المولوية = 1 = أحمد المفتي
المولوية (1)
الطريقة المولوية في الذكر لم تتشكل في حياة مولانا جلال الدين الرومي.. بالرغم من أنّه أخذ الطريقة الكبرويّة عن والده. والكبرويّة نسبة لــ (نجم الدين كبرى ت 1221م). وأخذ الطريقة القلندرية عن شمس الدين التبريزي، وهذه الطرق نشأت في خراسان وخوارزم وأذربيجان وتركستان وكازاخستان. وقد قام مولانا بتفسير الطريقتين الكبروية والقلندرية متأثراً بمحيي الدين بن عربي.. ثم صاغ لنفسه مفهوماً صوفياً خاصاً به.. إلاّ أنّ ذلك لم يُسْفِر عن تنظيم هيكلي معيّن لأسلوب حياة روحية تتبنى ذلك الفهم..
والذي نعلمه أنّ الطريقة المولوية جرى تشكيلها بعد وفاة مولانا جلال الدين الرّومي، أي بعد عام 1273 م وعلى أيّام جلبي حسام الدين (ت 1283) ثمّ سلطان ولد (ت 1312)، ثمّ أولو عارف جلبي (ت 1320) وتقرر أثناء ذلك شكل طقوسها وزيّها، وتدلّ البحوث التي أجريت حتى اليوم حول تاريخ المولوية، على أنّ هذه الطريقة انتشرت في زمن أولو عارف جلبي وبجهوده الشخصيّة، وفي ظلّ العلاقات الوطيدة التي أقامها مع الحكام الايلخانيين وحكّام الإمارات التركمانية في شتّى أنحاء الأناضول.
بعد ذلك أقامت المولوية التكايا في الحواضر الثقافية الكبرى دون غيرها في القرن الرابع عشر الميلادي، وجذبت أنظار السلطات المحلّية والتجمّعات الحضرية وأوساط الطبقات المثقّفة، واستمرّت حتى انتشرت على طول منطقة الأناضول وعرضها.
استمرت المولوية مع سلطان وَلَد على نهج سنّي ثم مع ابنه أولو عارف جلبي حيث اتخذت اتجاهاً زهديّاً قلندريّاً، وحظيت بدعم السلطات الرسمّية إلى أن تشكّلت الطريقة المولوية التقليدية المعروفة. بينما اكتسب الفرع الثاني صفة الزّهدية تحت اسم الطريقة الشمسيّة نسبة لشمس الدين التبريزي وانتقل على هذا النحو للقرون التالية.
لقد نجحت الطريقة المولوية الأصليّة ذات الصّبغة السنّية في الحفاظ على هذا المنحى بفضل التكيّة الأم في مدينة قونية، وبهذه الصورة آثرت عدم الدخول في الحركات التي تناوئ النظام السياسي والاجتماعي القائم والوقوف دائماً إلى جانب السلطة الحاكمة. وهذه السياسة التي جرت عليها المولوية، مكّنتها من الحصول على الأوقاف الغنيّة في أراضي الأناضول، وحظيت بتركيب اقتصاديّ متين.
لقد اكتمل نضج الطريقة المولوية من حيث الأساس في بداية القرن السابع عشر، وبدأت تظهر منذ ذلك شخصيّاتها ورموزها البارزة، كما تمتّعت بالقوّة لدى المسؤولين وأصبحت على رأس الجماعات الصوفية الأكثر تقديراً في الدولة العثمانية. ولعلّ ابتعادها عن الحركات الاجتماعية والدينية الهدّام جعلتها تتمتّع بهذه الخاصيّة، وكان أصحاب الطرق يلجؤون إليها إذا ما تعرّضوا لملاحقة الدولة.
لقد لعب الشيوخ الدراويش دوراً كبيراً في استيطان الأتراك للأناضول، وكانت مدن قونية وقيسري وسيواس وأماسيا موطناً لهم، وقد نهلوا منذ البداية من خوجة أحمد يسوي، وشهاب الدين السهروردي، ونجم الدين كبرى، ومحي الدين بن عربي، وبظهور المولوية وتكاياها لم يعد للحركات الأخرى أي وجود.
لم يكن مولانا جلال الدين الرومي من دعا إلى هذه الحركات في الدوران وبسط الأيدي وشكل اللباس، وإنّما أخذها سلطان ولد عن تقاليد شامانيّة قديمة، ارتكزت على السّماع وكان خوجة أحمد يسوي قد مهّدَ لها. (وأحمد يسوي هو صاحب ديوان الحكمة، شاعر صوفي ت 1177م في تركستان من كازاخستان). وتعتمد التعاليم على السّماع في التكايا المولوية، وهي منتديات روحية تستقبل المرء بحالته غير الناضجة إلى الوصول به للإنسان الكامل…
مرسلة بواسطة Ahmad Al Mufti