الوصف
تمتلك السلاحف درعا عظميًا كبيرًا (يُعرف أيضًا باسم الدرقة) ذا لونٍ بني باهت، حيث تلتحم الصفائح القرنيّة للدرقة بضلوع السلحفاة كجزءٍ لا يتجزأ من هيكلها العظمي بشكلٍ يكفل لها الحماية القصوى، ويمكن أن تنمو الـأشنيات (نوع من النبات) على درق هذه الحيوانات بطيئة الحركة،[51] وتحتفظ السلاحف بقالبٍ محدد من الـتروس (طبقة من الدرقة) على درقها في جميع مراحل حياتها، على الرغم من أن خطوط النمو السنوية تُعد بلا فائدة في تحديد عمر السلحفاة وذلك بسبب تآكل الطبقات الخارجية مع مرور الزمن، وتستطيع السلحفاة أن تسحب رأسها ورقبتها وأطرافها الأمامية إلى داخل الدرقة لحماية نفسها، وتتميز أرجل السلاحف بشكلها القصير والسميك، وتغلفها طبقة من الجلد الجاف والحراشيف الصلبة، وتوجد خمسةُ مخالب في الأرجل الأمامية، في حين توجد أربعة فقط في الأرجل الخلفية.[50]
العملقة
في عام 1535 ميلاديًا، كتب الأسقف توماس دي بيرلانغا أسقف بنما ومكتشف جزر غالاباغوس عن “سلاحف ضخمة تستطيع حمل رجل على ظهورها”،[52] وبعد ذلك بثلاثة قرون، قام عالم الطبيعة تشارلز داروين برحلة إلى جزر غالاباغوس وأشار قائلاً “هذه الحيوانات تنمو بأحجام ضخمة،…حتى أن بعضها ثقيل للغاية بحيث يتطلب حملها من على الأرض ستة أو ثمانية رجال”،[53] حيث تعدت أوزان السلاحف المقيدة الأكبر حجمًا 400 كيلو غرام (880 باوند)[54] وبلغت أطوالها 1.7 متر (6.1 أقدام)،[15][55] ومن المحتمل أن عملقة هذه السلاحف كانت حالة من التأقلم المسبق من أجل نجاح معيشتها على هذه الجزر المحيطية النائية وليست مثالاً على التطور الملحوظ في العملقة الناتجة عن العيش في الجزر المعزولة، وتستطيع السلاحف الضخمة أن تنجو من الرحلة البحرية التي تبدأ من اليابسة وتستمر فوق سطح الماء، حيث بمقدورها أن ترفع رؤوسها على ارتفاعات عالية فوق الماء، هذا بالإضافة إلى صغر معدل مساحة السطح بالنسبة للحجم الخاص بها، والذي يقلل بدوره من فقد الخاصية الأسموزية للمياه مؤديًا إلى زيادة معدلات الطفو، وتتميز السلاحف بقدرة عالية على الاحتفاظ بالماء والدهون داخل أجسامها، الأمر الذي يساعدها على النجاة خلال المدة الطويلة التي تستغرقها في عبور المحيط دون طعامٍ أو ماء، كما تساعدها هذه القدرة في تحمل مناخ الجزر الذي تتخلله فصولٌ من الجفاف، كذلك فإن ضخامة أحجامها تساعدها في تحمل درجات الحرارة شديدة التقلب وذلك بفضل خاصية الاستحرار الداخلي التي تتميز بها الكائنات العملاقة [خاصية تقلل من اكتساب أو فقد الحرارة بسهولة]،[56] وقد تم وصف حفريات لسلاحف ضخمة من يابسة قارة أمريكا الجنوبية بشكلٍ يدعم صحة فرضية العملقة من أجل التأقلم المسبق.[57]
شكل الدرقة
سلاحف غالاباغوس هي النسل الوحيد من السلاحف العملاقة التي تتميز بأنواع وأشكال مختلفة للدرق،[48] وتُطلَق مجموعةٌ كبيرة من المفردات على أشكال الدرقة بدءًا من الشكل “السرجي” (في إشارة إلى تقوس الحافة الأمامية للدرقة بشكل يشبه السرج) وصولاً إلى الشكل “المقبب” (في إشارة إلى تحدب سطح الدرقة الدائري على شكل القبة)، فحين تسحب السلحفاة ذات الدرقة السرجية رأسها وأطرافها الأمامية إلى الداخل، تبقى فجوةٌ كبيرة فوق رقبتها بدون حماية، وهذا يبرهن غياب الحيوانات المفترسة في الوقت الذي تطور فيه هذا الشكل، ولا توجد ثنائية الدرقة “السرجية” والدرقة “المقببة”، إلا أن بعض السلاحف تكون من نوع وسيط يجمع بين صفات من كلتيهما، وتتميز الجزر الكبيرة ذات المرتفعات الرطبة والتي يتعدى ارتفاعها 800 متر (2600 قدم) مثل جزيرة سانتا كروز بغطاءٍ نباتي كثيف،[33] وتنمو السلاحف التي تربى في هذه البيئات بأحجام أكبر وتكون درقها “مقببة” الشكل، كما تكون رقابها وأطرافها أقصر طولاً، في حين تنشأ السلاحف ذات الدرقة “السرجية” على الجزر الأصغر ذات الموائل الجافة والتي يقل ارتفاعها عن 500 متر (1600 قدم) (مثل جزيرتي إسبانيولا وبينزون) حيث يقل الطعام والموارد الأخرى.[24]
الأثار التطورية؛ بالإضافة إلى الرقبة والأرجل الطويلة نسبيًا،[50] يُعتقد أن الشكل “السرجي” المميز للدرقة هو طريقة للتكيف من أجل زيادة قدرة السلحفاة على الوصول للأشياء عموديًا بحيث تستطيع رؤية النباتات الطويلة مثل أشجار الصبار الشوكي (شجرة التين الشوكي) التي تنمو في البيئات الجافة،[58] وتفضل السلاحف ذات الدرق “السرجية” البقاء على الأرض[55][59] وحجمها أصغر من حجم الأنواع ذات الدرق “المقببة”، وقد يرجع هذا إلى قلة موارد الغذاء في بيئاتها، في حين أن السلاحف الأكبر حجمًا تُعد أكثر ملائمةً لأجواء المرتفعات وذلك لقدرتها على مقاومة درجات الحرارة المنخفضة عند وجود طبقاتٍ من رُكام السحب أو الضباب.[60]
وتوجد فرضية أخرى حول الشكل “السرجي” للدرقة، فبدلاً من أن يكون هذا الشكل طريقة تأقلم للحصول على الطعام، قد يكون هذا الشكل المميز والأطراف الأكثر طولاً من السمات الثانوية للاصطفاء الجنسي عند ذكور السلاحف ذوي الدرق “السرجية”، حيث تتم تسوية النزاع القائم بين الذكور على الإناث من خلال فرض السيطرة المتمثلة في الارتفاع العمودي للرقبة بدلاً من حجم الجسم[60] (أنظر أدناه)، كما اتضح من الملاحظات أيضًا أن الذكور ذوي الدرق “السرجية” أكثر عدائيةً من الذكور ذوي الدرق “المقببة”،[61] ومن المحتمل أن هذا الشكل غير الاعتيادي للدرقة وطول الأطراف هو حل تطوري وسط بين حاجة هذه السلاحف للأجسام الصغيرة لملائمة حالة المناخ الجافة واحتياجها لمد رقبتها عموديًا لفرض سيطرتها أثناء عملية التزاوج.[60]
ويبدو أن أشكال الدرقة “السرجية” قد تطورت بشكل مستقل عدة مرات في البيئات الجافة،[55] بما أن التشابه الوراثي بين الأنواع المختلفة لا يتوافق مع شكل الدرقة،[62] وبالتالي، ليس من الضروري أن تكون السلاحف ذات الدرق “السرجية” أكثر صلةً ببعضها البعض منها إلى أقرانها ذات الدرق “المقببة”، بما أن شكل الدرقة لا تحدده العوامل الوراثية بل العوامل البيئية.[60]
مثنوية الشكل الجنسية
تتضح مثنوية الشكل الجنسية بشكل جلي في قطعان السلاحف ذات الدرق “السرجية” حيث تتميز الذكور بوجود فتحات أمامية في الدرقة أكثر علوًا وانحناء تعطيها شكلاً مماثلاً تمامًا للسرج،[61] وتتميز الذكور في كل الأنواع بذيل أطول من الإناث في حين تكون درقها السفلية مقعرة الشكل وأقصر طولاً مع وجود نتوءات سميكة على الحافة الخلفية لتسهيل عملية التزاوج، وعادةً تكون الذكور أكبر حجمًا من الإناث حيث يزن الذكر البالغ حوالي حوالي 272–317 كيلو .
السلوك
تُعد السلاحف من الكائنات خارجية التنظيم الحراري (أي من ذوات الدم البارد) لذلك فهي تفضل أن تأخذ حمام شمس لمدة ساعة أو ساعتين بعد بزوغ الفجر لكي تمتص حرارة الشمس خلال دَرَقها القاتمة حتى يتثنى لها بعد ذلك البحث عن المؤن بنشاطٍ لمدة تتراوح من تسعِ إلى ثمانِ ساعاتٍ يوميًا،[29] وتتنقل السلاحف عادةً في الصباح الباكر أو في وقت متأخر بعد الظهر بين مناطق الراحة ومناطق الرعي، وقد لوحظ أنها تسير بسرعة 0.3 كيلومتر في الساعة (0.2 mph).[53]
على الجزر الأكبر ذات مستويات الرطوبة المرتفعة، تهاجر السلاحف موسميًا إلى المناطق الأكثر انخفاضًا في موسم المطر حيث توجد السهول العشبية، أما في الموسم الجفاف فتهاجر إلى مناطق المروج التي تقع على ارتفاعاتٍ أعلى (تصل إلى 2,000 قدم (610 م)[50])، وقد استخدمت السلاحف الطرق ذاتها على مدار الأجيال المتعاقبة، مما أدى إلى تشكيل ممرات محددة وبارزة خلال الأشجار المتشابكة، وتُعرَف هذه الممرات باسم “الطرق السريعة للسلاحف”،[33] وعلى الجزر الأكثر رطوبة، تتسم السلاحف ذات الدرق “المقببة” بميولها الاجتماعية وغالبًا توجد في قطعانٍ كبيرة، وذلك على عكس النزعة الانعزالية والميل للبقاء على الأرض الذين تتسم بهما السلاحف ذات الدرق “السرجية”.
وتفضل السلاحف أحيانًا أن تنال قسطًا من الراحة عن طريق الاسترخاء في برك الوحل أو المستنقعات التي تتشكل نتيجة هطول الأمطار، وقد يكون هذا رد فعلٍ طبيعي من أجل تنظيم حرارة أجسادها في الليالي الباردة، كما تُعد أيضًا وسيلة لحماية نفسها من الطفيليات مثل البعوض والقراد،[33] حيث تتم مقاومة الطفيليات عن طريق أخذ حمام غبار في التربة اللينة، وقد لوحظ أن بعض السلاحف تختبئ ليلاً تحت الصخور المتدلية،[63] – في حين لوحظ أن بعض السلاحف الأخرى تخلد إلى النوم في حفر التراب الدافئة أو وسط الأغصان الملتّفة التي تسمى “بالفراش”، ويؤدي استعمال السلاحف المحلية لمواقع الأْفْرِشَة نفسها مثل الموجودة على بركان ألسيدو إلى تشكيل بعض الحفر الرملية الصغيرة.[64]
النظام الغذائي
تُعد السلاحف من آكلات العشب حيث تتغذى على الصبار والحشائش وأوراق الشجر والأشنات وثمار العنبيات، وقد لوحظ أنها تتغذى على المنشينيل (’التفاح السام‘)، والجوافة المتوطنة المعروفة بالاسم العلمي بسيديوم جالاباجايوم (Psidium galapageium)، ونبات الأزولا أو أزولا ميكروفيلا (هو نبات سرخسي صغير يعيش طافيا على أسطح المجاري المائية)، ونباتات البروملياد تيلاندسيا إينسولاريس (وهو اسمٌ يُطلق على أي فرد من أفراد عائلة النباتات المدارية التي تتضمن الأناناس والطحالب الإسبانية)
تحصل السلاحف على معظم الترطيب داخل أجسادها من الندى والنسغ أو العصارة المائية الموجودة في النباتات (وبالتحديد في أشجارالصبار الشوكي)، وبالتالي تستطيع أن تقضي فترات طويلة دون شرب المياه، كما تستطيع السلاحف أن تعيش لمدة عام ونصف دون غذاء أو ماء،[65] حيث تقوم باستهلاك مخزون أجسادها من الدهون لإنتاج الماء كمنتجٍ ثانوي، وحين تشعر السلاحف بالظمأ قد تقوم بشرب كمياتٍ كبيرة من الماء بسرعة، ثم تقوم بتخزينها داخل المثانة وفي منطقة “أكياس الرقبة” (الــتأمور[29])، حيث تستخدمهما السلاحف كموارد مفيدة للماء أثناء وجودها على متن السفن،[65] وفي الجزر القاحلة، تقوم السلاحف بلعق قطرات الندى الصباحية من على الصخور، وقد أدى تكرار هذا الفعل على مدار الأجيال المتعاقبة إلى وجود حفر غائرة نصف كروية على هذه الصخور.[29]
الحــــواس
بالنسبة للحواس، يقول تشارلز داروين عن السلاحف: “أن سكان هذا المكان يعتقدون أن هذه الحيوانات لابد وأن تكون صماء، فهي لا تسمع صوتَ أي شخصٍ يسير بالقرب منها، وقد كنت استمتع دائمًا عندما اتجاوز واحدًا من هذه الوحوش الضخمة بينما يخطو إلى الأمام في هدوء لأرى كيف يسحب رأسه وأرجله إلى الداخل فجأةً لحظة رؤيته لي، حيث يصدر حفيفًا عميقًا وصوتًا ثقيلاً لحظة وقوعه كما لو أنه خَرَّ صَرِيعًا على الأرض.”[53] وعلى الرغم من أن السلاحف ليست صماء، [50] فهي تعتمد بشكلٍ أكبر على حاستي الرؤية والشم أكثر من اعتمادها على حاسة السمع.[33]
تبادل المنفعة
تشترك السلاحف في علاقات تبادل المنفعة مع بعض الفصائل الأخرى مثل طيور البرقش بجزر غالاباغوس (وهي فصيلة طيورٍ غرّيدة صغيرة الحجم) والطيور المحاكية، حيث تبدأ مجموعات صغيرة من طيور البرقش هذه العملية من خلال القفز على الأرض بطريقة مبالغة أمام السلحفاة، وتبدي السلحفاة استعدادها عن طريق الوقوف ومد رقبتها وأرجلها، وذلك لكي تتمكن الطيور من الوصول للأماكن التي لا تستطيع الوصول إليها من جسدها مثل الرقبة والأرجل الخلفية وفتحة الـمجرور والجلد الموجود بين صدرة السلحفاة ودرقتها، وبالتالي تستفيد الطيور من هذه الفضلات التي تُعد موردًا للغذاء في حين تتخلص السلحفاة من الطفيليات الخارجية المزعجة.[66]
وقد لوحظ أن بعض السلاحف تستغل هذه العلاقة على نحوٍ مخادع، فبعد أن تقف وتمد أرجلها، قد تتوغل الطيور أسفل جسد السلحفاة للاستطلاع، عندئذ تسحب السلحفاة أطرافها فجأةً وتسقط على الطائر وتقتله، بعد ذلك تخطو إلى الخلف وتبدأ في التغذي على الطائر القتيل تقريبًا من أجل استكمال نظامها الغذائي بالبروتين.[67]
التزاوج
يتم الـتزاوج بين السلاحف في أي وقتٍ من السنة، إلا أن ذروة موسم التزاوج تبدأ من شهر فبراير وتمتد حتى شهر يونيو في المرتفعات الرطبة خلال موسم الأمطار،[33] وتتواجه الذكور البالغة خلال موسم التزاوج في طقوسٍ من فرض السيطرة، حيث يقف الذكر على أرجله الأربعة ويمد رقبته أثناء فتح فمه، وفي بعض الأحيان تقوم الذكور بعض رؤوس بعضهم البعض خلال صراعهم على الإناث، وعادةً ما تنسحب السلاحف ذات الرقاب الأقصر، ويتم التنازل عن حقوق التزاوج للذكر المنتصر، ويتضح هذا السلوك بشكل جلي في السلالات ذات الدرق “السرجية” التي تتميز برقاب أطول وتتسم بالعدائية.[61]
وقد تكون بداية عملية التزاوج عنيفة للغاية، حيث يضرب الذكر درقته بقوة في درقة الأنثى ويقوم بعض أرجلها، بعد ذلك يبدأ الذكر في التسلق فوق الأنثى في عملية غريبة حيث يتحتم عليه أن يمد جسده بشكلٍ متشنج للحفاظ على توازنه في ذلك الوضع المائل، وتساعد الدرقة السفلية المقعرة الذكر في الحفاظ على توازنه خلال تمدده فوق درقة الأنثى، وتدفع بفتحته المذرقية (التي تحتوي على القضيب) بالقرب من الفتحة المذرقية المتوسعة للأنثى، وأثناء عملية التزاوج، يصدر الذكر صوتًا أَجَشًّا يشبه الخُورّ والهمهمات، [63] وتوصف هذه الأصوات باسم “الأنات الإيقاعية”،[33] ويُعد هذا الصوت واحدًا من مجموعة الأصوات التي تصدرها السلاحف، حيث تصدر أصواتًا أثناء المواجهات العدائية، وعند الصراع على حقوقها، كما تصدر فحيحًا عند سحب أطرافها داخل الدرقة نتيجةً لطرد الهواء بقوة.[68]
وضع البيض
تتجه الإناث بعد مرحلة التزاوج في رحلة تمتد لبعض الكيلومترات من يوليو حتى نوفمبر إلى السواحل الرملية الجافة للتعشيش ووضع البيض، وتُعد عملية حفر الأعشاش مهمة مرهقة ومدروسة قد تستغرق من الإناث ساعات عدة يوميًا لمدة أيامٍ عديدة،[33] وتستخدم الإناث أقدامها الخلفية فقط في الحفر بشكلٍ عشوائي لعمل حفرة أسطوانية يصل عمقها إلى 30 سم (12 إنش)، بعد ذلك تقوم بوضع البيض فيها ويصل عدده إلى ست عشرة بيضةً كروية الشكل وذات قشرة صلبة، وتبلغ كتلة البيضة من 82 إلى 157 غرام (من 2.9 إلى 5.5 أونصة)،[29] ويبلغ حجمها حجم كرة البلياردو،[51] وتوضح بعض الملاحظات أن معدل حجم بيضة السلاحف ذات الدرق “المقببة” (9.6 للبيضة الواحة في سلالة بورتيري على جزيرة سانتا كروز) أكبر من معدل حجم بيضة السلاحف ذات الدرق “السرجية” (4.6 للبيضة الواحة في سلالة دنكانينسيس على جزيرة بينزون)،[30] وتقوم الإناث بصنع سدادات من الوحل لفتحات الأعشاش، حيث تقوم بخلط التراب بالبول لعمل هذه السدادات، ثم تقوم بغلق الأعشاش عن طريق ضغط السدادات بشكلٍ محكم في الفتحات باستخدام الجزء السفلي من الدرقة، وبعد ذلك تتركها في الشمس من أجل تحضين البيض، وقد تضع الإناث من بيضة إلى أربع بيضات في الموسم الواحد، تلعب درجة الحرارة دورًا مؤثرًا في تحديد نوع جنس البيضة، حيث إن درجة الحرارة المنخفضة تؤدي إلى فقس ذكورٍ في حين تؤدي درجة الحرارة المرتفعة إلى فقس إناثٍ، ويرتبط هذا الأمر بشكلٍ قريب بوقت التحضين، حيث إن البيض الموضوع مبكرًا يتم تحضينه خلال الموسم البارد وتكون مدة تحضينه أطول (منتجًا ذكور) في حين أن البيض الموضوع مؤخرًا يتم تحضينه لمدةٍ أقل خلال الموسم الحار (منتجًا إناث).[69]
بداية الحياة والنضوج
يبدأ الصغار في الخروج من الأعشاش بعد مدة تتراوح بين أربعة إلى ثمانية شهورٍ ويبلغ وزنها فقط 50 غرام (1.8 أونصة) في حين يقتصر طولها على 6 سنتيمترات (2.4 بوصة)،[33] وعندما تبدأ صغار السلاحف في الخروج من البيض، يتحتم عليها أن تشق طريقها إلى السطح خارج العش، الأمر الذي قد يستغرق أسابيع عدة، حيث يُمكِّنهم الكيس المحي المحيط بهم من الصمود لمدة تصل إلى سبعة شهورٍ،[51] وفي ظل حالات المناخ الجافة، قد تموت السلاحف الصغيرة تحت الأرض إذا كانت محاطة بتربةٍ صلبة، كما قد يتسبب غمر المياه لمناطق التعشيش في إغراق هؤلاء الصغار، وفي بداية الأمر، يصعب التمييز بين سلالات صغار السلاحف حيث تتسم جميع درقها بالشكل “المقبب”، وفي بداية حياتها تمكث السلاحف الصغيرة في المنخفضات الأكثر دفئًا لمدة تتراوح بين عشر إلى خمسة عشر عامًا،[29] وتهددها مخاطر عدة، فقد تقع في التصدعات الأرضية وقد يتم سحقها بفعل الصخور المتساقطة أو قد تقتلها أيضًا الحرارة المتزايدة، وفيما سبق، كان صقر غالاباغوس هو الحيوان المفترس الوحيد في أرخبيل غالاباغوس الذي يتغذى على صغار السلاحف، وقد كتب داروين: “أنه بمجرد خروج صغار السلاحف من البيض، تقع فريسةً لمجموعاتٍ كبيرة من الصقور الجارحة”،[53] هذا الصقر الآن يُعد فصيلة نادرة، إلا أنَّ الحيوانات الدخيلة على الجزر مثل الخنازير البرية والكلاب والقطط والفئران السوداء أصبحت الآن تقوم بهذا الدور حيث تفترس بيض السلاحف وصغارها،[70] ولا توجد حيوانات مفترسة تقوم بمهاجمة السلاحف البالغة باستثناء البشر، حيث يشير داروين أن: “السلاحف كبيرة السن تموت فقط جراء الحوادث مثل الوقوع من على المنحدرات، أو هذا على الأقل ما أخبرني به السكان المحليون، حيث أنهم لم يجدوا أية سلاحف ميتة بدون مثل هذه الأسباب الواضحة”.[53]
ويمكن تحديد جنس السلحفاة فقط بعد بلوغها عمر الخامسة عشر، وتصل لمرحلة النضج الجنسي بعد بلوغها ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين عامًا في الأسر، و ربما بعد عمر الأربعين في البرية (عندما تنمو بشكلٍ كامل)، ويبلغ متوسط العمر المتوقع للسلحفاة في البرية أكثر من مائة عام،[71][72] الأمر الذي يجعلها واحدة من الفصائل الأطول عمرًا في المملكة الحيوانية، وقد كانت السلحفاة هاريت، وهي عينة موجودة في حديقة حيوان أستراليا، أكبر سلاحف غالاباغوس سنًا، حيث كان عمرها يُقدر بأكثر من مائة وسبعين عام قبل وفاتها في عام 2006،[73] ويشير بول تشامبرز (Chambers) إلى أن عمر السلحفاة هاريت في عام 2004 بلغ على الأرجح مائة وتسع وستين سنةٍ، على الرغم من أن وسائل الإعلام زعمت أن عمرها عند وفاتها كان مائة وخمس وسبعين سنة استنادًا على جدولٍ زمني أقل موثوقية.[74]