آراء القرن العشرين حول مفهوم كلمة ثقافة
الإنثربولوجية الأمريكية
على الرغم من أن علماء الأنثروبولوجيا في جميع أنحاء العالم يوافقون على تعريف تايلور Tylor للثقافة، إلا أنه في القرن العشرين برز مفهوم كلمة “ثقافة” بوصفه مفهوم مركزي وموحد في الأنثروبولوجيا الأمريكية، حيث أنها تشير إلى القدرة الإنسانية بصورة رمزية وبشكل كبير والتي بدورها تعبر عن الخبرات الفردية بشكل رمزى، وفى الوقت ذاته تقوم بربط تلك الخبرات الرمزية بشكل اجتماعى.فيمكن تقسيم الأنثروبولوجيا الأميركية إلى أربعة حقول، كل منها يشارك بدور هام في البحث عن الثقافة: وهم الأنثروبولوجيا البيولوجية، واللغويات، والأنثروبولوجيا الثقافية وعلم الآثار.و قد أثر البحث في هذه المجالات على علماء الأنثروبولوجيا الذين يعملون في بلدان أخرى بدرجات مختلفة.
الأنثروبولوجيا البيولوجية:وأثرها قي تطور الثقافة
يدور بحث بشأن الثقافة بين مركزين لعلماء الانثروبولوجيا البيولوجية حول اثنين من المناقشات. الأولى، هي ثقافة الإنسان الفريدة من نوعها أو بالمشاركة مع الأجناس الأخرى (كما هو جلى، الحيوانات الرئيسية الأخرى)؟هذا هو السؤال المهم، حيث تقوم نظرية التطور على أن البشر ينحدرون من سلالة (انقرضت الآن) البدائيات غير البشرية. ثانيا، كيف تطور مفهوم الثقافة بين بني البشر؟
ثقافة غير البشر
لاحظ جيرالد ويس Gerald Weiss أنه على الرغم من تعريف تايلور التقليدي لكلمة ثقافة يقتصر على البشر بعينهم، فإن العديد من علماء الأنثربولوجيا قد اتخذوا من هذا أمرا مفروغا منه، وبالتالي عملوا على حذف هذا الشرط الهام من المفاهيم اللاحقة،، مجرد ثقافة المساواة مع أي سلوك مكتسب. يعد هذا الزلل مشكلة لأنه خلال السنوات التكوينية لعلم الحيوانات الراقية المعاصر، قد تلقى بعض علماء الحيوانات الراقية تدريبا في علم الأنثروبولوجيا (وبالطبع هم على دراية بأن مفهوم كلمة ثقافة يشير إلى تعلم السلوك بين البشر)، وبعضها الآخر ليس كذلك. وقد لاحظ بعض العلماء من غير الأنثربولوجيين، مثل روبرت يركس Robert Yerkes وجين غودال Jane Goodall أنه طالما أن حيوان الشمبانزي قد تعلم بعض السلوكيات، فبالتالى فلديهم قدر من ثقافة.[7][8] فحتى يومنا هذا، ينقسم علماء الحيوانات الراقية والذين لديهم خلفية عن الأنثربولوجيا إلى فريقين، بعض منهم ينادي بأن لدى الحيوانات الراقية ثقافة، والبعض الآخر ينادي بعدم وجود ذلك[9][10][11][12]
لقد زادت الأمور تعقيدا بشأن هذا البحث العلمي بسبب النواحي الأخلاقية. تعد فصائل علم الحيوانات الراقية حيوانات غير آدمية، ومهما كانت ثقافة مثل هذه البدائيات فإنها مهددة من قبل النشاط البشري. وبعد استعراض الأبحاث حول ما اكتسبته الحيوانات الراقية من ثقافة، توصل ماكجرو W.C. McGrew إلى أن، “[أ] يحتاج التعلم إلى أجيال متفاهمة مع بعضها البعض لكى تتم عملية التعلم، ومعظم الأنواع من غير البشر والقرود مهددة بالانقراض من أبناء عمومتهم من بنى البشر. في نهاية المطاف، بغض النظر عن الجدارة، يجب أن ترتبط ثقافة الحيوانات الراقية بفكرة بقاء النوع [أي لبقاء الثقافات المتعلقة بهم].[13]
يرى ماكجرو مفهوما لكلمة ثقافة مبنيا على فكرة وجود الاستفادة العلمية من دراسة ثقافة الحيوانات الراقية.ويشير إلى أن العلماء لا يمكنهم الوصول إلى أية أفكار موضوعية أو معارف من تلك الحيوانات. وبالتالي، إذا تم تعريف الثقافة من حيث وجود المعرفة، فإن محاولات العلماء لدراسة ثقافة تلك الحيوانات سوف تنحصر قي نطاق ضيق للغاية. وبناء عليه، بدلا من تعريف الثقافة قي ضوء المعرفة، يرى ماكجرو بأنه يمكننا النظر إلى الثقافة باعتبارها منظومة. وقد أوضح ستة خطوات لتلك المنظومة:
- لابد من وجود اكتساب سلوك من نوع جديد، أو على الأقل تعديل لسلوك كان موجودا مسبقا.
- لابد لهذا الكائن الذي اكتسب سلوكا جديدا أن ينقله إلى غيره من بنى جنسه.
- يتسم السلوك الجديد بالترابط قي حد ذاته وفيما بين الكائنات المكتسبة له بعضهم البعض، قي ضوء الخصائص السلوكية المتعارف عليها.
- يجب أن يتسم السلوك المكتسب بالاستمرار لكى يقوم بممارسة أثره أطول فترة ممكنة بعد فترة الاستجابة.
- يجب أن ينتشر هذا السلوك قي شكل وحدات اجتماعية.قد تكون هذه الوحدات الاجتماعية على شكل عائلات، عشائر، قبائل، أو أقارب.
- وأخيرا، يجب أن يستمر هذا السلوك عبر عدة أجيال[13]
يعترف ماكجرو بأن الستة عوامل قد تكون دقيقة إلى حد ما، وذلك نظرا لصعوبة مراقبة سلوك الحيوانات الراقية في البرية. لكنه يصر أيضا على ضرورة أن يتصف بالشمولية قدر الإمكان، وذلك لما يراه من ضرورة وضع تعريف لكلمة ثقافة “تخيم بظلالها على أوسع نطاق “:
وتعتبر كلمة ثقافة سلوك يتم تجميعه من خلال مجموعة عوامل دقيقة، على الأقل مثلا، من التأثيرات الاجتماعية.هنا، تعتبر هذه المجموعة كيانا مستقل، سواء أكانت، فصيلة، ذرية، مجموعة فرعية أو غير ذلك. ولعل دليل بريما فاشيا Prima facia على وجود ثقافة لدى الكائنات يأتى من خلال دراسة سلوك فصيلة واحدة بعينها، ولكن من خلال عدة عوامل تتميز بالتباين في السلوك فيما بينها، كما أنه يوجد لدى مجموعة من الشمبانزى خصائص معينة قد تكون غير موجودة عند غيرهم قي مجموعة أخرى، أو قد تؤدى أفراد طوائف مختلفة أشكالا مختلفة من نفس السلوك. كما أنه قد يقوى احتمال وجود ثقافة ما قي الحركات التي يؤديها الحيوان عندما لا يمكن تفسير هذا التباين بين الطوائف المختلفة من خلال العوامل البيئية فحسب[14]
كما أشار إلى ذلك تشارلز فريدريك فوجلين Charles Frederick Voegelin، أنه إذا اقتصرت كلمة “ثقافة” على “السلوك المكتسب ” وفقط، عندها إذا يمكننا القول بأن لدى جميع الحيوانات قدر من الثقافة.[15] ولعل جميع المتخصصين يجمعون على أن جميع أنواع الطوائف الراقية تشترك في بعض المهارات المعرفية مثل: القدرة على تحديد عمرالأشياء، القدرة على معرفة الأماكن، والقدرة على تصنيف الأشياء، وإيجاد الحلول للمشكلات بطريقة مبتكرة.[16] وعلاوة على ذلك، يرى العلماء بأن جميع طوائف الحيوانات الراقية تشترك في بعض المهارات الاجتماعية: فمثلا لديهم القدرة على تحديد أعداد أفراد الجماعة الاجتماعية التي ينتمون إليها؛ كما أن لديهم القدرة على تكوين علاقات مباشرة قائمة على أساس وجود درجة من القرابة والرتبة؛ كما أنهم يعترفون بدرجة قرابة الطرف الثالث، بل ولديهم القدرة على التنبؤ بالسلوك في المستقبل، وأخيرا تتعاون فيما بينها لإيجاد وسائل لحل المشكلات.[16]
ومع ذلك، فإن مصطلح “الثقافة” ينطبق على الكائنات غير البشرية إلا إذا قصدنا أية ثقافة كانت أو أى سلوك مكتسب كان.وفي ظل الأنثروبولوجيا المادية السائدة، يميل العلماء إلى الاعتقاد بضرورة وجود تعريف أكثر تحديدا.يهتم هؤلاء الباحثين بعلة ارتقاء البشر ليكونوا مختلفى الطباع عن بقية الفصائل الأخرى. وهناك تعريف أكثر دقة لمفهوم الثقافة، والذي يستثني السلوك الاجتماعى للحيوانات من غير البشر، والذي من شأنه أن يسمح لعلماء الأنثروبولوجيا الفيزيائية بدراسة كيفية تطور قدرة البشر الفريدة على اكتساب مفهوم “الثقافة”.
وتعتبر فصيلة الشمبانزي (سكان الكهوف والبانيسكس)Pan troglodytes and Pan paniscus بشرا أى (قريبى الشبه بالإنسان العاقل) وهما الأقارب الأكثر شبها ببعضهما بمعنى، أن كلاهما ينحدر من سلف مشترك والذي عاش قبل نحو خمسة أو ستة ملايين سنة. هذا واستغرق كل من هو الخيول وحمير الزرد، والأسود والنمور، والفئران والجرذان، نفس المقدار من الوقت تقريبا لتتباعد عن أسلافها المشتركة[17]. حيث تميز تطور البشرية المعاصرة بالسرعة: فعلى سبيل المثال لقد تطور (الأوسترالابيثاسينز) Australopithicenes منذ ما يقرب من أربعة ملايين سنة مضت، على عكس ما هو الحال بشأن الإنسان المعاصر الذي استغرق عدة مئات الآلاف من الأعوام[18] ولقد طورت الإنسانية خلال هذا الحقبة ثلاث سمات مميزة ألا وهي:
- (أ) القدرة على تكوين واستخدام الرموز التقليدية، بما في ذلك الرموز اللغوية ومشتقاتها، مثل اللغة المكتوبة والرموز الرياضية والملاحظات؛ (ب) القدرة على تكوين واستخدام الأدوات المعقدة وغيرها من التكنولوجيا المفيدة، و(ج) القدرة على تكوين مؤسسات وهيئات اجتماعية ذات طابع راقى.[19]
يرى مايكل توماسيلو Michael Tomasello، عالم نفس النمو أن السؤال الجوهرى الذي يطرح نفسه هو ” من أين جاءت هذه الممارسات السلوكية الفريدة والمعقدة لتلك الفصائل وما يصحبها من مهارات معرفية ؟. فبما أن الفترة متباعدة جدا ما بين البشر المعاصرين وقردة الشمبانزى من ناحية وبين الخيول وحمير الزرد والفئران والجرذان من ناحية أخرى، وبما أن التطور البالغ التباين بينهم حدث قي فترة قصيرة من الزمن، ” ينبغى أن يقوم هذا البحث على قدر قليل من الاختلاف والذي نجم عنه اختلاف بالغ الكبر، بمعنى آخر – بعض التكيف، أو قليل من ذلك التكيف، والذي غير عملية التطور المعرفي للحيوانات الراقية بشتى الطرق. ” لا بد وأن الإجابة على هذا السؤال سوف تشكل أساسا لوجود تعريف علمي لمفهوم “ثقافة البشر. كما يراه توماسيلو” Tomasello[19]
يرى توماسيلو -في ضوء نتائج البحث الأساسي والذي يضم دراسة حول الإنسان والحيوانات الراقية وما اكتسبت من مهارات التعامل مع الأخرىن واستخدام الأدوات وآليات التعلم – بأن سر تقدم الإنسان على تلك المخلوقات يتمثل في (اللغة، والتكنولوجيات المعقدة، التنظيم الاجتماعي المتشعب) وتعتبر كلها عوامل تمخضت عن كم الموارد المعرفية الهائلة لدى البشر. وهذا ما يسمى “بالتأثير التدريجى” أى:” مشاركة مجموعة من الأشخاص أفكارا مبتكرة يعملون على نشرها فيما بينهم وفى الوقت ذاته يتم اختيار زعماء لتلك المجموعة من الشباب قي مقتبل العمر حتى تساعدهم لأن يظلوا كوحدة متضامنة قي نموذج متجدد إلى أن تأتى بارقة أمل على الطريق”.ويتسم الأطفال حديثى الولادة بالمهارة في تعلم سلوك اجتماعى من نوع خاص بالفطرة.لعل من أهم ما ترتب على ذلك خلق بيئة محببة للابتكار الإجتماعى لديهم، مما جعلهم أكثر قدرة على التكيف ليس هذا فحسب بل والتواصل مع الأجيال الجديدة على عكس ما هو الحال في الابتكار الفردى.[20] وكما يرى توماسيلو ينقسم التعلم الإجتماعى -هذا الذي يميزالإنسان عن غيره من الحيوانات الراقية والذي يمثل دورا محوريا في عملية التطور الإنسانى -إلى عنصرين:أما الأول، فهو ما يسمي”التعلم عن طريق المحاكاة، ” (في مقابل “التعلم عن طريق المنافسة” والذي تتصف به فصيلة القرود الأخرى)، وأما الثاني، ففى الواقع يعبر البشر عن تجاربهم بطريقة رمزية (بدلا من طريقة التماثيل، كما هو الحال بالنسبة للحيوانات الأخرى). لذلك يمكن كلا من هذين العنصرين البشر من الوصول إلى درجة من الإبداع والحفاظ على المخترعات المفيدة في نفس الوقت. وعلى هذا النحو ينتبلور ما يسمى بالتأثير التدريجى.
يمثل التعلم بطريقة المنافسة النوع المتعارف عليه بين فصيلة الحيوانات الراقية حيث يركز على الأحداث البيئية المتطورة – ما ينتج من تغييرات بيئية ناجمة عن تصرف الأخرىن – أكثر من التركيز على العوامل المسببة لهذه الأحداث.”[21][22][23] ويركز توماسيلو على أن التعلم بطريقة المنافسة لهو إستراتيجية للتكيف بدرجة عالية بالنسبة للقرود لأنه يركز على الآثار المترتبة على الفعل. ففى التجارب المختبرية، عرض على الشمبانزى طريقتين لاستخدام المجراف بوصفه أداة للحصول على شيء بعيد المنال نسبيا. اتسمت كلتا الطريقتين بالفعالية إلا أن إحداهما كانت أكثر فعالية من نظيرتها.ظل الشمبانزى مصرا على محاكاة الطريقة الأكثر فعالية.[24]
تستعمل الحيوانات الراقية أمثلة عديدة لطريقة التعلم عن طريق المنافسة بشكل متعارف عليه تماماتضم صور استحمام قرود المكاك اليابانية، واستخدام الشمبانزى للأدوات، وتواصل الشمبانزى عن طريق الإيماءات أمثلة جلية على التعلم عن طريق المنافسة لدى الحيوانات الراقية.في عام 1953، لوحظت أنثى قرد من فصيلة المكاك والتي تبلغ من العمر 18 شهرا وقتذاك وهي تأخذ قطعة رملية من البطاطا (تم اعطائها للقرود بواسطة المراقبين) إلى نبع مائي(وفيما بعد، إلى المحيط) ليغسل ما علق بها من الرمال. ثم لوحظ نفس هذا السلوك بمرور ثلاثة أشهر بعد ذلك، على والدتها واثنين من رفاقها في اللعب، ومن ثم على أمهات رفاقهم في اللعب في نفس الوقت. ليس هذا فحسب وإنما شوهدت سبع غيرها من صغار قرود المكاك يتعمدون غسيل البطاطس الخاصة بهم، وقد تبنت هذه الممارسة نسبة ما يقرب من 40 ? من الجماعة.[25][26] تمثل هذه القصة مثالا صارخا على تقليد السلوك الإنسانى إلا أنه ثبت بالدليل القاطع نفى ذلك.فتعتبر ازالة قردة المكاك الرمال عن طعامها سلوك فطرى بحت: تمت ملاحظة مثل هذا السلوك على تلك الفصيلة قبل ملاحظة الأولى وهي تغسل طعامها. وعلاوة على ذلك، فقد لوحظت عملية غسل البطاطا على أربعة قرود أخرى من نفس الفصيلة كل على حدة، مما يوحي بأنه قد تعلم ما لا يقل عن أربعة من القرود الآخرين أن تغسل الرمال بنفسها.[26] فقد تتعلم بعض القرود الأخرى غسل طعامها بطريقة سريعة وهي لا تزال في أقفاصها.[27] وأخيرا، تميز التعلم فيما بين قرود المكاك اليابانية بالبطء النسبى، هذا في الوقت الذي لم يتواكب فيه معدل تعلم الأعضاء الجدد في الفصيلة مع التزايد الواضح في أعداد الأعضاء. على هذا النحو إذا كانت المحاكاة هي الطريقة المستخدمة في التعلم، فإنه لابد لنسبة التعلم أن تتضاعف بشكل ملحوظ.فيعتبر غسل الطعام سلوكا كغيره من أنواع النظافة المتعارف عليها فيما بينهم بشكل طبيعى، كما يعتبر غسل الطعام سلوكا مكتسبا بالفطرة عند القرود التي تمكث منفردة بالقرب من المياه عوضا عن مسحه.فالبتالى يتبين أن كلا النوعين سواء الذي يظل برفقة القرد الذي غسل أولا أو الذي يمكث بجوار المياه مستمتعا بوقته، على دراية بكيفية غسل ما يحصلون عليه من البطاطا.كما يتضح لنا السبب في بطء معدل انتشار هذا السلوك.[28]
اكتسب الشمبانزى كثير من الأنشطة نتيجة لمعايشته عددا من السكان الذين يستخدمون أدوات متنوعة في نشاطهم اليومى مثل: صيد النمل الأبيض، وصيد النمل العادى، وغمس النمل، وشق الجوز، واستعمال أوراق الشجر ككمادات. يصطاد شمبانزى جومبى Gombe chimpanzees النمل الأبيض بواسطة عصا رفيعة صغيرة الحجم، ولكن يستخدم شمبانزى غربي أفريقيا عصا كبيرة الحجم لعمل حفرا في أكوام الطين واستخراج النمل الأبيض عن طريق الغرف بيديه.قد يرجع هذا التنوع إلى “العوامل البيئية” (فيوجد كثير من الأمطار بغربي أفريقيا، مما يجعل أكوام الطمى أكثر لينا وأسهل كسرا على عكس الحال بالنسبة للجومب بشرقى أفريقيا.وبالتالى، لدى قرود الشمبانزي القدرة على التعلم بطريقة المنافسة بشكل جيد. كما تتعلم صغار الشمبانزى كيفية تسلق فروع الأشجار وكيفية صيد الحشرات بطريقة فردية.فعندما يرون أمهاتهم يتسلقن الأشجار بغية صيد الحشرات من أجل غذائهم، يتعلموا على الفور أن يفعلوا ذلك بالمثل.وبعبارة أخرى، يقوم هذا الشكل من أشكال التعلم على أنشطة متعارف عليها من قبل الأطفال مسبقا.[22][29]
يستخدم الأطفال طريقة التعلم بالمحاكاة ونقصد بها “اصدار استجابة مقصودة متوازنة مبنية على وعى تام مسبق لدى الطفل.”[30] فيبدأ الأطفال حديثى الولادة في ادراك بعض الأدلة من هذا النمط من التعلم في عمر يتراوح ما بين التاسعة والثانية عشر، وذلك عندما يركز الطفل انتباهه ليس على الشئ وإنما على طريقة النظر للكبار والتي تمكنه من الاستفادة منهم باعتبارهم أدلة يهدونه السبيل في وقت لاحق ” وبنفس الطريقة يتصرف الطفل مع الأشياء بنفس الطريقة التي يتصرف بها الكبار.”[31] وتعتبر هذه العلاقة موثقة جيدا واصطلح على تسميتها “الصلة المشتركة” أو “الاهتمام المشترك.”[32][33] كما يعرف التنامي في قدرة الأطفال على التعرف على الأخرىن عن طريق “العوامل المتعمدة:”حيث يكون لدى بعض “الناس ” القدرة على السيطرة على تصرفاتهم العفوية” والذين “لديهم أيضا أهداف بحياتهم ويقومون بإتخاذ قرارات مصيرية من خلال وسائل سلوكية معينة لتحقيق غاياتهم الذين يسعون من أجلها.”[34]
ادراك الطفل
تمد عملية نمو المهارات المشتركة بحلول نهاية العام الأول من حياة الطفل بأساس قوى للتعلم بطريقة المحاكاة يظهر بطبيعة الحال في العام الثاني.حيث قلد مجموعة أطفال يناهزوا ال18 شهرا من العمر طريقة معقدة نسبيا لشخص بالغ في إضاءة مفتاح الكهرباء، وإن كان لدى تلك المجموعة من الأطفال طرق أكثر سهولة وأكثر طبيعية لتحقيق نفس الهدف.[35] وفي دراسة أخرى، تعامل فيها مجموعة أخرى من الأطفال في عمر ال 16 شهرا مع البالغين الذين استخدموا سلسلة معقدة من الحركات بدت مقصودة بعض الشئ، ومجموعة مماثلة من الحركات بدت عرضية نوعا ما، بدأ الأطفال في محاكاة تلك الحركات التي تبدو متعمدة.[36] وكشفت دراسة أخرى تم اجراؤها على مجموعة من الأطفال يناهزون ال 18 شهرا عن أنهم يحاكون البالغين في حركاتهم المتعمدة، والتي لا تشترط أن ينجحوا في تنفيذها بدرجة صحيحة في كل الأحيان.[37] ركز توماسيلو على أن هذا النوع من التعلم بالمحاكاة ” يعتمد أساسا على قدرة الرضع على تمييز البالغين، وعلى قابليتهم على التعرف على تصرفات الآخرين والهدف من ورائها والوسائل المختلفة التي يمكن استخدامها لتحقيق ذلك.”[38] يسمى ماسيلو هذا النوع من التعلم ب”التعلم الثقافي لأن تعلم الطفل ليس مجرد تعلم مجموعة أشياء من الأشخاص الآخرين، وإنما يعتبر أيضا تعلم أشياء من خلالهم—بمعنى أنه يجب أن يعرف شيئا عن وجهة نظر الكبار إبان موقف معين للاستفادة من حدوث موقف مماثل في المستقبل. “[39][40] ويخلص إلى أن الميزة الرئيسية للتعلم الثقافي هو أنه لا يحدث إلا عندما يقوم الفرد “بتفهم تصرفات الآخرين المتعمدة، كما هو الحال مع شخص ما، حينما تكون لديه وجهة نظر ما حيال العالم من حوله والتي يمكن اتباعها وتطبيقها والاستفادة منها بشكل عام.[41]
يعد كلا من التعلم بالمنافسة أو بالمحاكاة طريقتين مختلفتين لا يمكن تفسيرهما إلا في ظل كلا من الظروف البيئية المحيطة أو ملابسات عملية التطور على حد سواء. ففى إحدى التجارب، تم تقديم اثنين من صغار الشمبانزى يناهزوا الثانية من العمر كل على حدة بأداة للغرف وشئ يبعد عنهم نسبيا.كما قدم الأشخاص البالغون طريقتين للوصول إلى الشئ باستخدام الأداة إحداهما فعالة والأخرى أقل فعالية.استخدم الشمبانزى الطريقة الأكثر فعالية ذاتها أكثر من مرة.وبنفس الطريقة، يقلد الأطفال أي أسلوب يتبناه البالغين ويرونه سليما. فربما يعتقد البعض بأن الشمبانزى أكثر ذكاء إذا ما وضع في كفة مقارنة بنفس تلك المعايير مع البشر في آن واحد. لدى كلا الطرفين نسبة ذكاء متساوية من منطلق الناحية التطورية لكن مع مراعاة اختلاف نوع الذكاء المرتبط باختلاف البيئات.[24] ترتبط آليات تعلم الشمبانزي مع البيئة المادية المحيطة بهم والتي لا تتطلب سوى القليل من التعاون الاجتماعي فيما بينهم(وذلك بالمقارنة مع البشر). فتتناغم آليات تعلم الإنسان والبيئة الاجتماعية المتشعبة المحيطة به حيث نجد أن تفهم وجهات نظر الأخرين أهم بكثير من النجاح قي أدء مهمة معينة.من وجهة نظر توماسيلو، مكنت تلك الآلية من تحقيق “التأثير التدريجى ” والذي ساعد بدوره البشرية في تطور أنظمتها الاجتماعية المتشعبة والتي خلقت نوعا من التكيف الفعال مع البيئات المادية المختلفة على سطح البسيطة.[42]
التعليم الثقافي
يعتبر التعلم الثقافي من وجهة نظر توماسيلو ضرورة ملحة من أجل اكتساب اللغة.حيث لا يتعلم كل أطفال مجتمع ما أو معظمهم في آخر جميع المصطلحات من خلال التأثير المباشر من قبل البالغين عليهم. وعموما، يجب على السواد الأعظم من الأطفال أن يجدوا طريقة لتعلم اللغة من خلال الاحتكاك الإجتماعى الطويل الأمد، حتى من خلال الكلام الموجه لغيرهم في بعض الأحيان. وذلك لوجود كمية هائلة من المفردات الخاصة بلغتهم أيا كانت. هذا ما أكدته مجموعة متنوعة من التجارب التي تعلم من خلالها الأطفال بعض الكلمات الجديدة وإن لم يتواجد مصدرا مباشرا لتلك الكلمات، بل يمكن أن يتواجد أكثر من مصدر لها في آن واحد، ولم يكن للبالغين أية جهود مبذولة بطريقة مباشرة كمحاولة لتعليم ولو كلمة واحدة فقط للطفل.[43][44][45] لا يعتبر الرمز سوى علامة على الفهم العام لموقف مشترك هذا ما انتهى إليه توماسيلو.[46]
وأكد توماسيلو بعد استعراضه لبحث في عام 1999 تضمن مقارنة بين آليات تعلم البشر وغيرهم من الحيوانات الراقية ما جاء به عالم الانثروبولوجيا البيولوجية رالف هولواي Ralph Holloway في مناقشته عام 1969 من أن سر تطور البشرية وما توصلوا إليه من ادراك لطبيعة مفهوم الثقافة ما يتمثل في ترابط كلا من السلوك الإجتماعى والمعرفة الرمزية. وفقا لهولواي، يتمثل مفتاح السر في فهم تطور شبيه الإنسان، وهو في الوقت ذاته نفس مفتاح سر مفهوم كلمة “ثقافة”، في آلية تنظيم الإنسان لخبراته. تعتبر الثقافة هي “فرض شكل تعسفي على البيئة.”[47] تعد تلك الحقيقة هي الأولى من نوعها والتي يتطرق فيها هولوواى إلى ما يميز كلا من آليات التعلم لدى الإنسان، واستخدام الآلة، واللغة. يعتبر كلا من صناعة البشر للآلة، وقدرتهم على اكتشاف اللغة عمليات معرفية متشابهة إن لم تكن متطابقة حيث تزودنا بدليل دامغ على كيفية تطور البشرية.[48]
وبعبارة أخرى كما أشار مكجرو على أهمية تركيز علماء الإنثربولوجيا على أنماط السلوك مثل استخدام الآلة ومهارات التواصل وذلك لعدم إمكانية التعرف على ما في داخل العقل، رأى هولوواى بقطعية الدليل على وجود تباين في الناحية المعرفية بين البشر وغيرهم مثل وجود اللغة البشرية، واستخدام الآلة، بما في ذلك الأدوات الحجرية البدائية التي وجدت في سجل الحفريات والتي توضح بالضرورة تطور الإنسان.لا يتسائل هولوواى عن كيفية تعامل أو تعلم تلك المخلوقات مع بعضها البعض أو كيفية صناعتهم للأدوات وإنما في “طريقة” قيامهم بتلك الأمور.”يعد غسل البطاطا في المحيط.. تجريد أغصان الأوراق لصيد النمل الأبيض”، وأمثلة أخرى لاستخدام الحيوانات الرئيسية للآلة شيئا مبدعا في حد ذاته، هذا وليس هناك أي تدخل من البيئة لمساعدة الحيوانات.”[49] تمثل الأدوات البشرية شكل من أشكال استقلال الإنسان عن البيئة الطبيعية والذي يبرز التفكير الرمزي. “يتمثل أروع مظهر من مظاهر الإبداع قي عملية تحضير العصا لصيد النمل الأبيض وما فيها من تجسيد للعلاقة بين المنتج والمادة الخام. على العكس من ذلك، لا تتجسد أهمية العلاقة بين شكل المنتج النهائي والمادة الخام قي عملية صناعة الأداة الحجرية[50]
من وجهة نظر هولوواى، لدى أسلافنا من غير البشر، أمثال قرود الشمبانزي المعاصرة وغيرها من الرئيسيات الأخرى، نفس المهارات الحركية والحسية، والفضول، والذاكرة، والذكاء، ربما مع اختلاف في الدرجة. “إنه عندما يتم دمج هذه السمات الفريدة مع طرق الإنتاج التعسفي (ما يعرف بالرمزية)، وفرض هذا كله على هذا الكائن يظهر لدينا الرجل المثقف المعاصر قي ثوبه الأنيق.”[51]
- لقد ذكرت فيما سبق أنه لابد لأى نوع من الثقافات وأن يتضمن قي طياته شكلا من” فرض أساليب تعسفية على البيئة”تشمل هذه الجملة عنصرين. أولهما علينا الاعتراف بأن العلاقة بين عملية الترميز، وهذه الظاهرة (سواء كان ذلك آلة، أوشبكة اجتماعية، أو مبدأ مجرد) باعتباره غير مبدع. والآخر هو فكرة الإنسان كمخلوق قي حد ذاته والذي يمكنه سدل أستار من الوهم والضلال على أنظمة العمل ليمارس نزواته من خلالها، والذي يفرض أفكاره ومشاريعه على البيئة على حد سواء.ومن ثم يرضى شكل الجو المحيط به غروره والذي بدوره ينعكس بطبيعة الحال على البيئة مرة أخرى ويتخمها بأعباء التكيف مع الوضع الجديد.[52]
ويشبه هذا ما توصل إليه توماسيلو كغيره من فكرة “التدرج” التي تتيح للبشر مزيدا من التقدم السريع.بالنسبة لهولوواى، تزود المرحلة الأولى من الفكر الرمزي بين البشر بدفعة “بداية” لتنمية العقل، لابتكار آلات أكثر تعقيدا، وخلق هيكل اجتماعي، ولغة تتطور من خلال ديناميكية مستمرة من ردود الفعل الإيجابية. “يمثل هذا التفاعل بين النزوع إلى بنية البيئة بصورة تعسفية، وردود الفعل من البيئة المحيطة بالكائن الحي عملية طارئة، تختلف بطبيعتها عن أي شكل سبقها.”[53]
حدد كلا من تشارلز هوكيت Charles Hockett وآر آسكر R. Ascher بصفتهم من علماء اللغة ثلاثة عشرة سمة من سمات اللغة، يتقاسمها أشكال أخرى من التواصل بين الحيوانات. وتعتبر القدرة اللغوية الهائلة لدى الإنسان من إحدى تلك السمات، وبعبارة أخرى، يكون لدى المتحدثين بلغة ما القدرة على إنتاج عدد لا حصر له من العبارات الأصلية لتلك اللغة. ويبدو أن تلك القدرة ما هي إلا نتاج لحصيلة سمات بشرية من نوع فريد.كما تعد “ازدواجية الأشكال” من تلك السمات، حيث تتألف لغة الإنسان من التعبير عن عدة عمليات منفصلة، لكل منها مجموعة من القواعد الخاصة: مثل دمج الصوتيات اللغوية لتكوين المقاطع morphemes، والجمع بين morphemes لإنتاج الكلمات، والتي تشكل بدورها جملا في نهاية المطاف. وبالتالى يكون لدى أى شخص القدرة على إنتاج تركيبات لغوية بشكل لانهائي عن طريق إجادة عدد محدود من الإشارات الخاصة والقواعد اللغوية.وهناك عنصرا آخر بالغ الأهمية يتمثل في كون اللغة البشرية رمزية إلى حد ما:: حيث يمكن أن تحمل مجموعة كلمات مشتركة في نفس الصوت معانى متعددة وذلك لاختلاف طرق هجاء كل منها عن الأخرى.[54] ] وبمعنى آخر يتحدد معنى تلك الكلمات من خلال السياق بشكل واضح. فبما أن معان تلك الكلمات يفرض نفسه على السياق، ونتيجة وجود معان متعددة لكلمة واحدة، ونتيجة إمكانية الإشارة لأى شيء باستخدام مجموعة مختلفة من المفردات؛ فإنه يعتمد على اختيار الألفاظ بمعناها الذي يتضح من خلال السياق، وعلى قصد المتكلم من وراء كلامه، وعلى قدرة السامع على فهم ذلك كله بطريقة سليمة. فكما يرى توماسيلو Tomasello،
- على المتكلم الناظر لشجرة معينة والذي يريد لفت انتباه السامع إلى تلك الشجرة أن يقرر التعبير المناسب لوصف تلك الشجرة بناء على معرفة السامع لنوعية تلك الشجرة وبناء على توقعه لها حيث يمكنه الإشارة إليها ب” تلك الشجرة هناك، ” أو “هذه”، أو ” هذا البلوط” أو” هذا البلوط الطاعن قي السن”، أو ” تلك الشجرة”، أو شجرة الباجسوينج تلك “، أو ” ذلك الشئ الماكث بالساحة الأمامية”، أو”تلك الزينة”، أو “هذا العائق”، وبأي عدد من التعبيرات الأخرى.. حيث لا يتم اتخاذ مثل تلك الاختيارات قي ضوء الأهمية المباشرة لطبيعة الشئ أو النشاط من قبل المستمع بالدرجة الأولى وإنما تقوم على أساس رغبته واهتمامه بالشئ أو النشاط وفقط.
هذا هو السبب في أن الإدراك الرمزي والاتصالات والتعلم يسيران جنبا إلى جنب.[55]
ويرى هولواي بأن الأدوات الحجرية المرتبطة بجنس شبيه الإنسان لها نفس الخصائص التي تميز الغة البشرية:
- في ضوء ما ذكرنا آنفا من أمثلة متعلقة ببناء الجمل، وبالقواعد، وبتسلسل الأفكار، يمكن لأى كائن يتصف باكتساب اللغة من أن يستخدمها بنفس الطريقة لوصف صناعة الأدوات ولا يثير ذلك أية مظاهر للدهشة. حيث كلاهما من الأنشطة المتسلسلة، وكلاهما له قواعد صارمة قي وحدة التسلسل للأنشطة (قواعد اللغة، وبناء الجملة)، وكلاهما مثالا للنظام الهرمي للنشاط (كأي نشاط حركي آخر)، وينتج كلا منهما مفردات تتميز بالتنوع والتي من ثم تصبح جزء من البيئة، إما بصفة مؤقتة أو دائمة. [68][56]
-
- ونعنى بإلإنتاجية المرجوة في ضوء المعايير الحالية أن تستخدم جميع الأنواع الأساسية لأغراض متعددة، بمعنى أن يكون لدى صناعة الآلات القدرة على التوسع بشكل دائم مع مرور الوقت، كما يكون للتغيير الطفيف قي النمط الأساسي القدرة على مواجهة بعض الفرص الوظيفية الجديدة. وتعتبر العناصر الأساسية “المفردات” لعمليات السيارات مثل – الصنفرة، والفصل، والتعديل، وإعداد الممرات الأكثر تحملا، وما إلى ذلك، تستخدم جميعها في تركيبات مختلفة لإنتاج أدوات متباينة، وبأشكال مختلفة، وكما هو متوقع باستخدامات مختلفة... هذا إن تم التركيز على طريقة عمل كل أداة على حدة؛ فلن تظهر النتيجة النهائية على الساحة أبدا، حيث تعتمد كل مرحلة على ما قبلها وترتبط بما بعدها، ويتطابق كل جزء قي آلية العمل في آخر الأمر مع الخطة الأصلية. وبعبارة أخرى، لا يعتد بأى أداة قي الهيكل العام للمنتج إلا إذا اكتملت المراحل كلها بحذافيرها،، ، بل وتعد كل جزئية منفصلة قي العمل بلا طائل إلا إذا تم استخدامها ضمن المنتج النهائى.هذا بالضبط الحال مع اللغة.[57]
كما أثبت توماسيلو Tomasello،، أن الفكر الرمزي لا يعمل إلا في بيئة اجتماعية معينة:
- وتفرض الرموز الجامدة مجموعة من التصورات، والتي لا تسمح للأعضاء بالتواصل حول الكائنات نفسها من حيث المكان والزمان (كما في الصيد) ولكنها تسمح أيضا للعلاقات الاجتماعية بمزيد من المعيارية وقلة نسبة التلاعب بها عن طريق الرموز. حيث يتم النظر إلى الخصوصية ضمن درجات من السلوك. فمن منظور جمود الإدراك الحسي، تفرض الرموز بثبات السلوك الاجتماعى، والذي يعتبر بدوره شرطا مسبقا لمهمة التفاضلية لقطاعات الأدوار في مجتمع متمايز متكيف، ليس فقط مع البيئة الخارجية ولكن مع ذاته على حد سواء.[58]
حيث أثبت عالم الانثروبولوجيا البيولوجية تيرنس ديكون Terrence Deacon،، في أبحاث استغرقت أكثر من عشرين عاما حول تطور البشرية، والأمراض العصبية، علم الحيوانات الراقية، أن “تصعيد” التأثير ما هو إلا شكلا من أشكال “التطورالبلدوينى”Baldwinian Evolution. نسبة لعالم النفس جيمس بالدوين، James Baldwin، ويصف العواقب التطورية التي تطرأ على سلوك الحيوان وذلك عندما تتغير البيئة الطبيعية، وبالتالي العوامل المؤثرة على الحيوان[59]
- انتشر ذات مرة السلوك النافع ضمن مجموعة من السكان، وأصبح أكثر أهمية من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث سيتم توليد ضغوط على اختيار الصفات الوراثية التي تدعم انتشارها.. فالحجر والأدوات الرمزية، والتي كانت في البداية تساهم قي تعليم القرود بشكل مرن، فلبت في نهاية المطاف الأوضاع رأسا على عقب لمستخدميها وأجبرتها على التكيف مع الوضع الجديد التي تتيحها هذه التقنيات. وبدلا من أن تكون مجرد حيل مفيدة، صارت هذه الأنشطة السلوكية عناصر لا يمكن الاستغناء عنها للحصول على الغذاء وتنظيم السلوكيات الاجتماعية في مجمتع جديدهذا ويرجع أصل كلمة “إنسانية” إلى كونها تلك النقطة في تطورنا، حيث أصبحت هذه الأدوات المصدر الرئيسى للسيطرة على أجسادنا وعقولنا. تلك المعرفة الرمزية . للكائنات الراقية[60]
وفقا لديكون Deacon، حدث هذا في الفترة بين 2 و2.5 مليون سنة مضت، عندما اكتشف أول دليل عضوي من استخدام الأدوات الحجرية وبداية اتجاه نحو زيادة في حجم المخ. ولكنه تطور اللغة الرمزية التي هي السبب—وليس في الواقع النتيجة—قي هذه الاتجاهات.[61] بشكل أكثر تحديدا، يقترح ديكون بأن الأسترالوبيثاسين Australopithecines، مثل القرود المعاصرة، قد استخدموا الأدوات، فمن المحتمل أنه على مدى ملايين السنين من تاريخ الأسترالوبيثاسين Australopithecine قد تكون طورت نظم الاتصالات الرمزية. أى أن واحدة من هذه المجموعات غيرت بيئتها حيث ” قدمت اختيار لقدرات تعلم شديدة الاختلاف عن تلك الأنواع السابقة لها.”[62] ] هذه الفصيلة بدأت العملية البلدوينية(التدرج التأثيرى) التي أدت بدورها إلى تطورهم إلى جنس شبيه الإنسان.
ويتبادر السؤال لدى ديكون، ما هي التغييرات السلوكية البيئية التي من شأنها تطوير قدرة التفكير الرمزي على التكيف؟ ؟ وهنا يؤكد على أهمية تمييز الإنسان عن جميع الأنواع الأخرى، ليس من أجل اقراره بذكاء الإنسان وإنما ليستقرأ الواقع.فبما أن تطور قرود السابينز الشبيهة بالإنسان قد انحدر من أسلاف لم يعرفوا مفهوم الثقافة، فماذا أصابهم ليبتعدوا عن المعرفة، التعلم، التواصل، وطرق صنع الأدوات التي كانت واستمرت ليتكيف معها معظم الحيوانات الراقية الأخرى.(ومعظم باقى الفصائل الحيوانية الأخرى، كما ذكر البعض)؟وتعتبر أنظمة التعلم الرمزية مضيعة للوقت أكثر من غيرها من أشكال التواصل، لذلك سهل التفكير الرمزي إمكانية التوصل لإستراتيجية اتصال مختلفة، ولكنها ليست الأكثر كفاءة من تلك المتعارف عليها بين القرود الأخرى. ومع ذلك، لابد وأنها قدمت ميزة انتقائية بطريقة أو بأخرى لمساعدة قرود السابينز الشبيهة بالإنسان على التطور.. وبدأ ديكون البحث في بعدين رئيسيان في التاريخ التطوري: سلوك البحث عن علف الماشية، وأنماط العلاقات الجنسية.و كما أنه لاحظ أن المنافسة من أجل الوصول إلى الممارسة الجنسية ضيقت نطاق إمكانيات التعاون الاجتماعي في كثير من الأنواع، وبرغم هذا كله، لاحظ ديكون، وجود ثلاثة أنماط ثابتة في مجال التناسل البشري التي تميز البشر عن غيره من الأجناس:
- عادة ما تسهم الذكور والإناث على حد سواء جهدا كبيرا من أجل تربية أبنائهم، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة في كثير من الأحيان، وبطرق مختلفة في أحيان أخرى.
- تقتصر الحقوق الجنسية في جميع المجتمعات، وإذا كانت الغالبية العظمى على الذكور والإناث المرتبطين على المدى الطويل، كما تحرم على أولئك الأفراد من الجنس الآخر.
- يبقوا على هذه العلاقات الجنسية الحصرية أثناء العيش في مجتمع يتراوح ما بين متواضع الحجم إلى كبير الحجم ومتعدد الذكور، ومتعدد الإناث، ويضم عدد من الفئات الاجتماعية التعاونية.[63]
وعلاوة على ذلك، هناك سمة واحدة مشتركة بين جميع المجتمعات المعروفة التي تبحث عن الغذاء (حال جميع البشر قبل مضى عشرة أو خمسة عشر ألف سنة)، والتي تختلف اختلافا ملحوظا عن القرود الأخرى: “استخدام اللحم.. حيث تزامن ظهور بعض الأدوات الحجرية الأولى منذ ما يقرب من 2.5 مليون سنة مع التحول الجذري في السلوك بدرجة كبيرة من أجل البحث عن اللحم.[64] ] ولا يعتقد ديكون بضرورة التفكير الرمزي للصيد أو لصنع أداة (على الرغم من أن صنع الأدوات يعتبر قائمة تضم مجموعة كبيرة من التفكير الرمزي)، بل كان ضروريا لنجاح العلاقات الاجتماعية المميزة.
يكمن السر قي أنه باعتبار أن الرجال والنساء على قدم المساواة من الباحثين عن اللحوم بطريقة فعالة، قي حين أن الأمهات اللاتى يحملن الأطفال المعالين لسن من صائدى اللحم المحنكات. وبالتالي يجب أن يعتمدن على الصيادين من الذكور. ومما أدى إلى وجود نظاما ينفرد فيه الذكور بطريقة متفردة للوصول الجنسي للإناث، وتستطيع الإناث الاعتماد على شريكها الجنسى قي تأمين توفير الغذاء لهن ولأطفالهن. في معظم الفصائل الثديية، ينتج نظام رتبى أو يتسم بالمنافسة الجنسية الذي يتسبب بدوره قي تعدد الزوجات، أو رابطة الزواج طويلة الأمد والتي تربط بين فردين يتمتعون بالاستقلال النسبى عن غيرهم من البالغين من الأنواع، وفي كلتا الحالتين يلعب عدوان الذكور دورا هاما في الحفاظ على الاتصال الجنسي لرفيقته أو رفيقاته. (ق). ما هي الصفات الفريدة من نوعها التي تميز البشر؟
- سبب اعتماد البشر على الموارد الغير متوفرة نسبيا للأمهات من الإناث نوعا من التعاون بين والد الطفل وأمه، بل أيضا التعاون مع غيرهم من الأقارب والأصدقاء، بما في ذلك الأفراد المسنين والأحداث، والذين يمكن الاعتماد عليهم قي الحصول على المساعدة. ولعل المطالب الخاصة للحصول على اللحوم ورعاية الأطفال الرضع ترجع إلى الدوافع الأساسية لسمة مميزة ثالثة من أنماط التكاثر البشري: تعاون المجتمع لمواجهة متطلبات المعيشة.[65]
يعد الإدراك الرمزي من أهم ما يميز المجتمعات البشرية، والذي يؤدي بالتالي إلى تطور الثقافة: “تعاونية، مختلطة الفئات الاجتماعية، مع عناية كبيرة ورعاية من الذكور للنسل، وأنماط منتظمة نسبيا من تحديد النسل”. تندرهذه التوليفة نسبيا في الأنواع الأخرى لأنها “عرضة للتفكك.” حيث تعمل اللغة والثقافة بمثابة الصمغ الذي يربطهما معا.[66]
. يعتمد الشمبانزي أيضا على صيد اللحوم كغذاء له، في أغلب الحالات، ومع ذلك، تستنفذ الذكور ما تصطاده من اللحوم على الفور، ولا تحصل الإناث على قدر قليل إلا إذا تصادف وجودهن في الجوار. وتزداد نسبة صيد اللحوم بين فصيلة الشمبانزى عندما تصبح مصادر الغذاء الأخرى نادرة، ولكن في ظل هذه الظروف، تقل فرص اقتسام اللحم.و أسهمت أشكال التفكير الرمزي في تكوين الأدوات الحجرية الممكنة، والتي بدورها جعلت من صيد اللحوم مصدرا للغذاء يمكن التعويل لأسلافنا من غير البشر بينما يتسبب عدم التنافس الجنسى في خلق أشكال ممكنة للتواصل الاجتماعي والتي تزيد من فرص تقاسم اللحوم – بين الذكور والإناث من جانب، وأيضا بين الذكور فيما بينهم من جانب آخر:
- وعلى هذا تبلورت المشكلة الاجتماعية البيئية بظهور مرحلة تقسيم امداد اللحوم المتوفر والذي لايمكن تحقيق أكبر قدر من الاستفادة منه إلا بوجود هيكل اجتماعى يؤمن أشكال الرفقة المنصفة الواضحة المعالم والتي بدورها تعمل على استمرار بقاء التعاون فيما يتعلق بالاهتمامات المشتركة. حيث يمكن لهذه المشكلة أن تحل بالطريقة الرمزية[67]
شكلت الرموز والتفكير الرمزي باعتبارها سمة مركزية للعلاقات الاجتماعية في تشكيل أى تجمع إنسانى: بنظام مبدأ المعاملة بالمثل. ابتكر علماء التطور نموذجا لتفسير الإيثار المتبادل بين الأفراد وثيقى الصلة. حيث عمل التفكير الرمزي على زيادة إمكانية فرص تبادل المنفعة بين الأفراد بعيدى الصلة.[68]
الثقافة من منظور علم الآثار: حقيقة ومدلول
مع أوائل القرن التاسع عشر اعتبر علم الآثارعلم الآثار مكملا للتاريخ، في أغلب الأمر، وكان هدف علماء الآثار تحديد القطع الأثرية وفقا لتصنيفها وموضعها بين الطبقات الأرضية،، وبالتالي تحديد موقعها الزمنى والمكانى. ودعا العالم فرانز بواس Franz Boas إلى أن يكون عليم الآثار واحدا من المجالات الأربعة للانثروبولوجيا الاميركية، كما زعم أيضا أن المناقشات التي تدور في فلك علماء الآثار كثيرا ما يوازيها تالك المناقشات التي تدور في أروقة علماء الأنثروبولوجيا الثقافية………………….و في الفترة ما بين 1920 و1930 بدأ كل من عالم الآثار الاسترالى ذو الأصل البريطانى V. جوردون شيلدV. Gordon Childe، والأميركي و سى ماكيرنW. C. التحرك بشكل مستقل من السؤال عن تاريخ القطعة الأثرية، للسؤال عن أولئك الذين قاموا بإنتاجها—عندما يقوم علماء الآثار بالعمل جنبا إلى جنب مع المؤرخين، فإن المواد التاريخية عموما ما تساعد على الإجابة على مثل هذه الأسئلة، ولكن عندما لا تتوفر المواد التاريخية، فلابد من أن يقوم الاثريون باستحداث أساليب جديدة.هذا وقام كل من تشيلد Childe وماكيرن McKern بالتركيز على تحليل العلاقات بين الأشياء التي يتم العثور عليها معا؛ الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى أساس لنموذج ثلاثي المستويات:
- قطعة أثرية فردية، لها سطح، وشكل، والصفات التكنولوجية (مثل رأس السهم)
- تجمع من القطع الأثرية التي عثر عليها، والتي كان من المحتمل استخدامها، معا (مثل رأس السهم، القوس والسكين)
- تجمع أو عدة تجمعات من القطع الأثرية والتي تشكل معا الموقع الأثري (مثل رأس السهم، القوس والسكين؛ الوعاء وبقايا الموقد؛ والمأوى)
ومما وصل إليه تشايلد أن “تكرار وجود القطع الأثرية قي تجمعات ” يمكمن أن يعد نوعا من الثقافة “الأثرية.”[69][70] كما ينظر تشايلد وآخرون “لكل ثقافة الأثرية.. على أنها مظهر مادي لأشخاص معينين.”[71]
وفي عام 1948 قام والتر تايلور Walter Taylor بتقنين الأساليب والمفاهيم التي وضعها علماء الاثار لتكون نموذجا عاما للمساهمة الأثرية لمعرفة الثقافات. حيث بدأ بمحاولة لفهم الثقافة بوصفها نتاجا للنشاط المعرفي للإنسان، والتأكيد البوسينى على المفاهيم الموضوعية للكائنات في ضوء السياق الثقافي لها.هذا وقام بتعريف الثقافة على أنها ا “ظاهرة عقلية، التي تتألف مما يشتمل عليه العقل، وليس من الأشياء المادية أو السلوك الخاضع للملاحظة.”[72] ثم قام بوضع نموذج ثلاثي المستويات للربط بين الأنثروبولوجيا الثقافية والآثار، والذي وصفه بأنه علم الآثار الموصل:
- الثقافة، الغير خاضعة للملاحظة والغير مادية
- السلوكيات الغير مادية الناتجة عن الثقافة، والتي يمكن ملاحظتها
- الهدف والغاية النهائية، مثل الأعمال الفنية والمعمارية، والتي هي نتيجة للسلوك والمادية
هذا هو، والمصنوعات المادية ما هي إلا من بقايا الثقافة، ولكن ليست الثقافة نفسها.[73] وكان ما يقصده تايلور هو أن السجل الأثري يمكن أن يسهم في المعرفة الأنثروبولوجية، ولكن فقط إذا قام علماء الآثار بتصور عملهم على أنه ليس مجرد التنقيب عن الآثار وتسجيل مواقعها في الزمان والمكان، ولكن ما يمكمن استنتاجه من السلوكيات التي من شأنها إنتاج واستخدام تلك المواد ومن ثم استنتاج الأنشطة العقلية التي يقوم بها الناس. على الرغم من أن العديد من علماء الآثار قد وافقوا على ان البحث كان جزء لا يتجزأ من الأنثروبولوجيا، إلا ان برنامج تايلور لم ينفذ بالكامل أبدا. أحد الأسباب في ذلك هو أن نموذجه الثلاثى المستويات للاستدلالات تطلب الكثير من العمل الميداني والتحليل المختبري ليكون عمليا.[74] وعلاوة على ذلك، فكان يرى أن البقايا المادية التي ليست في حد ذاتها مكونات ثقافية مما أدى إلى محوها من الثقافة، في واقع الأمر أدت إلى تهميش علم الآثار بالنسبة إلى لأنثروبولوجيا الثقافية.[75]
وفي عام 1962 قام لويس بنفوردLewis Binfordا تلميذ ليزلى وايت بتقديم اقتراحا فيما يتعلق بعلم الآثار الأنثروبولوجي، والذي يسمى “علم الآثار الجديد” أو، “علم الآثار الإجرائى”، وذلك على أساس تعريف وايت للثقافة بأنها “وسيلة – جسدية إضافية للتكيف لجسم الإنسان.”[76] ] وقد سمح هذا التعريف لبنفورد بتأسيس علم الآثار كغحدى المجالات الهامة من أجل السعي لمنهجية البيئة الثقافية لجوليان ستيوارد:
- وتعتبر الدراسة المقارنة للنظم الثقافية باستخدام الأساليب التكنولوجية المتغيرة في مجموعة وتكنولوجيات بيئية مماثلة أو مشابهة في بيئات مختلفة هي المنهجية الرئيسية لما أطلق عليه ستيوارد (1955: 36-42) “البيئة الثقافية”، كما أنه بالتأكيد وسيلة قيمة لزيادة قدرتنا على فهم العمليات الثقافية. كم أن مثل هذه المنهجية مفيدة أيضا في توضيح العلاقة البنيوية بين الفروع الثقافية الكبرى مثل النظم الفرعية الاجتماعية والايديولوجية.[77]
وبعبارة أخرى، فقد قام بنفورد بتقديم علما للآثار بحيث يكون مشروعا محوريا من علماء الأنثروبولوجيا الثقافية المهيمنة في ذات الوقت (الثقافة بوصفها غير قابلة للتعديلات الوراثية بالنسبة إلى البيئة)، كما كان علم الآثار “الجديد” يمثل الأنثروبولوجيا الثقافية (في شكل البيئة الثقافية أو الأنثروبولوجيا الايكولوجية) للماضي.
في عام 1980، كانت هناك حركة في المملكة المتحدة وأوروبا ضد وجهة نظر علم الآثار باعتبارها مجإلا من مجالات الأنثروبولوجيا، مرددين في ذلك رفض رادكليف براون في وقت سابق للأنثروبولوجيا الثقافية.[78] وخلال الفترة نفسها، قام عالم الاثار التابع لجامعة – كامبردج إيان هودر Ian Hodder ” علم الآثار ما بعد الإجرائي”كبديل. مثل بنفورد (وخلافا لتايلور) لا يرى هودر المواد على أنها أشياء تدل على الثقافة بل يراها الثقافة نفسها.، ومع ذلك وخلافا بنفورد، فلا ينظر هودر إلى الثقافة باعتبارها التكيف مع البيئة. بدلا من ذلك، فهو على اعتقاد جازم فيما يخص ” النسخة السيميائية للسوائل لمفهوم الثقافة التقليدية والتي من خلالها يعد كل من العناصر المادية والفنية، نوعا من المشاركة الكاملة في كل من إنشاء ونشر والتغيير وتلاشى المجمعات الرمزية.”[79] وفى كتابه، ، استخدام الرموز في التعبير الحركى ، الذي نشر في عام 1982، تثير الانثروبولوجيا الرمزية لكل من غيرتز، شنايدر، مع التركيز على سياق المعاني للأشياء الثقافية، وذلك كبديل لوجهة نظر ستيوارد ووايت المادية للثقافة.[80] أما في العام 1991 فقد أوضح هودر في كتابه، قراءة الماضي: الطرق الحالية للتفسير في علم الآثار وهى ان علم الآثار هو أكثر توافقا مع التاريخ من الانثروبولوجيا.[81]