يعد جون د. وايتنج الشخص الثاني الأبرز من بين مصوري “الأمريكان كولوني” بعد إيريك ماتسون. حيث خلف وراءه إرثاً كبيراً من الأوراق والصور والمواد البصرية التي تغطي ثمانية عقود من عمله في فلسطين والمشرق العربي (1870-1951).
قد منح ورثة جون وايتنج هذه الثروة من الأوراق والمواد المصورة إلى مكتبة الكونغرس في عامي 2005 و2006، حيث قامت الأخيرة بنسخ 28 ألبوماً من الصور العائدة لمجموعة جون وايتنج، وتحويلها الى صيغة إلكترونية، متاحة للمشاهدة على الإنترنت مع المعلومات الوصفية الخاصة بهذه الصور.
وتضم هذه الألبومات أزيد من 3.200 صورة، تتوزع ما بين موضوعات وأماكن وأشخاص من الشرق الأوسط، وما بين صور فوتوغرافية لأعضاء وشركاء “الأميريكان كولوني” في القدس، التُقطت في مناسبات مختلفة وعلى مدار عدة عقود.
وقبل التعريف بمجموعات صور جون د. وايتنج لنتعرف أولاً على شخصيته والأدوار التي تقلب عليها خلال حياته (1882-1951). فقد ولد جون وايتنج في القدس، عام 1882، بعد عام واحد من وصول أبويه جون وماري وايتنج الى القدس للانضمام إلى الأمريكان كولوني، التي كانت تضم جماعات مسيحية متدينة من الولايات المتحدة والسويد، اختارت لأسباب معتقدية دينية الإقامة والعيش في القدس.
عاش جون وايتنج معظم حياته في القدس، وفي عام 1909، حين كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره، تزوج من غريس سبافورد التي كانت تكبره بعام واحد، وهي ابنة مؤسسي الكولونيالية هوراشيو وآنا سبافورد. وقد أنجب جون وغريس ثلاثة أبناء هم سبافورد وديفيد وأدمون ولسون وابنة واحدة هي غريس التي لم تلبث أن ماتت عام 1915، وهي طفلة صغيرة.
تعاقب جون وايتنج خلال حياته في القدس على عدة مهن وتخصصات مزدوجة. فقد عمل في دائرة التصوير الفوتوغرافي في الأمريكان كولوني، كمصور، وساعد في الوقت نفسه أخاه غير الشقيق فردريك فيستر في إدارة أعماله. حيث كان جون وايتنج شريكاً ومديراً لمتجر “فيستر وشركاه” التابع للأمريكان كولوني، والواقع بالقرب من بوابة يافا في القدس. وكان المتجر قد عُرف أيضاً بصفته نافذة التسويق الرئيسية لمنتجات الأمريكان كولوني ولا سيما من الصور الفوتوغرافية والشرائح الضوئية (السلايدز)، والبطاقات البريدية إضافة الى غيرها من المواد الأخرى التي كانت تباع حينها للسياح.
لكن جون وايتنج، بعد انخراطه بوقت قصير في إدارة متجر فيستر وشركاه، انتقل الى نيويورك لتأسيس فرع لقسم التصوير في الأمريكان كولوني، غير أن الفرع لم يلبث أن أُغلق تحت تأثير الكساد الاقتصادي.
كان جون وايتنج يتكلم اللغة العربية بطلاقة، وخلال تجواله في المنطقة كمصور ودليل سياحي، جمع الكثير من القطع الأثرية، من الأوعية الفخارية والتماثيل الصغيرة Figurines حيث كان يبيعها في متجر فيستر وشركاه، المشار إليه بالقرب من بوابة يافا، إلى جانب بيع أشغال الإبرة الفلسطينية التراثية والمنسوجات ومنتجات يدوية أخرى.
خلال الفترة ما بين 1898 و1915 عمل جون وايتنج كمساعد للقنصل الأميركي في القدس، في أمور التجارة والزراعة. وخلال الحرب العالمية الأولى زود الجنود الجرحى من الأتراك، وكذلك المتطوعين في الهلال الأحمر التركي والممرضات بالمساعدات الطبية. وفي عام 1918، وربما قبل ذلك بسنوات، خدم جون وايتنج كضابط استخبارات في الجيش البريطاني الذي كان احتل فلسطين بكاملها.
مكنت خبرة جون وايتنج الواسعة بالمواقع التاريخية والمشاهد الطبيعية الهامة في الشرق الأوسط من العمل كدليل سياحي للزائرين الأجانب، حيث نظم، عبر مكتبه في القدس، العديد من الرحلات السياحية داخل فلسطين، وإلى الأردن وسورية ولبنان وتركيا. كما كتب العديد من المقالات التي تصف المواقع التاريخية والأثرية والطبيعية في هذه البلدان الى مجلة National Geographic الأمريكية، مرفقاً مقالاته بالعديد من الصور التي تعود إلى مصوري دائرة التصوير في الأمريكان كولوني، أو التي باتت بحوزة خدمات ماتسون للتصوير.
بالعودة الى مجموعة المواد البصرية والأوراق الخاصة بجون وايتنج المودعة في مكتبة الكونغرس، وتحديداً القسم الذي يحمل عنوان: “مشاهد، أحداث وأناس من الشرق الأوسط”، نجد أن هذا القسم يحتوي على أكثر من عشرين ألبوماً مصنفاً حسب التواريخ، أو حسب الأحداث أو المناطق أو الموضوعات.
وتعكس المجموعة المذكورة كل المراحل التي مر بها التصوير الفوتوغرافي من الناحية التقنية، فهي تضم نسخاً من الستيريوغراف والصور المطبوعة والشفافيات والنسخ السالبة. وقد التُقطت معظم صور المجموعة من قبل جون وايتنج ومصوري الأمريكان كولوني الآخرين، بما فيهم إريك ماتسون ولويس لارسون، كما تضم المجموعة صوراً تعود لخدمات ماتسون للتصوير، علماً بأن العديد من هذه الصور قد تم تلوينه يدوياً.
ومع أن البومات القسم الخاص بالشرق الأوسط مصنفة في مجموعات حسب السنوات تبدأ بعام 1934/ 1935، إلا أن العديد من الصور، المصنفة حسب الموضوعات أو الأحداث تعود لسنوات سابقة، بعضها إلى نهاية القرن التاسع عشر وبعضها إلى فترة الحرب العالمية الأولى أو بعدها مباشرة.
إن الألبومات التي تحمل عنوان “يوميات في صور” أو “رحلة إلى…” وتغطي الفترة ما بين 1934 وعام 1939، توثق لرحلات قام بها جون وايتنج كدليل سياحي إلى البلدان المجاورة لفلسطين مثل الأردن وسورية ولبنان وتركيا. وهي ألبومات مثيرة للاهتمام عن السياحة المبكرة في الشرق الأوسط. وكانت تلك الرحلات السياحية تتم بواسطة السيارات وأحياناً الطائرات الصغيرة، وكانت تصل لمناطق وعرة مثل وادي موسى والبتراء أو الجبال المحاذية للبحر الميت من جهة الشرق، أو إلى القصور الأموية في البادية الوسطى من الأردن الحالي.
كذلك تضم ألبومات جون وايتنج صوراً تغطي أحداث الحرب العالمية الأولى في فلسطين وسيناء، واحتلال الحلفاء لفلسطين وفرض الانتداب البريطاني عليها مباشرة بُعيد الحرب الأولى.
وتشكل مجموعة ألبومات جون وايتنج مصدراً هاماً من الصور الفوتوغرافية عن شرقي الأردن، فهي تغطي زيارة هربرت صموئيل الثانية لعمان ولقاءه بالأمير (الملك لاحقاً) عبدالله الثاني ابن الحسين، برفقة د. هـ. لورانس، في عمان، نيسان/ إبريل 1921.
ومن الناحية الجغرافية تغطي صور الألبومات والمجموعات، مناطق منوعة من الأردن مثل البحر الميت ومحيطه والبتراء والقصور الأموية، كما تضم تشكيلة كبيرة من الصور لشيوخ القبائل والعشائر والمضافات البدوية، من البلقاء الى وادي موسى.
هذا وتضم مجموعة جون وايتنج في مكتبة الكونغرس الأميركي ألبومات خاصة برحلات سورية ولبنان وإلى كابادوسيا في تركيا، إلى جانب عدد من الصور البانورامية لكل من القدس ويافا، بالإضافة إلى صور ملونة يدوياً للقدس ولمشاهد من الحياة الريفية في فلسطين.
يحتوي القسم الرئيسي الثاني من مجموعة جون وايتنج المودعة في مكتبة الكونغرس على مئات من الصور التي تصف الحياة اليومية للأمريكان كولوني في القدس، أفراد الكولونيالية وأصدقاءها والجماعات ذات الصلة بها. إن الصور المدرجة في هذا القسم تحتوي على مشاهد للحياة داخل مباني الكولونيالية ولصالونات وغرف معيشة العائلات القيادية للكولونيالية، بالإضافة الى “بورتريهات” شخصية لأعضاء الكولونيالية، ولصور جماعية لأسرة وايتنج وأسرتي سبافورد وفيستر، والعائلات والأفراد الآخرين في الكولونيالية.
كما تقدم هذه المجموعة من الصور وصفاً حياً لرحلات أعضاء الكولونيالية داخل فلسطين وخارجها، والمعارض والبازارات التي كانت تقيمها لمنتجاتها، وكذلك الاحتفالات والنشاطات الاجتماعية المختلفة لأعضاء الكولونيالية.