستين الانطباعية والوحشية. تعرض أهم أعماله في متحف أورساي بباريس (مخيم البوهيميون، لوحات شخصية)، وفي متحف فان غوخ الوطني في أمستردام بهولندا.
COPY VINCENT VAN GOGH