الفنان عدنان حميدة
الفنان التشكيلي الفلسطيني “عدنان حميدة” المولود في مدينة دمشق السورية عام 1962، تعود أصوله الفلسطينية إلى مدينة صفد في شمال فلسطين المغتصبة منذ عام 1948. مواهبه الفطرية برزت منذ مراحل تعلمه في المرحلة الإعدادية، واحتوتها الرعاية الذاتية والتربوية بالصقل، وأمسى الفن ودراسته هدفاً ممكن التحقيق في مساراته الحياتية. بعد حصوله على الشهادة الثانوية تقدم لمسابقة القبول في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1981، وكان من عداد طلابها المُجيدين. تخرج من قسم الاتصالات البصرية – إعلان- عام 1985، حاصلاً على شهادة بكالوريوس فنون جميلة.
آثر في بداية مشواره الفني ومساحة عروضه الفردية مُغادرة مخدعه الدراسي الأكاديمي (الإعلان). من خلال معرضه الفردي الأول في صالة نصير شوري بدمشق عام 1998، تحيزاً لفنون التصوير الزيتي والتي أتقن مهاراتها وتقنياتها وأصولها ما قبل وأثناء التحاقه في كلية الفنون الجميلة، متأثراً بالمدرسة الواقعية الممزوجة بلمسات انطباعية، ومعجباً بتوليفات الحداثة التعبيرية. مُبتكراً لذاته أساليب خاصة في صوغ المضامين وتوزيع مفردات وعناصر شخوصه ومكوناته المتداخلة في فضاء اللوحات. قائمة على البنية التحليلية لأشكال الطبيعة والإنسان في صيغ شكلية وخطوط وحركة إيقاعية من الملونات المتجانسة، والملتزمة بمقولات الفن للفن.
عمل في بداية الرحلة في يوميات الفن والحياة مُدرساً في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق، وكان له حضوراً مميزاً ولافتاً ما بين زملائه وطلابه، وتأثيره الواضح على مجموعة الدارسين الذين عبروا في محطة ابتكاره، وأمسى لكثير منهم مكانة رفيعة في الحركة الفنية التشكيلية السورية. استهوته الرسوم المتحركة وصناعة الأفلام الخاصة ببرامج الأطفال، وعمل في أكثر من شركة ومكان. انتهى به المطاف للعمل كأستاذ محاضر في قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق وتدريس مواد لها صلة بالرسوم التعبيرية المتحركة” أفلام كرتون” وسواها من تقنيات. منتقلاً بعدها إلى فضاء الجامعات الخاصة بالفنون لتدريس ذات المواد العملية التخصصية. له مجموعة من المعارض الفردية والجماعية الرسمية لنقابة الفنون الجميلة ومديرية الفنون الجميلة السورية، والاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين في سورية وصالات العروض الخاصة. وجدير ذكره هو عضو في اتحادي الفنانين التشكيليين السوريين والفلسطينيين منذ تخرجه.
هو بلا أدنى شك، فنان إشكالي في فلسفته الجمالية وصوفيته التعبيرية وطريقته في التفكير، لاسيما أفكاره البريئة، والمُعلنة عبر وسائط الإعلام حول الفن التشكيلي الفلسطيني. ذلك الفن التراكمي للفنانين التشكيليين الفلسطينيين عبر سبعة عقود من الزمن والمعبر عن هموم وأحزان الشعب الفلسطيني وثقافته الوطنية وتراثه الأدبي والشعبي، مُعتبراً إياه بأنه فن بلا هوية، وان فنون الحداثة والمعاصرة التجريدية المجردة من العواطف والهموم والمعنية بالخط واللون والتكوين هي الفن الصادق. ونظرته وشواهده المتناقضة تغدو مشوبة بلمحات سريالية في تقليب الأمور والأشياء والشخوص، سواء بلغة الفن التشكيلي البصرية، أو بلغة مسرود الخطاب اللفظي والكلامي. هو عصامي في الأقوال والأحاديث، ومنفتح على الحداثة الغربية التصويرية وتقاسيمها التعبيرية التجريدية في ميادين الفن التشكيلي.
خارج عن سرب أقرانه في الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية، من حيث رؤيته للعمل الفني التشكيلي ومقوماته. المبتعدة كل البعد وظيفية الفن النضالية والاجتماعية، وينأى بنفسه وفنه الدخول في محاكاة مواضيعها المباشرة، ولا نجد لها موقعاً في تجلياته البحثية، ولا ترجمة نصيّة تصويرية لمعاناة الشعب العربي الفلسطيني وتمثلها في مواقف تعبيرية داخل أسوار لوحاته. بل هي باقة من رسوم ولوحات معنية بالطبيعة الصامتة، والإنسانية كصدى ولازمة تشكيلية لإيقاعاته اللونية. مواضيعه في غربة شكلية ملحوظة عن دورها، كأداة تحريض وتعبئة وفعل ثوري مباشر، بل هي سابحة في متاهة الحداثة التعبيرية والشخصانية، والرمزية اللونية المحلقة في فضاء التقنيات المتناثرة في فضاء مخيلته الحافظة، ومزاجه الشخصي وذاتيته المُدرجة فوق سطوح خاماته. ترنو بلوغ جماليات المتعة الذاتية في الوصف والرصف والتشكيل، وبنائية النصوص وفق معايير الحسبة المهنية وحرفية التوصيل، وجماليات الأفكار المتوارية في تقاسيم لوحاته.
غنائية المساحات وعناق الملونات، والبعد الإنساني في حبكته التقنية ومسحته العالمية، هي شغله الشاغل، وحاضنة رؤاه ومعتقداته وجمالياته. مرصوفة فوق سطوح خاماته في جميع الاتجاهات صعوداً وهبوطاً ومجاورة وتداخل، وهي ميدانه الشكلي المحمود، وترجمان أمين لذاته المبتكرة والمنفعلة تماماً بمعزوفات اللون وطقوسه متعددة الملونات. تحتضن دائرة الألوان الرئيسة، وتُعطي للألوان الأساسية حظوة ومكانة متسعة في تقاسيم شخوصه ورموزه، وتجد تدريجاتها اللونية فسحة مناسبة لسباحة ريشه المعشبة باللون وحرية التنقل المريح فوق طبقاته، ورسم معالم فضاء لوني زاهي وشفاف وموصول بلحمة تقنية قوامها تحليل اللون والشكل إلى مساحات هندسية متواترة ومتوازنة الحدة والتباين والعلاقات الشكلية.
الإنسان والكائنات الحيّّة، ما هم إلا زائرين عابرين وطارئين تفرضهما ضرورات الحسبة الرمزية، ودلالات شكلية مشهودة في كثير من توليفات ملامحه التعبيرية المستعارة من ذاكرة الفنان الشخصية، مفردات متوالية الرصف في جدران مقاماته التصويرية، وكأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ زمنها التشكيلي العابر التي تجسدها رمزية اللوحة. والمحكومة بقيمتها الشكلية المحددة قسراً بعلاقات بنيتها النصيّة ومقولات الفنان في الحداثة والمعاصرة، وبنية التكوينات وجمالياتها وتقنياتها ومحددات العلاقة ما بين رموز الطبيعة الصامتة والخلوية والإنسان، وبما يحيطها من كائنات حية ومساحات فراغ وتجريد لوني يمتلك سطوح المكونات.
تقطيع اللوحة إلى أشكال هندسية مرصوفة في جميع الاتجاهات، ولعبة اللون وسطوته في عموم اللوحات، تقودنا إلى رؤى الفنان الشخصية، المعتمدة على تحليل معطيات الطبيعة لاسيما الكائنات الحيّة والإنسان خصوصاً. وفق متواليات هندسية الحركة الشكلية في متن النصوص. وكأنك تعود إلى حقب زمنية غابرة ومستعارة من حضارات متعددة، متوضعة في قالب شكلي واحد. وهي صيغة فنية طيبة الأثر، ومحمودة في اشتغل الفنان التقني والفكري على جماليات الماضي واستحضارها في صور حداثة تعبيرية وتجريدية معاصرة. لكن لا بدّ أن تعكس في ملوناتها وحسبته الشكلية ودلالاتها الرمزية مدارات الواقع العربي والفلسطيني خصوصاً، وتستحضر بشكل ما رمزي ودلالي ذاكرة مكانه الفلسطيني البصرية المفتوحة على فضاء إنساني رحب، وجماليات طبيعة تفوق الوصف والخيال. وإلا بقى الفنان ومنتجه الفني في لوثة بصرية، يداعب فيها الأنا الفردية المفصولة عن الواقع، وتعيش ويعيش بلوحاته في سيريالية مزمنة