نبيل عناني – السيرة الذاتية
فنان تشكيلي ونحات فلسطيني من مواليد عمواس\اللطرون عام 1943. عايش النكبة وهو ما يزال في الخامسة من عمره. تخرج من كلية الفنون الجميلة في الاسكندرية عام 1969 من قسم التصوير الزيتي. حاصل على درجة الماجستير من جامعة القدس بالآثار الإسلامية. حصل على أول جائزة فلسطينية للفنون البصرية عام 1997، وكذلك على جائزة الملك عبد الله الثاني للابداع.
يعتبر عناني فناناً متعدد المواهب كونه يعمل كرسام وصانع خزفيات ونحات. وقد تمكن على مدار العقود الأربعة الماضية من بناء كتالوج فني يمتاز بالابتكار والتفرد. أقام عناني معرضه الأول عام 1972، وتقاطعت طريقه بطريق الفنان سليمان منصور حيث يعود لكلاهما فضل كبير في تشكيل المشهد الفني التشكيلي بفلسطين ابتداءاً بتأسيس اول رابطة للفنانين الفلسطينيين عام 1975 وحتى انشاء الأكاديمية الدولية للفنون في رام الله.
نشط عناني الى جانب منصور وتيسير بركات وفيرا تماري بمجموعة “نحو التجريب والابداع” التي اقامها الأربعة في ظل الانتفاضة الاولى، والتي أقامت معرضاً مشتركاً حمل نفس الاسم عام 1989. وفيما اعتمدت المجموعة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، كان عناني رائداً من ضمنها في استخدام المواد المحلية التي شملت الجلود والحناء والأصباغ الطبيعية ومجسمات الورق والخشب والخرز والنحاس.
لم يكتفِ عناني بتقنيات سرد بصري نمطي وحسب بل خاض تجارب تقنية مشغولة بمواد متعددة، كما امتازت بعض أعماله بتنوع الخامات داخل العمل التشكيلي الواحد او المزج بين مجالات فنية في آن واحد كالتصوير والنحت والخزف. ويقول عناني في هذا السياق: “أنا فنان أحب التجريب عموماً، فقد سبق لي أن تعاملت مع العديد من الخامات، منها ألوان الزيت والجلد والأصباغ والحناء والخشب والمعجون وحتى بهارات الطعام وغيرها من الأدوات التي قد لا تخطر في بال أحد… تجاربي مع الورق والقماش بدأت منذ بداية عام 2000، ولكنها قليلة اذا ما قورنت بتجاربي الفنية مع خامات أخرى. أنا أميل إلى الجلد كخامة لما فيه من حميمية وانسيابية كما أن خلق علاقة خاصة بيني وبينه لا يحتاج إلى مجهود كبير، كما أنني أميل أيضاً إلى استخدام الألوان الطبيعية والحناء.”
ويأتي هذا الاختيار للمواد والخامات بالتناسق مع دخول عناني الفن من بوابة التراث الشعبي ومواضيعه المفتوحة على الأرض والتاريخ والإنسان، حيث تشكل مواضيع التراث محطة أساسيّة من محطاته التصويرية. وقد تميزت مسيرته الفنية بتوظيفه الكبير للرموز والوحدات التراثية الفلسطينية ذات الدلالات الحضارية والتاريخية، وبتوظيف الفنون الإسلامية عامةً والخط العربي. وقد كان من ضمن ذلك أن جعل عناني من شجرة الزيتون المشبعة بالرمزية تخصصه الفني، حيث نراها تزين الكثير من لوحاته كجزء لا يتجزأ من المشهد الفلسطيني، حاضرة في جنازات الشهداء أو كالأجساد تمشي مع الفلسطينيين وهم يتزاحمون أمام قبة الصخرة.
حول المرأة الفلسطينية التي تظهر في الكثير من أعماله، القديمة والجديدة، يقول عناني: “لقد استمر رمز المرأة في أعمالي كرمز أساسي لأني أجد المرأة الفلسطينية تتمتع بأشياء وتفاصيل تجعلها رمز جمالي فريد لأي فنان، بثوبها وشالها وشخصيتها، ولو أن الرمزية التي تحملها قد تغيرت مع الوقت ففي بداية أعمالي ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية، كانت المرأة ترمز للأرض والخصب أما بعد ذلك فقد أصبحت رمزاً جمالياً بحتاً “.
تنم أعمال نبيل عناني عن حساسية كبيرة لتفاصيل البيئة المحلية، ورغم الأسى الذي ينبعث منها تهيمن عليها الألوان الزاهية والمزركشة. فعناني يترجم انفعالاته الحسية تجاه فلسطين باللون الزاهي المتماسك بدرجته القوية كأنه يحث على اثارة المفاهيم الجمالية الكامنة في الأرض والشجرة والثوب وغيرها من معالم الحياة في فلسطين. وقد كان معرض “حبر على ورق” استثناءاً من هذه الناحية فقد جاء مغلفاً بالسوداوية، كما يقول عناني، تعبيراً عما أصاب الفلسطينيين من حال إحباط ترافقت آنذاك مع اجتياح قوات الاحتلال للمدن والقرى الفلسطينية، وما سبقه وتلاه من حصار ومنع تجول إذ لم يجد عناني في منزله إلا الحبر، فلجأ إليه للتعبير عما يعتمل في نفسه جراء المشاهد المأسوية التي كان شاهداً عليها. ويقول عناني عن المعرض الذي ضم 29 لوحة: “لم أجد سوى الحبر للتعبير عما يختلج في نفسي في تلك الفترة… راقت لي فكرة استخدام هذه الخامة الجديدة عليّ، فرسمت هذا العدد من اللوحات التي تغلفها السوداوية، إلا أنني عدت لاستخدام ألوان أكثر تفاؤلاً بعد تلك الفترة… ربما يكون هذا المعرض هو “المعرض الأسود الأول لي” فأنا متفائل عموماً“. وعن اسم المعرض يقول: “ثمة مقاربة سياسية هنا، فاتفاقات “أوسلو“، وبسبب تعنت الإسرائيليين، لم تأت لنا إلا بالقتل والاعتقال والدمار والحصار و…إنها ليست أكثر من “حبر على ورق“، كما هي لوحات هذا المعرض“.
من معارضة الأخيرة والملفتة نذكر معرض “الحياة قبل عام 1948″ الذي اعتمد فيه الصور الفوتوغرافية وألبوم العائلة لاستحضار فلسطين ما قبل النكبة. مئات الصور شاهدها الفنان من مجموعة صورٍ للمصوّر الفلسطيني اللبناني الأصل خليل رعد والتي تضمّ حوالي ألفي صورة تذكارية توثّق الحياة الاجتماعية والثقافية والتجارية في المدن والقرى الفلسطينية، إضافة إلى الأحداث والشخصيات السياسية. توقّف عناني عند صور عائلات فلسطينية مدينية وريفية وبدوية ترمز إلى مكونات المجتمع الفلسطيني. وقد حملت الكثير من اللوحات أسماء العائلات التي ظهرت فيها والتي رسمها عناني نقلاً عن صور من عام 1900 وما فوق. وقد تكون أكثر لوحة ملفتة في المعرض لوحة شابات يشربن القهوة، منقولة عن صورة حقيقية أيضاً، فتيات فلسطينيات تربطهن علاقة صداقة وينتمين للديانات الثلاث– الإسلام والمسيحية واليهودية. وفيما تبدو الفتيات متشابهات لدرجة لا يمكن التفريق بينهن، لا في الملامح ولا في الأزياء، فهي تستحضر التعايش الذي ساد بين المجموعات المختلفة قبيل طرح المشروع الصهيوني.
أقام عناني العديد من التماثيل والجداريات في أنحاء مختلفة من فلسطين كتمثال الحرية في رام الله وجدارية الالمنيوم على واجهة جمعية انعاش الاسرة التي أنجزها بمشاركة الفنان سليمان منصور. يذكر بأن الاثنان يعملان هذه الايام على منحوتة مشتركة عن تاريخ مدينة رام الله.