وقبل أن يرحل عنا شهر مارس، شهر المرأة ، ذهبنا لزيارة نماذج مختلفة من سيدات المدينة للتعرف عن قرب على واقعهن، تأثير العادات والتقاليد على حياتهن، و طرق نمو وعى البعض ومقاومتهن بمساعدة فرع المجلس القومى للمرأة هناك.
هى نصف المجتمع والأكثر تأثيرا وتأثرا بظروفه، هى مرآة وانعكاس لظروف مجتمعها وثقافته الشعبية، قالوا عنها فى الأمثال الشعبية : « لما قالوا دى بنية، قلت يا ليلة هنية ».. « من يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها» و فى موضع آخريتسق مع طبيعة المجتمع الذكورى ، « أبو البنات فى الهم للممات »، « يا مخلفة بنات يا دايخة للممات »
فى بيوتهن البسيطة التى تمتد فى جوف صحراء مطروح، تبدو محاولة الاقتراب والحديث مع بعض سيدات المجتمع البدوى مهمة شديدة الصعوبة بسبب ضغط العادات التى تفرض عليهن عدم التحدث مع غرباء وأيضا عدم الكشف فى معظم الأحيان عن وجوههن أو عن هويتهن، لكن هناك دائما استثناءات، تقتنصها كبيرات السن.
عجيبة، تعدت الخامسة والخمسين من عمرها تروى أن الكثيرات تضيع حقوقهن بسبب عدم وجود أوراق رسمية، لا بطاقات شخصية أو ورق زواج أوطلاق وأحيانا كثيرة شهادات الميلاد. فهنا يتزوج أبناء القبيلة الواحدة من أبناء عمومتهم من نفس القبيلة ويكون الشهود من الأهل والجيران، لذا جرى العرف على عدم توثيق الزواج فى الأوراق الرسمية.
لكن لم تعد المشكلة اليوم تقتصر على نساء الصحراء وضياع حقوقهن فى كثير من الأحيان، لكن امتدت أيضا إلى أبنائهن وأحفادهن.
سليمة عبد الرحيم، مقررة فرع المجلس القومى فى المحافظة تروى قصصا من فرط غرابتها تبدو كما لو كانت من بنات خيال الأدباء والروائيين أكثر منها واقعا مؤلما. تأتى إليها من تم تسجيل أبنائها باسم جدهم لأنه هو من قدم بطاقته فى المستشفى بعد الولادة.. وأخرى قام زوجها بتسجيل أبنائها باسم زوجته الأخرى لأن لديها بطاقة شخصية، ومنهن من تزوجن وأنجبن عدة مرات ورغم أن سنوات عمرهن تعدت الستين، مازالن فى الورق الرسمى تحملن لقب آنسة.
قضايا كثيرة لتصحيح الأوضاع واثبات الأنساب واعادة ساقطات القيد إلى الحياة تحاول سليمة المساعدة فى حلها.
وتقوم بتوعية وتوجيه السيدات لاستخراج أوراقهن، بمساعدة وزارة الداخلية والسجل المدنى وبتشجيع من محافظ مطروح اللواء علاء أبو زيد الذى يؤكد حق المرأة فى استخراج بطاقة الرقم القومى موجها بارسال قوافل من السجل المدنى إلى القرى و النجوع المترامية لعمل بطاقات لهن، فى الوقت الذى تطالب فيه سليمة بضرورة عمل حصر بكل سواقط القيد ومن ليس لديهم أوراق ثبوتية، و توقيع غرامات على من يتجاهلون استخراج أوراق رسمية سواء أكانت شهادات ميلاد أوبطاقات رقم قومى أو توثيق زواج حماية للحقوق وتجنبا للكثير من المشكلات فى المستقبل. مشيرة إلى أنها من كثرة عدد حالات عدم الوعى بأهمية الأوراق الرسمية ذهبت لتسأل والدتها بعد أن قاربت سنوات عمرها على الستين، اذا كانت شهادة ميلادها ووثيقة زواج والديها صحيحة.
« شككت فى نفسى بسبب كم المشكلات الناجمة عن عدم الوعى بأهمية التوثيق، لكننى أعتبر نفسى محظوظة لأن أسرتى كانت من بين الاستثناءات، ربما لكى استطيع استكمال تعليمى والقيام بدورى التوعوى.»،
لكنها تشير إلى أنه نتيجة جهود التوعية، تم عمل واستخراج 3000 بطاقة ورقية سابقا، و44440 بطاقة رقم قومى و6116 شهادة ميلاد.
النفقة فى الإسكندرية
وفى مؤتمر عقد أخيرا فى مقر المجلس القومى عن احتياجات المرأة فى مطروح، أشارت زينب إلى حرمان الكثير من النساء من حقهن فى الميراث، وطالبت سليمة بضرورة عمل قوافل من رجال الدين المستنيرين للتوعية بالحقوق الشرعية للمرأة، لأن ظروف الحياة اصبحت شديدة الصعوبة، وصار من حق المرأة أن يكون لها ميراثها وذمتها المالية المستقلة. مؤكدة أن المرأة فى مطروح عانت كثيرا من اهمال الكثير من حقوقها، حتى أنه فى حالات الطلاق مازالت تضطر للسفر إلى الاسكندرية للحصول على النفقة لأنه لا يوجد فرع لبنك ناصر بمطروح.
وعلى الرغم من أن بدويات صحراء مطروح اكتشف أجدادهن مهنا ألهمتها لهن طبيعة حياتهن وهى غزل ونسج الصوف لصناعة أشكال مميزة من الأبسطة والكليم اليدوى من خلال أدوات البيئة، مهنة متوارثة وتصميمات وألوان بأنامل وروح مصرية إلا أن اهمال هذه الحرف وضعف امكانات السيدات مؤخرا الذى تزامن مع قلة السياحة وعدم وجود منافذ تسويقية يهدد بانقراض الحرفة كما تقول سليمة بعد وفاة السيدات كبيرات السن اللاتى يتقن تفاصيلها وأسرارها، وتتساءل: « لماذا لا نقوم بعمل مركز كبير فى مطروح للتدريب ولتسويق المشغولات اليدوية والمنتجات البيئية للحفاظ على الموروث الثقافى، وتوفير فرص عمل للنساء، تقوم من خلاله السيدات الكبار بالتدريب وتاهيل اجيال جديدة، لتعود الحرفة من جديد إلى البيوت الصحراوية، ويتم تسويقها من خلال المركز والفنادق الكبرى فى مطروح؟ »
جرارى هاشم رئيس مجلس محلى سابق، وأحد الشخصيات البدوية المعروف عنها بالدفاع عن حقوق المرأة، يلوم على الكثير من الأسر رفض استمرار فتياتهم فى التعليم، أو عدم السماح لهن بالذهاب إلى المدارس أصلا بحجة أنها مدارس مشتركة أو بعيدة عن المنازل.
حياة « ولادنا » فى خطر
لكن يبدو فعلا أن بعد المسافات وقلة وسائل المواصلات مشكلة حقيقية تواجه الكثير من الأسر فى المدينة خاصة سكان قرى شارع الإمام مالك، الذى يصطف على جانبيه بيوت أكثر من 4 عزب يسكنها حوالى 5 آلاف أسرة من أهالى مطروح والوافدين المقيمين فيها منذ سنوات. يعمل معظمهم فى مهن موسمية، أو أرزقية باليومية، ولديهم الكثير من المشكلات كما تروى سيدات المنطقة اللاتى انتفضن واندفعن مقبلات من بيوتهن، بمجرد علمهن بوجود صحفيين فى المكان. سيدات لديهن مشكلات يومية بسبب نقص الكثير من الخدمات والمرافق مثل تراكم القمامة وعدم وجود صرف صحى، و لا مستشفى سوى مطروح العام الذى يقع على مسافة 10 كم، بينما أقرب وحدة صحية تقع على مسافة 4 كم، لكن رغم كل هذه المعاناة، ما يشغل سيدات المنطقة كما أكدت كل من أنيسة إبراهيم، كريمة السيد، حسناء جمعة، رشا حبيب، وآمال عبد العال هى حماية حياة أبنائهم وبناتهن من التعرض لحوادث الطريق فى أثناء الذهاب إلى المدرسة. فأقرب مدرسة ابتدائية على بعد 4 كم، بالاضافة لعدم وجود أى وسائل مواصلات سوى التاكسى الذى لا تقل أجرته عن 10 جنيهات فى « التوصيلة ».
منذ عدة أسابيع مر الأتوبيس العام كما تروى أم ممدوح ولم يعلم أحد من الأهالي، أمر لم يتكرر، بحجة أنه لا يوجد ركاب، متسائلة:« كيف نعلم بمروره دون أن يكون هناك محطة أو أن ينبهنا أحد بمواعيده »
طول الطريق وخطورته تسبب فى وفاة مريم ذات السبع سنوات منذ أسابيع قليلة تاركة أمها مكلومة وصديقات كرهن الدراسة بعد أن شاهدن جثة جارتهن التى صدمتها سيارة أمام أعينهن. مريم ليست الحادثة الوحيدة كما تقول حسناء، فهناك من كسرت ساقه من الصغار و من تعرضن للمضايقات من الفتيات.
أنيسة ابراهيم اضطررت إلى اجبار بناتها على ترك الدراسة لأن صحتها لا تسمح لها بتوصيلهن يوميا.
نورا وبسمة ونادية، صغيرات أصبحن يكرهن الدراسة والدروس بسبب المسافات والحوادث. خاصة مع الكثافة الشديدة فى الفصول والتى تصل إلى 60 و70 طالبا وطالبة فى الفصل الواحد.
معاناة مزدوجة كما تقول آمال ابراهيم مشيرة إلى استعداد أهالى عزب فرحات والصحابة والطواهر للمشاركة فى حدود امكانياتهم فى بناء مدرسة فى المنطقة، خاصة أن مساحات الأراضى المعروضة للبيع متاحة، فهل يسمعنا المسئولين؟ وتضيف: لدينا مشكلات كتيرة لكن الأهم أن يتعلم أبناؤنا ويعيشون فى أمان. « عيالنا متبهدلين من سنين، وكتير من البنات تركن التعليم بسبب بعد المسافة وخوف الأهالى عليهن »
ومن فتيات المرحلة الابتدائية إلى سيدات استطعن القفز فوق التقاليد واكملن تعليمهن، و يرغبن فى عمل دراسات عليا، تعانى وفاء من رفض أهلها سفرها إلى جامعة الاسكندرية لاستكمال دراستها العليا، وتنتظر منذ شهور طويلة تحقيق أملها فى فرع الجامعة بمطروح، لكنها تشكو هى وبعض طالبات الدراسات العليا من التعقيدات الادارية وأنه يتم التأجيل أكثر من مرة، وهو ما يرد عليه د. محمد أباظة، نائب رئيس جامعة الاسكندرية، فرع مطروح قائلا إن اللوائح لا تسمح ببدء برنامج دراسى بأقل من 25 طالبا وطالبة والعدد لم يكتمل فى الفصلين الماضيين، وأن المتقدمات أمامهن الفرص للتقديم واستكمال الدراسة فى الفصول القادمة، مشيرا إلى تزايد عدد الفتيات المقبلات على التعليم الجامعى فى فرع الجامعة بمطروح حتى تخطى مؤخرا عدد الطلبة الرجال.
مشكلات وتحديات تواجهها المرأة فى مطروح خاصة ما لازلن يعشن فى قلب الصحراء لكن مع مزيد من الوعى ومقاومة الثقافة الخاطئة والاهتمام بالتعليم ومحو الأمية بالشكل الصحيح، سوف تستطيع المرأة انتزاع حقوقها وتقرير مصيرها، كما تقول سليمة. « وهناك كثيرات بدأن خطوات فعلية على طريق البحث عن حقهن فى الحياة »