عين دارا
30 كانون الثاني 2018م
المحتويات
يقع تل عين دارا الأثري على الضفة الشرقية لنهر عفرين، على بعد حوالي 7 كيلومترات جنوبي مدينة عفرين، و 40 كيلومتراً شمال غربي حلب، وينسب اسم التل إلى نبع عين دارا الغزير،الذي يتدفق من السفوح الغربية لجبل سمعان، ويقع على بعد 800 متر شرقي التل.
يتألف الموقع من تلين متجاورين، الصغير الأعلى ويسمى المدينة الفوقانية، طوله 125 متراً وعرضه 60 متراً، والكبير المنخفض ويسمى المدينة التحتانية ويبلغ طوله 270 متراً وعرضه 170 متراً. ويرجح أن المدينة التحتانية التي تطوق الفوقانية من الشمال والشرق، قد نشأت في العهد الآرامي، بينما تم إشغال المدينة الفوقانية عبر عصور عدة.
تم اكتشاف التل عن طريق الصدفة حين وجد راعٍ أسداً بازلتياً على سفحه الغربي عام 1954م، إلا أن التنقيبات بدأت عام 1956م من قبل المديرية العامة للآثار آنذاك، ونشرت البعثة تقريرين في مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية (عام 1960 و عام 1965) أظهرتا أهمية التل والمعبد المكتشف فيه. توقف العمل في التل وعاد عدة مرات في الأعوام 1976 و 1978 و 1980 ودام العمل دون انقطاع حتى عام 1992، وما تزال بعض التنقيبات الأثرية جارية في الموقع حتى هذا اليوم.
أسفرت الحفريات الأثرية في التل عن اكتشاف ستة طبقات، موجودة في المدينة الفوقانية ويمكن إيجاز نتائج الاكتشافات بما يلي:
تعذر معرفة تفاصيل تاريخ الطبقة الأولى بسبب التخريب الذي تعرضت له، ولكن عثر على بعض الأواني الفخارية التي ساعدت على تأريخ الطبقة بما بعد عام 1072م، حين دمرت المدينة في الحروب السلجوقية- البيزنطية.
أما في الطبقة الثانية فقد عُثر على نقود ذهبية لقياصرة بيزنطة، ساعدت مع لقىً أخرى على تأريخ هذه الطبقة من 969 – 1072 ميلادية، إبان حكم الأسرة المقدونية التي احتلت سورية الشمالية عام 969، وطردت منها عام 1072م. وأسفرت الحفريات عن اكتشاف سور دفاعي حصين يحيط بالمدينة من جميع الجوانب عدا الجانب الغربي، حيث كان النهر حاجزاً طبيعياً، وأقيمت الأبراج الدفاعية على طول السور. تلتصق داخل السور البيوت والمنشآت العامة مثل الكنيسة، ومشاغل الحدادة والنجارة والحياكة، ومدت تحتها أقنية الصرف الصحي. ومن الواضح أن حريقاً شاملاً وهائلاً قد أتى على هذه المدينة ودمر مبانيها.
ثم الطبقة الثالثة التي بنيت المدينة البيزنطية فوقها مع تعديلات طفيفة، حيث كانت المباني متهدمة. ولكن اللقى الأثرية الفخارية والمعدنية تشير إلى حقبة الدورين الأموي والعباسي، في الحقبة من 640 إلى 969 ميلادية.
ثم الطبقة الرابعة ولم يعثر فيها إلا على بقايا معمارية غير متجانسة ومبعثرة، ويختلف أسلوب البناء عن أسلوب بناء الطبقات الأحدث والأعلى، ووجدت طبقة ردمية تفصل بين هذه الطبقة والطبقة الثالثة سماكتها متر واحد. مما يدل على هجر الموقع طيلة العصر الروماني. وقُدِّر تأريخ هذه الطبقة بين 330 إلى 64 ق.م.
ثم الطبقة الخامسة وعثر على بقاياها من جدران وأرضيات طينية وأعمدة خشبية، فوق أطلال المعبد، والفخار فيها مستورد من اليونان أو محلي الصنع، وتمثل اللقى دمى خيالة ولوحات لنساء عاريات. وقدر تأريخ هذه الطبقة بين 530 إلى 330 قبل الميلاد.
أما الطبقة السادسة فقد عثر على بقاياها حول المعبد وهي بقايا معمارية قليلة تعرضت للدمار، وكسر فخارية ودمى طينية للمرأة العارية، وكسر فخارية يونانية ذات زخارف هندسية، وختم اسطواني من الطراز الآشوري. وكل هذا يساعد على تأريخ هذه الطبقة من 740 إلى 530 ق.م.
يعتبر المعبد أهم أثر في التل، ورغم تهدمه لا يزال يزهو بمنحوتاته، التي تدل على روعته وإتقان بنائه. شُيِّد المعبد على مرتفع من الأرض، فوق الطرف الشمالي الغربي للمدينة الفوقانية وتم ذلك في العام 1200 ق.م، وتم تجديده عام 950 ق.م، ثم دُمّر عام 740 ق.م. يتألف مخططه الأساسي من حفرة أساسات، دكت وأقيمت فوقها مصطبة مستطيلة الشكل أبعادها 32 × 38 متر وهي نفس أبعاد المعبد الذي يتجه نحو الجنوب الشرقي. تمتد أمام المعبد باحة مبلطة بالحجارة الكلسية البيضاء والبازلتية السوداء المنحوتة والمجلية جيداً وفيها بئر مع حوض للوضوء قبالة الزاوية الشمالية للمعبد، وتم تزيين واجهة المعبد بالأسود الرابضة المنحوتة من الحجر البازلتي. وهناك درج ضخم عريض ارتفاعه 0.70 متر بين الباحة ومدخل المعبد، ودرجاته مزينة بالضفائر. يتألف المدخل من ممر عميق على جانبيه شرفتان وهناك عمودان لحمل الساكف، وفيه عتبتان متتاليتان نقشت في الأولى صورة قدمين وفي الثانية صورة القدم اليسرى لإنسان عملاق، بحجم أكبر من الحجم الطبيعي، وبجانب العتبتين أسدان من الحجر البازلتي، ويلي المدخل قاعة مستطيلة زينت جدرانها من الداخل بالمنحوتات والضفائر وصور رب الجبل. وتنخفض أرضية القاعة عن أرضية الحرم التي ترتبط بها بواسطة درج. وتؤدي هذه القاعة إلى المصلى بوساطة مدخل عميق فيه عتبة، وطبعت فيها أيضاً صورة القدم اليمنى لإنسان مساوية لأقدام العتبات الأخرى، وعلى جانبيها أسدان كبيران يزينان المدخل، بينما تزين أسود رابضة واجهة الحرم. يأخذ الحرم أو المصلى شكلاً مربعاً، وفي صدره منصة مكسوة بأشكال مزدوجة لأبي الهول وأسود بارتفاع نصف متر فوق أرضية المصلى المرصوفة، وقد انتصبت فوقها تماثيل الأرباب وخصوصاً رب الجبل، ويطوف العبّاد حوله وحول القاعة الأمامية عبر رواق تزينه أشكال نباتية وحيوانية وإنسانية، وهذا الرواق يمثل مرحلة التجديد ويرتفع فوق الأرضية المجاورة للمعبد.
معبد عين دارا
كرس المعبد لعبادة الربة عشتار، ورب الطقس هدد، وذلك استناداً للمعطيات المادية التي عثرنا عليها في المعبد، ولم نعثر على وثائق كتابية بهذا الخصوص.
يعتبر السبع وأبي الهول من رموز الربة عشتار، التي عثرنا على صورتها منقوشة في لوحة بازلتية، ارتفاعها (0.96م)، عرضها (0.68م)، سماكتها (0.50م)، وجدت اللوحة بين أنقاض الجدار الفاصل بين القاعة الأمامية والمصلى، إلى يسار المدخل، مما يوحي بأنها كانت في المصلى، وهي مشوهة قليلاً، وقد مثلت الربة واقفة، ماشية، ملتفتة نحو اليسار. ترتفع فوق كتفها الأيسر حزمة من السهام، أو أرياش الجناح. تمسك في يدها اليسرى سارية، وتثني اليد اليمنى على صدرها. ترتدي قميصاً ينحسر عن ساقها الأيسر، ويستر الأيمن، وهو مزوق بصفوف من الدوائر والمثلثات. تلبس فوقه رداءً آخر (وتحمل جعبة سهام).
هذه هي الدلائل، التي تشير إلى أن الربة عشتار كانت معبودة أصحاب هذا المعبد. وبما أننا عثرنا على لوحات كانت تزين الأطراف الخارجية للرواق، ونقش فيها الثور، رمز غله الطقس هدد، فإننا نرجح أن هدد كان له مكان في هذا المعبد أيضاً.
مثلما كان مكان لرب الجبل الذي نقشت صورته في نعلة المحراب بين الإنسان الثور والجن. وبما أن عشتار كانت هي سيدة الجبال أيضاً، فقد كان رب الجبل من أتباعها. ولا نستغرب وجود صورته في المعبد، فكل النقوش فيه كانت بمثابة النقش النص، الذي يدل على هوية المعبد.
وحتى تتوضح صورة الدمار والخراب اللذين لحقا بالمعبد، وحتى يكون الزائر فكرة أوضح عن أهمية منحوتات المعبد، ندعوه لزيارة القاعة الكبيرة في بيت البعثة ليرى كسر المنحوتات وخاصة رؤوس أبي الهول، التي هي صور لرؤوس نساء ورؤوس الأسود وغيرها.
باحة المعبد
كانت تمتد أمام المعبد كالبساط الملون، ولم يبق منها سوى بلاطات معدودات كلسية وبازلتية، تشهد على روعتها وحسن زركشتها.
كان على المتعبد، قبل عبورها، الاغتسال في حوض كلسي كبير أبعاده (3.50×2.00م)، وارتفاعه 0.70م. كانت تأتيه المياه من بئر ماء عميقة ارتوازية تجاوره ويتوضعان قبالة الزاوية الشرقية للمعبد، ويحتلان، على ما نظن، الزاوية الشرقية للباحة، التي لا نعرف أبعادها. .
يرجح أنها لم تكن مفتوحة، بل كانت محاطة بسور للحفاظ على قدسيتها، وتحديد هويتها، كساحة معبدة، وليست ساحة عامة للمدينة.
وهي بدقة تنفيذها، واختيار ألوان بلاطاتها المتناسقة، وحسن ترتيبها، تبدو منسجمة مع واجهة المعبد الرائعة.
مدخل المعبد
يتقدمه درج بديع، يتألف من ثلاث درجات، تبرز وظيفتها المعمارية بإزالة فرق الارتفاع بين المدخل والساحة، وتظهر أهميتها الجمالية بنقوشها البديعة، التي تجعلها لا تقل جمالاً وروعة عن طرفي الواجهة الرئيسية.
تزين قوائم الدرجات المتبقية أشكال تشبه الضفائر، بينما تركت دعساتها ملساء. وهي تؤدي إلى الرواق وعتبتي المدخل، ذي المنسوب المختلف. تزين العتبة الأولى، وأبعادها (3.78م×2.20×0.40م) صورة قدمين بشريتين، والثانية صورة القدم اليسرى أبعادها. (0.97×0.35م). ولاشك، أن هذه الظاهرة الفريدة من نوعها، تثير العديد من التساؤلات، التي تخص الغاية أو الهدف من وجودها، ولا تتوفر لدينا قرائن نعرف في ضوئها السبب في نقشها على عتبتي مدخل المعبد. كما لا تتوفر نصوص أدبية تخص الموضوع. والحال هذه سنسمح لخيالنا في طرح بعض الأفكار حول الغاية منها. فأول ما يتبادر إلى ذهننا، هو أن هذه الأقدام الكبيرة بمقاييسها غير البشرية، قد ترمز إلى دخول الرب إلى المعبد، ووجوده فيه أو تحدد كيفية الدخول إلى المعبد. فعلى الداخل أن يقف على العتبة الأولى، ليردد بعض الأدعية، والتراتيل الدينية. ثم يخطو بالقدم اليسى فيدخل المصلى بالقدم اليمنى.
يفصل الدرج الرواق إلى قسمين جانبيين، في كل قسم قاعدة بازلتية بيضوية الشكل. غرست في أرضية الرواق المبلطة بالبلاطات الكلسية الجيدة، وكانت وظيفتها دعم العمود الخشبي الذي يحمل الساكف الخشبي.
يشكل سبعان بازلتيان جانبي الرواق، بينما تشكل ثمانية سباع، أربعة على كل جانب، صدره: اثنان منهم يجانبان العتبة الثانية، ويتراجعان قليلاً إلى الوراء عن أصنائهم.
هذا فيما يخص المدخل، أما الواجهة الرئيسية، فجزآها متناظران، فكأن الواحد خيال للآخر. والناظر إليها الآن، يشاهد لوحتي أبي الهول على يمين ويسار الدرج، ثم سبعين متقابلين، يلتفتان نحو اليمين واليسار، ولوحتي أبي الهول على يمين ويسار مدخل الرواق، قرب الزاوية الجنوبية، وسبع في الزاوية الجنوبية.
هذا هو الترتيب الأساسي للوحات، كما نشاهده في الجناح الأيسر الواجهة. وفي وقت متأخر أضيفت إليها لوحة سبع سدت مدخل الرواق الواقع في الزاوية الجنوبية.
تبرز هذه اللوحات بمقدار (0.24م)، أمام جدار الواجهة، لأنها تكسو المصطبة. أما الجدار فوقها فيتكون من صف من السباع الرابضة، عددها عشرة، خمسة على كل جانب. وهي تشكل إطاراً زخرفياً رائعاً للمدخل. يضاف إليها أربعة سباع رابضة، تكون مدخل الرواق الأيسر، ثلاثة على يساره، وواحد على يمينه، ونفترض وجود مثيلاتها في المدخل الأيمن للرواق المتهدم الآن.
يبلغ ارتفاع صف السباع الرابضة المترين، وكانت تحمل الجدار اللبني، الذي كان ينتصب فوقها بارتفاع مماثل أيضاً. وتربط بينها عصابات خشبية، كما تبين من الكتلة المحترقة والمتوضعة أمام الواجهة، إلى يسار المدخل. ولا نستبعد أن هذا الجزء من الجدار كانت تزينه صف من الوردات البديعة، ذات اللون الأزرق، عثرنا على بقاياها متناثرة أمام الواجهة. وهي قطع حجار كلسية مربعة الشكل تقريباً، ملساء أو مجوفة، لتثبيت الوردات فيها.
الأروقة في المعبد
في وقت ما، وبعد بناء المعبد، أقيم رواق طواف على جانبي المعبد وخلفه، وهو الآن متهدم. وخاصة جناحه الشرقي، الذي لم يبق منه سوى أساساته. إن ما تبقى من الرواق يدل عليه، وعلى أهميته، ووظيفته المعمارية، وحتى يكون الرواق على سوية المعبد، جعلت أرضيته بسوية أرضية المصلى، وليست على سوية أرضية القاعة الأمامية، التي هي أخفض من أرضية المصلى، بينما كان عرضه على الطرف الشمالي (4.70م) أقل من عرضه على الجانبين (5.40م)، ونتج عن ذلك أن أصبح عرضه في الخلف (1.50م) ضوء وعلى الجانبين (2.23م) ضوء.
ويتضح من هذا كله، أن الرواق قد أضيف إلى المعبد بعد تشييده على الطرف الشمالي للمدينة الفوقانية، مما لم يعد يسمح بأن يكون عرض الرواق في الخلف مساو لعرضه على الجانبين. فالمكان ضيق، والمسافة بين المعبد وطرف التل لم تكن كافية لجعل عرض الرواق واحداً في جميع جهته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مدخلي الرواق في الواجهة الرئيسة، على طرفي المدخل، قد برزا بضع سنتمترات أمام الواجهة، ومرد ذلك، إلى أن الرواق لم يكن موجوداً في مخطط المعبد كما أسلفنا. ومع ذلك، يبدو الرواق للزائر وكأنه جزء من البناء، لم يلحق به. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على مهارة البنائين، الذين شيدوه بدقة وإتقان متميزين، وجعلوه منسجماً معمارياً وزخرفياً مع المعبد.
كسيت واجهاته الخارجية بنعلة بازلتية ارتفاعها 40سم، وتتألف من كتل صغيرة مكعبية الشكل تقريباً منحوتة ومصقولة، تراصت بجانب بعضها على نحو يثير الدهشة والإعجاب.
نصبت فوق هذه النعلة، وعلى الواجهات الثلاث الخارجية للمصطبة، التي امتد فوقها الرواق، لوحات بازلتية بارتفاع (1.30م)، نقشت فيها أشكال سباع وأبي الهول. وقد صنعت اللوحات بحيث يتقابل كل شكلين من الأشكال المرسومة فيها، ويلتفتان نحو اليمين واليسار، فتبرر الرؤوس، وتشكل سلسلة زخرفية بديعة متنوعة، تضفي على الواجهة مسحة جمالية قوية تلفت الأنظار، وتجعل الزائر يتأملها بدقة وإمعان، قبل الدخول إلى المعبد.
يُتقد أنه كان للرواق مدخلان: واحد في أقصى اليمين قرب الزاوية الشرقية، وآخر في أقصى اليسار، قرب الزاوية الجنوبية للمعبد، لم يبق منهما إلا المدخل الأيسر، الذي كان الناس يصعدون إليه بوساطة درج سد فيما بعد لسبب نجهله، وقد يكون له علاقة بمجريات الطقوس الدينية.
كان بجانب الدرج لوحتان نقش فيهما شكل أبي الهول على غرار ما هو قائم على جانبي المدخل الرئيس. وحينما سد الدرج، وضعت لوحة سبع بينهما، تتميز عن جميع اللوحات بصغر حجمها، أما السبع المنقوش فيها، فهو مماثل للسباع المنقوشة في اللوحات الأخرى، وإن كان يختلف عنها بالمقاييس.
تتألف عتبة المدخل من عدة بلاطات صنعت ونحتت من الحجر الكلسي. تنتصب ثلاثة سباع ضخمة إلى يسارها، وواحد إلى يمينها، وهي الآن مشونة، ورؤوسها مفقودة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرؤوس التي عثرنا عليها في الردميات أمامها، كانت رؤوس سباع، ورؤوس بشرية، لافترضنا أن بعض السباع كانت لها رؤوس بشرية، وهذا يتلاءم مع الأشكال المنقوشة في اللوحات تحتها، التي كانت رؤوسها بشرية، أو رؤوس سباع.
إن وجود زعرورين خلف السباع، إلى يمين ويسار العتبة، لهو دليل على أن هذا المدخل، الذي يبلغ عرضه 1.64م، وعمقه 1.34م، كان يغلق ويفتح بباب ذي مصراعين. وبعد أن نعبره نسير في الجناح الأيسر للرواق، الذي اصطفت على جانبيه قواعد التماثيل المتناظرة، والبارزة إلى الأمام، حوالي متراً واحداً وهي خمس قواعد على كل طرف، تبتعد الواحدة عن الأخرى مقدار 3.70م، وهي مبنية بحجارة كلسية قاسية، نحتت نحتاً جيداً، حتى تلتصق ببعضها، وتحمل الأنصاب التي لم يبق منها سوى كسر، اثنتان منها على اليمين، الأولى عليها ساقا رجل وقوائم ثور، والثانية عليها أقدام إنسان. وهي بلا شك بقايا صور لمقدمي الضحايا.
كانت الأنصاب على الطرف الأيمن داخلة جزئياً في جدار المعبد، وهي أقل ارتفاعاً منه، وتحمل هي وأنصاب الطرف الأيسر، سقف الرواق الذي كان بلا شك منخفضاً عن سقف المعبد. كانت بلاطات جيرية مرققة ومصقولة، منتصبة بين أنصاب الطرف الأيمن، أما بين أنصاب الطرف الأيسر، فقد امتدت على ما يبدو لوحات بازلتية على وجهها الداخلي أشكال منقوشة كالثور مثلاً، وعلى وجهها الخارجي نقشت أشكال النافذة الوهمية، كما في داخل المعبد. ونشاهد بقايا هذه الأشياء متوضعة على الطرف الخارجي للرواق.
وإذا انتقلنا إلى الرواق الصدراني، الذي يلاصق واجهة المعبد الخلفية، نرى الشيء عينه. خمسة أنصاب إلى اليمين، ومثلها إلى اليسار، لم يبق منها سوى نصبين إلى اليمين، تربط بينهما بلاطات جيرية مرققة ومنحوتة، وقد نقش في النصب الأول صورة ملك جالس بقيت منه الأطراف السفلية. وهو يجلس على كرسي، قوائمه على شكل قوائم سبع. أما في الثاني، فقد نقشت صورة شجرة نخيل، وهي وإن كانت مشوهة، مثل صورة الملك، فإنهما يدلان على ذوق فني رفيع. لقد تهدمت الزاويتان الغربية والشمالية من هذا الرواق، وتهدم الجناح الأيمن، الذي يلاصق الواجهة الشمالية الشرقية للمعبد، ومع ذلك، فمن الوارد أن هذا الجناح كان مشكلاً للجناحين السابقين، وقد بقي من أنصابه نصب مقلوب ومشوه وعليه شجرة نخيل، وثان مقلوب هو الآخر ومهشم، وعليه بقايا جزء من نبات. أما النصب الثالث، فلايزال في موقعه، وقد أصابه التشويه ونقشت فيه صورة إنسان كبير يرتدي ملابس حسنة.
القاعة الأمامية في المعبد
عندما نجتاز المدخل الرئيسي نصل إلى القاعة الأمامية، التي كانت تغلق بباب ذي درفتين، وإلى يمينها كان بيت الدرج، أبعادها (15.50×6م)، أرضيتها مبلطة بحجارة كلسية مشذبة، كانت تمتد فوقها طبقة طينية، كسيت جدرانها الداخلية بنعلة ولوحات، يبلغ ارتفاع النعلة (0.60م). وقد تشكلت من حجارة بازلتية منحوتة ومصقولة على شكل متوازي المستطيلات، يزين سطحها الخارجي شريطان من الأشكال، التي تشبه الضفائر.
أما اللوحات، فقد زينت بصف من صور رب الجبل يتقدم نحو نافذة وهمية.
يساوي ارتفاع هذه الكسوة ارتفاع السباع في الواجهة، ونرجح أنه كانت تنتصب فوقها جدران لبنية كجدار الواجهة تنخفض أرضيتها بمقدار (1م) عن عتبة المصلى، وبالتالي عن الجدار الفاصل بينهما، لذا أقام البناء ثلاث درجات لننتقل بوساطتها إلى المصلى.
الدرجات من الحجر البازلتي المنحوت والمصقول. تزين قوائمها الأشكال التي تشبه الضفائر. توجد بلاطتان فيهما تجويفان على جانبي الدرجة الأولى، ونظن أنهما كانتا قاعدتين لعناصر زخرفية من الخشب أو الحجر.
– – – –
المصدر: معبد عين دارا – د.علي أبو عساف
اكتشف سورية