هؤلاء المصورون يبحثون عن الوثيقة، الصورةُ التي ستظلُّ إلى الأبد، والتي ستتناقلها الأجيال التي تليهم على أنها وثيقة لعراق عاش مأزقاً أمنياً وسياسياً وطائفياً واجتماعياً… ولكن هل تحاول الحكومة العراقية إعدام الوثيقة؟ علي الفهداوي يقول إن «تاريخ العراق الفوتوغرافي شحيح»، مبيناً أنه ليس للعراق أرشيف حقيقي يوثِّق الحقب والمراحل التي مر بها. وأشار إلى أن الأمر «اقتصر على توثيق الرؤساء وحفلاتهم وقصورهم». أما عن الوقت الذي يعيشه العراق الآن، وصعوبة التوثيق وأهميّته، فيقول أحمد محمود «منْع التصوير هو بمثابة إخفاء للحقائق وتزوير للتاريخ»، مشدّداً على أن «الحكومات على الدوام تريد أن تسيطر على كل شيء، وهي تعرف أن صورة واحدة يمكن لها أن تشعل غضباً حقيقياً». وذكَّر بأن «ثورات وانتفاضات اشتعلت من فعل صورة او مشهد فيديوي نقلته كاميرا». ولا يتوانى سعد الله الخالدي عن القول أن «الصورة هي تاريخ، وفي الماضي كانوا يرسمون».
وبينما يتحدَّث هؤلاء المصورون الفوتوغرافيون عن معاناة وبطش السلطات بالوثائق التي يعدونها للمستقبل، ينشر «مرصد الحريات الصحفية» في العراق، بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، تقريراً موسَّعاً عن حالات العنف والتعسُّف التي تعرَّض لها الصحافيون خلال عامي 2010 و2011. ويسجّل المرصد 91 حالة اعتداء بالضرب تعرَّض لها صحافيون ومصورون ميدانيون من قبل قوات الأمن والجيش العراقيين. وقد اعتقل واحتجز 67 صحافياً وإعلامياً، تفاوتت مدد اعتقالهم واحتجازهم. ثم يسجل أن العراق بين أيار/مايو 2011 و أيار/ مايو 2012 شهد «تصاعداً نوعياً وملحوظاً، تسانده في ذلك السلطات التي تقوم بمساع مثيرة للقلق، للسيطرة على التدفق الحر للمعلومات وممارسة الضغط على الصحافيين الميدانيين لمنعهم من ممارسة عملهم».
مدير المركز يخلص بالقول إن «حرية الصحافة في العراق مجرد ادعاء كاذب والسلطات الحكومية تمكَّنت من السيطرة على وسائل الإعلام من خلال المغريات المالية التي قدمتها لبعض الصحافيين، المتمثلة بتوزيع قطع الأراضي والمنح المالية»، مؤكداً أن الحكومة «نجحت بالسيطرة على التنظيم النقابي وجعلته جزءا من السلطة التنفيذية»… وهذا يذكر بوسائل سالفة معروفة جيداً من العراقيين، كان يلجأ إليها بموازاة القمع الصريح.
عمر الجفال ..