المطربة : نور الهدى
( 1924م ـ 1998 م )
نور الهدى واسمها الحقيقي ألكسندرا بدران مطربة لبنانية ولدت في مدينة مرسين التركية. وبعد عامين على ولادتها عادت الأسرة إلى بيت العائلة في «أميون» في لبنان، قبل أن تستقر في محلة «المريجة» في بيروت. أبوها نقولا بدران من أسرة الشماس العريقة يهوى الغناء، وصوته جميل وقد اشتهر بين زملائه بغناء الموال البغدادي. ووالدتها بديعة ديبو من طرابلس المينا، أنجبت غيرها بنتين وصبيين. في السابعة من عمرها ألحقها أبوها بمدرسة الحي، وفيها تعرفت صوت محمد عبد الوهاب الذي أذهل طفولتها فأحبته، كما أحبت صديق العائلة عازف الكمان الشهير خالد أبي النصر اليافي الذي كان يلقنها بين الحين والآخر – على الرغم من معارضة أبيها- المبادئ الأولية في أصول الغناء. في التاسعة من عمرها غنت بموافقة أبيها وبتشجيع من خالد أبي النصر في حفل خيري في مسرح الكريستال ببيروت قصيدة مطلعها:
سَلِ اللَّيلَ عَنْ سُهْدِي فَهَذِيْ كَوَاكِبُهُ
أُسَامِرُها حيناً وحيناً أُصاحِبُهُ
أُتيح لنور الهدى وهي في الثانية عشرة من عمرها فرصة العمر بالغناء أمام محمد عبد الوهاب في مصيف عاليه في منزل السيدة «ثريا بيضا» صاحبة شركة بيضافون للأسطوانات، فبهره صوتها وأطلق عليها اسم «صاحبة الصوت الذهبي»، وطلب من والدها العناية بموهبتها. ومنذ ذلك الحين انهارت اعتراضات الأب، وتحوّل من ممانع غاضب إلى مشجع ومدير لأعمالها.
تعاقدت نور الهدى عام 1939 على الغناء في ملهى بسمار في دمشق (مقهى الكمال اليوم)، وكانت تغني فيه وقتذاك مطربة القطرين فتحية أحمد التي شجعتها على غناء الأدوار والقصائد. وفي دمشق التي شهدت انطلاقتها الحقيقية لازمت عازف العود القدير عمر النقشبندي الذي علمها العزف بالعود، ورافق غناءها بعوده مرافقة الظل، وسافر معها إلى اللاذقية ثم إلى حلب حيث أحدثت ضجة كبيرة بغنائها المتقن وبصوتها ذي البحة الخاصة. وفي حلب اتصلت بأهل الفن فأخذت عنهم أصول غناء الموشحات، وتتلمذت على الملحن القدير بكري الكردي الذي صحح لها بعض الهنات في أدائها الغنائي وغنت من ألحانه دَوْر «القلب مال الجمال».
عادت نور الهدى ثانية إلى حلب عام 1942، وتعرّفت في إحدى حفلاتها الغنائية عميد المسرح العربي يوسف وهبي الذي كان يقوم مع فرقة «رمسيس» المسرحية بجولة فنية في سورية، فأُعجب بصوتها وجمالها وقوة شخصيتها، فوقّع مع والدها عقد عمل سينمائي مدته خمس سنوات لقاء خمسين ومئة جنيه عن كل فيلم ينتجه لها. وفي شهر تشرين الثاني/نوڤمبر عام 1942 سافرت مع أبيها إلى القاهرة لتصوير فيلمها الأول «جوهرة»، واشترط يوسف وهبي استبدال اسم «نور الهدى» الذي اشتهرت به فيما بعد باسمها الحقيقي ألكسندرا بدران الذي عرفت به في سورية ولبنان. وفي فيلم «جوهرة» التقى صوتها للمرة الأولى ملحنين متمرسين يعرفون كيف يتعاملون مع الصوت القادر الجميل، فغنت لرياض السنباطي أغنية «يا أتومبيل» التي حققت لها شهرة ما كانت تحلم بها، و«يا ريت كل الناس فرحانة»، وقصيدة «مولاي حبك»، ولفريد غصن رائعته «يانا يا وعدي» ولمحمد الكحلاوي «يا رب سبح بحمدك كل شيء حي».
عرض فيلم «جوهرة» عام 1943، وحقق نجاحاً كبيراً، وشارك في التمثيل فيه إضافة إلى يوسف وهبي الذي قاسمها البطولة كل من: زوزو شكيب وفؤاد شفيق وحسن كامل ومحمد الكحلاوي. وبعد عام واحد ظهر فيلمها الثاني «برلنتي» الذي أخرجه ومثل فيه يوسف وهبي، وأمينة رزق، وغنت فيه اثنتي عشرة أغنية لحنها السنباطي والقصبجي والكحلاوي. وبعد هذا الفيلم تهافت عليها المنتجون والمخرجون، فمثلت وغنت ثلاثة وعشرين فيلماً في عشرة أعوام هي: «مدموزيل بوسه» (1945)، «أفراح» (1950) إخراج نيازي مصطفى، «أميرة الأحلام» أمام محسن سرحان عام 1946 إخراج أحمد جلال، «لست ملاكاً» أمام محمد عبد الوهاب عام 1946 إخراج محمد كريم، «مجد ودموع» (1946)، «قبلني يا أبي» أمام محمد فوزي عام 1947 إخراج أحمد بدرخان، «المنتقم» (1947) إخراج صلاح أبو سيف، «غدر وعذاب» (1947) تمثيل حسين صدقي وإخراجه، و«نرجس» (1948) و«مبروك عليك» (1949) إخراج عبد الفتاح حسن، و«المستقبل المجهول» و«حياة حائرة» عام (1948) تمثيل أحمد سالم وإخراجه، و«هدى» (1949) و«غرام راقصة» (1950) إخراج حلمي رفلة، و«الشرف غالي» و«عايزة اتجوز» عام 1952 إخراج أحمد بدرخان، و«شباك حبيبي» أمام عبد العزيز محمود عام 1951 إخراج عباس كامل، و«ما تقولش لحد» أمام فريد الأطرش عام 1952، و«حكم الزمان» (1953) إخراج هنري بركات، و«مصري في لبنان» أمام كمال الشناوي عام 1952 إخراج جياني فرونوتشو، و«حكم قراقوش» (1953) إخراج فطين عبد الوهاب. وكان آخر أفلامها «لمن تشرق الشمس» الذي صورته بعد عودتها إلى لبنان عن قصة وحوار لشكيب خوري عام 1958 من إخراج السوري يوسف فهدة. وكانت الموضوعات الدرامية لهذه الأفلام تدور حول قضايا الحب والفقر والإخلاص والوفاء والتضحية والإباء والشهامة التي لا يخلو بعضها من النهايات غير السعيدة. كما أن الأغاني وظفت توظيفاً جيداً بحيث تلائم المشاهد الدرامية والمواقف الإنسانية الشفافة.
كتب جميع أغاني هذه الأفلام المشاهير من الشعراء وكُتّاب الأغاني منهم: أحمد رامي ومحمود بيرم التونسي ومأمون الشناوي وصالح جودت وكامل الشناوي وأبو السعود الأبياري وعبد العزيز سلام وحسين السيد وجليل البنداري وعبد الفتاح شلبي. ولحنها السنباطي ومحمد القصبجي والكحلاوي ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد وفريد غصن وفريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد العزيز محمود.
ارتبطت نور الهدى في أثناء إقامتها في مصر بصداقات متينة مع محمد عبد الوهاب والصحفي الكبير محمد التابعي ومصطفى النحاس باشا. تعرّفت الملك فاروق، وغنت له في السفارة السورية بمناسبة عيد الجلاء، كذلك غنت فيما بعد أمام الرئيس جمال عبد الناصر أغنية خاصة لثورة تموز/يوليو عام 1952.
وفي تلك الفترة من حياتها احتجت عليها بعض الفنانات بأنها تأخذ مكانهن في الغناء والتمثيل؛ إضافة إلى أنها غير مصرية، ورفعن الأمر إلى نقابة السينمائيين التي أصدرت قراراً نصّ على ألا يُسمح لفنان غير مصري بالعمل في أكثر من فيلمين في السنة، وذُيِّل القرار بحاشية تقول: «وهذا ينطبق على الفنانة نور الهدى».
أدركت نور الهدى بعد عودتها إلى لبنان عام 1953 أن أم كلثوم كانت وراء قرار نقابة السينمائيين لإبعادها عن الساحتين السينمائية والغنائية، فكتبت رسالة وجهتها إلى الرئيس عبد الناصر نشرتها مجلة «الشبكة» في نيسان/أبريل عام 1956، جاء فيها: «…إن الإجراءات التي فرضتها الرقابة المصرية الصارمة علينا نحن أهل الفن في سورية ولبنان؛ باتت تتنافى وروح الثورة التي كان من أساس قيامها تقوية العلاقات الأخوية الطبيعية بين مصر وكل قطر عربي آخر.…».
زاولت نور الهدى نشاطها الفني بعد عودتها إلى بيروت مباشرة، وتعاونت مع زكي ناصيف وتوفيق الباشا وحليم الرومي وغيرهم. وفي مستهل سني ستينيات القرن العشرين سجلت للإذاعة اللبنانية ثلاثة مسلسلات غنائية، وصورت لتلفزيون لبنان ثلاثة مسلسلات تلفزيونية أميزها «ليالي الأندلس» و«نوارة». وأحيت في دمشق عام 1964حفلتين بمناسبة ثورة الثامن من آذار، وظلت تمارس نشاطها الفني حتى عام 1975 ليتوقف بسبب الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان.
غنت نور الهدى نحو خمسمئة أغنية اشتملت على أنواع الغناء العربي كافة. ومن أبرز أغانيها الخفيفة أغنيات: «الدنيا ساعة وصال» و«اللي تحب الفل» و«الدنيا أنا لفّاها» و«إن جيت للحق أنا زعلانة» وغيرها كثير. وغنت من ألحان السنباطي قصيدتي الأخطل الصغير «إلى الحبيبة» و«هواه النار في كبدي»، ولمحمد عبد الوهاب «يا جارة الوادي» ودور «إن كان فؤادك»، ولمحمد عثمان دور «أصل الغرام نظرة». كما غنت من نظم أبيها نقولا بدران موالاً بغدادياً مطلعه:
يا مدبر الكون وعاطي الخلايق نِعَمْ
ما يوم خالفت أمرك وقلت لا أو نَعَمْ
سَلَّمت أمري لعدلك يا سابغ عليّ النِعَمْ
في خمسينيات القرن العشرين منحتها سورية وسام الإخلاص، ومنحها الرئيس عبد الله اليافي (رئيس وزراء لبنان) وسام الاستحقاق ومنحتها الكنيسة الروسية وسام الفضيلة. وكرمها معهد العالم العربي في باريس عام 1983 بالاشتراك مع مؤسسة الحوار بين الثقافات ومكتبة السينما الفرنسية تقديراً للفن الذي قدمته، كذلك كرمتها وزارة الإعلام السورية بدعوتها إلى الإقامة في سورية عام 1997 وسجلت معها لقاء تلفزيونياً متميزاً، ومنحتها درع التقدير. وفي العام نفسه منحها رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس الهراوي وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط.
تركت نور الهدى وراءها فيضاً من الطرب الأصيل.
صميم الشريف
http://www.almooftah.com/wp-admin/post.php…
http://almooftah.com/vb/showthread.php?p=288591#post288591