د.”محمد قارصلي”.. بين السينما والمسرح مخرج استثنائي
الاثنين 18 أيلول 2017
حيّ المزرعة
استطاع د.”محمد القارصلي” أن يترك بصمته الإبداعية من خلال تقديم العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية داخل “سورية” وخارجها، ويعدّ المعلم والقدوة لطلابه في عالم الفن.
مدونة وطن “eSyria” زارت د.”محمد قارصلي” في “دمشق” بتاريخ 28 آب 2017، ليحدثنا عن موهبته وبدايات طريقه، فقال: «ولدت وتربيتُ في بيت دافئ مملوء باللوحات والجمال والثقافة، فوالدتي رائدة الفن التشكيلي “إقبال ناجي قارصلي”، وهي من أوائل الفنانات التشكيليات في “سورية”، وهذه البيئة الفنية أثرت فيّ، فتوجهت نحو الفن والثقافة.
التحقت بخدمة العلم في فترة حرب تشرين التحريرية، فانقطعتُ فترة عن الدراسة والمشروع الفني، سافرت بعدها إلى “موسكو” لتحقيق هدفي الوحيد وهو دراسة السينما، وهناك درست الإخراج السينمائي، وعندما قدمت مشروع التخرج على الخشبة رشحتُ للدكتوراة، وتابعت دراستها في المعهد نفسه، ثم عدتُ إلى “دمشق” وبدأت الرحلة المغايرة؛ رحلة البحث عن عمل وإمكانية تنفيذ عمل فني إبداعي. كانت تجربة قاسية؛ لأنني أعدُّ مخرجاً مستقلاً لا أنتمي إلى مؤسسة إنتاجية ترعى مشروعي وتموله كما هو معتاد في الإنتاج السينمائي، وفي هذه المرحلة من إثبات الذات، شاركت في أول عرض مسرحي بمهرجان “توياما” المسرحي الدولي، ومن بين 39 دولة فاز هذا العرض بأربع جوائز من أصل ست، وكانت تجربة جميلة وعرض هذا العمل في عشرين دولة في سبعة عشر مهرجاناً، فكانت نقطة مفصلية حولتني إلى شخص قادر أن يحدد خياراته؛ وهذا كان عام 1990.
وأغلب أفلامي ممولة من “الصليب الأحمر” الدولي و”التجمع النسائي العالمي”، و”اليونيسيف”، كلها مؤسسات إنسانية، لأنه ليس لدينا تمويل خاص للسينما».
يتابع “قارصلي”: «تطورت التجربة فيما بعد، وأصبحت أخرج أفلاماً وعروضاً مسرحية، وسافرت كثيراً ودرّست في
سعيد البرغوثي |
العديد من الدول، منها: “لبنان”، و”المغرب”، و”مصر”، وأسست قسماً في كلية الفنون المرئية في “ليبيا”، وخرّجت ثلاثين مخرجاً. هذا إضافة إلى عملي كمخرج سينمائي أولاً ومسرحي ثانياً، وأضفت إليها كتابة نصوص مرئية، كتبت نص مسلسل “أيام الغضب” عام 1969، و”العودة إلى الأمام”، و”حكاية الدرب الطويل”».
وعن علاقته بالمسرح، قال: «العلاقة قديمة، وتكرّست بعد دراستي الدكتوراه؛ لأن اختصاصي كان إعداد وتدريب الممثل، وهذا يتم بالطريقة المسرحية لأنه لا يوجد شيء اسمه إعداد ممثل سينمائي».
وعن تجربته في الانضمام إلى لجان التحكيم المحلية والعالمية، قال: «تتطلب هذه المهمة من الحكم أن ينعزل عن كونه فناناً ليكون الرأي موضوعياً تماماً؛ لذلك أتجنب أن أكون حكماً في العالم العربي؛ لأن النزاهة تتراجع جداً أمام حسابات منها السياسي والاجتماعي. أغلب تجاربي التي أعدّها ناجحة كانت في بلدان غير عربية؛ لأن المعايير تختلف بأن يحكم على العمل من منطلق إنساني فكري أخلاقي فني وإبداعيّ.
مثلاً: مهرجان الفيلم العربي في “روتردام” منعت الأفلام السورية من المشاركة؛ وهذا موقف سياسي ليس له علاقة بالفن؛ لأن القائمين عليه من الدول العربية، ولهم موقف معادٍ للدولة السورية. لذلك تجربتنا في العالم العربي لا تعطي، بل تأخذ جزءاً من النزاهة والموقف المبدئي والقراءة الفنية للعمل والموقف الأخلاقي».
وعن انعكاس هذه التجربة على عمله، قال: «تنعكس من جانب واحد فقط؛ فعندما أشاهد ما ينجز في أنحاء العالم، أدرك كيف يفكر العالم، وكيف ينفذ عملهُ الفني، وعندما أشاهد فيلماً من
خلال أحد العروض |
“اليابان” وآخر من “تشيلي”، تزيد الخبرة في قراءة المشهد السينمائي أو المسرحي في العالم كله؛ وهذا يغني، فبعد هذه التجربة استبعدت كثيراً من النصوص التي كتبتها؛ لأنني رأيت أن أشخاصاً عبروا عنها وقد يكون بطريقةٍ أفضل».
وعن أعماله، قال: «نفذت 96 فيلماً بين متوسط وطويل، و12 عرضاً مسرحياً، إضافة إلى مشاريع تخريج الدورات.
كل عمل له ظرفه وشروطه، ومن الأعمال المحببة بالنسبة لي عملٌ نفذته لمنظمة “UNDP” (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، بعنوان: “غداً”، وهو فيلم مدته تسعُ دقائق، كان المفروض أن يعرضَ في الاحتفال السنوي ليوم الأرض، هذا العمل حصل على جائزة أفضل فيلم في “آسيا”، وحاز المرتبة الثانية عالمياً، إضافة إلى جائزتين ذهبيتين في الإخراج.
إضافة إلى عرض “فجر وغروب فتاة تدعى ياسمين” حاز أربع جوائز كبرى في مهرجان “توياما”، وجائزة كبرى في مهرجان “كلكته”، وعرض في 17 مهرجاناً.
وبصرف النظر عن الجائزة نفسها، هذا التقييم أعطاني ثقة بأنني على الطريق الصحيح.
أصدرت موخراً كتابين، وهما نصان مسرحيان: “نافذة روح”، و”ربَّ ضارة ضارة”».
وختم قائلاً: «”سورية” من أغنى البلدان بالمواهب؛ وهذا ناتج عن تراكم تاريخي وإرث إنساني وثقافي امتد عبر مئات السنين؛ وهو ما لمسته من خلال تجربتي في التدريس في البلدان الأخرى، وبرأيي إنّ أحد أسباب الهجوم على “سورية” ليس النفط أو غيره من الثروات الاقتصادية، بل لأن الثروة الكبرى هي الثروة البشرية؛ فالسوري يستطيع أن ينتج ويبدع».
الكاتب “سعيد البرغوثي”، قال عنه: «د.”محمد”
قارصلي مع طلابه |
من أكثر المسرحيين نشاطاً في العقدين الماضيين؛ وهذا نابع من خبرة واسعة وتجربة عملية على الأرض، ونشاطه متنوع ما بين السينما والمسرح. هو شخص استثنائي ومؤسس معرفي لأجيال، أجرى العديد من الدورات التي خرّجت فنانين أنجزوا أفلاماً ومسرحيات مهمة، توزع نشاطه على كثير من المواضيع، منها البيئية والإنسانية، ونفخر بإنجازاته التي حققها.
د.”محمد” متواضع لا يبحثُ عن أضواءٍ وشهرة وألقاب، وإنما يعمل من أجل رسالة آمن بها، وبالمقابل هو لم يحظَ باهتمام من قبل المعنيين».
يذكر أن د.”محمد القارصلي” من مواليد “دمشق” عام 1950، وهو قارئ في هيئة الكتاب.