في عام 1965 يلتقط المصور الفوتوغرافي لطيف العاني صوراً عن زيارة زوجين أمريكيين إلى أطلال مدينة طيسفون (المدائن) القديمة التي تعود إلى العصر الساساني، والتي تقع على بعد 30 كم جنوب شرق بغداد، في لوحة فنية يمكن وصفها بأنها تشبه ولاية تكساس في نهر دجلة.
كان الزوجان يقفان في ضوء الشمس الساطع وخلف ظهورهم قبة صلبة هائلة تسمى طاق كسرى يستمع الزوجان إلى رجل بدوي كبير السن وهو يجلس على الأرض، ويغني مع آلة الربابة.
لم يبذل الزوجان إلا جهدا ضئيلا أو لم يبذلا جهداً على الاطلاق لينسجما مع بيئتهم. كانت المرأة ترتدي فستاناً بسيطاً وزوج أنيق من الأحذية المصقولة، في حين كان الرجل يرتدي بدلة رسمية مع النظارات الشمسية، وربطة عنق وقد نزعا سترتيهما اتقاء الحر و العرق.
هذه واحدة من حوالي 200 صورة يضمها كتاب المصور عبد اللطيف العاني، الذي يتحدث عن ثلاثة عقود من تاريخ العراق الحديث والذي يكشف مدى التباين بين حاضر هذه البلاد وماضيها
. كانت صورة العراق وللأسف، قد هيمنت عليها دورة لا نهاية لها من الدمار وإعادة الإعمار: نظام دكتاتوري ، ثم حرب طويلة مع إيران، عمل عسكري تقوده الولايات المتحدة، ثم مجيء داعش
لكن هذا الكتاب ، يصوّر العراق بشكل مختلف كثيراً. ومن وجهة نظر ذوي الخبرة اليوم، فإن ما موجود في هذا الكتاب أصبح من خيالات الماضي
يحفل الكتاب بمجموعة من الصور التي التقطها العاني للمآذن والبلدات القديمة والفنانين والحرفيين الذين شكلوا ثقافة العراق كما أنه يصور مجموعات عرقية مختلفة، بما في ذلك الأيزيديون والأكراد والمندائيون، ويبدو العراق في الستينيات بلداً يحتضن جميع طوائفه وقومياته وأديانه وتشير صور الكتاب لمشاريع الإسكان وأنماط الحياة لدى الطبقة المتوسطة والتي تعد بمستقبل مشرق قادم. ينتهي الكتاب بصور لألمانيا والولايات المتحدة التي ألتقطها العاني في سفره. وهي مماثلة لتلك التي التقطها في العراق، ويبدو إنه وضعها كوسيلة للمقارنة.
هذا الكتاب يظهر لنا عراقاً لم يكن يعرفه الكثيرون ، ويساعدعلى فهم أفضل لسير التاريخ وتدفقاته. ويآمل كل من يطالعه في أن يتمكن شعب العراق اليوم يوماً من استعادة الشعور بالتفاؤل الموجود في هذا الكتاب.
يقول المصور عبد اللطيف العاني للمؤرخة العراقية تمارا شلبي في مقابلة وردت في الكتاب “إن الخوف الذي نعيشه اليوم. بدأ مع ثورة 1958. لقد تم محو الماضي و شعرت بأنه لن يكون هناك استقرار في هذا البلد
وأضاف: “جاء القادمون الجدد و فتحوا صندوق باندورا وجيئ بأناس جهلة الى الحكم، لم يكن لديهم ثقافة أو فهم للسلطة التي كانوا يمتلكونها
“كان الخوف دافعا رئيسيا لتوثيق كل شيء كما كان. لقد فعلت كل ما أستطيع لتوثيقه، لحماية ذلك الزمن “.
ولد العاني في عام 1932، اكتشف شغفه بالتصوير الفوتوغرافي في ستوديو مصور يهودي في قلب شارع بيع الكتب في بغداد،الذي يسمى شارع المتنبي.
ويتذكر المصور “علمني كيفية استخدام الكاميرا الفورية وأعطاني بعض النصائح. أخي اشترى لي الكاميرا الأولى عندما رأى مدى حبي للتصوير . وتكلف ذلك حوالي دينار ونصف دينار “،
“كان هذا في عام 1947.. صورتي الأولى كانت عن الحياة: عن النخيل والاشجار والوجوه، والناس على أسطح المنازل. ”
ويقول اليوم “لا أعتقد أنني أستطيع تصوير أي شيء اليوم. لا يوجد شيء جميل. الجمال ليس مجرد وجهة نظر. بل هو مرتبط أيضا بطريقة التعامل مع الناس في الشارع “،
“لقد عشت في العراق ، وترعرعت هناك، وأنا أحبه كثيرا”،. “لقد دُمر كل شيء جميل فيه ،أو اختفى معظمه.
المصدر / المدى نقلا عن كريستيان ساينس مونيتور