كغيره من الفنون البصرية يعكس فن التصوير الفوتوغرافي ابداع المصور الفنان وهو يؤطر بحسه الفني كادر الصورة المؤرخة للذاكرة ، والمثبتة لبعد اللحظة على مشهد الجمال الساكن في ايحاء الشكل وعمق المضمون .
ففي الصورة الفوتوغرافية يبسط براح الضوء فضائه لتعبير الإبداع فيتكشف لحظة التقاطها أحساس الفنان بسحر المرائي المنثور في تفاصيلها الآسرة لبصر المتذوق .
وكما أن لفن التصوير الفوتوغرافي في بلادنا حكاية تطوره التي نستقرئ في حوارنا هذا أهم فصولها وأبرز محطاتها ؛ فللفنان الفوتوغرافي ( أحمد مختار الترهوني ) حكاية ابداعه مُذ تجلت موهبته الفنية في الصورة الفوتوغرافية ” أوقفوا الحرب ” إلى عروض ابتكاره الضوئي ” معزوفات ضوئية ” وهي تنير بشعاعها دروب نجاحه إلى الجوائز والقلائد والشهائد المحلية والعربية والعالمية ، وتضيء بلقطاته المتفردة للوطن والجمال والبيئة .. أرجاء المشهد الفوتوغرافي الليبي ..
وله رؤاه لفن الصورة الفوتوغرافية ؛ مفهوما .. وتاريخا .. وتطورا .. ، وله كذلك تصوره في نشر ثقافة الصورة والارتقاء بذوق جمهورها إلى حس الفنان ودرجة ابداعه .. ؛ فهي في نظره مولودا تشكيليا بأدوات مختلفة ، وفناً يستلزم عزم هواته على تطوير ذواتهم ، ونوعاً فارقاً يميز المصور الفنان عن المصور المبتدئ .. عبر كل هذا نستطلع بعيون الفنان فضاء فن الصورة الفوتوغرافية ، ونعاين بعدسة المحترف حضورها الفني ضمن المشهد الثقافي المحلي والعربي والعالمي الذي لطالما كان ضيف حوارنا سفيرا للصورة الليبية إليه في العديد من المسابقات والمعارض ..
الأيام : قبل أن نتحدث عن بواكير علاقتك بفن التصوير الفوتوغرافي نود في البداية تعريف القارئ على جوانب من سيرتك الذاتية ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : أسمي أحمد مختار الترهوني ، وأنا من مواليد العام 1956 م ، ولدت ونشأت في مدينة طرابلس وتحديداً في شارع بلخير ، درست الثانوية العامة في مدرسة علي وريث القديمة ، وتحصلت على بكالوريس هندسة ميكانيكية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1982 م من جامعة دايتون ، وأعمل حاليا كمراقب للإعلام والعلاقات العامة مع شركة مليتة للنفط والغاز ، كما عملت سابقا مع شركة الزويتينة للنفط ، وفيما بعد وبدافع تعلقي بهواية التصوير أكملت دراستي العليا وتحصلت على ماجستير في مجال الفنون البصرية تخصص تصوير فوتوغرافي من جامعة بلغراد ، أما عن حالتي الاجتماعية فأنا –ولله الحمد- أب لستة أبناء ، وجد لطفلين – ولد وبنت – …
الأيام : رحلتك مع الصورة الفوتغرافية متى بدأت ؟ وكيف تطورت ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الواقع وللأمانة ليس لدي تاريخا معينا يحدد بداية ميولي لفن التصوير ؛ ففي البداية كنت أرسم ولا أدعي بأني كنت رساما كبيراورسوماتي كانت جميلة ولكن ليس للدرجة التي تدفعني لإقامة معرض أو الاشتراك بها في المسابقات ؛ فرسوماتي كانت تعجب المحيطين بي كما أنها لم تكن نقلية او واقعيةفقد كانت اقرب للتجريد ، أما ما اعده نقطة البدايةلانطلاقتي في مجال التصوير ؛ فيتمثل في تاريخ اشتراكيوفوزي في المسابقة التي اقامتها مجلة عربية عراقية اسمها ” كل العرب ” في العام 1985 م ، وقد كانت هذه المجلة توزع في ليبيا فضلا عن كونها تحظى في ذلك الحين بانتشار على مستوى الوطن العربي ، وقد نظمت هذه المسابقة في حينها للهواة والمحترفين .. ، وقد كان من شروط المسابقة أن تكون الصورة ذات دلالة ومضمون ، وقد شجعتني على الاشتراك فيها أختي ” عائشة ” ، وهي حاليا دبلوماسية بالسفارة الليبية في اليونان ، وأذكر أنني قلت لها عندما أصرت على مشاركتي بأنه ليس لدي فكرة محددة للصورة ؛ فبادرت هي بتقديم فكرة الصورة وقمتبدوري بتنفيذها ، وكان دافع اصرار أختي على مشاركتيهو معرفتها المسبقة بإمكانياتي وموهبتي في التصوير ،وثقتها في قدرتي على الفوز في المسابقة ، علاوة علىادراكها بأن اشتراك الموهوب في المسابقة وتقديم ابداعه للجمهور هو الخطوة الأولى لانتشاره ؛ ولهذا فأنا دائم النصح للموهوبين بضرورة الاشتراك في المسابقات كونها تمثل بداية الطريق للتطوير والصقل من خلال النقد البناء .. وقد كان اسم الصورة التي شاركت بها هو ( Stop War – أوقفوا الحرب ) ، وقد التقطت هذه الصورة لابن أخي عثمانواسمه يوسف الذي كان في ذلك الحين طفلا نحيف الجسم ، وكان يرتدي بنطلون جينز – شورت – مثبت بحزامين على الكتف وقد كان جسمه عاريا من الأعلى ، وكان يرتديحذاء والده العسكري ، وقد التقطت له الصورة على خلفية حائط قديم ومتهرئ تنمو بجواره نبتة قد يوحي ظهورها في الصورة بالبؤس والشقاء كونها تنمو في الفضاءات المهملة ، وقد بدا يوسف في الصورة شارد الذهن وهو يضع قدمه على الحائط ..
أما جمال الصورة وسبب نجاحها فيكمن في اظهارهالملامح الحزن التي ارتسمت على وجه يوسف ، وأذكر أنني قد طلبت منه مرارا أن يظهر ملامح حزينة على وجهه قبل التقاط الصورة ولكن ما أظهره من ملامح حزينة لم تكن بالوضوح والقوة المطلوبة ؛ ولذلك فقد اضطررت إلى الصراخ في وجهه ما ادى إلى ارتسام ملامح حزن حقيقي عليه ؛ وبالتالي اعطت انطباع حزين للمتلقي عن طفل يعاني الهم والحزن جراء الحروب ؛ فالصورة كانت عفوية ومقنعة ولقد تحصلت على الترتيب الثاني بالمسابقة ، وقد قمت بإرسال هذه الصورة باسم اختي عائشة وذلك لأني أرسلت ثلاثة صور مختلفة واحدة باسمي والثانية باسم اختي عائشة وهي الصورة الفائزة والصورة الثالثة باسم أخي صلاح الدين ، وقد كانت الجائزة عبارة عن زيارة لمدة اسبوعإلى باريس ، وقد ذهبت أختي عائشة وأخي صلاح الدين ولم أتمكن أنا من الذهاب وذلك لأن الجائزة كانت باسم أختي وكذلك بسبب انشغالي بعرسي في تلك الايام .. وقد قمت بعد هذه الجائزة – ولله الحمد – بالمشاركة في الكثيرمن المعارض والمسابقات وتحصلت على العديد من الترتيبات والجوائز …
كما ان مشاركاتي في الاسابيع الثقافية والسياحية الليبية التي كانت تقام في الخارج كان لها الفضل في تقديمي وإظهار ابداعي ونشره في الدول العربية والأجنبية ، وأذكر من هذه الأسابيع: الأسبوع الثقافي العربي الليبي في الرياض بالسعودية 2001 م ♦ الأسبوع السياحي الليبي فينا بالنمسا 2002 م ♦ الأسبوع الثقافي الليبي في الجزائر 2003 م ♦ الأسبوع الثقافي الليبي في تونس 2004 م ♦ أيام الفن الليبي بالنمسا 2004 م ♦ ملتقى رجال الأعمال الليبيين- الألمان فرانكفورت ألمانيا 2005 م ..
وقد كنت – بفضل الله تعالى – دائم السعي لتنمية ذاتي وتقوية مهاراتي فتحصلت على درجة الماجستير في مجال التصوير كما ذكرت، وإلى جانب ذلك فأنا دائم العمل على تطوير نفسي وتنمية ذاتي بشكل متواصل من خلال اطلاعي ومواكبتي لمستجدات هذا الفن ؛ فبفضل الله طورت نفسي بكل ما أتيح لي من وسائل، بما فيها قراءتي لكاثالوجات آلات التصوير التي كانت دائما تكتب بخط وحروف صغيرة الحجم ولا تكاد أن تقرأ ، وكذلك بإطلاعي على المجلات المتخصصة في فن التصوير والتي لم تكن موجودة في ليبيا للأسف ، وكنت أتحصل عليها عن طريق بعض الزملاء الأجانب العاملين معي بشركة الزويتينة للنفط وهم من بريطانيا ؛ ففي تلك الفترة لم يكن هناك انترنت ، ولا دورات في التصوير الفوتوغرافي ، وكانت مجلات التصوير هي مصدر المعرفة الوحيد ..
الأيام : ماذا عن المعارض التي أقمتها شخصيا أو شاركت بها محليا وعربيا ودوليا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : تحصلت على جوائز في مسابقات محلية وعربية ودولية من بينها الجائزة الثانية على مستوى الوطن العربي عام 1985م بإشراف وكالة غاما باريس ♦ الجائزة الأولى على مستوى ليبيا في المسابقة التي أقامها المركز الفني لحماية البيئة 1990م ♦ الجائزة الأولى على مستوى ليبيا في المسابقة الثقافية الكبرى عام 1992م ♦ الجائزة الأولى على مستوى ليبيا في المسابقة الفنية السياحية بإشراف الهيئة العامة للسياحة 1994 م ♦ الجائزة الذهبية على مستوى العالم مهرجان بغداد الدولي العاشر للصورة الفوتوغرافية . بغداد العراق عام 2000 م ♦الشهادة التقديرية الفخرية على مستوى العالم معرض ” وداعا للقرن العشرين في صور ” بلغراد يوغسلافيا 2001 م ♦ قلادة العمل الفني المتميز في معرض المعارض للمصورين المحترفين بلغراد يوغسلافيا 2001 م ♦ افادة الصورة الرقمية الاعلامية الراقية من الجمعية اليابانيةللمصورين المحترفين . طوكيو اليابان 2005 م ♦ الجائزة الذهبية في المهرجان الثاني للمصورين العرب هامبورغ ألمانيا 2005 م ♦ الجائزة الذهبية في المهرجان الرابع للمصورين العرب هامبورغ ألمانيا 2007 م ♦ الجائزة الذهبية في المهرجان السادس للمصورين العرب هامبورغ ألمانيا 2009 م .
أما بخصوص المعارض، فقد أقمت وشاركت في العديد من المعارض المحلية ، والعربية ، والعالمية والتي كان أبرزها : – معرض ” ليبيا في صور ” الذي اقامته الجمعية الليبية للثقافة والعلوم 1996م ♦ معرضي الشخصي الأول ” معزوفات ضوئية ” برعاية شركة استقبال وإعادة البث – شاع – بدار الفنون طرابلس 1997م ♦ المعرض الشخصي الثاني ” إليكِ ” برعاية النادي الليبي للسيارات والمكتبة القومية المركزية طرابلس 1999م ♦ مهرجان بغداد الدولي العاشر للصورة الفوتوغرافية بغداد العراق 2000 م ♦معرض “وداعا للقرن العشرين في صور للأبد ” – بلغراد يوغسلافيا 2001 م ♦ معرضي الرقمي الضوئي الأول ” حبيبتي التي تجالس البحر ” طرابلس 2002 م ♦ معرضيالرقمي الضوئي الثاني ” جماليات ليبية ” ♦ المهرجان الدولي للثقافة والفنون طرابلس 2003 م ♦ معرضيالرقمي الضوئي الثالث ” لغة الضوء ” – المعهد الثقافي الفرنسي طرابلس 2004م ♦ معرضي الضوئي الرقمي الرابع ” مرحبا بكم إلى ليبيا ” – طوكيو اليابان 2005 م ♦المهرجان الثاني لإتحاد المصورين العرب – هامبورغ ألمانيا 2005 م ♦ المهرجان الرابع لإتحاد المصورين العرب – هامبورغ ألمانيا 2007 م ♦ المهرجان السادس لإتحاد المصورين العرب – هامبورغ ألمانيا 2009 م ♦ … وإلى جانب ذلك فقد تحصلت – ولله الحمد- على العديد من الجوائز والقلائد والدروع وتم تكريمي في كثير من المحافل.
الأيام : ما هو نوع أول آلة تصوير اقتناها الفنان أحمد الترهوني ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : أول آلة تصوير اقتنيتها كانت ” مينولتا اكس 700 ” ، وقد كانت آلة ممتازة في تلك الفترة – منتصف الثمانينات – وكانت أيضا أحد أسباب نجاحي وفوزي بالترتيب الثاني في مسابقة الصورة ، وهي أول اصدار من شركة مينولتا مدعوم بــ ” البرمجيات” بالإضافة إلى ” الأوتو – الآلي المعتاد “وقد اشتريتها من أحد مراكز توزيع شركة الصحاري التي كانت تستورد هذه السلع وأذكر أن ثمنها كان مائتان وخمسون دينار تقريبا ،مع شكري للأستاذ / علي الجمل على نصيحته بإقتناء هذا النوع، وقد كانت بداياتي قبلها بالكاميرات ذات النظام الآلي مثل أي هاوي جديد مقبل على فن التصوير ..
الأيام : هل كان هناك دور لوسائل الاعلام المحلية في التعريف بأعمالك ونشرها ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : في العام 1986 م سمع الاستاذ الاعلامي الكبير المرحوم مفتاح حجازي بقصة فوزي بصورة ” أوقفوا الحرب ” ، وقد تزامن ذلك مع بداية تقديمه لبرنامج ” صباح الخير أول جماهيرية ” صحبة الاعلامية الدكتورة عائشة الحاجي ؛ فاستضافني الاستاذ مفتاح مع ابن أخي يوسف وتحدثت عن فوزي بالمسابقة ، وقد تقبل الوسط الفني والجمهور مسألة مشاركتي في المسابقة باسم أختي وعرف ان الصورة من عملي ، وفي تلك السنوات كان معد برنامج صباح الخير هو الاستاذ عبدالرزاق الشريف والذي استمر في اعداد البرنامج لسنوات طويلة ، وقد استلهم الاستاذ عبدالرزاق من اللقاء بي وحديثي عن قصة الصورة التي فزت بها وغيرها من الصور فكرة لفقرة بعنوان ( حكاية صورة ) ؛ لأقوم فيما بعد بتقديمها من خلال ذات البرنامج كل يوم جمعة ولعدة سنوات متواصلة استمرت حتى العام 2010 م .
وبالإضافة إلى الفقرة المخصصة في برنامج صباح الخير فقد توالت الاستضافات المرئية بشكل مكثف – ولله الحمد – من قبل أفاضل من الإعلاميين أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر استضافات مهمة لتقديم تطبيقات حية للكاميرا الرقمية في تصوير ضيوف أو جمهور الحلقة على الهواء مباشرة ؛ حيث كان أقوى لقاءين مع الإعلامي حسام الدين التائب في برنامجه الرائع ( لنسهر معا ) ، ومع الاعلامي المرحوم عمر السنوسي في برنامجه الرائع ( إبداع ) ، وهذا بالإضافة إلى برنامجي المرئي المعروف بـ “معزوفات ضوئية” والذي كان عبارة عن عرض صوري الفنية في 3 دقائق مصحوبا بموسيقى عالمية هادئة ، كما قدمت كذلك برنامجي الخاص عن التصوير الفوتوغرافي المعروف بـــ ( الرسم بالضوء ) صحبة المتألقة اللبنانية “باسمة عيسى ” وقد عرض هذا البرنامج في 12 حلقة بقناة “البديل” في العام 2007 م .
من جانب آخر فلفقد كان للصحف المحلية آنذاك دورها الكبير وانتشارها المحلي الواسع وقد كنت دائما – ولله الحمد – محل أنظار محرري الصفحات الفنية في هذه الصحف ؛ فكانوا دائما يقومون بتغطية نشاطاتي وتتبع أخباري الفنية سواء منها المحلية أو العربية أو الدولية ؛ فأنا أدين للكثير منهم بهذا الفضل ، وأذكر بعضهم بما تجود به الذاكرة ، وليعذرني من سقط اسمه سهوا فلم أذكره ؛ والأساتذة هم فوزي المصباحي ، نور الدين عبعوب ، سمير جرناز ، خالد القاضي ، خالد غلام ، الهادي القرقوطي ، عبد الله خويلد ،السنوسي العربي ، جمعة الرقيبي ، المرحوميوسف بالريش ..
الأيام : تفتقت موهبتك الفنية في التصوير الفوتوغرافي في سن متأخرة نسبيا ، ما هو أثر ذلك على نموها وتطورها ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : التصوير كموهبة لايرتبط بالعمر ؛ فأنا عندما فزت بالمسابقة المذكورة وظهرت موهبتي كان عمري ثلاثون سنة ، وأنا دائم الحرص وفي كل مناسبة على الاشارة إلى أن موهبة التصوير غير مرتبطةبالعمر ، فليس بالضرورة أن تتفتق موهبة انسان ما في التصوير في سن مبكرة ، وقد عشت هذا مع نفسي ومع غيري في مجال التصوير ، فإذا استهوى التصوير الفوتوغرافي شخصا ما ؛ فما عليه إلا أن يلتزم بقواعد التصوير وثق بأنه سوف يكون مصور فنان ومبدع مهما كان عمره ..
الأيام : أياً من الفنانين الفوتوغرافيين الذين سبقوك إلى هذا المجال الفني كان لهم الفضل في صقلك والدفع بك ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الحقيقة أنا لم أتلق أي دورات أو جلسات تدريبية على يد أحد من الاساتذة الذين سبقوني في هذا المجال ، ولكني تلقيت منهم كل التشجيع والدفع المعنوي وكنت أتوجه إليهم بأسئلتي عن التصوير ، وقد جمعني بهم في البداية المعرض والمسابقة الأولى المحلية التي نظمها المكتب الفني لحماية البيئة وقد كانت في العام 1990م ، وقد شارك في هذه المسابقة عدد كبير جدا من المصورين وقد كانت المكافآت مجزية جدا ومشجعة ، وتتمثل هذه المسابقة في 3 فروع ، وخصص لكل فرع 3 جوائز ، وقد كانت قيم هذه الجوائز 1000 دينار للترتيب الأول ، و 700دينار للترتيب الثاني ، و 300 دينار للترتيب الثالث .. ، وهذه مبالغ كبيرة في تلك الآونة وتساعد المصور الفائز على تطوير نفسه ، وقد عهد المكتب الفني لحماية البيئة لكبار الفنانين الليبيين في مجال التصوير بالإشراف على المسابقة وأذكر منهم الأستاذ الفنان علي العباني ، والفنان على مصطفى رمضان والأستاذ يوسف الختالي ، والأستاذ خالد الغزيوي ، والفنان المرحوم الطاهر المغربي ، والفنان المرحوم علي قانة ،.. فهؤلاء الفنانون وغيرهم، هم من نظم هذا المعرض الكبير الذي نجح بجهودهم ، وقد كانت للقيمة الفنية والمعنوية لأسمائهم الدور الأبرز في تشجيع المشاركين ، ولقد كان لهؤلاء الاساتذة فضل تشجيعي .. ولقد كان للأستاذ علي العباني دورا متميز وخاص في عملية الدفع بي وتشجيعي ؛ وذلك في مناسبتين ؛ الأولى أنه كان يطلب مني دائما أن أقيم معرضا شخصياً لصوري ، وأنا كنت مترددا في ذلك وأذكر أنني التقيت به مرة فقال لي : ” هل تعلم يا أحمد أن من يعرف موهبتك وإبداعك في ليبيا هم فقط سبعة أشخاص من المتخصصين في هذا الفن بينهم أنا ؟ ! .. ، ولكي تعرفك ليبيا فعليك أن تقيم معرضا شخصيا لصورك .. ” ، وترانيأنا الآن أكرر دائما هذه النصيحة التي سمعتها من الفنان علي العباني في تلك الفترة على كل المواهب الشابة التي التقي بها ، أما المناسبة الثانية فهي أنني عندما قررت أن أقيم معرض شخصيا فقد احتجت إلى راعي ولم استطع بنفسي أن اتكفل بنفقاته ؛ فموردي الوحيد هو مرتبي ، وقد قام الاستاذ علي العباني مشكورا بربطي بالأستاذ الصادق دهان الذي كان حينها مسئول شركة استقبال وإعادة البث المرئي ، وقد تكفل برعاية المعرض الذي اسميته “معزوفات ضوئية” وأقمته في دار الفنون عام 1997 م وقد كان معرضا ناجحا بمعنى الكلمة ولله الحمد ، وقد كان المعرض الثاني للصور الفوتوغرافية الذي يقام بدار الفنون ، أما المعرض الأول فقد أقامه الفنان عبدالحكيم مادي ، وبالإضافة إلى هؤلاء الاساتذة الأفاضل فقد كنت على تواصل بالهاتف مع الفنان المرحوم فتحي العريبي الذي تشرفت بزيارته لي في طرابلس وزرته في بنغازي.
الأيام : الفن الفوتوغرافي في ليبيا . ماذا عنه ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : اعتقد أن جمهور فن التصوير الفوتوغرافي يزيد وينقص تبعا للظروف السياسية والاجتماعية ؛ فلو هناك استقرار ستكون هناك مسابقات ومعارض ؛ فالمسابقات والمعارض الآن قليلة ، وقد تكون معدومة وليست هناك امكانية للعرض .. ولكن الليبيين يتذوقون فن التصوير ويحبونه فالفن الفوتوغرافي ينتشر والفنانون الفوتوغرافيين في تزايد مع الاجيال ، وكما تعلم لو انتشر الفن في المجتمع سيرتقى به إلى حسن التعامل والأجواء الإيجابية وتجد أن من لا يهوى الفن قد يعاني من بعض العقد والمشاكل النفسية .
الأيام : ما مدى أهمية نشر ثقافة الصورة بين الناس ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : اعتقد أن الدور الذي قد يضاهي اهمية صور أحمد الترهوني ونتاجه الفني عموما هو نشر ثقافة الصورة وتبيان أهميتها للناس وتشجيع الهواة .. ؛ فالفقرة التلفزيونية التي كنت أقدمها عن التصوير الفوتوغرافي أقوى في رأيي من صور أحمد الترهوني الفائزة دوليا ، ومسؤولية الفنان الفوتوغرافي هي رفع مستوى التصوير في ليبيا .. ، وهذه هي رسالتي بالدرجة الأولى ودليلي على ذلك هو أن غزارة انتاجي الفني مؤخرا انخفضت مقارنة بالسابق ؛ وذلك بسبب أن شغلي الشاغل اليوم هو التدريب ، ولهذا فحتى بعد أن توقفت الفقرة التلفزيونية لسبب أو لأخر ، فأنا مستمر في التدريب من خلال الفيسبوك ، وتقديم دورات عن التصوير الفوتوغرافي ، ومن خلال لقاءات (أحني والكاميرا) المتعددة.ومستمر كذلك في نشر الوعي بأن التصوير رسالة وليس مجرد صورة يتم تعليقها .
الأيام : ما هي أكثر المشاهد استدعاء لكاميرا أحمد الترهوني ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الفقرة التلفزيونية التي كنت أقدمها في شهر رمضان ضمن برامج مائدة الافطار باسم ( معزوفات ضوئية ) هي ما جعلني اقوم بتصوير كل المواضيع ؛ فأنا أمام ثلاثون حلقة على مدى شهر وذلك يستوجب أن أقدم في كل فقرة يومية مالا يقل عن 20 صورة منوعة ، وتتناول مواضيع مختلفة ، وذلك يعني أنني مطالببــ 600 صورة لشهر رمضان فقط ، وأن تكون فنيا صالحة للعرض بما يرضي ذائقة المتفرج ؛ وهذا يقتضي ضرورة التنوع في المواضيع ، ولقد واصلت تقديمي للفقرة على هذه الوتيرة على مدى 12 سنة تقريبا ، وإن كان الفنانون عادة وخصوصا في أوروبا يلتزمون بجانب واحد في التصوير ..أما نوع الصور التي يستهويني التقاطها فهي الصور التي تتضمن موضوع وتروي قصة .
الأيام : ما هي المعايير التي تجعل من التصوير الفوتغرافي فنا مستقلا بذاته ؟
الفنان أحمد الترهوني : أول من رحب بالتصوير الفوتوغرافي قبل أن يحاربوه هم الفنانون التشكيليون في منتصف القرن السابع عشر ؛ فظهور التصوير كان لغاية فنية احتاجها الرسام ، وانعكاس الصورة قديما عبر ثقب صندوق الغرفة المظلمة كان يساعد الرسامين على رسم الأشياء القوية في الطبيعة فتأتيهم الصورة المقلوبة بأبعادها المطلوبة .. ولكن عندما يأتي المغرب تختفي هذه الصورة بسبب الاضاءة ، ولو أن شخصا وضع اصبعه على الثقب تختفي الصورة كذلك ، وهذه المشكلة خلقت حاجة أو مطلب لدى الفنانين في أن تكون الصورة دائمة ، وثابتة وعلى هذا الأساس اتجهت الجهود العلمية لإيجاد وسيلة ثابتة وتكللت فيما بعد هذه الجهود بالنجاح ، وهذا النجاح خلق واقعا جديدا لدى الفنان تمثل في استحداث أداة جديدة إلى جانب الريشة وهي الكاميرا ؛ فكان بذلك الرسام هو أول من ولج عالم التصوير الذي ولد من رحم الرسم .. ولكن المشكلة فيما بعد أنه عندما كان يتم تصنيف أنواع الابداع التي تنتمي للفنون التشكيلية ؛ فكثيرا ما يتم استبعاد التصوير الفوتوغرافي من هذه الفئة .. وهذا ما نجده حتى في بلادنا فعلى سبيل المثال، عندما يتم الدعوة أو الاعلان عن معرض تشكيلي لا يكون في العادة التصوير الفوتوغرافي من ضمنها ، ولكن وعلى الرغم من كل هذا المد والجزر في نسبة التصوير الفوتوغرافي إلى الفن التشكيلي أو الاعتراض على هذه النسبة، إلا أن ما حدث مؤخرا من دخول الرسم بالفارةعلى الصورة الفوتوغرافية عبر التقنية الرقمية وإقرار هذا التطور الجديد عالميا قد جعل من الصعب الآن الفصل بين الرسم والفوتوغراف ، ذلك لأن هذا الفصل وإن تحقق من حيث الأدوات فهو غير متحقق من حيث المخرجات والرسالة ، وصعوبة الفصل بينهما ترجع إلى الامكانيات الهائلة التي تقدمها البرامج ذات العلاقة .
الأيام : هل للصورة الفوتغرافية أنواع تشكلها معايير فنية أو وظيفية أو غير ذلك .. ؟ ، أم انها تبقى الصورة الفوتغرافية فحسب ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الصورة نوعان وهما الصورة الصريحة والتي تحتوي على شيء واضح للجميعكصورة جمل أو سيارة وغيرها وهي بتوصيف أبسط كالصورة التي تستخدم في المناهج الدراسية للمدارس ، أماالصورة غير الصريحة فهي التي تحتوي على مضمون يخاطب عقل المتلقي أو وجدانه ، ويقودنا هذا التصنيف إلى شيء اسمه قراءة الصورة خصوصا القراءة السيميولوجية ؛ وقراءة الصورة مسألة في غاية الأهمية وهي دائما محل اهتمامي الشخصي في تقديمها للمتلقي من خلال دوراتي ولقاءاتي .. فالصورة ليست ترفا أو مجرد مشهد للتعليق والعرض ، كما أنها لابد أن تتوفر على مضمون أو مغزى وهذا يتطلب أن يفهم المصور موضوع “قراءة الصورة”ليتمكن بالتالي من تقديم صور ذات مغزى ورسالة ، والقراءة تنقسم إلى نوعين هما: قراءة عادية وقراءة استقرائية ؛ فالقراءة العادية تتعلق بنواحي شكلية في الصورة ؛ كأن تقول مثلاً بان هذه صورة ملونة أو عادية، طولية أو عرضية،رقمية أو ورقية، ومن تم تنتقل القراءة إلى استقرائية ويكون هناك جدال أو اختلاف على مضمونها ؛ كمن يقول مثلا بأن هذه الصورة لفنجان أو براد ؛ فكلما تتعدد الآراء كل ما تتحول الصورة إلى النوع الاستقرائي وصولا إلى معرفة مراد المصور ، فأنت عندما تريد مثلا أن تلتقط صورة لمعاناة طفل جراء الحرب فمن المؤكد بأنك ستبحث عن مشهد لمعاناته ، وكما الحال مع الصورة التي التقطت للطفل الأفريقي الجائع واستعداد أحد الطيور الجارحة للانقضاض عليه حال موته ؛ فهذه الصورة حركت الضمير الانساني والجمعيات الخيرية وألفت عنها الأغاني ونتيجة لهذا تهافتت حملات الإغاثة بشكل مكثف. وذلك كله لأنها فعلاً صورة مؤثرة ذات مضمون ، وهذا ما أردت دائما إيضاحه في أنواع الصورة المؤثرة والعادية ، ولهذا فأنا أرىأن المعيار الأهم في تقسيم الصورة هو معيار تأثير محتواها وهو ما يؤدي بدوره إلى تقسيمها إلى صورة صريحة وغير صريحة تحمل مضمون يدعو لاستقرائها ..
الأيام : كم عرضا ضوئيا قدمت ؟ ، وما أوجه الاختلاف بين ” العرض الضوئي ” كنمط جديد ابتكرته لعرض صوركالفوتوغرافية مقارنة بسابقه التقليدي ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : قدمت خمسة عروض ضوئية ذكرتها ضمن اجابتي في بداية الحوار عن سؤال المعارض التي أقمتها ؛ فالعروض الضوئية هي شكل جديد من المعارض وهي تطوير للمعارض التقليدية المعتادة التي يُكَبِرُ فيها الفنان الفوتوغرافي الصور ، ويعلقها بالمعرض لتأتي الناس وتشاهدها ، وبفضل الله عز وجل ابتكرت فكرة العرض الضوئي ، وهي فكرة جديدة بدعوة الناس ليس لمشاهدة صور معلقة على الحائط ؛ وإنما لمشاهدة عرضا ضوئيا يتم في الظلام بمكان يشبه المسرح يتم فيه عرض صور مبوبة بمواضيع معينة كصور التراث ، ومناطق الجذب السياحي، والأطفال ، والمخطوطات، واللقطات الفنية..وغيرها … لمدة 20 أو 25 دقيقة بمصاحبة موسيقى عالمية هادئة ، وكتابة توضيحية باللغة العربية والانجليزية ، وهذا العرض يحتاج إلى هدوء وسكون … وهذا النوع من العروض بفضل الله سبحانه وتعالى قد أكون أنا أول من قدمها ، وللعلم فانا قد حضرت في أحدى المرات عندما كنت أدرس في بلغراد معرضا كبيرا هناك ، وكان فيه جانبا للعرض الضوئي بالإضافة للمعرض التقليدي ؛ ولكن هذا العرض الضوئي لم يكن لأجل عرض الصور ، بل اقتصر على تقديم بيان عن المصور وظروف التصوير ، ولكني لم أرى عرضا ضوئيا للصور الفوتغرافية ، مع أنه قد يكون موجودا ولكنني لم أره ، وعندما قمت بعرض صوري في الأسابيع الثقافية بالخارج بطريقة العرض الضوئي وجدت استحسانا وترحيبا قويا بالفكرة .. ، وبالمقارنة بين نموذجي العرض الضوئي والتقليدي نجد أن العرض الضوئي يضع المتلقي في أجواء لطيفة جدا بما فيه من اضاءة خافته ، وموسيقى هادئة ؛ فيستمتع بعرض ضوئي لمدة 20 أو 25 دقيقة قد يضم 200 أو 250 صورة بحسب توقيت زمن اللقطة ، وبعدها يبدأ النقاش والتعقيب على العرض ؛ في حين أن الصور في المعرض التقليدي تكون أقل عددا من صور المعرض الضوئي ، واستمتاع المتلقي بها يكون أقل نظرا للصخب المصاحب للمعرض وخصوصا في يوم الافتتاح ..
الأيام : هذا من حيث الترتيب والتجهيز ، ماذا عن السهولة وسرعة التنفيذ ؟
الواقع أن المعرض الضوئي هو الاسهل في الإعداد والتجهيز، لأنه ببساطه كل الشغل يكون على جهاز الحاسوب، ثم ثانياً أنه الأقرب للتنفيذ لأنه لا يحتاج لما يحتاجه المعرض التقليدي من مصاريف مادية لأجل طباعة وتكبير الصور، وشراء إطارات لها، وإيجار الرواق الفني.
الأيام : فيما يلتقي التصوير بأنواعه الفوتوغرافي والمرئي والسينمائي ؟ وفيما يختلف ؟
الفنان الفوتغرافي أحمد الترهوني : تلتقي الأنواع الثلاثة في كونها فنون بصرية ، ويلتقوا ثلاثتهم في كونهم يحملون رسالة ، وكما نعلم فأن الرسالة دائما تكون تبعا للمرسل والتي تستدعي أن تختلف في قوة الاقناع والتأثير ، فالصورة في الأفلام والتلفزيون أقوى من الثابتة وذلك لملازمتها الحركة والصوت بمؤثراته واللعب المتعدد بالإضاءة ، في حين أن الصورة الثابتة تفتقر لذلك ، ولكن كانتشار فالصورة الثابتة أكثر انتشار ؛ فصورة محمد الدرة كانت ضعيفة لأنها التقطت بالفيديو ولم تلتقط بالفوتوغراف إلا أنها الأكثر انتشار ، وكذلك صورة الطفل السوري الغريق والملقى على الشاطئ ضعيفة ولم يلتقطها محترف ولكنها انتشرت بسبب موضوعها ، وصورة الطفل الأفريقي الذي يتعرض للافتراس من قبل طائر التقطها فنان محترف وقد توفرت على معاييرها الفنية وانتشرت بشكل كبير ، فالصورة الفوتوغرافية هي أكثر انتشار ، أما المرئية والسينمائية فأكثر اقناعا وتأثيرا لمصاحبة الصوت والمؤثرات المختلفة .
الأيام : إلى أي حد تفتح الصورة الفوتوغرافية آفاق التعبير أمام الفنان الفوتوغرافي مقارنة بسواها من أجناس فنية أخرى ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : اعتقد أن الرسم أكثر تعبيرا على الفنان وخصوصا الرسم الساخر ، ولكن تأثير الصورة أقوى من الكاريكاتير في انتشارها بسبب أنها لا تتعلق بخصوصية ثقافية معينة تعيق عملية فهمها ، فالصورة لغة انسانية يفهمها الجميع ، ومساحة التعبير في الصورة تتوقف على ثلاثة عناصر أولها جاذبية للعين ، وهذه تعطي بعدا تعبيريا يلفت نظر المشاهد والمتلقي للصورة بين عديد الصور ، أما العنصر الثاني فهو خطاب للفكر ويحمل مجموعة من التساؤلات لعقل المتلقي تتمثل في التساؤلات متى وأين وكيف ولماذا وماذا ؛ لتأتي فيما بعد الإجابات من المتلقي أو المصور عندما يدون اجابته على الصورة ، أما العنصر الثالث فهو خطاب للقلب وهي مدى قدرة تأثير الصورة على وجدان المتلقي واستدعاءها لمشاعر الفرح أو الحزن أو الغضب … ، فلو اجتمعت هذه العناصر الثلاثة في الصورة وهي تتعلق بالعين والعقل والقلب فستكون الصورة مؤثرة وبليغة ومعبرة عن ابداع الفنان وأحب تسمية هذه الصورة بالمثلى أو المثالية .
الأيام : آلتي التصوير الفلمي والرقمي فيما اختلفتا وأين تطابقتا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني :اختلف النوعين في تطور الآلية والأداة وما يتبعها من عامل اقتصادي وعامل الوقت للانجاز ؛ فقديما تخرج من بيتك لكي تشتري فلما ثم تعود وتصور وتخرج ثانية لكي تسلمه للمعمل ثم تعود لتستلمه صورا بعد زمن معين قد يكون ساعات أو أيام .. هذا قبل أن يصبح الفلم سريعا ؛ بينما الصورة الرقمية لا تتطلب كل ذلك ، أما توافق النوعين فيكمن في أن النتيجة أو المخرجات واحدة ، وفي النهاية فالكل يندرج تحت عنوان التصوير الفوتوغرافي .
الأيام : ما مدى تأثير الصورة على المتلقي ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : تأثير الصورة قوي وكبيرا جدا ؛ فعندما أقوم مثلا بعرض صورة دعائية لسلعة معينة فإن الغرض من ذلك هو انني أمارس تأثير على تفكيرك وذلك بهدف دفعك لشراء هذه السلعة ، وإذا لم استطع اقناعك بشرائها فذلك يعني أنني خاسر ؛ فالعمل الدعائي على قدر ما هو جميل وجذاب وملفت لنظرك ولكن يبقى المقصود من وراءه هو جيبك .. وهذا مثال بسيط ، والرسالة الأخرى التي قد تحملها الصورة تتعلق بغسل دماغك عندما تتعلق بدعوتك لتيار سياسي أو ثقافي معين أو حزب ما أو فكرة معينة ؛ فالصورة تطالعك بدون استئذان ، وتدخل في كل مناحي حياتك لتمارس سلطانها عليك بنية اقناعك والتأثير على قراراتك ، والصورة شئنا أم أبينا مفروضة علينا .. فالصورة رسالة وأداة لتحقيق مكاسب طيبة ومكاسب غير طيبة وعندما يتعلق موضوع الصورة بفريقين متنازعين تجد أن كل منها يسعى إلى إجراء تعديلاته عليها بما يوافق موقفه أو يجري تعديلاته على النص لذات السبب ، وكل ما يوليه ذوي المصلحة النفعية للصورة من اهتمام يأتي لكونها مؤثرة جدا في صنع قرار المتلقي ، وهذا يستلزم منا نشر ثقافة الصورة لنتمكن من قراءتها على الوجه الصحيح ، ونمنع تأثير أيا كان في عقولنا وبالتالي على قراراتنا ونحن نقول أن العولمة تعتمد على استخدم الصورة ؛ ولهذا فقد وجب علينا أن نعي تأثيرها ونفهمها .
الأيام : أي الصورتين أكثر تعبيرا عن ابداع الفنان الفوتوغرافي ؛ الصورة الملونة أم العادية ” الابيض والأسود ” ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الموضوع جدلي وتتنازعه العديد من الآراء فكلاهما فن ، ولكن على المصور أن يحسن اختيار أيهما أحسن للموضوع ؛ فلو كان موضوعنا يتعلق ببيان عظمة الله في خلقه بتصوير جمال الطاووس فيكون لزاما في هذه الحالة أن أصوره ملونا وليس أبيض وأسود ، ولو أردت تصوير الشعب المرجانية والسمك الملون في اعماق البحار فلابد أن اصوره ملون ، ففي علم التصوير يسمى الأبيض والأسود بالتدرج الرمادي وهذا التدرج هو ما ترى به الحيوانات التي لا ترى الألوان ولديها عمى ألوان ، ولو كان موضوعي مثلا تصوير الأدخنة المتصاعدة من المصانع أو المفاعلات الضارة بالبيئة ، وبيان مآسي وكوارث وآثار الحروب أو آثار الزمن على وجه عجوز ؛ فهذا نصوره بالأبيض الأسود وليس بالألوان ؛ فالإبداعاللوني يرتبط بالضرورة بموضوع الصورة وهذا يذكرنا بالدلالات اللونية لدى شعوب العالم في التعبير عن الفرح والحزن ، وللون دلالاته حتى في مناحي حياتنا العلمية التطبيقية كالجراحة الطبية مثلا التي تقتضي أن يرتدي الطبيب الجراح وبقية الطاقم اللون الأخضر أو الأزرق ، كذلك فعندما تصور طفلة جميلة مبتسمة بلون بشرتها وشعرها الجميلين وبلباسها الطفولي الجميل فأنك لا بد أن تلتقط لها صورة ملونة بألوانها المفرحة الزاهية .
الأيام : إلى أي حد أضرت الصورة المفبركة بالحقيقة ؟
الفنان الفوتغرافي أحمد الترهوني : اللجوء إلى الفبركة دافعه دائما الرغبة في التأثير على المتلقي ؛ فعندما أريد أن أمارس تأثيري على عواطفك تجاه أزمة إنسانية معينة فذلك معناه أن أريك أسوأ صورة للمتضررين من المجاعة مثلا ، ولا أريك صورة أحدهم وقد وصلت له الإعانة وأكل منها وأصبح في وضع احسن ؛ فالفبركة فن والتقنية تساعد كل يوم على زيادة امكانياته وصحيح أن الفبركة تنافي الحقيقة عندما تقوم بتدكين لون السماء باستعمال الفوتوشوب ، فأنت تخدع المتلقي لكي تعجبه الصورة بدل أن تقدمها له كما ألتقطها ، وحتى معايير المسابقات العالمية للصورة الفوتوغرافية كانت قديما تمنع اجراء المعالجات على الصور والحذف منها والإضافة إليها ، وكانت تسمح فقط بتصحيح الاضاءة أو الألوان ، ولكن فيما بعد سمحت بالإضافة واللعب بالصورة ؛ فالفبركة كما قلت فن ، وفن جميل ولكنه قد ينطوي على مخالفة شرعية لما يحمله من خداع وغش ومجافاة للحقيقة ، فالفبركة توظيف للصورة يقوم على أساس تعديلها أو تعديل النص الشارح لها ؛ لإيهام المتلقي بغير الحقيقة ؛ ففي زمننا هذا الصورة أقوى تأثيرا من الكلمة عدا القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى ..
الايام : هل ألغت آلة التصوير المتطورة المسافات بين المصور الهاوي والمصور المحترف ؟
الفنان الفوتغرتفي أحمد الترهوني : محطات التصوير بداية بالصندوق وإضافة الثقب ، ثم اضافة عدسة للثقب لكي تكون الصورة واضحة ، وبعدها محاولات جعل الصورة ثابتة ، وبعدها اختراع الفلم ، ثم اختراع الفلم الملفوف ، ثم اختراع الكاميرا القابلة للحمل وليست التي تحملها الدابة ،وبعدها ظهور التصوير الملون وتلاه التصوير الفوري والسريع ، ثم المحطة الكبيرة والنوعية وهي التصوير الرقمي ، بعدها جاءت محطات غريبة قليلا ولكنها أعطت انتعاشة للتصوير وزادت من أعداد المصورين وهي محطة التصوير بالموبايل ، والمحطة الأخيرة والتي لا يعتبرها البعض محطة ولكني شخصيا أعتبرها محطة وهي التصوير باستعمال عصا السلفي .. ، والآن اصبح التصوير في المتناول ولكن هل كل ما يتم التقاطه من صور هو صور فنية ؟ ، وهل وجود هذا الكم من المصورين يلغي وجود الفنان المصور ؟ ، والإجابة في كلا الحالتين لا ؛ فكل هؤلاء نطلق عليهم مصورين وغيرهم من الفنانين يبقوا فنانين ونستطيع أن نشبه الفرق بين الاثنين كالفرق بين المغني والمطرب ؛ فكل الناس يستطيعون الغناء ولكن لا يستطيع كلهم اطراب الآخرين ؛ فالمصور كما قلنا في اجابة سابقة يعطيك صورة لكرسي ، صورة لشيء ما ، ولكن الفنان يعطيك صورة تؤثر فيك ، ولا يعني وجود آلة التصوير في يد شخص أنه سيعطيك صورة تؤثر فيك ما لم يكن لديه مخزون كبير عن الأشياء والثقافة العامة .. ، ولكن نحن نعتبر ذلك انتعاشة وقفزة كبيرة ؛ فكاميرا الموبايل رسول محبة وهي تعلن عن ولادة فنانين ؛ فعندما يكتشف المصور بالموبايل أن لديه حسا فنيا فيبادر إلى اقتناء الكاميرا المتطورة ويطور نفسه .. ، وهناك الكثير من المعارض التي تقام لصور الموبايلات ، وشركات انتاج وتصنيع الموبايل تقوم بتطوير ميزة التصوير بما يرضي المستخدم لتضاهي بها قدرة الكاميرات المتطورة .. ، ونحن نلاحظ أن الدعايات على اجهزة الموبايل تركز كثير على جماله وإمكانياته التصويرية على حساب باقي وظائفه ..
الايام : كاميرا الموبايل توثق المعاناة اليومية في حياة الليبيين على يد المصور غير المحترف بينما تغيب الصورة الأكثر تعبير عن معاناتهم بغياب الفنان المصور . لماذا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : سؤال ذكي جدا فسهولة حمل واستخدام الموبايل وانتشاره وإمكانية أن تقوم باستعماله للتصوير به دون لفت انتباه الآخرين تعطيك فرصة أكبر للتصوير ؛ فلو قمت بالتصوير بكاميرا المحترف فذلك سيثير مشاكل في المواقف والمواضيع التي قد يوجد من لا يرغب في تصويرها فيعترضك ويمنعك ، ولهذا نجد أن أغلب الصور التي تصور المعاناة سواء فوتوغرافية أو مقاطع فيديو قد التقطت بالموبايل على يد غير المحترفين للأسبابالتي ذكرتها وتجد هذا الحال نفسه حتى في خارج ليبيا .
الأيام : الابداع في الصورة الفوتوغرافية . فيما يتمثل ؟
الفنان الفوتغرافي أحمد الترهوني : الابداع يعني البدعة وهي الاتيان بالشيء الجديد ، ونقول المصور المبدع وهو الذي يأتي بشيء جديد في صورته .
الأيام : هل هناك مؤلفات مرجعية تناولت تاريخالصورة في ليبيا ؟
الفنان الفوتغرافي أحمد الترهوني :الى عند الآن لم يتم كتابة تاريخ الصورة في ليبيا ، وأنا انتهز هذه الفرصة لأدعو عبر صحيفة الأيام الباحثين والمؤرخين الى الاهتمام بهذا التاريخ المهم وكتابته ، وقد تحدثت في هذا الخصوص مع العديد من الاساتذة المتخصصين ، والجميع يتفق على اهميته إلا ان احدا لم يتناوله بعد بالبحث والتأريخ ، ولعل ذلك يرجع الى شح المصادر التاريخية عنه ؛ وفي نظري فأن ضربة البداية تكمن في البحث عن اقدم الكتب التي ألفتها الارساليات الاجنبية عن ليبيا .
الأيام : ماذا عن الجهود المدنية أو الحكومية لجمع الصور الليبية ؟
إلى جانب كوني مصور فأنا في الحقيقة هاويا لتجميع الصور القديمة ، وأرى بأن الصورة واكبت الحقب الليبية منذ أواخر عهد الدولة العثمانية ، ويقتصر وجود هذه الصور على المراكز المعنية بها في الخارج أقصد في تركيا أو ايطاليا وغيرها من الدول التي كان لها علاقات قديمة بالشأن الليبي ، أو لدى هواة تجميع الصور إلى أن جاء ما يمكن أن نسميه ” السيد الكبير ” وهو الانترنت وجمع هذه الصور ، فما نراه على الانترنت فاق حتى ما لدى المؤسسات العامة كمركز الدراسات التاريخية ومكتبة المحفوظات التاريخية مثلا وفاق ما لدى هواة التجميع .
الأيام : في أي الحقب التاريخية التقطت أول الصور في ليبيا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : هناك اعتقاد شائع وخاطئ اريد ان اتحدث عنه يتمثل في ان التصوير في ليبيا بدأ في العام 1911 م مع الاحتلال الايطالي للبلاد ؛ وهذه مغالطة ؛ فالتصوير في ليبيا بدأ قبل ذلك مع الاتراك الذين كانوا في ليبيا والأوربيين والأمريكان الذين كانوا يأتوا الى ليبيا من وقت لأخر كبعثات من جامعاتهم ، وكذلك الطليان الذين زاروا ليبيا قبل احتلالها تمهيدا لغزوها ، وفيما بعد واكبت الصورة كل الحقب الليبية إلى يومنا هذا .
الأيام : التصوير الذاتي – السِلفي – هل ساهم في نشر ثقافة التصوير ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : السلفي أو التصوير الذاتي هو محطة هامة في تاريخ انتشار التصوير ؛ فعصا السلفي رفعت من شعبية التصوير بشكل كبير ، والتطورات من هذا النوع تأتي دائما كاستجابة لحاجات أو نوازع بشرية ، فعندما تذهب مثلا إلى أحد الأماكن السياحية فإن الرغبة تتولد لديك في تصوير نفسك في ذلك المكان لتريها لأصدقائك شاهدا على ذلك ، وقد كان هناك في التصوير ولازال طبعا التايمر أو المؤقت ؛ لتوقيت الآلة لتلتقط لك صورة بدون مصور ، ولكن مع هذا فهناك عيوب في السلفي تتمثل في ظهور الصورة محدبة أي أنها تشبه صورتك على الملعقة ، ولكن وكما قلت فالرغبة في اظهار المكان هي الدافع وراء التقاط صورة السلفي ، وهناك من عرضوا أنفسهم للخطر واخذوا صور سلفي اثناء تواجدهم في أماكن خطرة ، كما أن السلفي استهوى شخصيات سياسية ورياضية وفنية كبيرة ، فالسلفي باختصار ساهم في نشر ثقافة التصوير وزيادة شعبيته ولكنه ليس بالضرورة أن يكون قد خدم الفنان الذي يخدمه تنوع المواضيع وتطور الميزات الفنية في الآلة .
الأيام : عاصرتم التحول النوعي من التصوير الفلمي إلى التصوير الرقمي . كيف كانت أثاره على المصور الفوتغرافي وأدائه ؟
ما حدث في ليبيا في هذا الصدد هو بالضبط ما حدث في الغرب واليابان ؛ فالمصورين لم يرحبوا جميعهم بالتصوير الرقمي لدى ظهوره خصوصا الفنانين الكبار في السن والذين لا يجيدون استخدام الكومبيوتر كونهم أمضوا حياتهم في التعامل مع التصوير الفلمي ولم يستطيعوا مواكبة التطور الرقمي مع أنه سهل وهذا بدوره أدى إلى عدم استمرارهم مع أنهم فنانين ومبدعين بمعنى الكلمة ، كما أن الصورة الفلمية لم تعد تواكب روح العصر فكل الميادين تتطلب السرعة وتفضل الصورة الرقمية خاصة قطاع الصحافة الذي يعتمد على عنصر السبق الصحفي .
الأيام : هل هناك رابطة أو كيان معين يرعى المصورين وفن التصوير في ليبيا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : للأسف لا يوجد كيان معتبر يجمع فنانو التصوير باستثناء أنه كانت هناك نقابة حرفية للمصورين من أصحاب محلات التصوير ، وليس هناك إلى يومنا هذا نقابة أو رابطة تجمع المصورين الفنانين ، وظهرت بعض الجمعيات التي تتوزع بين المدن الليبية فهناك ثلاثة أو أربعة في طرابلس وواحدة أو اثنتين في بنغازي وغيرهما من المدن صراحة جهدها يذكر فيشكر ، وهذا للأسف وضع مخجل مقارنة بجيراننا من الدول العربية ، وفي اليابان مثلا تجد جمعية المصورين مستقلة ولها مجلس ادارتها ومقرها وميزانيتها وكأنها شركة كبيرة جدا ..
الايام : تنمية وتطوير قدرات المواهب الشابة في فن التصوير الفوتوغرافي . كيف تجدها وما رؤيتكم لتطويرها ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : هناك شريحة كبيرة من الموهوبين الشباب – ما شاء الله عليهم – يتطلعوا لأن يكونوا فنانين ؛ فهناك شباب بدأت موهبتهم بالتصوير بالموبايل ،ونشر صورهم الجميلة على صفحات الفيس بوك ، ثم اشتروا كاميرات تصوير متطورة ، وذهبوا لدورات التدريب ، وبحثوافي اليوتيوب وشاركوا في المعارض والمسابقات ولكنهم يبقوا بحاجة لمن يشجعهم ..وهنا اعتقد بأنهم ضربوا لنا مثلا بأنمسؤولية تطوير الذات هي مسئولية فردية بالدرجة الأولى قبل أن تكون مسئولية لجهة ما فدعم التطوير من أي جهة مطلوب ، ولكنه يبقى فردي أولا ، ونحن من موقعنا كفنانين محترفين ندعم الهواة بالدورات التدريبية التي نعطيها وتكون مجانية احيانا وندعمهم كذلك بالنصيحة والمشورة ..
الأيام : أين يقع المصور الليبي مقارنة بنظيره العربي والأجنبي ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : لا يوجد تصنيف للمصور الليبي محليا فليس هناك جهة أو كيان يصنف مستوى الفن في ليبيا ؛ فكما يوجد في العالم تقييم وتصنيف للرياضي يوجد كذلك تصنيف للفنان ، فنقول بأن هذا الفنان فلان يحوز الترتيب الفلاني بين نظرائه مثلا ؛ وذلك استنادا الى عدد مشاركاته وجوائزه والمعايير المتبعة عالميا في هذا الخصوص ، وهناك تقييم غير معتمد واجتهادي يقوم على غزارة الانتاج في الفيسبوك وبقية مواقع التواصل وعدد المعجبين بالفنان ومن هذا المنطلق لا نستطيع مقارنته مع غيره ، ولكن ومن باب الاجتهاد الشخصي فلو أقمت مقارنتي على أساس المشاركات الليبية في المسابقات وترتيبات فوز المصورين الليبيين فيها وكذلك حضورهم في المعارض فنجد أن للمصور الليبي حضورا متميزا عربيا وعالميا . . مع ملاحظة أن الامكانيات والظروف مواتية بالنسبة للمصورين العرب أكثر من الليبيين .
الأيام : هل ترافق الفن التصويري في ليبيا مع نقد فني يطوره ويدقق معاييره ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : للأسف .. ليس هناك قراءات نقدية منهجية للمشهد الفني الفوتوغرافي في ليبيا؛ فكل ما هنالك هو مجرد قراءات صحفية في الاشخاص وعطائهم ، ولكن ليست هناك قراءات تتناول الصورة من ناحية قراءات نقدية فنية .
الأيام : هل تصلح الصورة الفوتوغرافية لأن تكون بديلا عن الخبر ؟ أم أنها تبقى مجرد داعمة لنصه ومعززة لمصداقيته ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : كلا الحالتين ؛ فأحيانا تغني الصورة عن النص الخبري وتكون بديلا عنه باحتوائها للإجابة عن كل تساؤلات المتلقي ،وأحيانا تكون داعمة للنص الخبري وتكتمل بوجودها إلى جانب الخبر كما يكتمل هو الأخر بها .
الأيام : هل جمع الفنان أحمد الترهوني صوره في كتاب ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : للأسف ليس بعد .. وإن كنت اعتزم ذلك فعلا – بإذن الله تعالى – وهناك عروض بهذا الخصوص من بعض دور النشر .
الأيام : جهودكم لنشر ثقافة الصورة استدعى تواصلكم مع جمهورها الذي لم يقتصر على الليبيين فقط . كيف طورتم هذا التواصل ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الكلمة السحرية التي تفضلت بها حضرتك هي التواصل .. فنظراً لشعبية الصورة ، ولحب الناس لها تجد الكثير منهم يريدون أن يرسلوا أعمالهم لكي أقوم بعرضها وتقييمها من خلال الفقرة التلفزيونية وذلك بطبيعة الحال سيكون محل سرور وسعادة مرسلها حتى ولو كانت الصورة ضعيفة ؛ فالناس ترسل بصورها من أجل عرضها ، وآخرين يرسلون بها من أجل المشاركة في مسابقات ، وفي البدايات وأنا أتحدث هنا عن عام 2000 م لم يكن لدى أغلب الناس بريد الكتروني وحتى جهاز كومبيوتر ؛ ولهذا فكانت الناس مضطرة إلى ارسال مساهماتها على قرص مدمج ” CD ” إلى مقر الإذاعة أو لمعمل ” أكفا ” الذي كان راعيا لبعض المسابقات ، وهذا في الغالب ينطوي على مشقة للمقيمين خارج طرابلس ، وقد كانت المشاركات تأتي من خارج طرابلس وحتى خارج ليبيا ؛ فكان لابد والحال هذه أن يكون التواصل الالكتروني هو البديل الايسر والأسرع للتواصل المكاني أو الحضور الشخصي ؛ فأعلنت عن امكانية ارسال هذه الاعمال بالبريد الالكتروني وهو ما حدث ؛ فالكثير من الناس الذين لم يكونوا يملكون بريد الكتروني فتحوا حسابات بريد الكتروني لأنفسهم وبدؤوا التواصل معنا من خلالها ، والبريد الالكتروني الذي أنشأته في البداية لتسهيل تواصلهم معنا كان تحت عنوان ( yahoo.com @ Swrahelwa ) – صورة حلوة – وقد قمنا فيما بعد بتغيير العنوان بسبب تحفظ الاذاعة على ارتباطه بموقع ياهو إلى البريد الالكتروني التابع لموقع الاذاعة الالكتروني الرسمي الذي تم استحداثه لاحقا .. وفي سياق التواصل ومن ضمن الأفكار أو النوايا لجمع الفنانين المصورين مع الهواة والمبتدئين من جانب ، ولأجل إعطاء فرصة سانحة غير مكلفة لهؤلاء الهواة والمبتدئين في أن يعرضوا أعمالهم الفوتوغرافية على الأساتذة الفنانين طلبا للمشورة وللتوجيه من أجل هذا كله خطرت علي فكرة بسيطة وهي الإعلان عن لقاء “عاااادي” يضم الشريحتين واخترت له من الأسماء ( أحني والكاميرا ) ، وبتوفيق من الله نجح اللقاء الأول والذي كان في شهر مارس 2017 م وفعلا جُمع الهواة والمبتدئين مع الأساتذة الفنانين المشهورين وعرض كل منهما أعماله .
ثم توالت اللقاءات تحت هذا المسمى ( أحني والكاميرا ) ولكن بإضافة لاحقة تدل على نوع اللقاء ؛ فمثلا ( أحني والكاميرا مزردين ) ، ( أحني والكاميرا للبدة زائرين ) ، (أحني والكاميرا متسحرين ) ، ( أحني والكاميرا متسحرين ) ، ( أحني والكاميرا معيدين ) ، أحني والكاميرا للسرايا مصورين ) ، (أحني والكاميرا متسابقين ) .. وإن شاء الله تتوالى اللقاءات مادامت محققة للأهداف وصادقة النوايا .
الأيام : من هم رواد الفن الفوتوغرافي في ليبيا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : رواد هذا الفن في ليبيا هم الاساتذة الأفاضل الفنان علي العباني ، والفنان على مصطفى رمضان ، والفنان خالد الغزيوي ، والفنان يوسف الختالي ، والفنان محمد كرازة ، والفنان أحمد سيفاو ، وعلي التومي ، والفنان المرحوم الطاهر المغربي ، والفنان المرحوم علي قانة . والفنان المرحوم عبد المنعم بن ناجي، والفنان المرحوم فتحي العريبي .
ومن قبلهم كانت الأسماء المشهورة: المرحوم خليفة قدح، المرحوم أحمد أسماعيل وأخيه علي أسماعيل ، ويطيل الله في عمر الفنان علي المغربي… وليعذرني كل من نسيت أن أذكره.
الأيام : هل أسهمت مؤسسات التعليم الجامعي وما دونه في اعداد المصور الفوتوغرافي المحترف ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الفن الفوتوغرافي كسائر الفنون الأخرى يتم أحيانا تحصيله من الجانب الأكاديمي ، ولكنه يفتقر للجانب الابداعي والموهبة ، والفنان يجب أن يتوفر فيه الجانبين ؛ فلابد من وجود الموهبة التي تمثل الدافع والشغف ويتم صقلها وتنميتها ذاتيا وأكاديميا .. ، وكما يقال عادة – وهذا الرأي أنقله عن غيري – فالجامعات في الغالب وخصوصا في الفنون ليس كل من يتخرج منها في مجال الفنون يكون فنانا أو في مجال الاعلام مثلا يكون اعلاميا مع احترامي للجهود المبذولة من هذه المؤسسات التعليمية .
الأيام : صور البورتريه حاضرة في التشكيلي وأقل حضوراً في الفوتوغرافي . لماذا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : الفن الفوتغرافي كما ذكرت هو جزء من العائلة التشكيلية ، والبورتريه نوع من أنواع التصوير ، وغيابه محليا راجعا لكونه يحمل خطاب للمتلقي ؛ فهو يصور وجوه لأشخاص كبار في السن لبيانآثار الزمن على وجوههم ، وهناك تحرج في مجتمعنا لدى هذه الفئة من الناس فيعترضون في الغالب على تصويرهم .. فمعارض الصور في الخارج تجدها تمتلئ بصور البورتريه لكبار السن وتجدها بالأبيض والأسود لدلالاته كما أشرنا ، كما تجد بورتريهات لغير كبار السن من الذين ترتسم على وجوههم معاني المعاناة والألم ، وفي ليبيا تجد الاعتراض من الفئتين ؛ فكبار السن يتحرجون ، وغيرهم الذين يعانون الألم أو المرض لا يسمحون لك بتصويرهم منعا للانتشار ..
الأيام : نرى في متاحف العالم أجنحة خاصة بالصورة الفوتوغرافية إلى جانب الأجناس الفنية البصرية الأخرى . ولم نسمع عن مطالبة بذلك في بلادنا سواء للصورة أو لغيرها من الفنون البصرية . لماذا ؟
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : أن يكون لدينا في ليبيا متحف وطني للآداب والفنون وأخر للرياضة هذا مطلب وطني للغاية ، وأن يخصص للصورة الفوتوغرافية أجنحة مطلب جميل .. ، فمثلاً الحاجة ملحة لتقديم أجنحة لفن الطرب والغناء ، تضم مقتنيات وأدوات ولوازم وكل ما له علاقة بالفنان المطرب أو الملحن الليبي هي في حاجة ملحة لمتحف وطني أكثر من المصور الفوتوغرافي ؛ والسبب هو أن أعمال المصور الفنان انتشرت الكترونيا ، وحفظ الأعمال على ورق وفي براويز مسألة قابلة للتنفيذ في أي وقت ، ولكن الخوف من ضياع مقتنيات الفنان المطرب الشخصية هو المشكلة . . وقد كتبت في صفحتي الشخصية على الفيسبوك عن حاجتنا مثلا لجمع مقتنيات الفنان المرحوم سلام قدري مثلا حتى لا تبقى لنا من ذكراه مجرد أسطواناته وأغانيه فقط ، أو ما دون عنه من معلومات لتظل حبيسة الأدراج . . ، ولكن هذا لا يعني بأي حال أن لا أدعو لمتحف وطني للصورة الفوتوغرافية ؛ فأنا من دعاة ذلك ، ولكن لو هناك أولوية فأرى أن تكون للفنانين من مطربي الأغنية الليبية .
الأيام : هل من كلمة أخيرة تود أضافتها ..
الفنان الفوتوغرافي أحمد الترهوني : نعم .. بداية أرجو أن تسجل إعجابي – وعاهدني أستاذ محمد – بنوعية أسئلتك الذكية فعلا .. كما أتوجه بالشكر لجريدة الأيام ، وأنا ادعو الله سبحانه وتعالى أن اكون قد تحدثت عن المشهد الفوتوغرافي في ليبيا بإنصاف ، وأتمنى أن اكون قد أضفت الكثير لتسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها الفنان الفوتوغرافي الليبي .
مقتطفات
♦ ” معزوفات ضوئية ” عنوان معرضي الشخصي الأول بدار الفنون ، وخطوتي الأولى للانتشار ..
♦ الصورة الفوتوغرافية مولود تشكيلي بأدوات مختلفة .
♦ لقطة السلفي دافعها اظهار الشخص مع المكان وقد زادت في شعبية الصورة .
♦ تعرفت على الكاميرا الرقمية مبكرا مقارنة بزملائي المصورين .
♦ التصوير الرقمي أقصى عند ظهوره الكثير من الفنانين .
♦ التصوير موهبة ابداعية لا ترتبط بالعمر .
♦ الأسابيع الثقافية الليبية في الخارج اسهمت في انتشاري عربيا وعالميا .
♦ طورت موهبتي ذاتيا في غياب الانترنت ودورات التدريب .
♦ غزارة انتاجي انخفضت بسبب انشغالي بالتدريب ونشر ثقافة التصوير .
♦ فن التصوير ينتشر وينحسر تبعا للظروف السياسية والاجتماعية .
♦ برمجيات الصورة مزجت التشكيلي بالفوتوغرافي وبات من الصعب الفصل بينهما .
♦ صوري متنوعة المواضيع وتستهويني الصور التي تحكي قصة .
♦ نشر ثقافة التصوير مسئولية الفنان الفوتوغرافي .
♦ للصورة قرأتين عادية صريحة واستقرائية بمضمون .
♦ للصورة المؤثرة خصائصها الجاذبة للعين والمخاطبة للعقل وللقلب .
♦ فبركة الصورة فن رفيع وإن كان مخالف للشريعة .
♦ أدعوا المؤرخين إلى البحث في بدايات التصوير في ليبيا .
♦ للأسف .. لا وجود لكيان فني معتبر يجمع الفنانين الفوتوغرافيين .
♦ المصور الليبي حاضرا ومتميزا .. حتى وهو يفتقر للتصنيف .
♦ لا توجد قراءات نقدية منهجية لفن التصوير الفوتوغرافي في ليبيا .
♦ أدعو عبر الايام المؤرخين إلى الاهتمام بتاريخ الصورة في ليبيا.