من إعداد المصور الفوتوغرافي : رفيق كحالي
لا أحد يجادل اليوم في المكانة التي أصبحت تحتلها الصورة لدي الإنسان المعاصر ، إنها تحيط به من كل جانب فالصورة تجد لها مكانا في البيت المدرسة والشارع والمؤسسة
وغيرها انها تتدفق علينا وتغمرنا في مختلف الوضعيات. الصورة اليوم أصبحت سلطة تخترق أنسجة المجتمع العالمي انها تملك سحراخاصا ازداد يوما بعد يوم بفعل النضج التقني ثم جاءت التقنية الرقمية لتزيدها قوة على قوة فاسحة المجال لعصر جديد وهو عصر الصورة بامتياز إن الاحتفاء بالصورة ليس وليد اليوم بل إنها استأثرت منذ اكثر من قرن ونصف فالتصوير في الجزائر عرف منذ بدايات الاستعمار الفرنسي للجزائر منذ سنة 1830 على يد فنانين و مستشرقين إلا أن التصوير في الجزائر تقدم كثير بعد الاستعمار وأصبح تراث وأرشيف الجزائر والثورة الجزائرية
في منتصف شهر يونيو 2013 دفعت وزارة الثقافة الفرنسية عشرات الآلاف باليورو مقابل عدد من صور الفوتوغرافية تظهر مواقع لمدينة الجزائر العاصمة قبل أن تبرز البنايات المواجهة للبحر إلى حد اليوم
.
الصور التي سارعت وزارة الثقافة الفرنسية لاقتنائها من دار سوذبي لمبيعات المزاد اللندنية، تعتبر تراثا عالميا نادرا بحكم أن التصوير الفوتوغرافي كان بدائيا جدا ولم يمض على ابتكاره بضعة سنوات، واستعملت في الصور تقنية داجيروتايب daguerréotype، وهي تقنية قديمة في التصوير كان قد ابتكرها المخترع الفرنسي لويس داجير Daguerre Louis بتاريخ يناير 1839. الصور تبقى شاهدة على ميناءالجزائر ومسجدها الكبير إضافة إلى باب عزون مدخل مدينة الجزائر الشرقي.
قيمة الصور أيضا تكمن في كونها نادرة لدرجة أنّ أقدم الصور الفوتوغرافية عن الجزائر في أرشيف فرنسا بمدينة آكس أون بروفنس يعود تاريخها إلى 1851، وأيضا في اندثار تقنية داجيروتايب في التصوير مع اكتساح اختراعات البريطاني فوكس تالبوت التي هيمنت على التصوير الفوتوغرافي وتطورت لغاية انتشار التصوير الرقمي .
ظهرت الصورة الفوتوغرافية في الجزائر على شكل ألواح فضية لمسجد “الجامع الجديد” صورها مصور مجهول. (يحتفظ بهذه الوثيقة في أقدم متحف للصورة الفوتوغرافية في العالم وهو متحف جورج إستمان بالولايات المتحدة الأمريكية) .
كانت أول زيارة لفنانين ومستشرقين رفقة داغيريوتيب – آلة التصوير الأولى – إلى الجزائر سنة 1833 مرافقين للجيش الفرنسي، كان آنذاك الرسام الفرنسي هوراس فارني قائدا لهم، لكنهم لم يمكثوا بالجزائر وفضلوا الاتجاه شرقا إلى مصر والشام وفلسطين، أما التاريخ الفعلي للتصوير في الجزائر فقد أتىبعد ذلك
بأعوام، وبالضبط سنة 1840 العام الذي تنسب له أول صورة التقطت في الجزائر، حيث طبع صاحب آلة داغير مجهول صورة مسجد الجزائر على قطعة معدنية من نحاس
.
العشرية التي تلتها شهدت ميلاد أشهر أستوديو تصوير في الجزائر “أستوديو جيزار” بباب عزون.
استقرت عائلة جيزار السويسرية في العاصمة سنة 1850، بعدها بعامين توفي الأب لوسيان جاكوب ووجدت أرملته جولي نفسها وحيدة رفقة أولادها الثلاثة فريدريك، جيمس وجين، حيث فتحت أستوديو للتصوير في العام نفسه بالاشتراك مع جون بابتيست أنتوان ألاري شراكة وثقت سنة 1855.
كان ألاري محبا للتصوير وقد عمل رفقة صديقه لويس هيبوليت ديلموت أول مصور في الجزائر، توفي ألاري سنة 1868 ولحق به فريدريك ابن جولي الكبير، ابنها الآخر جيمس حيث انشأ أستوديو خاص به في معبر مالاكوف، وكان يجب أن ننتظر سنة 1875 ليبدأ الابن الأصغر جون نشاطه لوحده في 7 شارع باب عزون، منذ هذاالتاريخ وجون يصنع الصور للبورجوازية العاصمية ويتجول في كل أنحاء الجزائر حيث حقق موسوعة إثنية مصورة قد تكون الأكثـر غنى في نهاية القرن التاسع عشر…
جون جيزار هو أحد المصورين الأوروبيين القلائل الذين كانوا قريبين جدا من الجزائريين، حيث اقترب من المجتمع الجزائري وصوره بكثير من الاحترام مظهرا تنوع وأصالة الثقافة الجزائرية، ولم ينغمس في الرؤية المتعالية على المجتمع ولا في العجائبية أو عالم الحريم الذي استهوى المصورين لهنرتولوندروك على سبيل المثال اللذين استقرا في تونس في بداية القرن العشرين واللذين كانا يصوران عالما متخيلا أكثـر منه حقيقيا.
في نهاية القرن التاسع عشر انتشرت البطاقة البريدية بشكل كبير لتحسن أساليب الطباعة، وأصبح
جون جيزار أهم ناشريها حيث نشر بين 4000 و6000 بطاقة بريدية. ويعد جونجيزار من أوائل المصورين الفوتوغرافيين المحققين في تاريخ التصوير الفوتوغرافي العالمي إن لم يكن أولهم. توفي جيزار في العاصمة الجزائرية يوم 7 سبتمبر 1923 ويرقد الآن في مقبرة القديس جان مقابل البحر، قبل أن يموت كان قد عبر في أحد رسائله عن حبه العميق للمسلمين الجزائريين قائلا: “شيخا كماهو حالي اليوم، إذا كان يتوجب علي تغيير جنسيتي فسأبحث عن تحقيق هذا بين المسلمين”
كان في العاصمة مصورون آخرون مثل أوغست مور (1860-1907) الذي أنشأ أستوديو “التصوير الصحراوي” وركز كل عمله على الصحراء الجزائرية، كما عبر فيليكس مولان الجزائر سنة 1857 وصور “النساء العاريات”. كان علينا أن ننتظر إلى غاية بداية القرن العشرين كي ترى أستوديو هات جزائرية النور. يديرها مصورين جزائريين في هذه الفترة.
بدأ الجزائريون يقبلون على هذه الأستوديو هات، وبدأوا في زيارة الأستوديو هات لصناعة صور لهم ولعائلاتهم، وهم المواطنون الذين كانوا قريبين من الإدارة والبورجوازية الفرنسية مثل
المترجمين والمتعلمين، في البداية كان ذلك أقرب إلى التقليد، فالعائلة تجتمع باللباس الأوروبي والأثاث الأوروبي لالتقاط صورة يبدون فيها أوروبيين.
بعد الاستقلال ترك بعض الفرنسيين أستوديوهاتهم لمساعديهم الجزائريين مثل أستوديو راديوم في شارع ديدوش مراد الذي ما زال يحافظ على نفس الاسم، وايضا الأستوديو هات الأخرى التي استمر ورثتها من الجزائريين في إدارتها كأستوديو هات للتصوير.
التقط المصور الفرنسي إيلي كاغان العديد من الصور التي تشهد على همجية الإدارة الفرنسية في مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بفرنسا هذه الواقعة التي تعد من جرائم الحرب التي ارتكبها جنرالات فرنسا الوحشية، كما استعرض جناح المصور الصربي ستيفان لبودوفيك ألبوم من
الصور الخاصة بالمقاومة الجزائرية من سنة 1959 إلى غاية الاستقلال
،
خلال الاستعمار التقطت عدة صور للجزائريين الذين غالبا ما كانوا محل فضول واستعجاب.
في ذالك الوقت لم يكن الجزائري ينتقل إلى الاستديو هات لالتقاط الصور لأنه لأنه لم يكن يملك هذه الثقافة باستثناء الجزائريين الذين كانوا يشتغلون في الإدارة الاستعمارية.
واستمر هذا الوضع إلى غاية الاربعينيات من القرن الماضي حين أصبحت صورة الهوية ضرورية للحصول على وظيفة.
مع استقلال الجزائر (جويلية 1962) دخل فن التصوير الفوتوغرافي عصرا جديدا وأصبحت الصورة الفوتوغرافية وثيقة أساسية لإنجاز بطاقات التعريف وإنشاء صحف جديدة. وأصبحت وكالات الأنباء تستدعي المصورين القلائل الذين يشتغلون بالجزائر.
يجب ان لا ننسى فتح أول رواق فردي مخصص لهذا الفن النبيل في إفريقيا والعالم العربي وبعض البلدان الغربية.
لقد عرف مصورو فترة ما بعد الاستقلال (1965-1978) الذين شهدوا التصوير الأهلي كيف يعيدوا الكرامة والحرية لهذا الشعب المتواضع بعد عذاب الاستعمار
.
فشهدت الصورة الفوتوغرافية في عهد الاشتراكية صور بناء الجزائر بعد الحرب تحت شعار الثلاثي التالي :
الثورة الزراعية والثورة الصناعية والثورة الثقافية. واتخذت الصورة الفوتوغرافية هذا الاتجاه على غرار كل البلدان الاشتراكية او الشيوعية التي استخدمت هذا النوع من الصورة الثورية.
لم يكن بحوزة المصورين فرص كثيرة لعرض أعمالهم. ففضاءات العرض كانت نادرة تتمثل في: قسم الوثائق في وزارة الاعلام وخدمة الثقافة للجزائر والصحف Le,Rpublicain Alger – Soir Ce Alger ,Peuple والمجاهد و الشعب ومجلات الشباب اضافة لحفلات الشباب والتجمعات المعادية للأمبرالية ، نظمت كذلك مسابقات التصوير لمدينة الجزائر. ابتداء من 1979 وفتحت فضاءات أخرى لكنها لم تدم طويلا. تم كذالك اعتماد المصورين الجزائريين المشتغلين في الوكالات الأجنبية وظهرت روبرتاجات مصورة مرتبطة بالكتاب الجدد ونظمت بعض المعارض للصور الفوتوغرافية حيث دخلت الصورة المتحف
.
بعد أحداث أكتوبر 1988. قام التصوير الفوتوغرافي بخطوة جديدة.
“التصوير الجديد” للتسعينيات: أعطت ظهور الديمقراطية وبروز مصورين شباب. بعدا جديدا للفن التصويري بالجزائر ولقد استوعب العديد من مديري النشر قوة الصورة وأعطوها أهمية في جرائدهم وأصبحو كل يوم يخصصون لها صفحات في الجريدة تحمل توقيع المصورين.
وظفت وكالات الأنباء والتصوير الأجنبية المستقرة بالجزائر العديد من المصورين الشاب المنحازين من مذهب ” التصوير الجديد” كمراسلين دائمين لوكالاتهم.
بلغ فن التصوير الجزائري أوجه : كان المصورين يحضرون أهم مواعيد الصورة الفوتوغرافية في الخارج وأصبحت البرامج المتخصصة تدعوهم وفازت جزائرية بجائزة Press Word لسنة 1997 وهذا يمثل اعترافا كبيرا للمصورين والتصوير الفوتوغرافي الجزائري.
من جهة أخري ظهرت الصورة الفوتوغرافية الجزائرية في عدة متاحف عبر العالم على شكل مجموعات خاصة.
ونظم لها اليوم مهرجان خاص بها بالمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في انتضار تنظيم مواعيد أخرى حول هذا الفن.
المصور الجزائري محمد كواسي مسؤول عن مصلحة الصور للحكومة الجزائرية المؤقتة
التي تم التقاطها بين سنتي 1958 و1962،
المصور الجزائري محمد لونيسي بن ساولة المدعو شروكي شرحا مفصلا للجمهور الذي كانت تغص به قاعة العرض الكيفية التي قام بها لتحضير هذه الصور والتي قال بأنها أرشيف للجيل الحالي واللاحق، ودليل قاطع وشهادة على جرائم الإدارة الفرنسية، كمايحتوي المعرض مختلف الصور للشهداء والمجاهدين في شعب الجبال والأودية، والصحاري والمدن الجزائرية وقراها من إمضاء فنانين محترفين في التقاط الصور وتحميضها.
لفهم تجربة الفن الفوتوغرافي الجزائرية لا بد من العودة إلى الاستعمار الفرنسي (1830 – 1962) الذي ارتبط هذا الفن بزمنه. وفعلاً، كانت الصورة آنذاك سلاحاً مرافقاً للترسانة العسكرية، في فرض الرؤية الفرنسية الاستشراقية على المشهد الجزائري. واشتهرت في هذا الإطار أسماء فنية كثيرة، تكتلت في التعاونية الفوتوغرافية “ماغنوم فوتو”، التي تأسست عام 1947. لكن مع اندلاع ثورة التحرير الجزائرية (1954 ـ 1962)، بدأت تتبلور ملامح مدرسة جزائرية في فن التصوير، أملتها حاجة الثوار الجزائريين إلى إيصال “ملامح” الحقيقة الثورية إلى العالم.
بعد الاستقلال الوطني، مطلع ستينيات القرن العشرين، ظهر جزء كبير من الأرشيف
الفوتوغرافي للثورة، خصوصاً ذلك المتعلق باللحظات الإنسانية الحميمة، مثل فن
البورتريه، وانتشر باعته في شوارع المدن الكبرى. إنه الرصيد الذي أقام عليه جيل
الاستقلال رؤيته الخاصة لممارسة هذا الفن، مصوري الثورة
مارك غارنجار، و لد سنة (1935) بـ نورموندي بفرنسا، تمثل الصورة الفوتوغرافية الملتقطة من طرفه أحد مجاهدي جيش التحرير الوطني مقيد اليدين، حيث تم القبض عليه من طرف قوات الإستعمار، هذه الصورة الفوتوغرافية ملتقطة بتقنية الأسود و الأبيض و هي من الحجم الكبير حوالي خمسةأمتار على خمسة، تعليقي عليها تبدوا جد معبرة كون نظرات المجاهد توحي بأشياء، مثل الشهامة …
ستيفان لبودوفيك، و لد في 28 ديسمبر 1926 ببران بصربيا، من بين الصور المعروضة
له بـالمتحف “ماما” صور المقاومة الجزائرية من1959) إلى (1962 من خلال تلك الصور يظهر جنود جيش التحرير الوطني يستعملون عتاد حربي من الحجم الثقيل في الجبال و غابات إحدى المناطق الجزائرية، الصورة بتقنية الأسود و الأبيض،
كما يجدر بنا التذكير أن هذا المصور تعرض له عدة صور فوتوغرافية في نفس الموضوع.
محمد كواسي، مولود في 1922 – توفي سنة 1996 مسؤول عن مصلحة الصور للحكومة الجزائرية المؤقتة من سنة (1962.1958) ، الصورة المعروضة هي منجزة بتقنية الأسود و الأبيض تمثل جنود جيش التحرير الوطني و هم يستعملون سلاح الخاص بقذائف الهاون و هذا في إحدى المناطق الجبلية الجزائرية،الصورة تم تجسيدها على الحجم الكبير حوالي خمسة أمتار على أربعة، كما أنه أغلب الصور الفوتوغرافية المعروضة له في متحف “ماما” و التي
إلتقطت إبان الثورة التحريرية هي مؤخوذة في الجبال، إذ يظهر على أغلبها أي الصور
المعروضة جنود جيش التحرير الوطني الجزائري و هم في أتم الإستعدادلمباغتة جنود الإستعمار، لقد جسدت هذه الصورة المعروضة على الحجم الكبير.
فيتورغو كونتينو، ولد بباليرمو سنة 1924 بإيطاليا، حيث تمثل الصورة التي إلتقطها من خلال عدسة آلة التصوير التي كان يشتغل بها في الميدان، بتقنية الأسود و الأبيض، جانبا من جوانب “مقاومة جيش التحرير الوطني في جبال مجردة بالقرب من كولو الولاية الثانية خريف سنة 1958” هذه الصورةالمعروضة في متحف “ماما” هي مجسدة على الحجم الكبير حوالي خمسة أمتار على ستة أمتار.
إيلي كاغان، مولود في 1928 – توفي سنة 1999 ، تمثل الصورة المعروضة له في متحف “ماما” و الملتقطة بتقنية الأسود و الأبيض تغطيته مظاهرات السابع عشر من أكتوبر عام ألف و تسعمائة و واحد و ستون (17 أكتوبر 1961) بباريس/فرنسا، إذ يظهر على الصورة أحد المتظاهرين الجزائريين المقيمين بفرنسا،و مظاهر الإعتداء بادية عليه حيث ينزف رأسه و وجهه
و باقي جسده دما و هذا جراء التدخل العنيف للشرطة الفرنسية، الصورة الفوتوغرافية مجسدة على الحجم
الكبير حوالي خمسة أمتار على خمسة أمتار، و له العديد من الصور المعروضة في أروقة
المتحف “ماما”.
أدولفو كامنسكي، ولد في 1 أكتوبر 1925 بأرجنتينا، مصور من فرنسا، عرضت له صورته على شكل بورتري ملتقطة بتقنية الأسود و الأبيض، و هذا ما جاء في النص المضاف إلى شخصه و التعريف به ” مقاوم مختص في إصدار الوثائق المزورة خلال 30 سنة، زود المقاومين ببطاقات تعريف مزورة في كل أنحاءالعالم كلما قدر أن القضية عادلة، رافضا تلقي أي أجرة على عمله أنقذ أدولفو كامنسكي آلاف الأرواح بعمله هذا، حيث ساند مباشرة الجزائر من
خلال شبكة “فرانسيس جونسون” مؤسس أول شبكة فرنسية لدعم جبهة التحرير الوطني و شبكة “كوريال” و إشتغل مع عمر بوداود المسؤول على إتحادفرنسا لجبهة التحرير الوطني فأصدر وثائق مزورة للمقاومين الجزائريين إلى غاية الإستقلال سنة 1962″.
دومينيك بريتي، مولود في 1916 – توفي سنة 1981، الصور الفوتوغرافية المعروضة له في أروقة المتحف “ماما”، تتمثل في تغطيته من خلال عدسة آلة التصوير الفوتوغرافي التي كان يشغل عليها لمظاهرات الحادي عشر من ديسمبر عام ألف و تسعمائة و ستون 11) ديسمبر (1960، يظهر في الصور خروج كافة فئات الشعب الجزائري إلى شوارع الجزائر مطالبين الإحتلال “بالحرية و الإستقلال”، و لقد جسدت إحدى هذه الصور على الحجم كبير حوالي مترين على ثلاثة أمتار..في الجانب الأخر من الطابق العلوي لأروقة المعرض يظهر على إحدى الصور الملتقطة من طرف هذا المصور المحترف ” إحتقار و إعتداء”واضح من طرف عسكر الإستعمار على أحد المواطنين المدنيين الجزائريين، حيث قام أحد العساكر بضربه بعصى و هذا من جانب و قام العسكري الثاني بضربه بـ “كروس” السلاح مباشرة على وجهه…
الصورة ملتقطة بتقنية الأسود و الأبيض مثل هذه الصور تبقى “شاهد عيان” على
التاريخ لتك الحقبةمن الزمن، ظروف عمل “مصورو الحرب” جد صعبة يكون ذلك في بعض الأحيان على حساب صحتهم، اسمحوا لي أعزائي القراء بل يتجاوزها في أغلب الأحيان على حساب حياتهم.
جيرد ألمغران، مولودة سنة 1925- توفيت سنة 2008، تظهر هذه السيدة و هي مصورة فوتوغرافية محترفة على “بورتري” إلتقط لها و هذا بتقنية الأسود و الأبيض، كانت حينها ترتدي لباسا عسكريا كالذي يلبسه المجاهدون في الجبال و من خلف هذه السيدة السويدية يظهر العلم الجزائري، ملامح وجهها تبدوا راضية إذ تعكس ما في أعماقها على نجاحها في تحقيق بما هو معروف في أوساط الإعلام الحديث و المعاصربـ “السبق الصحفي” مع
رجال دوخو الإستعمار و ألحقو به خسائر حتى توالت الأخبار إلى الرأي العام الدولي، هذه لم تكن النهاية و لكن ما هي إلا البداية …
قدور سمار المدعو “سي محمد”، مولود في 1913 – توفي سنة 2008، يعتبر رئيس مصلحة التصوير السينمائي من سنة 1956 إلى غاية سنة 1962 و هذا بقاعدة بن مهيدي الولاية الخامسة المنطقة الثامنة، إذ تروي جل صوره المعروضة بأروقة المتحف “ماما”، و الملتقطة
بتقنية الأسود و الأبيض و المجسدة علىالحجم الكبير، تجمع بعض من أفراد جيش التحرير الوطني في الجبال و إستعدادهم لمباغتة جنود الإستعمار، و يبدو في الجانب الآخر من الصور الفوتوغرافية المعروضة “بورتري” لعدد من عناصر جيش التحرير الوطني، جميع هذه الصور مأخوذة في الجبال و الغابات إبان الثورة التحريرية.
بسا أحمد زين، مولود في 12 جويلية 1943 ببرج بوعريريج، تمثل أغلب الصور الفوتوغرافية المعروضة له في أروقة متحف “ماما” جانبا من مشاهد عيد الإستقلال بعد اليوم السابع، إذ يظهر على الصور الفوتوغرافية الملتقطة بتقنية الأسود و الأبيض، و المجسدة على الحجم الكبير، أجواء الفرحة الباديةعلى الشعب الجزائري و الذي خرج إلى الشوارع هاتفا بالحرية و الإستقلال التي دفع ثمنها رجال أرادوا إلا أن يستشهدوا لتحيا الجزائر حرة مستقلة، ذكرتني مشاهد الإحتفال بعيد الإستقلال بما جادت به المغنية الإفريقية المشهورة “مريم ماكيبا” بأغنية أهدتها للجزائر تحمل عنوان ” أنا حرة في الجزائر..”.
إن التجربة الفوتوغرافية الجزائرية ما زالت تعاني من “عدم التوثيق”، ومن غياب الدراسات العلمية التي تواكب تحولاتها وحساسياتها المختلفة، ومن ندرة النوادي والجمعيات التي تتكفل بانشغالات فاعليها، ومنها حاجتهم إلى التكوين. إن هذا الفن في التكنولوجيات الحديثة قسّم المشهد إلى زمنين، زمن الأبيض والأسود، وزمن الصورة الرقمية الذي ساهم في خلق تحولاتٍ مسّت مفهوم التصوير ذاته.” من منطلق الحس الجمالي بالأشياء والخلفية المعرفية العميقة؛ وهو ما يجعل الصورة اليوم “أخطرَ” منها في السابق”
لقد بات التصوير فناً ديمقراطياً بامتياز، إننا أمام جيل من المصورين تحركهم الرغبة في الصورة، وليس الحاجة إليها ، وهذا أساس لمرحلة جديدة يدخلها هذا الفن. حول جماليات المكان والوجه في التجربة الفوتوغرافية الجزائرية، وموقعهما في فن الصورة لدى الجيل الجديد إن هناك نوعاً من التقصير من جانب المصوّرين، بالرغم من توفر الإمكانيات المادية، سواء في التجهيزات أو أساليب التنقل. فالجزائر، قارة من الثقافات والتعابير والملامح والفصول والأذواق
،لكنها تعرف يتماً.
فن الصورة لا يُختصر بكاميرا عالية الجودة فحسب، بل هو إحساس وموهبة أيضاً. غياب فرص التكوين في المشهد الجزائري: “مشكلة تكمن في التكوين ونقص المدارس المتخصّصة. أغلب المصوّرين يعتمدون على الارتجال والمعلومة المتوفرة على الإنترنت.لا يوجد من يهتم بالتغطيات المصوَّرة في المجالين الفني والأدبي، فجلّ المصورين الجزائريين “يعتبرون التصوير في هذا المجال أقل قيمة وشأناً من التصوير في مجالات الرياضة والحروب والمظاهرات
اليوم وبعد مرور أكثـر من مائة وستة وسبعين سنة على ميلاد أول صورة في الجزائر، يستعد الجيل الجديد من المصورين الجزائريين الذين وجدوا للصورة الفوتوغرافية خصوصيتها الفنية الكاملة في هذا العصر.
المصادر