ستيفن كينغ ملك روايات الرعب المصوّرة
هذا ليس الخبر. الخبر هو أنّ هذا الفيلم، هو واحد من خمسة أفلام صُوّرت للعرض في هذه السنة. وهذه الأفلام الخمسة هي من بين نحو 150 اقتباسا مباشرا أو موحى به من رواياته. وفي مراحل مختلفة من إنتاج 13 فيلما آخر لعروض العام المقبل أو الذي يليه. هذا ما يجعل عدد الأفلام الروائية الطويلة التي اقتُبست عن أعمال هذا الروائي ذي الـ69 سنة، يفوق 175 فيلماً بما فيها أعمال تلفزيونية أيضاً.
ولا أود إضافة الأفلام القصيرة التي تُصوّر كل سنة، فهذه لا حصر لها وسترفع من الرقم ليتجاوز الـ220 فيلماً حسب IMDb.Pro.
* برج أول
هذا نجاح لا ريب فيه، لكن من الصعب معرفة كيف أمكن له أن يتحقق. كثيرون هم الذين كتبوا قصص رعب وتشويق وتخويف، ومعظمهم لم يحصد الكثير من النجاح، هذا إذا استمر. ستيفن كينغ تجاوز احتمالات النجاح منذ 41 سنة، عندما وفّر مخرج جديد على المهنة نوعا (كان حقق حفنة من الأفلام حتى ذلك الحين)، اسمه برايان دي بالما، اقتباسا سينمائيا لواحدة من روايات كينغ المعروفة «كاري».
«كاري» كانت أول رواية منشورة للكاتب. دار «دوبلداي» تسلمت نسخة من الرواية بالبريد وقرأتها وتحمست لها ونشرتها سنة 1973. أي قبل ثلاث سنوات فقط، من قيام دي بالما (الذي أصبح لاحقاً من أشهر وأفضل مخرجي السبعينات والثمانينات) من تحويلها إلى فيلم. الممثلة ذات العينين الواسعتين والوجه ذي التفاصيل الدقيقة سيسي سبايسك، لعبت دور تلك الفتاة التي لديها قوّة غير طبيعية، إذ تستطيع أن تشعل النار بمجرد الرغبة والنظر إلى الشيء المراد حرقه. وهي تحرق المدرسة التي داوم طلابها على السخرية منها، بسبب أمها شديدة التدين.
منذ ذلك الفيلم تصاعدت بورصة الكاتب في هوليوود. الأفلام تلاحقت بلا هوادة. من ثلاثة أفلام في العام الواحد إلى أربعة، ومعظم الأعوام منذ ذلك الحين إلى اليوم حملت إنتاجات سينمائية لحكايات وضعها. هي أعوام منفردة ومتباعدة تلك التي لم تنتج هوليوود فيلماً لستيفن كينغ.
في الواقع، وبالمراقبة الدقيقة، يتبيّن أنّ هوليوود داومت على إنتاج أفلام لهذا الروائي كل سنة من العام 1980. عندما أخرج ستانلي كوبريك «الضياء» The Shining (أو «اللمعان» كما يمكن تفسير العنوان أيضاً)، إلى اليوم باستثناء العام 1991.
الشيء المميز الآخر حول الإنتاج الجديد «البرج الداكن» (The Dark Tower)، هو أنّه قد يكون (إذا ما نجحت التجربة)، الفيلم الأول في سلسلة تحمل العنوان ذاته. هذا لأنّ كينغ كتبها على هذا النحو واضعاً البطولة في شخصية بطل يشبهه، في مفهومه الميثالوجي، الشخصية التي أداها كلينت ايستوود في ثلاثية سيرجيو ليوني الشهيرة في عالم الغرب الأميركي. اختلافها أنّها تجمع بين الخيال العلمي والفانتازيا والوسترن في توليفة باركتها أقلام النقاد عندما أمّـها الكاتب في مطلع الثمانينات.
في الفترة ذاتها كان نشاط كينغ مستمرا. كان يكتب ليل نهار واستمر على ذلك من حينها ما يفسر السبب وراء كثرة رواياته. لكن في تلك الحقبة، كانت رواياته ذات الطابع التخويفي، تتمحور حول الأفراد (رجال ونساء وأطفال) الذين يمتلكون قدرات روحانية وبدنية مختلفة تخوّلهم تحقيق ما يريدونه ردّا على اعتداء أو تميّـزاً عن الآخرين. هذا تماماً ما كانت عليه رواية «كاري» وما تمحورت حوله رواية «مشعل النار» (تحولت إلى فيلم سنة 1984 على يدي المخرج الكندي مارك لستر).
«الرصاصة الفضية» و«عين القطة» و«طالب حذق» و«رجل الحصاد» وسواها، دارت حول هذا الموضوع ببطولات مختلفة. وكلّها تحوّلت إلى أفلام. أحد الاستثناءات القليلة، فيلم عن سيارة مسكونة قام بنقله فيلماً جون كاربنتر سنة 1983.
* بين الأصل والنتيجة
مع مثل هذا الزخم كان لا بد لحكاياته أن تبدو كما لو كان كل منها منقولا عن حكاية مثلها. هذا من قبل أن يبدأ بالميل صوب مواضيع أكثر شمولاً واختلافاً من مجرد حكايات الأرواح الشاردة والقدرات غير الطبيعية لأخرى شريرة. «بؤس» كان خطوة على هذا الطريق، لكنّ الأكثر قدوة في هذا المجال «إصلاحية شوشانك» التي حققها فيلم فرانك دارابونت سنة 1994 كما «الميل الأخضر» التي أخرجها أيضاً دارابونت وكلاهما جيد.
في الواقع، لم تكن أشهر الأعمال التي تناولتها السينما عن روايات كينغ المتعددة تختلف في كيانها عن الفئة المتكررة من أفكاره. هذا العمل كان فيلم ستانلي كوبريك «الضياء» وكان الفيلم الثاني المقتبس عن إحدى روايات كينغ.
إنّها واحدة من المرّات القليلة، نسبياً، التي فاق فيها الفيلم لا الرواية ذاتها، بل مفهومها وهويتها الأدبية. فيلم «ضياء» لستانلي كوبريك، استفاد من المخرج أكثر مما استفاد من أدب الكاتب، لدرجة أن ستيفن كينغ رفض الاعتراف بالفيلم حين شاهده وكتب عنه أوصافاً من بينها أنّه فيلم «ممل» و«لا ينتمي إليّ».
ما كان كينغ كتبه سنة 1977. هو عن عائلة صغيرة العدد تلتحق بعمل في فندق يغلق أبوابه في الشتاء القارس. على جاك تورانس، رب العائلة، أن يُشرف على المكان ويحرسه. وجاك. هو كاتب روائي كشأن الكثير من أبطال روايات كينغ. التركيز هنا هو على ابنه الذي يبدأ باكتشاف قدراته الروحانية بعدما تبين أنّ المكان مسكون بأرواح شريرة.
ستانلي كوبريك، الذي لم ينقل سابقاً أو من بعد رواية من دون القيام بنسف أحداثها وإعادة صياغتها على هواه، استخدم التركيبة (The Set Up)، ليتحدث عن الزوج وليس فقط عن الولد. ومن خلال الزوج عن المؤسسة. فيلم كوبريك، في الحقيقة، أكثر رعباً من كتاب كينغ. هو فيلم رعب خالص. مواد الرعب فيه هي مزيج من أشباح الماضي، ورجل فقد عقله، وصبي يقرأ المستقبل، وامرأة في خطر، وغموض حول حادثة شبيهة وقعت قبل عشرات السنين، ثم شخصيات تتراءى حية من بعد موتها إلخ. كذلك هي عن ذلك الكاتب (كما أداه جاك نيكولسون بشكل رائع) الذي فقد شهيته للكتابة كما لو أنّ شيئا غزاه في الدّاخل وامتلكه.
في الفيلم، وليس في الرواية، ثلاثة مستويات مهمة: أولاً الأحداث التي تقع اليوم لدى وصول الكاتب جاك مع زوجته الطيبة وابنه ذي الموهبة التي لا يعرف الشاب عنها شيئا. هو من الطبقة المتوسطة، يقصد من وراء هذه الوظيفة المنعزلة أن ينهي رواية تكون أول مشاريعه الكتابية. لاحقاً يجنّ ويسعى لقتل ابنه وزوجته.
المستوى الثاني حادث قتل مماثل وقع قبل عشر سنوات عندما قتل الزوج (الذي كان يعمل في الوظيفة ذاتها)، أفراد عائلته.
المستوى الثالث مجموعة حوادث وقعت سنة 1921. يرى جان نفسه فيها، وتتبدى له شخصيات لأناس يعرفونه، بل نرى له صورة تذكارية تجمعه معهم.
كما في كل أفلام كوبريك باستثناء أول فيلمين له في الخمسينات، لا شيء كما يتبدّى أو كما نعتقد أن الفيلم سيكون عليه. جاك يفقد عقله تدريجياً. ذلك المشهد المهيمن الذي نرى فيه الزوجة المستغربة (شيلي دوفال)، تتقدّم من الطاولة حيث يجلس زوجها على الآلة الطابعة ليكتب روايته، فتكتشف سطراً واحداً مكرراً على مئات الصفحات يقول:
All Work And No Play Makes Jack A Dull Boy
من أفضل ما صوّرته سينما الرّعب لليوم، لأنّنا لا نعرف ما ستكتشف ولأنّها مسلحة بعصا غليظة خوفاً من زوجها ولأنّها تتسلّل بينما يحتمل أن يفاجئها. لكنّ العبارة المتكررة سطراً وراء آخر وتعني «العمل الدائم من دون ترفيه يجعل جاك ولداً ملولاً»، إلغاء لكل التوقعات وإدراكا بأنّ الزوج ودّع رجاحة عقله وكل شيء مقبل من تلك اللحظة سيكون محط اكتشاف آخر.
ذلك الفيلم هو نوع لا يمكن لستيفن كينغ تصويره حتى ولو ولج المفردات ذاتها. فالخوف عند كوبريك يتم تأليفه بالكاميرا كما بالحدث. المشاهد التي تدور في الردهات حيث الكاميرا تسبق الحدث. وتلك المشاهد التي تدور في الردهات حيث الكاميرا تلاحق السيارة الصغيرة التي يلعب بها الصبي داني، لا يمكن أن تُنسى على الإطلاق. والإضاءة التي يوفّرها للفيلم موزعة بعناية بحيث لا تترك ظلالاً تسرق النظر عن الموضوع أو الأساس، وبحيث يضمن كوبريك ابتعاده عن التخويف المجاني. الفيلم بأكمله مصنوع بما يقرب الإعجاز، كل لقطة فيه، كل زاوية ثم كل مشهد مختار بعناية ومسكوب في مقدرة تستأهل الدراسة والإمعان. لقد صرف كوبريك في العمل أكثر من سنتين، والنتيجة ما زالت مبهرة يمكن رؤيتها مجسّدة في كل مكان من الفيلم المنتمي إلى سينما الكبار، سينما ستانلي كوبريك.هيمنة الكاتب على الأفلام المقتبسة من أعماله، تتفاوت. أحياناً لا علاقة له بالاقتباسات والنتائج وفي أحيان أخرى (كما الحال في فيلمي دارابونت) كان قريباً إلى حد كاف. في فيلم «البرج الداكن» انتقل لممارسة الإنتاج، إذ هو أحد المنتجين بجانب رون هوارد وبرايان غرازر و(كاتب السيناريو) أكيفا غولدسمان. والإخراج لنيكولاي أرسل، ذلك المخرج الاسكندنافي الذي شاهدنا له قبل أربعة أعوام دراما تاريخية عنوانها «علاقة ملكية».