جداريات تشكيلية مغربية أندلسية تطل من أقصى جنوب الأندلس على سواحل المملكة
(من المراسلة الدائمة للوكالة .. فاطمة رفوق) الجزيرة الخضراء/ 25 مارس 2014 /ومع/ توجت التظاهرة الفنية التي نظمتها مؤسسة الثقافات الثلاث لحوض البحر الأبيض المتوسط طيلة الأسبوع الفارط (17-23 مارس) في جزيرة طريفة (الواقعة أقصى جنوب الأندلس)، برسم أربع جداريات تشكيلية كبرى تشهد على الثراء الروحي ووحدة التنوع الثقافي والفني بين ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط.
وقد شارك في هذه التظاهرة الفنية، الثالثة من نوعها، والمندرجة في إطار مشروع “كرياموس” الذي تروم عبره مؤسسة الثقافات الثلاث لحوض البحر الأبيض المتوسط تشجيع الإبداع في مختلف المجالات الفنية بين إقليم الأندلس والمغرب، فنانون تشكيليون ذوو تجربة عالمية في المشهد الفني الحضري، من قبيل المغربي عبد اللطيف مستاد والفنان ذي الجنسية الفرنسية فانسون حافظ، المعروف باسم زفة والغرناطي راؤول رويز وابن قادس أكسيل بوييد.
وتميزت مشاركة التشكيلي والخطاط المغربي مستاد، برسم جدارية أسماها “أحلام زرقاء” نقل فيها مقطعا من قصيدة الشاعرة الفرنسية “كاتي” المولعة بالسفر إلى المغرب، تقول فيه “أبواب ونوافذ من هذا الأزرق السديم، منه تصنع الأحلام”، حيث خط مجموع حروفه بشكل فني بديع وجعلها تسبح متناثرة عبر مساحة تناهز خمسة عشر مترا في الطول، منجزا بذلك جدارية تشكيلية رائعة تتراءى من بعيد لكل قادم من شمال المغرب.
وقال هذا الفنان البيضاوي، المزداد بمدينة وارزازات والمقيم حاليا بفرنسا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “عندما تلقيت دعوة المشاركة، احترت كثيرا في اختيار موضوع لجدارية ستنجز في مكان لا يشبه باقي الأماكن، مكان دونه التاريخ وتعلقت به أحلام الكثيرين في الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، إنه جزيرة طريفة التي تسمى أيضا بونتا ماروكي والمقابلة للمدن الساحلية المغربية وخاصة منها مدينة القصر الصغير”.
وأوضح أن هذه الجزيرة الدائرية الصغيرة والقديمة، الجاثمة وسط مياه مضيق جبل طارق “يمكن لكل جالس على شط بحر مدينتي القصر الصغير وطنجة أن يرمقها من بعيد، فهي توقد لدى الكثير من الشباب شعلة حب الاستطلاع والرغبة في استكشاف ما يتخيلونه هناك لتحقيق أحلام المستقبل وبلوغ أبواب القارة العجوز ولو بطرق مستحيلة”.
ويرى مستاد في جداريته المرسومة على واجهة إحدى العمارات بحي بونتا دي أوروبا المطل على شمال المملكة، “رابطا فنيا يخدم بشكل من الأشكال قيم حسن الجوار والتعايش والحوار ما بين حضارتين تجمع بينهما الكثير من القواسم المشتركة”.
وفي حي نويسترة سينيورة ديل كارمن، رسمت جداريات الفنانين الثلاثة الآخرين، حيث اختار التشكيلي، أكسيل وجه فتاة شابة ليبرزه بشكل جمالي مثير، معتمدا على تقنيات الفنان الإسباني العالمي دييغو فيلاسكيث، ملهمه في الواقعية البصرية.
ويريد أكسيل أن يعبر، من خلال هذه الصورة، عن وحدة الجنس والجغرافيا والثقافة والحضارة بين الإنسان الذي يعيش اليوم في ضفتي مضيق جبل طارق وتفصله الحدود التي رسمها بخط أزرق وسط وجه هذه الفتاة المغربية – الأندلسية. وعلى جدارية الفنان زيفا أبحرت مخطوطات ذهبية بالعربية واللاتينية بين مختلف الألوان المتدرجة من الأزرق، ليقدمها في شكل تركيبات أنيقة توحي بالرياح التي تعرفها هذه المنطقة لموقعها الجغرافي المتميز الجامع بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، كما توحي بالتعايش القائم بين الثقافات الثلاث في المنطقة وبين الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية.
ويمكن من خلال هذه اللوحة الرائعة رؤية نوافذ البيوت المغربية والأندلسية التي تسمح بمشاهدة ما يحدث في الخارج ولا تعكس ما يجري في الداخل، وهو تعبير من الفنان عن العلاقات الإنسانية الراهنة ورسالة منه للرقي بها إلى معرفة أفضل للآخر، بعيدا عن الأحكام المسبقة والصور النمطية. وفضل الفنان الغرناطي الأصل، راؤول رويتز أن يعيد إحياء تسمية الطيور الصغيرة التي كان يعرف بها هذا الحي في السابق، ليبدع من جهته جدارية مشحونة بالعواطف والأحاسيس تعكس الحرية في مختلف أشكالها وصورها وعلى رأسها حرية التنقل والتفكير والتعبير. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التظاهرة الفنية، التي أعطت انطلاقتها المديرة العامة لمؤسسة الثقافات الثلاث لحوض البحر الأبيض المتوسط، إلبيرا سان خيرونس، مرفوقة بعمدة مدينة طريفة، خوان أندريس خيل، شكلت فرصة لتبادل الأفكار والتقنيات الفنية بين تشكيليي وخطاطي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وقوت عزيمتهم على القيام بأعمال أخرى تروم تعزيز وترسيخ مبادئ السلام والتسامح والحوار والاحترام المتبادل التي عبر عنها كل من المغرب والحكومة المستقلة للأندلس، وجعلا منها أهدافا رئيسية لمؤسسة الثقافات الثلاث لحوض البحر الأبيض المتوسط في العاصمة الأندلسية إشبيلية.وفقا لما نشر بصحيفة المنارة