من حكايا سوريا والسوريين …
حكاية مارتا جوليا دومنا..
“جدتنا جوليا دومنا اﻹمبراطورة الحمصية اللي عبدها الرومان وحولوها لربة”
جوليا بالسرياني يعني : البهية، الجلية، الموحية، الملهمة_ دومنا : يعني السيدة صاحبة السيادة والسلطان..
بتقول الحكاية :….كان باصيانو شمسي غرام الكاهن اﻷعظم لمعبد شمس (ايلا جابال)( الرب الخالق) بمدينة حمص السورية اللي حول المعبد ﻷهم مركز من مراكز العلوم والمعرفة ((متل ما كانت كل المعابد السورية بهداك الزمن ..مراكز للعلم والحوار من أجل المعرفة..فما اتسجل بتاريخ سوريا القديم أي صراع ديني على اﻹطلاق فمتل ما اﻹنسان بالتراث السوري اجا عالوجود بفعل ارادة الخالق فهو ابن الله والناس كلن أخوة وكمان هو ابن الطبيعة ﻷنها هي الرحم و اﻷم ولازم تكون علاقته مع المحيط متل علاقة الطفل بأمه علاقة حب ووئام مو تناقض وانفصام وزادت هالتربية اﻹنسانية العظيمة بترسيخ اﻹيمان وروح قبول اﻵخر بنفوس السوريين فكانت عقيدة التوحيد موجودة جانب عقيدة الخصب العشتاريةفاﻹنسان والنبات والحيوان خاضعين لنظام اﻷم اﻷرض وقوانين الطبيعة وهالشي خللا السوريين يحترموا كل العقائد بكل طقوسها ورموزها فمتل ما الحياة فيها كل شيء اﻷسود واﻷبيض .السالب والموجب. الفرح والحزن.اﻷلم واللذة فكل شيء بيعبر عنها هو جزء منها والو نفس اﻹحترام والقداسة والمعيار الوحيد هو العدل واﻹعتدال)).. وهالمعبد انشهر بكل البلاد والمدن وصاروا الحجاج يزوروه من كل مكان..وكان باصيانو شمسي غرام عندو بنتين جوليا دومنا وجوليا ماسيا..اتوفرلهن كل أسباب الثقافة واﻹزدهار الفكري فأمنلهم أهم المعلمين واﻷساتذة فجاب المعلم أنتيباطر من منبج وهو من الفلاسفة الرواقيين فدرسهن التاريخ والمنطق والفلسفة والبلاغة..وبابنيان الحمصي الحقوقي اﻷول اﻷستاذ الشهير بمعهد بيروت للحقوق وهو ابن عمها لجوليا (منحكي عنو بعدين) وكبير اﻷطباء السوريين جالينوس ..وأهم أستاذ كان الكاتب السوري الشهير لقيان السميساطي…
باﻹضافة لتعلمهن فنون وألعاب الفروسية وسباق الخيل.. وكان اختلاطن بالجماهير والعامة الو أثر بتعلمن ثقافة متعددة الجوانب..وكان منزل باصيانو وعمله بالمعبد ملتقى لكل اﻷوساط السياسية والتجارية والدينية وهالشي أتاح لبناتو فرصة حضور الحوارات والمشاركة بالنقاشات على كافة اﻷصعدة..فكانو نشيطات بالشؤون السياسية والدينية واﻹجتماعية وعاشوا بالفترة اللي سبقت اعتراف اﻹمبراطورية الرومانية بالمسيحية بحوالي المية سنة…
وكان حلمهن انو يقضوا عالفروق الدينية باﻹمبراطورية الرومانيةعن طريق السعي لجعل جميع أفرادها يعتنقوا نوع من التوحيد مؤسس على بعض اﻷفكار اللي كانت بمعبد ايلا جابال وكان هدفن احلال التناسق والتناغم بين كل المذاهب.وكانوا بيتصفوا بسعة اﻷفق والثقافة العالية المستوى وبالذكاء الحاد والجمال اﻵخاذ (متل كل بنات مدينتي حمص) ..
ومن هالبيت وهالمعبد طلعوا اﻷميرات السوريات اﻷربعة اللي حكموا روما وأهمن جوليا دومنا (أم اﻹمبراطور كركلا ..منحكي عنو بعدين…وأخوه جيتا ) وجوليا ماسيا ( أم جوليا سهيما وجوليا ماميا )..وهاﻷسرة حكمت روما ﻷجيال..بهالفترة كان سبتيموس سفيروس قائد الحامية العسكرية الرومانية اللي بحمص وكان مع خيرة رجالات سوريا بهداك الزمن يعقدوا اجتماعاتن ببيت الكاهن اﻷعظم باصيانو ..ومرة أثناء مشاركته بأحد احتفالات أعياد الربيع اللي كانت تصير بمعبد شمس.التقى بالصبية الجميلة جوليا بنت الكاهن اﻷعظم وافتتن بجمالها وعشقها بجنون..وبعد فترة اجا وطلب ايدها واتفاجأ الكل بموافقتها بسرعة ﻷنو أكبر منها بالسن..وتزوجوا وسافروا لمنطقة بانونيا الحدودية القريبة لروما…
وبيوم من اﻷيام اضطربت روما وفوجئت باغتيال اﻹمبراطور فرتيناكس (اللي حكم 87 يوم )بسبب تمرد الحرس البريتوري (الصف اﻷول بالجيش الروماني وحامي اﻹمبراطور ) وقطعوا رأسه ونقلوه على الرمح إلى المعسكر وحزن الشعب ومجلس الشيوخ وأعلن قادة الحرس انو رح يحطوا التاج على راس الروماني اللي بيمنحهم أكبر عطاء وبلشوا أثرياء روما السباق بالعطاء من أجل التاج وربح ديديوس فنصبوه امبراطور تحت غضب وسخط الشعب اللي طلبوا من الفيالق الرومانية المعسكرة ببريطانيا وسوريا وبانونيا انو يزحفوا عا روما ويخلعوا ديديوس….طبعا سبتيموس كان قائد أقوى الفرق بالجيش اﻹمبراطوري وهي اﻷقرب لروما..وكان نجاريو قائد أنطاكيا..وألبينو قائد بسوريا..والتنافس انحصر بين هالتلاتة على عرش اﻹمبراطورية الرومانية وكانوا متساويين بكلشي ماعدا وجود جوليا دومنا زوجة سبتيمو صاحبة الجاه والقدر والمكانة خريجة ثقافة معبد ايلا جابال مع امكانياتها وطموحها بالوصول للعرش واللي تنبألها الفلكيين بأنها رح تصير ملكة و أبوها قال عنها : ( ان جوليا لن تقنع يوما بأن تتخذ لها مقعدا بين المتفرجين )..المهم لاحظت جوليا التردد والقلق عند زوجها سبتيمو فقالتلو : شو ناطر .اتحرك فورا..العرش عم ينتظرك بروما..بعرف انك مو قادر تاخد قرار قبل ماتعرف نوايا ألبينو ونجاريو…اوصفلي ألبينو وسألتو اذا كان عندو طمع بالعرش..فوصفوا واكدلها انو مو طمعان بالعرش..وابتسمت جوليا وسألت عن نجاريو ..فوصفو بأجمل اﻷوصاف اللي بتأهلو انو يكون امبراطور وقالت جوليا رائع واندهش سبتيمو انو شو الرائع؟ فقالت : الرائع بأنو حسب وصفك لنجاريو انو هو بطيء بكل شيء بالحركة وباتخاذ القرار وبردة الفعل ..ولازم تستغل هالشي وتنطلق بأقصى سرعة لروما وتكتب ﻷلبينو بأنك اخترتوا ليكون ولي العهد لتضمن ولاؤه..ومن هالحوار اللي دار بين جوليا وسبتيمو واللي التقطت فيه جوليا بذكائها الوقاد صفة البطء عند نجاريو وغيرت حياتو لسبتيمو وحولتو ﻹمبراطور ومشيت بأول خطوة لتصير امبراطورة وتتحول بعدها لمارتا (الربة) اللي عبدها الشعب الروماني…ودخلت جوليا روما وكانت مساعدة لسبتيمو بادارة شؤون البلاد وبالحكم وشاركتو بحروبه وبتطوير اﻹمبراطورية فساهمت ببنائها (بناء المسارح والمعابد والقصور والحمامات وأقواس النصر وانشاء الطرق والمرافق العامة وقامت بترميم وتوسيع معبد حدد ببعلبك)..أما اجتماعيا :فقبضت على كل مين ساهم باضطهاد اﻷبرياء والقائهم كطعام للوحوش بأقفاصها وأصدرت أوامر باعدامهم واعدام الوحوش وبعتت الرجال ﻷفريقيا وآسيا لجلب وحوش مدربة مع مدربينها وحولت أقفاص الوحوش إلى كيركو (سيركو) لتسلية اﻷطفال ( كان أول ظهور للسيرك بأوروبا) وحتى تبث روح الشعور باﻷمان والطمأنينة للمسيحيين جابت مرضعة ومربية مسيحية ﻷبناءها وافتتحت مدارس بروما لتعليم الفتيات على حسابها وكمان نقلت جو الثقافة والعلم والمعرفة (اللي عاشته بمنزل أبوها ومعبد الشمس اللي كان مزحوم بالنقاشات والحوارات الفكرية والسياسية والحقوقية والدينية ) للشعب الروماني فأحضرت أختها جوليا ماسيا وابن عمها الحقوقي بابنيان ومساعده البيروتي ألبيان ومعلمها أنتيباطر والطبيب جالينوس والمؤرخين ديوجين وديوكاسيو والكاتب إليان والشاعر أبوليوس القرطاجي والكاتب لقيان السميساطي وغيرن من اﻷدباء والعلماء والفلاسفة وكانت تشرف شخصيا على الحوارات والنقاشات وإدارة وتنظيم المجالس..واهتمت كمان بالشؤون السياسية والشؤون اﻹدارية ووضعت مع ابن عمها بابنيان الحقوقي دستور وقوانين لﻹمبراطورية الرومانية وكلفته بوضع أول تشريع لروما أدخل فيه 595 فقرة قانونية… شكلت مجلس استشاري و برلمان لمساعدة اﻹمبراطور ..ووفرت جوليا مع زوجها سبتيمو اﻷمن والهدوء على حدود اﻹمبراطورية لحتى رجعت الحياة اﻹجتماعية والتجارية لﻹزدهار..وصارت هي امبراطورة روما بعد وفاة سبتيمو…والحكي عن جوليا دومنا جدتنا طويل كتير ما بيكفي صفحة او تنتين لنوفيها حقها …بس حبيت حركشكن شوي لتتعرفوا عا وحدة من النساء السوريات الحاكمات صاحبات الفكر والمعرفة اللي تركوا أثر بالحضارة اﻹنسانية…
اتخيل يا سوري انو السوريين والسوريات كل عمرهن والتاريخ بيأكد..انن بينظموا المجتمعات وبيصنعوا برلمانات وأنظمة حكم وبيحطوا دساتير وقوانين لﻹمبراطوريات العظيمة… ونحنا هﻷ جاي مين يحطلنا دستور و قوانين!!!!!!
لو بس منقرأ تاريخنا وتراثنا العظيم ومنآمن فيه ومنستفيد منو لتعلمنا من جدتنا جوليا دومنا والعظيم الحقوقي بابنيان..كيف بتنحط الدساتير والقوانين وكيف بتصير البرلمانات وكيف بندير شؤونا بأنفسنا دون تدخل الغريب فينا لتحيا سوريتنا بالصدارة…وتحيا سوريا….