فنانة مغربية تؤكد أن اللوحة التشكيلية سلاح تحارب به ضد تهميش المرأة
آمال شريف: حضور المرأة في لوحاتي لا يعني أني أرسم أو أوجه رسالة فقط للنساء، بل مواضيعي متعددة ومختلفة وهي لوحات للانسانية بأكملها.
ميدل ايست أونلاين
حاورها من باريس ـ حميد عقبي
لوحاتي من وحي خيالي
سبق وأن حاورنا الكثير من الوجوه الفنية والأدبية الشابة من المغرب العربي الحبيب، وكنا وسنظل نساند التجارب الإبداعية الشابة ونتفاعل معها. ترابنا العربي يزخر بالكثير من المبدعين والمبدعات ورغم وجود مئات المنابر الإعلامية، ولكن أغلبها لا يلتفت إلى هؤلاء وتركز على تفاهات المشاهير.
في ضيافتنا اليوم شابة مغربية امازيغية جميلة الروح والوجه، وهي تخطو بشجاعة كفنانة تشكيلية في معترك صعب وشائك، تتخذ من الفرشاة والألوان وسيلة لتصوير أحاسيسها وتنتصر للنساء ليصرخن بصوت عال وتعشق التراث الامازيغي كجزء من تراثنا الإنساني المفعم بالدهشة والجمال الساحر، لنرحب بضيفتنا آمال شريف فنانة عصامية من مواليد بنواح مدينة ازيلال.
شاركت بمجموعة من المعارض الجماعية بمدينة خريبكة، فاس والجديدة. حاصلة على الجائزة الأولى في مسابقة للرسم، ومشاركة بمجموعة من التظاهرات الفنية والأدبية. حاصلة على الجائزة الأولي بملتقى القصة والقصيدة وبدرع الأقلام الواعدة. عضو بجمعية الفنانين التشكيليين للبيئة والثرات بمدينة خريبكة، عضو جمعية فن السلام للإبداع والتنمية الثقافية بمدينة الجديدة.
قالت عن المشهد التشكيلي المغربي وخصوصاً الشبابي: بالنسبة المشهد التشكيلي الشبابي، بالتأكيد هو مهمش شيئا ما، فهناك عدد كبير وهائل من الشباب المغاربة من بينهم مجموعة من أصدقائي، شباب يحملون طاقات هائلة ولهم لوحات جد رائعة تستحق أن تعرض في معارض وأن يتمتع بها المتلقي، لكن للأسف المعارض الشبابية والتظاهرات الفنية في مجال الفن التشكيلي تظل محدودة بالنسبة للشباب، وحتى اذا نظمت هذه المعارض ليس تعميما لكن غالبا ما تكون دون مستوى المطلوب.
وأيضا هذه المعارض التي دورها تقريب مواهب والشباب من الساحة الفنية تكون بمقابل مادي، مما يجعل مجموعة من الشباب الشعور بالإحباط، وقد يتوقف عن الإبداع والتشكيل بفكرة أن هذا المسار قد يأخذ منه أكثر ما يعطيه.
وهناك مسارات فنية لكنها تتطلب الكثير من الجهد، وأحياناً الكثير من التضحية، وهذه المسارات يسهلها علينا من هم أقدم منا في المسار ومن لهم خبرة، وكذلك اذا فتحت منافذ الفضاء الفنية والمؤسسات التقافية في وجهنا كشباب.
بالنسبة لي فإن المدرسة التي أنتمي إليها، في بدايات تعاملي مع الفرشاة والألوان، كنت اتجه إلى المدرسة الواقعية ورسم البورتريه. واحترام اللون في مكانه والدقة والمقاييس والتقنيات، حينها كنت أشعر بنوع من القيود، ولم أشعر بتلك الراحة والمتعة التي كنت أرغب فيها، كأنه ينقصني التعبير عما بداخلي أو خللا يجعل رسالتي غير كاملة أو مشوشة. كنت في حاجة إلى التعبير بكل حرية لا من حيت اختيار الألوان ولا من حيث الأفكار، كانت لي رغبة في التحليق بخيالي إلى أبعد نقطة وأن أخلق أشياء جديدة غير متداولة فوجدت ميولي تنساق إلى الحركة السريالية ممزوجة بالفطرية، وقد يتولد من هذا المزج حركة جديدة في الفن التشكيلي.
اما بخصوص تجربتي التشكيلية فهي وليدة من التفاعل المبكر بعالم التشكيل، ففي مرحلة طفولتي جالست فنانين تشكيلين أجانب وفوتوغرافيين ببلدتي السياحية. راقبتهم ولامست الصباغة معهم مما ولّد لدي حسا فنيا وعشقا للون في مرحلة طفولتي، وبعدها تلقيت التشجيع من عائلتي وأصدقائي وأساتدتي، فكنت أضع أمام عيني دوما هذا الحلم أن أكون فنانة يوما ما، فشاركت بمجموعة من المسابقات والمعارض والتظاهرات الفنية.
وقد شاركت مؤخراً بمعرض تشكيلي تحت عنوان “عطر نساء” بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، هذا المعرض منظم من طرف جمعية فن السلام للإبداع والتنمية الثقافية بتعاون مع المكتبة الوسائطية التاشفيني بمدينة الجديدة، معرض عرف مشاركة مجموعة من الفنانات منهم من عرض أول مرة وأخريات شاركن في عدة معارض (أسماء ابو ليت، غزلان حماص، نعيمة سياغي، خديجة جرير، فائزة بنوعنان وغزلان سبيلي)، وعرف المعرض أيضا تكريم الفنانة (مليكة صديكي) الحاصلة على مجموعة من الجوائز في الفن التشكيلي، كان المعرض جدا ناجحا لا من ناحية الأعمال الفنية المعروضة فحسب بل من عدة من نواحي مثل الحضور والتنظيم.
اما بالنسبة إلى مشاركتي فكانت بأربع لوحات حول تركيبة المرأة وحنان الأم، وتصنيف الطبقات الاجتماعية وأيضا بوح بأسرار تخفيها المرأة، لوحات تسكنها عيون تخلق حوارا بينها وبين عين المتلقي فتجدبه والحمد الله نالت إعجاب مجموعة من الزوار.
كشابة من أصول أمازيغية ..كيف أثرت البيئة والإرث الأمازيعي في تجربتك وهل من رسالة معينة تحاولين ترجمتها من خلال لوحاتك؟
وتضيف الفنانة المغربية آمال شريف أن البيئة والإرث الأمازيغي له تأثير كبير وقوي في تجربتي التشكيلية، وذلك يتضح في أعمالي من خلال توظيفي للحلي والرموز الأمازيغية والمرأة الأمازيغية الحاضرة بقوة في لوحاتي، فحبي وكينونتي الامازيغية والأحاسيس الجميلة الصادقة التي أشعر بها بجانبهم يجعلني أجد راحة ومتعة في التعبير بها عن كل أحاسيسي وحنيني لكل ما يتعلق بطفولتنا الامازيغية.
وتقول: جدتي “لالة عبو” كان لها تأثير قوي في تجربتي، ففي ذاكرتي ومخيلتي مجموعة من الصور والحكايات وأيضا الأساطير التي كانت تحكيها لي. هذه الجدة الطيبة الرائعة والحكيمة، هذه الجدة التي علمتني حب الناس وحسن التعامل والكرم، هذه المرأة الصبورة الخالدة الطاهرة التي أكرمها في كل لوحاتي ووشمها يطبع كل لوحة.
عشقي للحلي ولجمال النساء البسيطات يفتح لي شهية الرسم ويدخلني في مخاض فني فيكون تعبيري بكل صدق عن كل الأحاسيس التي أشعر بها.
أما فيما يخص الرسالة التي أود أن تصل من خلال لوحاتي، فهي أن يسود الحب بيننا، وأن تكون المرأة حرة وليست مكينة لرغبات الرجل، بل هي امرأة مقدسة لأنها الأم والأخت والجدة … الخ.
رسالتي أيضا تبادل كل ما هو جميل بعيدا عن الكره والاحتقار والعنصرية، رسالتي هي أن نكون في إطار الإنسانية ليس شكلا بل روحا وسلوكا وحياة.
ولوحاتي هي وجوه أغلبها نسائية، وجوه تميل للمرأة الافريقية والأمازيغية، وجوه أساسها عيون تبوح بما يخفيه الكائن البشري من أحاسيس ومعاناة.
لوحاتي هي مركبة من الكل والجزء. فعندما ترى اللوحة أول مرة من بعيد تبدو لك عادية (وجه وحلي وزركشة) لكن كلما تقترب منها تكشف عالما آخر. عالم العيون والتي ستحدثك بلغة النظرة، تلك النظرات الصادقة ستسبح معها في مأساتها وألمها وستشاركها الفرحة والانتصار والإنتظار أيضا، هذه اللغة هي لغة النظرات التي لا قد لا نعطيها اهتمامنا لكن تظل أقوى لغة وأقوى من لغة الكلام. قد تهددني وتستفزني وتغضبني وتفرحني بنظرة من عيونك فقط، قراءة معاني الحب والحزن والأمل والفشل وكل الأحاسيس من تلك العيون الصادقة والتي لا تخفي ولا تزيف الحقيقة، فبمجرد لقاء العين بالعين سيحدث حوارا طويلا دون أن تشعر فمثلا عندما تصعد للباص أو في مكان لا تعرف أحدا سيحدث حوار بينك وبين كل من حدق بك دون أن تشعر، لذا تركيزي في لوحاتي على العيون هو اختيار ليس اعتباطيا.
حضور المرأة في لوحاتي لا يعني أني أرسم أو أوجه رسالة فقط للنساء، بل مواضيعي متعددة ومختلفة وهي لوحات للانسانية بأكملها.
لكن سبب وجود المرأة في لوحاتي أولا لكوني أنثى وأقرب الأشخاص وأصدقهم بالنسبة لي كأنثي هي الأم والجدة والصديقة والأخت، لهذا أجد المرأة هي أصدق وأقوى صورة يمكنني التعبير بها بكل صدق.
والسبب الثاني جمالية المرأة بحليها وألوانها يضيف للوحة جمالية خاصة. وكذلك اللوحة التشكيلية سلاح أحارب به ضد تهميش المرأة وللدفاع عنها وتقديسها.
لوحاتي هي من وحي خيالي أضيف إليها بصمتي الخاصة .
دوما ارسم لوحة بتصوري وفكري الخاص وانتظر أن ينتج لي مئات التصورات من المتلقي، لوحاتي تسكنها الغرابة مما يجعل المتلقي ينجدب إليها.
وترى آمال شريف أن الفنانة التشكيلي المغربية حاضرة بقوة في الساحة الفنية، حيث نجد مجموعة من الفنانات التشكيليات بالمعارض الجماعية والفردية. هناك أسماء بارزة في الساحة الفنية إلا انه بكل تأكيد وفي أي مجال تجد عوائق وتحديات وخصوصا في المجتمعات التي تحمل وجهات نظر قاصرة وبعض التقاليد المعادية لحقوق المرأة فمثلا بعض الفرص الفنية والتظاهرات الفنية خارج المدينة قد تمنع من قبل الأسرة في المشاركة، أو مثلا التسجيل والرغبة في دراسة الفن التشكيلي في مدارس الفنون الجميلة بمدينة تطوان لا يسمح بالمشاركة فيها لرفض بعض الآباء بسبب البعد والامكانيات المادية، بالإضافة إلى اعتبار أن الأنثى يجب ألا تبتعد وتخرج من بيتها ومدينتها، فما بالكم بالمشاركات خارج المغرب أو الحلم بدراسة بالخارج.