التصوير… آخر موضة في سورية
7 يناير 2018
وعلى الرغم من أنّ جيهان (27 عاماً) كثيراً ما تلجأ إلى استخدام كاميرا الهاتف المحمول، تقول إن صور الهاتف لم تعد كافية. “للصور الاحترافية بهجة خاصة. أنظّم جلسة تصوير كل أشهر عدة. ليس بالضرورة أن يكون لدي مناسبة. هذا النوع من الصور يمكن الاحتفاظ به إلى الأبد، كما أن للمسة المصور طابعا خاصا. هذه الصور تزيدني ثقة في نفسي. ما يحدث في الواقع صعب ولا يناسبني. لكن حين أنظر إلى هذه الصور، أشعر أن كل شيء على ما يرام، وأنني أجمل فتاة على الإطلاق، وليس بالضرورة أن أكون نانسي عجرم حتى أستحق هذا الشعور”. تضيف: “أعتقد أن هذه الصور تعكس ما نريد أن نكون عليه في داخلنا، أي ابتسامة مشرقة وواثقة، وثياب أنيقة في مكان عام جميل ونظيف. نخفي في هذه الصور كل ما لا يعجبنا من حزن وتوتر وضغوط. هكذا يبدو كل شيء مثالياً. في حلب مثلاً، معظم الصور تلتقط في الشوارع والحدائق، ومن يراها لا يمكن أن يصدق أن هذه حلب التي دمر نصفها، والتي يعيش فيها معظم الناس تحت خط الفقر. على العكس، تبدو على أفضل ما يرام في هذه الصور. في إحدى جلسات التصوير، اضطررنا إلى تنظيف أمتار عدة من الشارع الذي سيظهر بالصورة قبل التصوير. وفي مرة أخرى، انتظرنا نحو ساعة لتنتهي ورشة إصلاح الكهرباء، علماً أن الكهرباء كانت مقطوعة عن الحي منذ ثلاثة أيام، وكاد المصور أن يتعارك مع العمال”.
وتختلف كلفة الصورة الواحدة بحسب شهرة المصور، رغم أن معظم المصورين اليوم حديثو العهد. تقول سناء (26 عاماً): “لا يتوقف الأمر على كلفة الصورة، بل ما سأرتديه فيها. أجرة المصوّر الشاب تتراوح ما بين 500 وألف ليرة سورية (ما بين نحو دولار ودولارين). خلالها يلتقط أكثر من صورة”. لكن تبقى الكلفة الحقيقية كلفة الزي، حتى تتباهى بالصور في النهاية. بطبيعة الحال، “لن أرتدي زياً حفظه كل من حولي. ويحتاج الزي الجديد إلى 25 ألف ليرة (تحو 50 دولاراً) على أقل تقدير. بالنسبة لي، هذا يعادل مصروفي الشهري في الجامعة، لكن الأمر يستحق. إن كنت سأنتظر لأصبح غنية، سيكون وجهي مليئاً بالتجاعيد، ولن يكون للصور أية أهمية”.
وفي ما يتعلق بدوافع الشباب للإقبال على جلسات التصوير، تقول هبة (25 عاماً): “لستُ سعيدة بدفع 20 ألف ليرة في كل مرة للحصول على بضع صور. لكن بالنسبة لي والعديد من الفتيات، تساعد الصور التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي على الارتباط. وأرى أن هذا هو السبب الحقيقي لانتشار هذه الموضة”. تضيف: “هذه الأيام، معظم الشباب باتوا خارج البلاد، وصاروا يبحثون عن شريكة حياتهم بشكل رئيسي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الراغبة في الارتباط التفكير جيداً في الصور التي ترغب في نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك”. لذلك، يجب أن يكون الانطباع الأوّل جيداً جداً حتى ينجح الأمر”.
وشجّع الإقبال الواسع على جلسات التصوير شباباً كثيرين على التدرب على التصوير المحترف، عله يكون بديلاً عن فرصة العمل التي طال انتظارها. شهم (32 عاماً)، مهندس سوري تخرج حديثاً، واختار امتهان التصوير الفوتوغرافي حاله حال كثيرين. يقول: “كان التصوير بالنسبة لي هواية لا أكثر. لم أدرسه أو يُدربني أحد عليه. ولم أفكّر يوماً أنه في إمكاني كسب المال من شيء آخر غير الهندسة. بدأ الأمر حين دعاني أحد أصدقائي العام الماضي للعمل معه على تعديل الصور على برنامج فوتوشوب، بسبب ضغط العمل. في مرحلة لاحقة، بدأت أساعده في التصوير. ولمّا رأيت أن صوري بدأت تلقى رواجاً وردود فعل إيجابية، قررت العمل لوحدي”. يضيف: “بخلاف محال التصوير التقليدية التي تحتاج إلى رأس مال، لم أحتج إلا إلى صفحة فيسبوك، وكاميرا تصوير محترفة واحدة. ورغم أن سعرها ليس قليلاً، إلا أنني استطعت تأمين المبلغ المطلوب خلال شهرين فقط”. ويتابع شهم: “من جهة أخرى، فإن استديوهات التصوير التقليدية لم تعد ترضي الناس، لافتاً إلى أن السر في الصور الناجحة اليوم هو الابتكار والإبداع. “الجميع يبحث عن صورة لم تلتقط من قبل”.
أطفال وعشاق
إلى ذلك، يقول شهم إن الشابات أكثر إقبالاً من الشبان على جلسات التصوير. كذلك، تطلب عائلات كثيرة تصوير الأطفال. ويقبل المرتبطون حديثاً سواء أكانوا مخطوبين أم متزوجين على جلسات التصوير. “بالنسبة لي، الأطفال هم الأكثر صعوبة. هؤلاء لا يهمهم أن تبدو صورهم جميلة”.