في سورية
الأحد 7-4-2013
اشراف :براء الأحمد
نشتم فيها عبق التاريخ , تختزن بين طبقاتها الموغلة في القدم كنزاً نادراً من عظام متحجرة تعود لملايين السنين.
فقد أدهشت علماء الآثار بمجموعة نادرة من المستحاثات البشرية المتحجرة ليس لها مثيل في منطقة الشرق الأوسط والعالم،والتي تعتبر خير دليل على أن الإنسان قطن هذه المنطقة , وهذه المستحاثات تستحق الكشف عن أسرارها للعالم.
تميزت المغارة بوجود السجوف الصخرية التي تغطي معظم الجدران الداخلية على شكل تعرجات رقيقة من طبقات صخرية أضفت على المغارة طابعاً مميزاً وفريداً تطلب تشكلها سنين طويلة.
هي واحدة من المغارات التي تنتشر في مصياف التي تضج بأسرار التعدد والتلون لكهوف عرفت منذ ولادة التاريخ, ويعتبرها البعض نموذجاً مصغراً عن أقدم المغاور الكارستية في العالم.
نستحضرها اليوم لنتعرف عليها ونذكر بالقرية التي تحتضنها في سفوحها .
قرية البيضا وموقع المغارة
من لا يعرف قرية البيضا التي حباها الله جمالا أخاذا وطبيعة خلابة أكسبتها شهرة واسعة وجعلتها من أجمل القرى السورية. فهي تبعد عن مدينة مصياف حوالي 2 كلم وحوالي 50 كلم عن حماة ,وتقع مغارتها على السفح الشرقي لسلسة جبال الساحل السوري بارتفاع 520 م عن سطح البحر.
-عندما نتحدث عن مغارة البيضا لابد من لمحة سريعة عن القرية التي منحتها اسمها وأكسبتها جمالها ونبدأ بالتسمية:
– تسمى المغارة بالبيضا نسبة لهذه القرية الموجودة فيها والتي عاد البعض تسمية القرية بهذا الاسم إلى لون حجارة أبنيتها والتي تحتوي على نسبة عالية من الكلس, ويرجع تاريخ القرية إلى حوالي 300 عام ,
إلا أن القبور الموجودة فيها تدل على أنها كانت مسكونة في فترات أقدم من التاريخ المذكور لكن لا توجد دراسات أو معلومات تاريخية توثق هذه المعلومة ولا تزال الأجيال تتناقل معلومة مفادها أن الطريق الذي شقته القديسة هيلانه لدى عودتها إلى روما حاملة صليب السيد المسيح يمر في غربي القرية.
– تتميز القرية بمنطقة الشلالات التي تعتبر البقعة الأجمل فيها ويقصدها الزوار من كافة المناطق المحيطة بها للتمتع بمنظر الشلالات وبالماء النقي والجو المنعش.
– تحوي القرية على العديد من المعالم الأثرية أهمها الموينقة التي تقع شرقي البيضا وهي عبارة عن آثار مسيحية زالت مع الزمن ولم يبق منها إلا الأطلال , وعين خريبة وهي عين ماء شرقي القرية تهدمت واستخدمت أحجارها في بناء بيوت في القرية وهناك الناغوص الذي يقع في قلب جبل البيضا وهو شبه غرفة أو مغارة صغيرة حفرت في الصخر.
تتميز القرية بهوائها العليل ومناخها المعتدل ويبلغ عدد سكانها حوالي 800 نسمة لكن هذا العدد يتضاعف عشر مرات في الصيف لاتجاه العديد من الناس لتمضية الصيف فيها للتمتع بهوائها العليل ومناظرها الخلابة وتنتشر المقاهي والمصايف في جميع أرجاء القرية.
أما غابة العسيري فهي من أشهر غابات القرية وتقع في قسمها الجنوبي وتحتوي على أشجار متنوعة كأشجار الصنوبر والسرو والسنديان والبلوط وحيوانات برية متنوعة كالذئاب
والثعالب .
مغارة طبيعية
و تضاريس فريدة
تؤلف المغارة شكلاً من أشكال التضاريس الكارستية الضمنية تحت سطح الأرض، إضافة إلى أنها خالية من الماء ومملوءة بالهواء والغازات .
و الكارست هو مجال طبيعي يتميز بهيدروغرافية وهيدرولوجية خاصة , ونوع خاص من التشكيل المرتبط بآلية الإذابة , كما أنه مجال يغيب فيه الجريان السطحي لفائدة الجريان الباطني أي الكهوف والمنخفضات المغلقة ونجد به تضاريس فريدة.
كما ترتبط الأشكال الكارستية في تشكيلها بوجود الماء المشبع بالغاز الفحمي وذلك بتفاعل مع صخور قابلة للكر ستة ثم عامل البنية والبنائية أي العامل الطبوغرافي والجيولوجي.
صواعد ونوازل
وأعمدة مخروطية
إن معظم المغاور الطبيعية تشكلت نتيجة جريان المياه الباطنية ضمن التشكيلات الصخرية، والتي شكلت فراغات وممرات طولانية، وعرضية وعمودية اتصلت ببعضها نتيجة تحليل وإذابة المياه لهذه التشكيلات على مدى الزمن، ونتج عن عملية إذابة المياه للصخور تحرر قسم من (ثاني أكسيد الفحم) الذي انطلق في جو المغارة نظراً لكون درجة حرارة المغارة شتاءً أعلى من درجة حرارة الهواء الخارجي , هذا الغاز لا يسمح أن يحتفظ الماء بـالـكلس المذاب فيه بعد عملية حتّه من الصخور، ما يجعل الصخور تتآكل بسرعة لتتوسع المغارة على حساب الصخور.
– أما المغارة فهي تستقر
تحت سطح الأرض وتتصل بالسطح عبر مدخلين، أحدهما عبارة عن بئر ضيق في صخور هشة بشكل عمودي، وآخر يشكل سرداباً شبه أفقي، و يتباين ارتفاعها بين متر ونصف وأربعة أمتار, وطولها يزيد عن خمسين متراً.
– تحوي المغارة أشكالاً مورفولوجية تتمثل (بالصواعد، والنوازل)، وهي أجسام صخرية مدلاة من سقف المغارة نحو أرضها، لها شكل أعمدة مدورة شاقولية، تشكلت نتيجة تساقط قطرات الماء المشبعة بـ الكالسيت، والتي تتراكم على شكل مخروط نازل مع مرور الزمن، وبالمقابل فإن قسماً من هذه المياه المشبعة بـ الكالسيت عندما يسقط نحو الأرض يكوّن صواعداً تنشأ على نفس الاستقامة مع النوازل , فترسب فحم الكالسيوم مع طول الزمن يكوّن تشكيلات صخرية من تلك الصواعد والنوازل في المغارة والتي تكثر فيها، وهذا القانون الطبيعي يحكم مغارة البيضا الكارستية منذ ملايين السنين، وتختلف أحجامها التي تتراوح ما بين عشرة سنتيمترات وما بين خمسة سنتيمترات .
ميزات المغارة
– ما يميز مغارة البيضا ويعطيها طابعاً فريداً وقديماً تضاهي به جميع المغارات السورية، هي تشكيلات (الستائر والسجف)، التي تغطي معظم جدران المغارة الداخلية، وهي على شكل تعرجات من طبقات صخرية رقيقة وبراقة، مكونة من (الكالسيت والأراغونيت) شديدا اللمعان، والمتميزان بألوان الطيف البراقة، من أحمر وأبيض كريستالي وأزرق، ووردي وغيرها.
– أما المستحاثات البشرية المتحجرة والتي وجدت في القسم الداخلي من المغارة فهي مجموعة نادرة وعبارة عن عظام أفخاذ بشرية ضخمة جداً، والتي لم يكن يتوقع وجودها سابقاً، الأمر الذي عزز التأكيد من أن هذه المغارة موغلة في القدم وتعود لملايين السنين، وبعضها يزيد طولها عن ستين سنتيمتراً، وقد التحمت بالصخر وتشكلت حولها طبقة صخرية من «الترافرتان» بسماكة 2 سم، وهو ما يدل على أن الزمن الذي استغرقته هذه العظام الضخمة كي تلتحم بالصخر يتطلب تلك السنين الطويلة ، ومن جهة أخرى إن كبر أحجام هذه العظام خير دليل على أن الإنسان النياندرتالي قَطَن هذه المنطقة منذ فجر التاريخ..وذلك حسب علماء الآثار.
baraaalahmad@ gmail.com