كيف تحول كافكا اليهودي إلى بطل بالنسبة لكثير من العرب
تحظى أعمال الكاتب فرانتس كافكا بتقدير المفكرين في العالم العربي حيث تمكنوا من خلاله من الاقتراب من الحداثة الغربية.
سأل فرانتس كافكا خطيبته فيليس باور عام 1916 عندما وُصفت رواياته بأنها ” ألمانية أصيلة” في المجلة الأدبية نويه روندشاو Neue Rundschau قائلا:” هل أنا لاعب في سيرك يمتطي جوادين؟” في أثناء ما كتب صديقه الكاتب ماكس برود في نفس الوقت أن أعمال كافكا النثرية تنتمي لأكثر وثائق ذات صبغة يهودية في عصرنا.”
لكنه كان حقا لاعب سيرك يمتطي ثلاثة جياد، ويبجله المثقفون العرب “كشخصية مقدسة”، وبالطبع لم يحظى كافكا بالإعجاب فحسب في العالم العربي بل أيضا بالكراهية، ففي عام 1996 هاجم أحد النواب في البرلمان السوري وزيرة الثقافة لأن كتابًا عن كافكا الصهيوني صدر في سلسلة إصدارات تمولها الدولة، ويذكرنا الكاتب العراقي نجيم والي عام 2004 بعد حرب العراق بأن كل قاريء لروايات كافكا أثناء حكم صدام حسين معرضا لخطر السجن أو حتى أن يفقد حياته.
تعد الحوارات حول أعمال كافكا جزءً من المراحل الأساسية للحرب الباردة في أوروبا التي كانت أيضًا بمثابة حرب ثقافية، فتمزق وحزن كافكا أرادا إقصاء اليوتوبيات الاجتماعية عنها، ويعد الدور الذي لعبته أعماله في الحوار الدائر بين المفكرين العرب مع تقاليدهم الخاصة والحداثة الغربية أمرًا غير معروفًا بشكل كبير.
يعود الفضل لأستاذ الأدب المصري عاطف بطرس في اكتشاف “شخصية كافكية عربية” متعددة الاتجاهات حيث ترقى في جامعة لايبتسيج بعمل عن كافكا يحمل اسم ” كاتب يهودي من منظور عربي.”
هناك كاتبان مصريان مهمان بالنسبة لاستقبال كافكا في العالم العربي هما ﭼورج حنين( 1914- 1973) وهو كاتب فرانكفوني انتمى لدائرة السرياليين التابعة لأندرية بروتو في باريس لفترة طويلة، وعميد الأدب العربي طه حسين ( 188 – 1973)، استخدم حنين كافكا كجسر الذي تمكنت الثقافة العربية من خلاله من الاقتراب من الحداثة الأدبية، أما طه حسين فلقد اكتشفت أوجه التشابه التي ربطت أعمال ورؤية كافكا للعالم مع الأدب العربي المزدهر نهاية الألفية الأولى.
كان ﭼورج حنين ابنًا لأحد الباشاوت الأثرياء والدبلوماسين وكان منتميا للبوهمية اليسارية، وكان يغير مكان إقامته بين القاهرة وبروكسل ومدريد وباريس، أما طه حسين فلقد كان ليبراليًا متصوفًا يعود أصله لأسرة فقيرة وتربى داخل الكُتّاب لتحفيظ القرآن ودرس بجامعة القاهرة أول جامعة حديثة في مصر، وشهد الاثنان بزوغهم الثقافي في باريس من خلال جامعة السربون.
أجمل الاقتباسات من فرانتس كافكا
كل حديث ليس له معنى إذا غابت الثقة
في “حالة كافكا” وصل تأثير الثقافة الناطقة باللغة الألمانية عبر فرنسا إلى العالم العربي.. ونشرت مقالة حنين عن رواية كافكا “القصر” Das Schloss” ” عام 1939 وربما كان هو أيضا الباعث على أولى ترجمات رواية كافكا ” طبيب القرية” “Der Landarzt” إلى اللغة العربية حيث نشرت في الصحيفة الشهرية “الكاتب المصري” التي يصدرها طه حسين وتمولها أسرة هراري اليهودية المصرية، كان ﭼورج حنين عضوًا قياديًا في جماعة “الفن والحرية” التي تأسست عام 1939 وهي منظمة سرية للمفكرين من المذهب السريالي في الإسكندرية والقاهرة.
وبالنسبة للكاتب الفرنسي أندرية بروتو يعد حنين بمثابة “الوسيط الهام بين الشرق والغرب” كما أطلق عليه الكاتب الفرنسي أندرية مالرو” بأنه أكثر الشخصيات ذكاءً في القاهرة.”.. رفض حنين التفسيرات اللاهوتية والصوفية في أعمال كافكا حيث ” قرأها كاستشراف لأجهزة السلطة الشمولية التي صبغ احتقارها للبشر القرن كله، وأصبح كافكا في عصر الإرهاب المحكم بمثابة “مرشد متشائم للمجتمع الحديث. ”
كان يعد ﭼورج حنين القبطي الذي يكتب باللغة الفرنسية بمثابة شخصية غريبة وهامشية لفترة طويلة قبل أن يكتشفه جيل جديد من المفكرين العرب من جديد في السنوات الأخيرة، عندما اعتلى جمال عبد الناصر السلطة بعد الثورة عام 1953 ومن ثم انتهي عصر الملكية والاستعمار، ولقد رحب حنين بالثورة في البداية، لكن بعد ذلك بفترة وجيزة ابتعد عن الشمولية العسكرية لجمال عبد الناصر وقارن “الريس” بهتلر الذي سمعه في ميونخ عام 1939 ولجأ كثير من المفكرين المصريين مثل حنين إلى الهجرة الداخلية وبعد ذلك إلى المهجر ومن ثم ظهر اهتمامهم بكافكا الذي لم يرى فيه حنين كاتب “المنفي” مبكرًا فحسب.
تُرجمت الثلاث روايات الكبرى لكافكا إلى العربية نهاية فترة الستينيات، ودعمت هزيمة العرب في حرب يونيو ضد اسرائيل عام 1967 من صيغة الفشل التي وجد الكتاب العرب توقعها وحدسها الأدبي لدى كافكا وكان طه حسين مثل حنين ممثلا لحركة الإصلاح والانطلاق العربي حيث قال: “علينا أن نحذو حذو الأوروبيين لكي نستطيع أن نكون شركاء لهم في المدنية على نفس المستوى.”
قام طه حسن عام 1946 بنشر أول تعليق عن كافكا باللغة العربية في مجلة ” الكاتب المصري” وكان المقال يحمل عنوان ” الأدب السوداوي” وبذلك وضع طه حسين كافكا في نمط الأدب التشاؤمي الذي يعد الأديب العربي الكلاسيكى أبو العلاء المعري ( 973 حتى 1057) أهم ممثل له، حيث يشعر طه حسين الذي أصيب بالعمى في طفولته بالارتباط مع الفيلسوف العربي الكفيف.
كان تذكر العصر الذهبي للأدب العربي بالنظر إلى كاتب براغ كافكا أمرا مؤثرا في زمن يشكو من “انهيار وسكون المسلمين”، ووجد طه حسين في أعمال كافكا حقائق موجعة لكن لايمكن إنكارها والتي تتمثل في استحالة ربط الانسان بالرب وعدم فهم الذنب البشري، وعدم معرفة مغزى الحياة، فالتشاؤم يحمي الناس من الكبر والغطرسة.
نشر طه حسين في مايو 1933 في المجلة ذائغة الصيت ” نجم الشرق” مقالا بعنوان ” الاحتقار” التي أجرى فيها سجالا مع أيدلوجية المذهب القومي الاشتراكي (النازي) المناهضة للفكر، ولقد نادى باحتجاجات دولية عقب حرق الكتب في برلين وقام طه حسين بدعوة من يودا ماجنيس رئيس الجامعة العبرية بزيارة القدس عام 1943 وأظهر تعاطفًا كبيرًا لمصير اليهود الذين قام النازيون بمطاردتهم وقتلهم.
وذلك الأمر ربط بينه وبين حنين الذي أصدر إعلانا يحمل عنوان ” يعيش الفن المنهار”، وشارك حنين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في إصدار مجلد ” فضائل ألمانيا ” الذي خُصص للألمان الذين كرسوا حياتهم للحرية بعد عام 1933، وأسس كل من طه حسين الذي كان وزيرًا للتعليم بمصر عام 1950 وﭼورج حنين الذي نفي إلى إيطاليا استقبال كافكا في العالم العربي.
وبعد حرب 1967 ظهرت كل أشكال الرفض الغاضب ووصولا إلى الموافقة المتحمسة في تفاعل الكتاب العربي مع الأديب كافكا، لكن مجرد نعته بصفة “صهيوني” كان كافيًا لكثيرين لكي يصبوا عليه لعناتهم ولعبت قصة كافكا بعنوان “بنو آوى وعرب” “Schakale und Araber” دورًا مهمًا في هذا الصدد.
رمز لاستعمار فلسطين
من الممكن رؤية تلك القصة بمثابة رمز لاستعمار اليهود لفلسطين حتى أن بعض المحللين العرب لرواية كافكا قد ذهبو بعيدا في تحليلهم بأن قصة ” بنو آوى وعرب” تعد رد فعل مباشر لما أطلق عليه اسم ” وعد بلفور” .
فلقد أكد وزير الخارجية البريطاني أرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر عام 1917 على نية حكومته في مساعدة اليهود لإيجاد “وطنًا قوميًا” لهم في فلسطين، لكن أشار عاطف بطرس إلى أن قصة كافكا كتبت في يناير 1917 أي قبل إعلان بلفور.
حرّف المترجمون العرب نص كافكا لكي يجعلوا شخصيته الصهيونية غير ظاهرة، اختلف الاستقبال العربي لكافكا على تفسير قصة “بنو آوى وعرب”، وطُرح السؤال الذي تم صياغته نهاية الحرب العالمية الثانية من قبل شيوعيين فرنسيين وهو “هل يجب حرق كافكا؟” في العالم العربي
قام كتاّب عرب بحظر كتب كافكا وهناك كتاب عرب تمسكوا بكافكا بإعجاب شديد، ولقد ختم عاطف بطرس كتابة بالجملة الختامية من قصة كافكا “ورقة قديمة” هذا سوء فهم، سيؤدي بنا جميعا إلى الهلاك.”
المصدر جريدة دي ﭭيلت
ــــــــــــــــــــــــــــ
المسخ (رواية)
من ويكيبيديا
المسخ (رواية)
Metamorphosis.jpg
المؤلف فرانز كافكا
اللغة ألمانية
البلد ليبزيغ
النوع الأدبي رواية عبثية
الناشر كورت وولف
تاريخ الإصدار 1915
التقديم
المسخ (ألمانية: Die Verwandlung) هي رواية قصيرة كتبها الروائي التشيكي فرانز كافكا، نُشرت لأول مرة عام 1915. وهي من أشهر أعمال القرن العشرين وأكثرها تأثيرًا، حيث تتم دراستها في العديد من الجامعات والكليًات في العالم الغربي. وقد وصفها الكاتب البلغاري إلياس كانيتي بكونها “أحد الأعمال القليلة الرائعة، وأحد أفضل أعمال الخيال الشعري المكتوبة في هذا القرن.”
حبكة
تبدأ القصة بتاجر مسافر اسمه جريغور سامسا، الذي يستيقض ليجد نفسه قد تحوّل إلى حشرة بشعة. في السطر الأول من ” التحول يصدم ” كافكا ” القارئ بهذا التحول الرهيب حيث يقول : ” استيقظ جريجور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة ، فوجد نفسه قد تحول في فراشِه إلي حشرة هائلة الحجم ” . ” جريجور ” ، هذا العامل البسيط ، البائس بوظيفته التي تجبره علي الاستيقاظ مبكراً ليلحق بقطاراته كي يجوب المدن بائعاً متجولاً ، في شقاء يومي متكرر ، بالكاد يحقق له دخلاً يستطيع به أن يعول أسرته . ويجري ” كافكا ” هذا الحدث غير الواقعي ، وغير محتمل الوقوع ، في مجاري واقعية تماماً ، موهماً القارئ بصدق هذا الكابوس ، والذي تمنَّى ” جريجور/ المتحول ” أن يكون هذا مجرد حلماً مزعجاً سرعان ما يستيقظ منه ، لكنه أيقن بتوالي الأحداث استحالة أمنياته . عندما ترتعش أطرافه المفصلية الحشرية في محاولاته اليائسة للنهوض من فراشه حيث تسبب له الألم ، وعندما يضطر للرد علي أسرته القلقة بسبب تأخره في النوم علي حالته الجديدة ، ويصافح مسمعيه هذا الصوت الرفيع الغريب الذي هو بالتأكيد صوته غير البشري ، ولا تقتصر مأساة هذا البائس فيما بعد في عجزه عن المواءمة مع هذا التحول القدري ، بل تتعداه إلي موقف الأسرة السلبي منه ـ فيما عدا أخته التي كانت تؤثره في محنته ـ حين تبتعد عنه مع مرور الوقت وتفاقم أزمته الوجودية ، ثم هي تدفعه للاختفاء بعيداً عن الأعين ، ثم وهي تبلور مشاعرها لمشاعر باردة وغير إنسانية بالمرَّة ، برغبة جماعية في التخلص منه ، حتى ولو كان الثمن هو الموت ، فالارتباط المادي الذي يربطهم به قد انقطع صبيحة التحول الحشري مع توقفه عن العمل ، بالفعل يموت ” جريجور ” ، ماذا يمكنه أن يفعل غير الموت ؟ ، بعد أن أرهق ” كافكا ” القارئ بالتفصيلات الحياتية اليومية الكابوسية ، التي تؤكد أن مجرد البقاء علي هذه الصورة أمراً مرعباً وغير محتمل ، وأن الانتحار هو الحل الوحيد الممكن.
نقد
يقول روجيه جارودي عن ” كافكا ” وعالمه السوداوي أنه خلق هذا العالم بمواد عالمنا مع إعادة ترتيبها وفقاً لقوانين أخرى تماماً كما فعل الرسامون التكعيبيون في نفس الفترة. وتنتمي المسخ إلى المذهب العبثي في الأدب. وتعالج موضوعات مرتبطة بالحداثة كالإغتراب الذي يعد من أهم سمات المجتمع الحديث الرأسمالي. كما يذكر إبراهيم مجمود في كتابه الإغتراب الكافكاوي” إنّ المرء هو مغترب كيف كان اختياره. فالخضوع للقوانين غير الأخلاقيةيعني طلاق كل ما هو أنساني فيه, وعدم الخضوع يعني الفناءوهذا ما حدث مع جريغور سامسا. كيف صار مسخاً؟ لأنه حاول الخروج عن عن القانون الذي يقتل فيه انسانيته في مجتمع مرعب”. ويعاني جريجور من الإغتراب على مستويات عدة. اغتراب عن العمل والأسرة والمجتمع والجسد وحتى عن نفسه.
في السينما والتلفزيون
سنة 1976 أخرج المخرج السويدي إيفو دفوراك فيلما مستوحا من الرواية. وتحولت رواية المسخ إلى فيلمين طويلين، واحد من روسيا والآخر من الأرجنتين، وإلى فيلمين قصيرين وفيلم رسومي قصير أنتج عام 1977 باسم تحول السيد سامسا للأمريكية كارولين ليف. كما نقلت الواية إلى التلفزيون من خلال أربعة مسلسلات ابتداء من سنة 1975، أبرزها المسلسل البريطاني المنتج عام 1987 والذي يحمل نفس اسم الرواية وقام فيه الممثل تيم روث بأداء شخصية المسخ غريغور سامسا.[1]