قصة المصري الوحيد الفائز بـ«الأوسكار»: «نشأ في ستوديو الأهرام وصمم أهم شاحنة في السينما»
أمضى ربيع عمره خلف الكاميرات مجهولا، واتخذ التطوير منهجا حتى مع مقابلة إبداعه وتفرده بالسخرية والاستهجان، أحب صناعة السينما منذ الصغر رغم أن الكاميرات لم تتهافت عليه مع مروره على السجادة الحمراء ولم يتلف حوله جيش من المُعجبات الشابات، إنه فؤد سعيد صانع الأفلام ومدير التصوير المصري العالمي والذي على الرغم من شهرته العالمية يغيب عن أذهان بعض المصرين بصفته عضو خفي لفريق العمل السينمائي لا يظهر على الشاشات ولا يُجري المقابلات بل يعمل في صمت ويساهم في تشكيل الصور السينمائية دون أن يدري المُشاهد.
اقتحم المُهاجر الأسمر القارة الهوليوديه قبل عقود، وتمكن خلال فترة قصيرة من إحداث طفره في صناعة السينما حول العالم بتقديمه ابتكار تقني مميز سُمي بالـ« Cinemobile » و حجز جائزة تقديرية من أكبر الجهات السينمائية في العالم، ليصبح بذلك المصري الوحيد الذي يمتلك «درع الأوسكار».
وفي هذ التقرير «المصري لايت» تأخذك في رحلة إلى عالم فؤاد سعيد، جندي السينما العالمية المجهول.
طفل مُبدع:
ولد فؤاد سعيد عام 1933 لأسرة تقليدية لم تخلو يومياتها من المعاناة، بدأ حظها بالاضطراب مع رحيل مفاجىء للأب ولم يكن عمر الصغير تجاوز الـ 8 سنوات، ليتفرق شمل الأسرة بتولي كل قسم من العائلة رعاية أحد أطفال الأب الراحل، غير أن التقليدية وسوءالحظ لم يرافقا سعيد في حياته الجديدة، حيث أنتقل للعيش في كنف أحد الأخوال العاملين في مجال السينما دخل ستديو الأهرام المصري الذي تحول مع الوقت لملعب سعيد الأكثر إثارة بما يحمل من معدات تصوير استحوذت على اهتمام الصغير وكادرات سينمائية أثارت فضوله و تقنيات تصوير وروتين عمل شكلا رؤية الصغير للعالم، إلا أن مرحلة التلقي لم تستمرطويلا، حيث قدم خال «سعيد» للفتى الموهب كاميرا فتوغرافية صغيرة يقتنص بها اللقاطات الإنسانية سواء داخل الستوديو أو خارجه ثم تطور الأمر ليصل إلى كاميرا تصوير سينمائي صغيرة، استعان بها في تصوير أوائل أفلامه القصيرة.
بعد سنوات من التواجد ضيفا أو متدربا داخل ستوديوهات مصر تغير قدر «سعيد» بوصول طاقم شركة Metro-Goldwyn-Mayer للأراضي المصرية لتصويره عدة أجزاء من الفيلم الأمريكي «وادي الملوك» في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ليُحالف الشاب الطموح أنذاك الحظ مرة أخرى بطلب طاقم الفيلم مصورين شباب للمساعدة في تنفيذ عدة لقطات دعائية للفيلم الهوليودي، لينجح سعيد في الانضمام لفريق العمل تحت إدارة المخرج الأمريكي روبرت بروش، غير أن اكتساب الخبرة لم يكن النتاج الوحيد لتجربة «سعيد»العالمية الأولى بل بدأ يراوده حلم الهجره إلى هوليود، ليبدأ المصور الشاب أنذاك رحلة جديدة لدراسة الفن في جامعة جنوب كاليفورنيا إلى جانب العمل في لتوفير النفقات الشخصية و التدريب في مواقع التصوير أوقات العُطلة، وعلى الرغم من العقبات التي واجهت “سعيد” شابا إلا أنه تمكن من إبراز قدراته كأحد أصغر مديري التصوير سنًا.
بالاندماج في عالم السينما مع مطلع الستينيات، بدأ سعيد تأمل المعدات الثقيلة المُستخدمة في عمليه التصوير بالستوديوهات العالمية والتي لم يتم تطوير بعضها من الثلاثينيات، وتسوجب تكاليف عالية وعدد كبير من العمال في التركيب والنقل من موقع تصوير لآخر مما يستهلك الوقت وميزانية الإنتاج، مما حفزه لإقامة مشروع خاص هدف خلاله لتخفيف حجم و وزن المُعدات المُستخدمه في التصوير من مولدات طاقة وكاميرات وأجهزة صوتية، بدأ سعيد في جولة حول العالم أثناء عمله مديرا للتصوير في مسلسل Ispy الأمريكية ، واقتنى أحدث وأصغر معدات التصوير وملحقاتها وجمعها في شاحنة واحدة كبيرة أطلق عليها Cinemoblie حملت كل ما يحتاجه طاقم التصوير من من ميكروفونات لاسلكية ومولدات طاقة وكاميرات طراز Arriflex ، وهي الشاحنة التي لم تتطلب سوى 11 عامل فقط لتفريغها وأختبر «سعيد» قدرات شاحنته الخارقة في مواقع تصوير I SPY وحققت نجاح ملحوظ، غير أن عموم العاملين في هوليود سخروا من الابتكاره، غير أن بذيوع صيت Cinemobile و استئجار عدد كبير من الستوديوهات العالمية للشاحنة بدأت تظهر مزاياها الحقيقة والتي وصلت لتخفيف تكاليف تصوير يوم واحد من 14 ألف دولار أمريكي إلى 4 آلاف فقط ، ليقوم «سعيد» بتطوير آخر في شاحنته السحرية التي حولته لمليونير عالمي في سنوات قليله، فاخترع videomobile القادرة على استغلال الأقمار الصناعية في بث الأحداث حول العالم.
درع الأوسكار:
و تقديرا لدوره في جعل العملية السينمائية أكثر سهولة وسرعة وأقل تكلفة، وبعد حرب قادها بشاحنته المُغلقة مُتكاملة الأدوات ضد أباطرة السينما التقليدية حاز سعيد أخيرا بحلول عام 1969 على تقدير أكبر منصات السينما في العالم وهي أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية، وذلك بمنحة أحد جوائز الأكاديمية العلمية والتقنية والتي تُقدم في في حفل عشاء منفصل يسبق حفل توزيع جوائز الأوسكار الشهيرة والتي تقيمها الأكاديمية بأسبوعين، ليحصل سعيد على درع الأكاديمية للعلوم والهندسة عن تصميمه وتقديمه الـ Cinemobile ويصبح بذلك الثري «سعيد فؤاد» الذي شق طريقة للنجاح خطوة بخطوة و تنعم السينما حول العالم اليوم ببصمته التاريخية في مواقع التصوير، المصري الوحيد الحائز على درع الأكاديمية الذهبي.