الصور المثيرة للجدل التي التقطها المصور البرازيلي إدواردو مارتينز من أسوأ مناطق النزاع ساعدته أن يكتسب صيتاً كبيراً، وأن يجري حوارات صحفية محتدمة، ومكاناً في بعض أهم المنافذ الإعلامية، وأكثر من 120 ألف متابع على إنستغرام.
أحب الناس قصة هذا البرازيلي الوسيم أشقر الشعر المهتم بركوب الأمواج، والبالغ من العمر 32 عاماً، الذي نجا من سرطان الدم، ثم وجد معنىً جديداً لحياته في تصوير النزاعات. ونُشِرَت صوره الدرامية لمناطق الحرب في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، وفايس، وهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
لكن هناك مشكلة واحدة فقط، فكل هذا كان كذباً، إذ كَشَفَ تحقيقٌ أجرته النسخة البرازيلية من “بي بي سي” أنَّ مارتينز سرق صوراً لراكب أمواج بريطاني، يدعى ماكس هيبورث بوفي وادعى أنَّها له، حسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
كيف كُشف احتياله؟
نشر موقع “بي بي سي” البرازيلي لأول مرة مقابلة بجانب صور ومقاطع فيديو يُفترض أنَّ مارتينز هو من التقطها، في يوليو/تموز 2017، ثم كشف احتياله بعد تحقيقٍ أجرته مراسلةٌ مقيمة في لبنان تُدعى ناتاشا ريبيرو.
وأدَّى حجم الخداع، الذي ظهر في الأيام الأخيرة، إلى صدمةٍ حقيقية بين دوائر المُصوِّرين في البرازيل.
وعندما بدأت قصته في التكشف، تواصل الصحفيون بالمُصوِّر البرازيلي فرناندو كوستا نيتو، الذي كان يتحدَّث إلى المصور المحتال مارتينز على الإنترنت لأكثر من عام، ونشر مقابلةً معه على موقع ركوب الأمواج Waves.
ولكن يبدو أن مارتينز سارع بالفرار، فوفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، أخبر كوستا نيتو مارتينز عن غير قصد بأن الشكوك بأنه مزور بدأت تحوم حوله.
وقال كوستا لصحيفة الغارديان البريطانية إنَّه لم يُحذِّر مارتينز. غير أنه تلقَّى بعد ذلك رسالة أخيرة من مارتينز، نشرها على موقع Waves، ونصها: “أنا في أستراليا، أخذت القرار بإمضاء عام في شاحنة صغيرة. سأبتعد عن كل شيء، بما في ذلك الإنترنت. أريد أن أحظى بالسلام، وسوف نتقابل عندما أعود، بحضن كبير”.
وأخبر كوستا نيتو، الذي كان على اتصال بمارتينز بخصوص خططه لتنظيم معرضٍ لأعماله، صحيفة الغارديان في رسالة بريدٍ إلكتروني أنَّه يشعر بخيبة أمل كبيرة. إذ قال: “أشعر بالشفقة أكثر من الأسف، هناك قدر معين من الخداع يحمله جميع البشر. خداعُ الناسِ فعلٌ قبيح”.
وقال موقع Getty Images في بيان إنَّه حذف كل الصور التي ادَّعى مارتينز أنَّها له.
وقال متحدثٌ رسمي باسم الموقع: “نعمل مع جميع إداراتنا الداخلية لتوضيح هذه المسألة على وجه السرعة، كما نزيل كل المواد المسروقة من المنصة”.
حارب السرطان ولا يعلم شيئاً عن غزة
في مقابلةٍ مع موقع Waves نُشِرَت في يوليو/تموز 2017، قال مارتينز إنَّه أصيب بسرطان الدم في عامه الـ18، وأمضى سبع سنوات في العلاج.
وأخبر المصور المحتال كوستا نيتو الذي أجرى المقابلة لصالح الموقع أنَّه يقيم حالياً في الموصل بالعراق، وقد رافق الجيش السوري الحر في عام 2015، حتى إنَّه أُصيب بطلقٍ ناري في حلب.
وأضاف: “أصبحتُ مصوراً لمناطق النزاع. وجدت ما أريده حقاً كمصور”.
وتحدثت ريناتا سيمويس، وهي صحفية ومراسلة تلفزيونية من ساو باولو، عن طريق خدمة رسائل إنستغرام مع مارتينز ثلاث مراتٍ، بينما كان يتواصل مع عددٍ من النساء البرازيليات العاملات في وسائل الإعلام.
كانت ريناتا مهتمة بمشروع ركوب أمواج في قطاع غزة، لكن مارتينز لم يكن على علمٍ بالأمر، رغم أنَّه ادعى أنَّه أمضى وقتاً في المنطقة وعمل بها.
ودعاها مارتينز إلى معرض صورٍ فوتوغرافية في ساو باولو، لكنَّها لم تتمكَّن من الذهاب.
وقالت ريناتا: “اعتقدت أنَّه من الغريب لأحدٍ يدعي أنَّه أمضى وقتاً في غزة ألا يسمع أبداً بمشروع ركوب الأمواج هذا. في النهاية، نصدق ما نريد تصديقه. أحياناً ما يكون الخبر جيداً للغاية حتى إنَّنا لا نتكبَّد عناء التحقُّق منه”.
من جانبها، قالت نينا كيلر، وهي مُصوِّرةٌ من ساو باولو، إنَّ مارتينز أخبرها في حوارٍ أجرته معه لموقع M Journal أنَّه ليس خائفاً من الحرب، بل من السرطان.
وبحسب قولها: “رأيته وجهاً لوجه، لكنه تمكَّن من خداعي، وفوق كل هذا، أرسل لي زهوراً واتصل بي يومياً، وأرسل لي عدة رسائل”.
بعد اكتشاف عملية الاحتيال، بدأ إغناتشيو أرونوفيتش، وهو مصورٌ آخر من ساو باولو، في التحقُّق من الصور التي ادَّعى مارتينز أنه التقطها.
وقال: “لم يكن للصور أي اتساق مرئي. بالنسبة لي، كنت أرى أنَّها من التقاط مصورين مختلفين. لكل مصور أسلوبه الخاص. كان واضحاً لي أنَّ مارتينز كان يستخدم صوراً من أكثر من مصدر”.
وأضاف أرونوفيتش أنَّه وجد صورةً بها مصور يحمل كاميرا يبدو أنَّها بدون زر Shutter وغيرها تبدو كأنَّها مقلوبة. بعد البحث في صور جوجل، اكتشف أرونوفيتش أنَّ مارتينز كان يسرق الصور من مصورين آخرين، وغالباً من أماكن مختلفة، ثم يقوم بتعديلها ووضعها باعتبارها من التقاطه.
صبي فلسطيني من العراق!
وكان أرونوفيتش متشككاً في مقابلةٍ أجراها مارتينز مع مجلة ريكاونت، حيث قال إنَّه توقف عن تصوير نزاع في العراق لمساعدة صبي أصيب بجروح من زجاجةٍ حارقة. وقال أرونوفيتش مستنكراً: “من قد يستخدم زجاجات حارقة في العراق حيث توجد ملايين الأسلحة”.
وقال دانيال سي بريت، وهو مُصوِّرٌ أميركي، للبي بي سي إنَّ مارتينز قد سرق بعض أعماله.
وكانت إحدى الصور التي نُشرت في مقابلة مجلة ريكاونت، مسماة “صبي فلسطيني يصرخ بعد الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، شرقي غزة”، هي في الواقع صورة التقطها بريت في كركوك بالعراق عام 2010. وقد قلب مارتينز الصورة، ما جعل من الصعب تتبع ما فعله.
وقال كوستا نيتو إنَّ ما حدث يعد درساً كبيراً، وأضاف: “من الضروري أن نكون أكثر صرامةً في فحص المصادر. ليس لدي شك أنَّ هناك مصورين مزورين غيره يعملون في مكانٍ ما”.