مؤتمر الفن الإسلامي: الفن والثقافة في مواجهة التطرف
ريجينا شلوتز تؤكد أن العالم يواجه عددا كبيرا من التحديات؛ أهمها التفسير الخاطئ لجميع الأديان الذي أدى إلى انتشار الأفكار المتطرفة.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: محمد الحمامصي
معرض سعودي ينفتح على فنون الإسلامية
تزداد الشراكة المصرية الخليجية ترسخا في المجال الثقافي والإبداعي والفني يوما بعد الآن، فعلى مدار السنوات الثلاثة الأخيرة وقعت مكتبة الاسكندرية 12 اتفاقية شراكة مع مؤسسات ثقافية وتراثية وفنية خليجية في الإمارات والسعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان.
ولم تقتصر هذه الشراكات على التوقيع على الورق بل دعمها حوار ونقاشات وسجالات مع المتخصصين على الجانبين، وفي هذا المؤتمر “الفن الإسلامي في مواجهة التطرف” الذي تنظمه المكتبة خلال يومي 21 إلى 23 مارس/آذار الجاري، ويشارك فيه باحثون من ثلاث عشرة دولة من أوروبا وآسيا وإفريقيا، ويدعمه المجلس الدولي للمتاحف والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم. والذي افتتح أخيرا كان هناك حضور لممثلين من كافة هذه الدول تتقدمهم الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، ود. سعد بن عبدالعزيز الراشد عضو الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ود. حمدان الكعبي من هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، ود. عزيزة رزنارة ود. محمد حافظ ممثلان عن معهد الشارقة للتراث، وفريد العلي مدير مركز الكويت الكويت للفنون الاسلامية.
أثنى د. مصطفى الفقي؛ مدير المكتبة، على الجهود التي تبذلها البحرين في إغناء وإثراء الثقافة وحماية والمحافظة على التراث والفن الإسلاميين من خلال رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار بفضل وعي واستنارة رئيستها الشيخة مي، مؤكدا على أن الثقافة والفن هما صناعة الحياة، والإرهاب والتطرف هما صناعة الموت، وأن الفن الإسلامي ينطق بالتسامح والسلام ويدعو لهما، وأنه يتمتع بالغنى والثراء الذي يجعله من أهم أدوات محاربة الإرهاب والتطرف.
وأكد أن مكتبة الإسكندرية تكرس كافة جهودها لمحاربة الفكر المتطرف من خلال العمل الثقافي والتنويري والتوعوي، وقد نظمت بداية هذا العام مؤتمرًا عن دور الأدب في محاربة التطرف. كما تركز جهودها خلال هذه الفترة على الأطفال والشباب، وتقدم العديد من البرامج والمبادرات التي تحارب الفكر المغلوط بالوسطية والاعتدال.
وقال د. خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية، إن هذا المؤتمر يأتي في إطار برنامج مكتبة الإسكندرية لمواجهة التطرف بالثقافة والفن والأدب. ويشارك في المؤتمر باحثون من ثلاث عشرة دولة من أوروبا وآسيا وإفريقيا، ويدعمه المجلس الدولي للمتاحف والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم.
ولفت عزب إلى عدد من المشروعات التي تتعاون فيها مكتبة الإسكندرية مع جهات مختلفة كوزارة الآثار ومحافظة القاهرة، وكان آخرها مشروع “حكاية شارع” بالإسكندرية بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضاري ومحافظة الإسكندرية، والذي يهدف إلى الحفاظ على تراث مدينة الإسكندرية ومبانيها التاريخية.
وأثنى عزب على جهود الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وما أنجزه من طفرة كبير في مجال الحفاظ على التراث الوطني السعودي وإلقاء الدور على امتدادات هذا التراث في الحضارة الإنسانية، كما كشف عن تبني مصر ملف الدفاع عن آثار الصومال من خلال المجلس الدولى للمتاحف، الذي بالفعل أجرينا عدة لقاءات مع رئيسه وعدد من أعضاء لمحاولة إيجاد طريقة لإحياء المتاحف والمواقع الآثرية في الصومال، فهذا البلد للأسف لم يهتم بها أحد وسقط من خارطة المتاحف والآثار في الفترة الماضي جراء التطرف والارهاب. مصر تعد الآن ملفا وخصوصا بعد نهب العديد من المواقع التي تعود آثارها إلى ما قبل بداية التاريخ حيث كانت بدايات الإنسانية.
وقالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إن المؤتمر يأتي في وقت تتعرض فيه المتاحف والمعارض والمواقع الأثرية للتدمير والخراب، مؤكدة أن الثقافة هي أهم فعل مقاومة يمكن أن نواجه به التطرف والإرهاب. وتحدثت عن أهمية المحافظة على ذاكرة المكان والاهتمام بالمواقع الأثرية في المجتمعات العربية وحمايتها من أعمال الهدم والتخريب، مشددة على ضرورة وضع قوانين تحد من هذا التدمير.
وأكدت أن دولة البحرين تعد مثالاً ناجحًا على قدرة الثقافة على مواجهة التطرف، حيث إن المنامة تشكل نموذجا للتسامح والسلام، حيث تضم منطقة تحتفي بثقافة وفنون وتجليات المباني الأثرية والتاريخية لخمس ديانات من بينها الديانات السماوية المسيحية والاسلامية واليهودية إلى جانب الهندوسية. فهناك المساجد والكنائس والمعابد اليهودية والهندوسية. ونأمل أن توضع تلك المنطقة في قلب المنامة على خارطة التراث الإنساني العالمي.
ولفتت إلى بدايات التعليم التي ترجع إلى 120 عاما من خلال مدرسة الإرسالية ثم مدرسة الهداية، وأن الصف الأول في التعليم كان صفا للبنات، وشددت على أهمية دور المسئولين في الاستماع لتوصيات المختصين والدفع بها لاستمرارية الثقافة والحفاظ على ملامحها الأدبية والفنية والتاريخية.
وأكد د. مصطفى أمين؛ مساعد وزير الآثار أن مصر اليوم تتعرض لمخطط ممنهج لجرها إلى مستنقع الارهاب والفتن ولا سبيل للخروج منه إلا بتفعيل دور الفن والثقافة مع دور آخر لابد أن يلعبه الإعلام والأزهر الشريف، وقال “إن إشاعة الذوق والجمال هو أحد السبل الرئيسية في مقاومة التطرف الفكري والديني ولن يتحقق ذلك إلا عبر فتح نوافذ من خلال برامجنا الثقافية التي تكشف وتوضح فنون الإسلام المختلفة جنبا إلى جنب تلك التي تحتفي بالموسيقى والغناء أو عبر الأعمال الفنية الموجهة على المسرح والسينما، والفن التشكيلي والتصوير والنحت وغيرها والتي تشيع البهجة من خلال الفنون الإسلامية وتوحد البشر الذين تمزقهم السياسة والتحالفات الطائفية والامتيازات الدينية والعرقية.
وقال إن الأحداث أثبتت أن التطرف لا يتعايش مع الفن، فطبيعة الفن الإسلامي أنه نقيض طبيعي للتشدد، لذلك فهو محارب ومنبوذ ومحاصر، ولذلك فهو ضرورة لتفريغ التطرف في بعض طاقاته، وهو أكثر أهمية في كونه يمنح الناس خيارات متعددة لا يرتضيها المتشددون الذين يريدون الهيمنة على فكر الناس وتوجيههم.
إن الفن الاسلامي في كافة أشكاله وألوانه يمكنه وحده أن يمنع النزعات العنيفة في المجتمع حيث يرطب أحاسيس الناس ويلين طباعهم وينزع التطرف من سلوكهم، وكما قال أبو حامد الغزالي “من لم يهزه العود وأوتاره والربيع وأزهاره والروض وأطياره فهو مريض المزاج يحتاج إلى علاج”.
إن التشدد والتطرف والنزعات المتطرفة ستبقى ملازمة لشروط الإنسان تعلو وتهبط، لكن أهمية الفنون أنها وسائل بديلة وضرورية أمام الناس لكي يكونوا طبعيين يصعب شدهم للانضواء تحت عناصر التطرف والتشدد. إن للفن دورا رائدا في تغيير سلوك الإنسان ومحاربة الإرهاب الجبان وتهذيب الروح من أجل إزالة الحواجز واحترام وقبول الآخر. كما أن الفنون الإسلامية تمنح الناس فضاءً مشتركًا للتعايش وتوحد البشر الذين مزقتهم الانحيازات السياسية أو الأفكار الدينية المغلوطة.
وتحدثت د. ريجينا شلوتز؛ ممثل رئيس الأيكوم الدولي، عن أهمية المتاحف ودورها في الحفاظ على الثقافة والتراث الماضي والحاضر، ومساعدة الإنسان على التعرف على ثقافته والاعتزاز بهويته، إلى جانب التواصل والتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى.
وأكدت أن العالم يواجه عددا كبيرا من التحديات؛ أهمها التفسير الخاطئ لجميع الأديان الذي أدى إلى انتشار الأفكار المتطرفة، إلى جانب انعدام الثقافة وضياع الهوية، مما نتج عنه تدمير وهدم التراث.
وقالت إن الفن والتراث الإسلامي من أهم أدوات محاربة التطرف، مشددة على أهمية زيادة الاهتمام به وتعزيز والتواصل والتفاعل بين أصحاب التقاليد المختلفة في العالم الإسلامي. كما شددت على أهمية التربية والتثقيف المتحفي بين الأطفال للتعرف على تاريخهم وتراثهم وحماية ثقافتهم من الضياع.
وأشار د. حمدان كرم الكعبي ممثل هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام إلى أن للفن في التصور الإسلامي غاية وهدفا، وكل أمر يخلو من ذلك فهو عبث وباطل، والفن الإسلامي فوق العبث والبطل، فحياة الإنسان ووقته أثمن من أن يكون طمعة للعبث الذي لا طائل تحته، إن الغاية التي يهدف الفن الإسلامي إلى تحقيقها هي إيصال الجمال إلى حس المشاهد/ المتلقي، وهي ارتقاء به نحو الأعلى والأحسن.
وقال “استقلالية الفن وتميزه نظرا لاستقلالية التصور الإسلامي من كل الضغوطات الاجتماعية وغير الاجتماعية التي كانت تؤثر على الفنون في العصور القديمة، ونظرا لتميزه عن كل التصورات فإن فنه يستقل ويتميز عن كل الفنون سواء كان هذا الفن شعرا أو قصة، أو تصويرا أو تمثيلا، ويكفي أن الفن الاسلامي متحرر من القيود الوثنية التي أحاطت بالفنون خاصة في القرون القديمة والوسطى.
وعدد د. الكعبي خصائص الفن الإسلامي التي يتميز بها، ومنها تحويل الخسيس إلى نفيس، والتجريد والموسيقى حيث إن القيمة الجوهرية الكامنة في الفن الإسلامي هي إيقاعه وتجريده وما يصاحب ذلك من إحساس موسيقي رائع، ومخالفة الطبيعة فالفنان المسلم يواجه الطبيعة لكي يتناول عناصرها ويفكها إلى عناصر أولية ويعيد تركيبها من جديد في صياغة عذبة.
وشدد د. الكعبي على أن التطرف بدأ في الانهزام أمام الثقافة والفنون التي تزخر بها أمتنا العربية، مؤكدًا أن الثقافة أداة مؤثرة وقوية قادرة على هدم الأفكار الهدامة، كما أن الفن الإسلامي هو أكبر مثال على التسامح، فهو يتمازج مع الفنون والحضارات الأخرى.
وقال إن نهضة مصر الثقافية أثرت في عدد كبير من الدول العربية، معتبرًا مصر متحف وطني كبير، ويجب استغلال فنها وجمالياتها لتثقيف الشباب العربي عن الفن والأدب والآثار.
أعقب الجلسة الافتتاحية افتتاحا لمعرض سعودي ضم 48 لوحة لفنون تراثية وأثرية سواء كانت فنون عمارة أو فنون خطية أو منقوشات أثرية، تكشف جانبا من الإنجازات التي تحققت في مجال جمع الآثار والتحف الفنية، ويمكن تقسيم المعرض إلى لوحات للحرمين الشريفين والمساجد التاريخية والمتاحف والمخطوطات والعملات المعدنبة والأواني والنقوش سواء الحجرية أو غيرها في مختلف أنحاء المملكة، فضلا عن عرضين فيديو أولهما يعرض لما أنجزته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تحت رئاسة الأمير سلطان بن سلمان آل عبدالعزيز، والثاني يشكل جولة في متاحف المملكة ومراكزها الثقافية.
وبسؤال أحد القائمين على المعرض أكد أن المملكة العربية السعودية استردت 6 آلاف قطعة أثرية من آثارها في الخارج، لافتا إلى أن أولى الأمر يولون عناية خاصة بهذا الجانب الحضاري والتاريخي الثقافي للمملكة.
محمد الحمامصي